اسئلة دينية

ما هو جزاء الصابرين

مقالات ذات صلة

جزاء الصابرين

وعد الله -تعالى- عباده الصابرين بالأُجور العظيمة، والكثير من البِشارات، ومن هذه البِشارات التي جاءت في القُرآن الكريم قوله -تعالى- واصفاً أجرهم: (أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)؛[١] فقد وعدهم الله بالصلاة عليهم؛ بالمغفرة، والرأفة، وذكرها الله بصيغة الجَمع؛ للدلالة على الكَثرة، كما وعدهم بالرحمة من خلال إزالته لآثار المُصيبة، أو تعويضهم خيراً منها، إلى جانب أنّه وعدهم بهدايتهم إلى ما يُريدون من أُمور الدُّنيا والآخرة،[٢] كما أنّ الله -تعالى- يُضاعف للصابر أجرَه مرَّتَين، ويوم القيامة يُبشّره بالجنّة من غير حساب؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّما يُوفَّى الصَّابِرون أجْرََهُمّ بِغيْرِ حِسابٍ)،[٣] والصبر يُوجِب وجود مَعيّة الله -تعالى- للعبد، جاء رجل إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- يسأله عن الإيمان فقال له: (الصَّبرُ و السَّماحَةُ)،[٤] ويُؤيّدُ الله -تعالى- الصابرين بنصره، إضافة إلى أنّ الصبر علامة تدُلّ على صِدق العبد؛ فقد سأل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الأنصار ذات يوم عن علامات إيمانهم، فذكروا منها صبرهم على البلاء، فأقرّهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على قولهم، وشهد لهم بالإيمان.[٥]

وذهب بعض العُلماء إلى أنّ الصبر من أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله -تعالى-؛ لأنّ الله أكثرَ من ذِكرِ الصبر في القرآن الكريم؛ فقد ذَكَره، ومدح الصابرين في أكثر من تسعين موضعاً من القُرآن؛ ذلك أنّ الله -تعالى- إذا أحبّ عبداً أثنى عليه ومَدَحه؛ لأنّ الذي يصبر على البلاء، ويصبر عن الحرام يستحقّ أن يُشمَل برحمة الله -تعالى-، ومَدحه،[٦] والصبر على المكاره والشهوات سبب لدخول الجنّة، والابتعاد عن النار، قال -عليه الصلاة والسلام-: (حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ)،[٧] كما أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بيّن أنّ المؤمن الصابر في خير دائماً؛ ففي حالة السرّاء يشكر، وفي حالة الضرّاء يصبر، قال -عليه الصلاة والسلام-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)،[٨][٩] وأهل الصبر يكون لهم الفوز والنجاة، قال -تعالى-: (إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ)،[١٠] ويُعَدّ الرضى والتسليم لله -تعالى- من علامات الصبر؛ وذلك سبب لهداية القلب، ورقّته.[١١]

أهمية الصبر في الإسلام

يُعرَّف الصبر بأنّه: حَبس النفس والابتعاد عن السخط والجَزع، وهو يُعدّ من أهمّ المُقوِّمات التي لا يُمكن الاستغناء عنها في أيّ عبادة من العبادات، كما أنّ الصبر طريقٌ للفوز في الدُّنيا والآخرة؛ بالاستقامة على دين الله، والصبر على ما يمكن أن يعترض طريق الإنسان إلى الله -تعالى-،[١٢] والمسلم يصبر في الدعوة إلى الله -تعالى، ولا يُعرّض نفسه لاستخفاف الناس به إذا تراجع عن دعوته؛ ولذلك أمر الله -تعالى- نبيّه محمداً -صلّى الله عليه وسلم- بالصبر؛ فقال: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)،[١٣][١٤] وليكون الصبر مقبولاً عند الله -تعالى-، لا بُدّ من مُراعاة شروطه، كإخلاصه لله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر)،[١٥] وأن يكون في وقته المناسب؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لامرأة تبكي عند قبر: (إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)،[١٦] إضافة إلى أن يكون من غير سخط ولا شكوى، وإنّما يشكو الإنسان حُزنه إلى الله -تعالى- فقط، كما ورد في قوله -تعالى- على لسان نبيّه يعقوب -عليه السلام-: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).[١٧][١٨]

حُكم الصبر

أجمع الأئمّة على أنّ الصبر واجبٌ بشكل عام، وقسّم الإمام ابن القيِّم الصبر إلى أقسام، وجعل لكلّ قسمٍ منها حُكماً خاصّاً به، وبيان هذه الأقسام على النحو الآتي:[١٩]

  • القسم الأول: الصبر على الطاعة، والصبر عن الحرام، والصبر على المصائب التي لا يتدخّل العبد فيها؛ كالفقر، والمرض، وهذا القسم يكون الصبر فيه واجباً؛ فالصبر على الواجبات واجب.
  • القسم الثاني: الصبر عمّا هو مكروه، والصبر على المُستحَبّ، وهذا القسم يكون الصبر فيه مندوباً؛ فالصبر على المُستحَبّ مُستحَبٌّ، والصبر عن فعل المستحبّ مكروه.
  • القسم الثالث: الصبر عن الحرام في حالة الهلاك أو الموت، كمَن يصبر على الجوع حتى يموت، أو يصبر على الحريق وهو يستطيع أن يدفعها؛ فيكون الصبر في هذا القسم مُحرَّماً؛ لِقدرة الإنسان على دَفعه.
  • القسم الرابع: الصبر عن الأكل والشُّرب بقَصد إلحاق الضرر بنفس الصابر، فيكون الصبر في هذا القسم مكروهاً.
  • القسم الخامس: الصبر على الأُمور التي يُخيَّر المُكلَّف بين فِعلها وتركها، وهي ما تُسمّى بالمُباحات، فيكون الصبر عليها من المُباح.
  • القسم السادس: الصبر المحمود؛ وهو الصبر الذي يُؤجَرُ عليه صاحبه، ويتكوّن من ثلاثة شروط، وهي: الإخلاص لله -تعالى-، وعدم الشكوى للناس، والصبر عند الصدمة الأولى.

ما يُعين على الصبر

تُوجد مجموعة من الأمور التي تُعين العبد المؤمن على الصبر، وتُخفّف عليه ما يُصيبه من البلاء، والمرض، وغيره، ومنها ما يأتي:[٢٠]

  • معرفة طبيعة الدُّنيا، ومعرفة حقيقتها وواقعها؛ فهي دار مَمرٍّ وابتلاء، ولا دوام فيها لأحد.
  • الثقة بحُسن الثواب من عند الله -تعالى-، فيعلم الصابر ما ينتظره من الأجر والثواب في الدُّنيا والآخرة.
  • معرفة الإنسان حقيقةَ نفسه، وذلك من خلال يقينه بأنّ النِّعَم كلّها من عند الله -تعالى-؛ فإذا أخذ الله -تعالى- منه شيئاً، فإنّما يكون قد استردّ بعض ما أنعم به عليه.
  • اليقين بفرج الله -تعالى-، وأنّ نصره قريب، فقد وعد الله -تعالى- عباده باليُسر بعد العُسر، وبالسعة بعد الضيق، قال -تعالى-: (سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).[٢١]
  • الاستعانة بالله -تعالى-؛ فإذا لجأ العبد إلى خالقه، فإنّه يشعر بالطمأنينة في قلبه وجوارحه، فيصبر على كُلّ ما أصابه؛ لأنّه يُوقن بأنّ الله معه.
  • الاقتداء بالصابرين والاتِّعاظ من قصصهم؛ فقد جاءت الكثير من الآيات التي تتحدّث عن الأذى الذي تعرّض له الأنبياء من أقوامهم؛ لتكون مواساة للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وتثبيتاً لقلبه، ولمَن تَبعه، قال -تعالى-: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ).[٢٢]
  • الإيمان بقضاء الله وقَدَره، وأنّ قَدَره نافذ؛ سواء رضيَ الإنسان، أو لم يرضَ، إلّا أنّ صبره يُوجِب له الأجر والمثوبة من الله -تعالى-.
  • التقليل من هول المُصيبة، وعدم تعظيمها؛ فقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ الإنسان إذا أصابته مُصيبة، فليتذكّر موته -عليه الصلاة والسلام-؛ فهي أعظم مُصيبة حدثت للأُمّة، وما سواها هَيّن، قال -عليه الصلاة والسلام-: (يا أيُّها النَّاسُ أيُّما أحدٍ منَ النَّاسِ أو منَ المؤمنينَ أصيبَ بمصيبةٍ فليتعَزَّ بمصيبتِهِ بي عنِ المصيبةِ الَّتي تصيبُهُ بغَيري فإنَّ أحدًا مِن أمَّتي لن يُصابَ بمصيبةٍ بَعدي أشدَّ علَيهِ من مُصيبَتي).[٢٣]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 157.
  2. مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (1973)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)،  : الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 236، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة الزمر، آية: 10.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 2795، صحيح.
  5. محمد بن علي بن عطية الحارثي (2005)، قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 326-327، جزء 1. بتصرّف.
  6. محمد بن علي بن عطية الحارثي (2005)، قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 331، جزء 1. بتصرّف.
  7. محمد بن علي بن عطية الحارثي (2005)، كتاب قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 336، جزء 1. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم: 2999، صحيح.
  9. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف، موسوعة الأخلاق الإسلامية، : موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 310، جزء 1. بتصرّف.
  10. سورة المؤمنون، آية: 111.
  11. بدر عبد الحميد هميسه، “وبشر الصابرين”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2020. بتصرّف.
  12. عبد الله بن حمد الجلالي، دروس للشيخ عبد الله الجلالي، صفحة 28، جزء 54. بتصرّف.
  13. سورة الروم، آية: 60.
  14. سلمان بن فهد بن عبدالله العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 7، جزء 255. بتصرّف.
  15. سورة المدثر، آية: 7.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1283 ، صحيح.
  17. سورة يوسف، آية: 86.
  18. محمد أكجيم (21-9-2014)، “أهمية الصبر وفضله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2020. بتصرّف.
  19. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 191-192، جزء 1. بتصرّف.
  20. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 249-259، جزء 1. بتصرّف.
  21. سورة الطلاق، آية: 7.
  22. سورة هود، آية: 120.
  23. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1310، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

جزاء الصابرين

وعد الله -تعالى- عباده الصابرين بالأُجور العظيمة، والكثير من البِشارات، ومن هذه البِشارات التي جاءت في القُرآن الكريم قوله -تعالى- واصفاً أجرهم: (أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)؛[١] فقد وعدهم الله بالصلاة عليهم؛ بالمغفرة، والرأفة، وذكرها الله بصيغة الجَمع؛ للدلالة على الكَثرة، كما وعدهم بالرحمة من خلال إزالته لآثار المُصيبة، أو تعويضهم خيراً منها، إلى جانب أنّه وعدهم بهدايتهم إلى ما يُريدون من أُمور الدُّنيا والآخرة،[٢] كما أنّ الله -تعالى- يُضاعف للصابر أجرَه مرَّتَين، ويوم القيامة يُبشّره بالجنّة من غير حساب؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّما يُوفَّى الصَّابِرون أجْرََهُمّ بِغيْرِ حِسابٍ)،[٣] والصبر يُوجِب وجود مَعيّة الله -تعالى- للعبد، جاء رجل إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- يسأله عن الإيمان فقال له: (الصَّبرُ و السَّماحَةُ)،[٤] ويُؤيّدُ الله -تعالى- الصابرين بنصره، إضافة إلى أنّ الصبر علامة تدُلّ على صِدق العبد؛ فقد سأل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الأنصار ذات يوم عن علامات إيمانهم، فذكروا منها صبرهم على البلاء، فأقرّهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على قولهم، وشهد لهم بالإيمان.[٥]

وذهب بعض العُلماء إلى أنّ الصبر من أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله -تعالى-؛ لأنّ الله أكثرَ من ذِكرِ الصبر في القرآن الكريم؛ فقد ذَكَره، ومدح الصابرين في أكثر من تسعين موضعاً من القُرآن؛ ذلك أنّ الله -تعالى- إذا أحبّ عبداً أثنى عليه ومَدَحه؛ لأنّ الذي يصبر على البلاء، ويصبر عن الحرام يستحقّ أن يُشمَل برحمة الله -تعالى-، ومَدحه،[٦] والصبر على المكاره والشهوات سبب لدخول الجنّة، والابتعاد عن النار، قال -عليه الصلاة والسلام-: (حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ)،[٧] كما أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بيّن أنّ المؤمن الصابر في خير دائماً؛ ففي حالة السرّاء يشكر، وفي حالة الضرّاء يصبر، قال -عليه الصلاة والسلام-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)،[٨][٩] وأهل الصبر يكون لهم الفوز والنجاة، قال -تعالى-: (إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ)،[١٠] ويُعَدّ الرضى والتسليم لله -تعالى- من علامات الصبر؛ وذلك سبب لهداية القلب، ورقّته.[١١]

أهمية الصبر في الإسلام

يُعرَّف الصبر بأنّه: حَبس النفس والابتعاد عن السخط والجَزع، وهو يُعدّ من أهمّ المُقوِّمات التي لا يُمكن الاستغناء عنها في أيّ عبادة من العبادات، كما أنّ الصبر طريقٌ للفوز في الدُّنيا والآخرة؛ بالاستقامة على دين الله، والصبر على ما يمكن أن يعترض طريق الإنسان إلى الله -تعالى-،[١٢] والمسلم يصبر في الدعوة إلى الله -تعالى، ولا يُعرّض نفسه لاستخفاف الناس به إذا تراجع عن دعوته؛ ولذلك أمر الله -تعالى- نبيّه محمداً -صلّى الله عليه وسلم- بالصبر؛ فقال: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)،[١٣][١٤] وليكون الصبر مقبولاً عند الله -تعالى-، لا بُدّ من مُراعاة شروطه، كإخلاصه لله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر)،[١٥] وأن يكون في وقته المناسب؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لامرأة تبكي عند قبر: (إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى)،[١٦] إضافة إلى أن يكون من غير سخط ولا شكوى، وإنّما يشكو الإنسان حُزنه إلى الله -تعالى- فقط، كما ورد في قوله -تعالى- على لسان نبيّه يعقوب -عليه السلام-: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).[١٧][١٨]

حُكم الصبر

أجمع الأئمّة على أنّ الصبر واجبٌ بشكل عام، وقسّم الإمام ابن القيِّم الصبر إلى أقسام، وجعل لكلّ قسمٍ منها حُكماً خاصّاً به، وبيان هذه الأقسام على النحو الآتي:[١٩]

  • القسم الأول: الصبر على الطاعة، والصبر عن الحرام، والصبر على المصائب التي لا يتدخّل العبد فيها؛ كالفقر، والمرض، وهذا القسم يكون الصبر فيه واجباً؛ فالصبر على الواجبات واجب.
  • القسم الثاني: الصبر عمّا هو مكروه، والصبر على المُستحَبّ، وهذا القسم يكون الصبر فيه مندوباً؛ فالصبر على المُستحَبّ مُستحَبٌّ، والصبر عن فعل المستحبّ مكروه.
  • القسم الثالث: الصبر عن الحرام في حالة الهلاك أو الموت، كمَن يصبر على الجوع حتى يموت، أو يصبر على الحريق وهو يستطيع أن يدفعها؛ فيكون الصبر في هذا القسم مُحرَّماً؛ لِقدرة الإنسان على دَفعه.
  • القسم الرابع: الصبر عن الأكل والشُّرب بقَصد إلحاق الضرر بنفس الصابر، فيكون الصبر في هذا القسم مكروهاً.
  • القسم الخامس: الصبر على الأُمور التي يُخيَّر المُكلَّف بين فِعلها وتركها، وهي ما تُسمّى بالمُباحات، فيكون الصبر عليها من المُباح.
  • القسم السادس: الصبر المحمود؛ وهو الصبر الذي يُؤجَرُ عليه صاحبه، ويتكوّن من ثلاثة شروط، وهي: الإخلاص لله -تعالى-، وعدم الشكوى للناس، والصبر عند الصدمة الأولى.

ما يُعين على الصبر

تُوجد مجموعة من الأمور التي تُعين العبد المؤمن على الصبر، وتُخفّف عليه ما يُصيبه من البلاء، والمرض، وغيره، ومنها ما يأتي:[٢٠]

  • معرفة طبيعة الدُّنيا، ومعرفة حقيقتها وواقعها؛ فهي دار مَمرٍّ وابتلاء، ولا دوام فيها لأحد.
  • الثقة بحُسن الثواب من عند الله -تعالى-، فيعلم الصابر ما ينتظره من الأجر والثواب في الدُّنيا والآخرة.
  • معرفة الإنسان حقيقةَ نفسه، وذلك من خلال يقينه بأنّ النِّعَم كلّها من عند الله -تعالى-؛ فإذا أخذ الله -تعالى- منه شيئاً، فإنّما يكون قد استردّ بعض ما أنعم به عليه.
  • اليقين بفرج الله -تعالى-، وأنّ نصره قريب، فقد وعد الله -تعالى- عباده باليُسر بعد العُسر، وبالسعة بعد الضيق، قال -تعالى-: (سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).[٢١]
  • الاستعانة بالله -تعالى-؛ فإذا لجأ العبد إلى خالقه، فإنّه يشعر بالطمأنينة في قلبه وجوارحه، فيصبر على كُلّ ما أصابه؛ لأنّه يُوقن بأنّ الله معه.
  • الاقتداء بالصابرين والاتِّعاظ من قصصهم؛ فقد جاءت الكثير من الآيات التي تتحدّث عن الأذى الذي تعرّض له الأنبياء من أقوامهم؛ لتكون مواساة للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وتثبيتاً لقلبه، ولمَن تَبعه، قال -تعالى-: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ).[٢٢]
  • الإيمان بقضاء الله وقَدَره، وأنّ قَدَره نافذ؛ سواء رضيَ الإنسان، أو لم يرضَ، إلّا أنّ صبره يُوجِب له الأجر والمثوبة من الله -تعالى-.
  • التقليل من هول المُصيبة، وعدم تعظيمها؛ فقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ الإنسان إذا أصابته مُصيبة، فليتذكّر موته -عليه الصلاة والسلام-؛ فهي أعظم مُصيبة حدثت للأُمّة، وما سواها هَيّن، قال -عليه الصلاة والسلام-: (يا أيُّها النَّاسُ أيُّما أحدٍ منَ النَّاسِ أو منَ المؤمنينَ أصيبَ بمصيبةٍ فليتعَزَّ بمصيبتِهِ بي عنِ المصيبةِ الَّتي تصيبُهُ بغَيري فإنَّ أحدًا مِن أمَّتي لن يُصابَ بمصيبةٍ بَعدي أشدَّ علَيهِ من مُصيبَتي).[٢٣]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 157.
  2. مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (1973)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)،  : الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 236، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة الزمر، آية: 10.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 2795، صحيح.
  5. محمد بن علي بن عطية الحارثي (2005)، قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 326-327، جزء 1. بتصرّف.
  6. محمد بن علي بن عطية الحارثي (2005)، قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 331، جزء 1. بتصرّف.
  7. محمد بن علي بن عطية الحارثي (2005)، كتاب قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 336، جزء 1. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم: 2999، صحيح.
  9. مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف، موسوعة الأخلاق الإسلامية، : موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 310، جزء 1. بتصرّف.
  10. سورة المؤمنون، آية: 111.
  11. بدر عبد الحميد هميسه، “وبشر الصابرين”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2020. بتصرّف.
  12. عبد الله بن حمد الجلالي، دروس للشيخ عبد الله الجلالي، صفحة 28، جزء 54. بتصرّف.
  13. سورة الروم، آية: 60.
  14. سلمان بن فهد بن عبدالله العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 7، جزء 255. بتصرّف.
  15. سورة المدثر، آية: 7.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1283 ، صحيح.
  17. سورة يوسف، آية: 86.
  18. محمد أكجيم (21-9-2014)، “أهمية الصبر وفضله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2020. بتصرّف.
  19. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 191-192، جزء 1. بتصرّف.
  20. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 249-259، جزء 1. بتصرّف.
  21. سورة الطلاق، آية: 7.
  22. سورة هود، آية: 120.
  23. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1310، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى