مدن عربية

وصف مدينة فاس

مدينة فاس

إنّ مدينة فاس هي إحدى المدن المغربيّة الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ النابض في أركانها وتلالها ووديانها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة حسب إحصائيّة سنة 1999، أسّسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة الدولة الإدريسيّة عام 177 هجري (أي 793م)، وازدهرت في عهده، ومن ثم اكتسبت أهميّة عظيمة في بلاد المغرب، وأصبحت مركزاً أساسيّاً للنشاط السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، إلا أنَّ أهميّتها تراجعت مُنذ القرن العشرين، عندما ألغى الاستعمار الفرنسيّ اعتبارها عاصمة، ونقل العاصمة إلى الرباط. تقع المدينة على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر فاس، حيث كانت في الماضي مقسومةً إلى مدينتين مُسوَّرتين مستقلتين، وقد عُمّرت في مكان استقرار قبائل زناتة المغربيّة،[١] وتنفجر من نهر فاس الذي يمرّ عبرها ينابيع كثيرة، مما جعلها مصدراً مائيّاً غنيّاً.[٢]

تُعتبر فاس أقدم المدن الأربعة التي شغلت عواصم المغرب في الماضي، وهي تقع في وسط وادٍ خصيب لنهر فاس تحيط بها التلال، حيث تأسّست على كلّ واحدة من ضفتي النهر بصُورة مُنفصلة: فالشرقيّة أسسها إدريس الأول سنة 789م، والغربيّة أسسها إدريس الثاني سنة 809م، ولاحقاً اتّحدت الضفّتان تحت حُكم الدولة المرابطيّة خلال القرن الحادي عشر.[٣]

وتوجد حول فاس تلال مُنخفضة من كلّ الجوانب تُغطيها غابات مليئة بالأشجار، وتوجد حولها أراضٍ واسعة تصلح للزراعة، حيث تكثر بها الكروم والبساتين، وأشجار الزيتون، وتنتشر في مراعيها الخراف والماعز والأبقار. ومدينة فاس مُقسّمة لثلاثة أقسام، وهي: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة.[٣] ويمتاز جوها بحرارته صيفاً وبرودته شتاءً، وباعتداله في الخريف والربيع،[٤] حيث يكثر عدد السياح الوافدين عليها في هذين الموسمين، وغالباً تكون الغاية من السياحة مشاهدة الآثار العريقة في مدينة فاس وقصورها وأبنيتها، أو حضُور للتظاهرات الدوليّة التي تعقد للنضال أو تناول قضيّة فكريّة معيّنة.[٣]

العمارة في فاس

تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام. أولها هي فاس البالي، وهي المدينة القديمة التي تُعتبر الأكثر عراقة تاريخيّاً، وفيها بُني جامع القرويين (أقدم مسجد في المغرب العربي) وجامعة القرويين المُلحقة به (أقدم جامعة في العالم)، كما أنَّ فاس البالي تحتوي الكثير من الفنادق الأثريّة. وأما فاس الجديدة، والتي بناها المرينيون في خلال القرن الثالث عشر، فهي تحتوي القصر الملكي العائد للعصر المرينيّ وكذلك الجامع الكبير، ويقع فيها حيّ اليهود القديم بالمدينة، الذي هجره سكانه لإسرائيل في عام 1948. وأخيراً تُوجد المدينة الجديدة، والتي أسَّسها المُستعمرون الفرنسيّون سنة 1916، وتقع فيها محطة قطار ومُعظم المنشآت الصناعيّة في المدينة.[٣]

جامع القرويين

تُعتبر فاس مدينة حضاريّة وتاريخيّة، ومن أهمّ معالم المدينة جامع القرويين، الذي أسّسته أم البنين فاطمة الفهري في الأول من رمضان عام 245 هـ (الموافق لتاريخ 30 نوفمبر سنة 859م)، وذلك بإذنٍ من الحاكم الإدريسيّ يحيى الأول، وقد عكفت فاطمة الفهري على بنائه واهتمَّت به، إلى حد أنها ظلَّت صائمة مُنذ بدء تعميره وحتى انتهائه. ولجامع القرويين سبعة عشر باباً، زُخرِف بزخرفة أندلسيّة مميزة، وله منبر مصنوع من الخشب المحفور والمطعّم، وجامع الأندلسيين ذو النوافذ المزخرفة وسقف المصلى والفيسفيساء التي تملأه، والنجفة النحاسيّة المدلّاة من السقف.[٥]

جامعة القرويين

ولجامع القرويين جامعة علميّة ملحقة به، تعتبر مركزاً ثقافيّاً وعلميّاً، وهي تعتبر أقدم جامعة مستمرَّة بالعمل في العالم وفقاً لمُنظّمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية، إذ تمَّ تأسيسها للمرة الأولى في عام 859م، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.[٦] وقد تخرج منها بعض علماء الغرب، وبُنيت حولها مدارس في القرن الثاني الهجري، وظلَّت تدرّس العلوم الفقهية والعلمية لحوالي ألف ومئتي عام. وقد سكن مُدرّسو الجامعة في بيوت خاصّة بهم أمّنتها لهم الدولة، وحظوا بمُرتّبات ومكافآت، وكان التدريسُ في الجامعة راجعاً إلى خيارات المدرّسين وأسلوبهم الخاص حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامَّة على الجميع التشبّث بها.[٧]

ثقافة مدينة فاس

وتُقام في أرجاء فاس احتفالات ومهرجانات والمؤتمرات الدوليّة في مجالات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية، وهي تُصنّف كموقع للتراث الإنسانيّ العالميّ وفقاً لمنظمة اليونسكو مُنذ عام 1981م.[٢] ولفاس أسواق نابضة بالحركة، وأزقّة ملتوية فيها العديد من المباني الأثرية القديمة، وفيها سوق العطّارين القديم، والزوايا والأسواق القديمة والحمّامات والحصون، وأبواب السور والقصر السلطاني، والمرصد الفلكي، والحي الصناعي.[١] ولكن التجوّل في مدينة فاس يحتاج إلى مرشد سياحيّ كي لا يضيع السائح فيها، فهي تمتاز بشوارعها الضيّقة جداً والمُعقّدة، والتي تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مُختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر بها عادات وتقاليد مغربية كالأعراس المتوارثة عبر الأجيال وطقوسها.[٨]

تاريخ مدينة فاس

تأسّست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله على الضفة اليمنى من النهر المعروفة باسم “حي الأندلسيين”، ووسَّعها إدريس الثاني في سنة 808م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى، ومُنذ ذلك الحين أصبحت المدينة المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسيّة في المغرب، وقد تزايد عدد سكانها مع الوقت واختلطت فيها الكثير من الأعراق المُختلفة، بما فيها سكان القيروان والنازحون من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس، واكتسبت فاس أهميَّة دينية وثقافية عظيمة في ظلّ حُكم سلالة الأدارسة، وتأسست فيها منشآت معماريّة مهمة جداً.[٩]

في بداية القرن الحادي عشر الميلادي استقرَّت كامل بلاد المغرب بما فيها فاس، تحت حُكم المرابطين، حيث نجح يوسف بن تاشفين بدخولها في سنة 1069م، وهو يشتهر بأنه وحَّد المدينة بعد أن كانت مقسومة إلى جزأين مُختلفين، قام كلّ واحد منهما على إحدى ضفتي النهر، وذلك عندما أمر ببناء سورٍ كبير يُحيط بمدينة فاس كلّها، وفي عام 1143م دمَّر السلطان عبد المؤمن الموحديّ أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصارٍ دام تسعة شهور، وعندها انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلَّت بين أيديهم حتى انتقالها إلى حُكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.[٩]

أمر أبو يوسف يعقوب المنصور (وهو ثالث خلفاء الدولة الموحدية) ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمَّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدةً من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحاليّة، وأمّا فاس القديمة (واسمُها فاس البالي) فقد حافظت على أهميّتها التجاريّة والاقتصاديّة، وشغلت هذا المركز حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقعت المغرب تحت الاستعمار الفرنسيّ، وحصلت الرباط على مكانة العاصمة، بينما باتت الدار البيضاء مركز مُعظم النشاط الاقتصاديّ في البلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “فاس”، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  2. ^ أ ب “Medina of Fez”, UNESCO, Retrieved 05-12-2016.
  3. ^ أ ب ت ث “Fes | Morocco”, Britannica, Retrieved 05-12-2016.
  4. “Fes Morocco”, VodooSkies, Retrieved 05-12-2016.
  5. “تاريخ بناء جامع القرويين”، وزارة الوقاف والشؤون الإعلامية في المغرب، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  6. “Oldest university”, Guiness World Records, Retrieved 05-12-2016.
  7. “جامعة القرويين”، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  8. “It’s a kind of magic”, The Guardian, Retrieved 05-12-2016.
  9. ^ أ ب “مدينة فاس”، وزارة الثقافة المغربية، اطّلع عليه بتاريخ 09-01-2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

مدينة فاس

إنّ مدينة فاس هي إحدى المدن المغربيّة الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ النابض في أركانها وتلالها ووديانها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة حسب إحصائيّة سنة 1999، أسّسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة الدولة الإدريسيّة عام 177 هجري (أي 793م)، وازدهرت في عهده، ومن ثم اكتسبت أهميّة عظيمة في بلاد المغرب، وأصبحت مركزاً أساسيّاً للنشاط السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، إلا أنَّ أهميّتها تراجعت مُنذ القرن العشرين، عندما ألغى الاستعمار الفرنسيّ اعتبارها عاصمة، ونقل العاصمة إلى الرباط. تقع المدينة على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر فاس، حيث كانت في الماضي مقسومةً إلى مدينتين مُسوَّرتين مستقلتين، وقد عُمّرت في مكان استقرار قبائل زناتة المغربيّة،[١] وتنفجر من نهر فاس الذي يمرّ عبرها ينابيع كثيرة، مما جعلها مصدراً مائيّاً غنيّاً.[٢]

تُعتبر فاس أقدم المدن الأربعة التي شغلت عواصم المغرب في الماضي، وهي تقع في وسط وادٍ خصيب لنهر فاس تحيط بها التلال، حيث تأسّست على كلّ واحدة من ضفتي النهر بصُورة مُنفصلة: فالشرقيّة أسسها إدريس الأول سنة 789م، والغربيّة أسسها إدريس الثاني سنة 809م، ولاحقاً اتّحدت الضفّتان تحت حُكم الدولة المرابطيّة خلال القرن الحادي عشر.[٣]

وتوجد حول فاس تلال مُنخفضة من كلّ الجوانب تُغطيها غابات مليئة بالأشجار، وتوجد حولها أراضٍ واسعة تصلح للزراعة، حيث تكثر بها الكروم والبساتين، وأشجار الزيتون، وتنتشر في مراعيها الخراف والماعز والأبقار. ومدينة فاس مُقسّمة لثلاثة أقسام، وهي: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة.[٣] ويمتاز جوها بحرارته صيفاً وبرودته شتاءً، وباعتداله في الخريف والربيع،[٤] حيث يكثر عدد السياح الوافدين عليها في هذين الموسمين، وغالباً تكون الغاية من السياحة مشاهدة الآثار العريقة في مدينة فاس وقصورها وأبنيتها، أو حضُور للتظاهرات الدوليّة التي تعقد للنضال أو تناول قضيّة فكريّة معيّنة.[٣]

العمارة في فاس

تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام. أولها هي فاس البالي، وهي المدينة القديمة التي تُعتبر الأكثر عراقة تاريخيّاً، وفيها بُني جامع القرويين (أقدم مسجد في المغرب العربي) وجامعة القرويين المُلحقة به (أقدم جامعة في العالم)، كما أنَّ فاس البالي تحتوي الكثير من الفنادق الأثريّة. وأما فاس الجديدة، والتي بناها المرينيون في خلال القرن الثالث عشر، فهي تحتوي القصر الملكي العائد للعصر المرينيّ وكذلك الجامع الكبير، ويقع فيها حيّ اليهود القديم بالمدينة، الذي هجره سكانه لإسرائيل في عام 1948. وأخيراً تُوجد المدينة الجديدة، والتي أسَّسها المُستعمرون الفرنسيّون سنة 1916، وتقع فيها محطة قطار ومُعظم المنشآت الصناعيّة في المدينة.[٣]

جامع القرويين

تُعتبر فاس مدينة حضاريّة وتاريخيّة، ومن أهمّ معالم المدينة جامع القرويين، الذي أسّسته أم البنين فاطمة الفهري في الأول من رمضان عام 245 هـ (الموافق لتاريخ 30 نوفمبر سنة 859م)، وذلك بإذنٍ من الحاكم الإدريسيّ يحيى الأول، وقد عكفت فاطمة الفهري على بنائه واهتمَّت به، إلى حد أنها ظلَّت صائمة مُنذ بدء تعميره وحتى انتهائه. ولجامع القرويين سبعة عشر باباً، زُخرِف بزخرفة أندلسيّة مميزة، وله منبر مصنوع من الخشب المحفور والمطعّم، وجامع الأندلسيين ذو النوافذ المزخرفة وسقف المصلى والفيسفيساء التي تملأه، والنجفة النحاسيّة المدلّاة من السقف.[٥]

جامعة القرويين

ولجامع القرويين جامعة علميّة ملحقة به، تعتبر مركزاً ثقافيّاً وعلميّاً، وهي تعتبر أقدم جامعة مستمرَّة بالعمل في العالم وفقاً لمُنظّمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية، إذ تمَّ تأسيسها للمرة الأولى في عام 859م، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.[٦] وقد تخرج منها بعض علماء الغرب، وبُنيت حولها مدارس في القرن الثاني الهجري، وظلَّت تدرّس العلوم الفقهية والعلمية لحوالي ألف ومئتي عام. وقد سكن مُدرّسو الجامعة في بيوت خاصّة بهم أمّنتها لهم الدولة، وحظوا بمُرتّبات ومكافآت، وكان التدريسُ في الجامعة راجعاً إلى خيارات المدرّسين وأسلوبهم الخاص حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامَّة على الجميع التشبّث بها.[٧]

ثقافة مدينة فاس

وتُقام في أرجاء فاس احتفالات ومهرجانات والمؤتمرات الدوليّة في مجالات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية، وهي تُصنّف كموقع للتراث الإنسانيّ العالميّ وفقاً لمنظمة اليونسكو مُنذ عام 1981م.[٢] ولفاس أسواق نابضة بالحركة، وأزقّة ملتوية فيها العديد من المباني الأثرية القديمة، وفيها سوق العطّارين القديم، والزوايا والأسواق القديمة والحمّامات والحصون، وأبواب السور والقصر السلطاني، والمرصد الفلكي، والحي الصناعي.[١] ولكن التجوّل في مدينة فاس يحتاج إلى مرشد سياحيّ كي لا يضيع السائح فيها، فهي تمتاز بشوارعها الضيّقة جداً والمُعقّدة، والتي تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مُختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر بها عادات وتقاليد مغربية كالأعراس المتوارثة عبر الأجيال وطقوسها.[٨]

تاريخ مدينة فاس

تأسّست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله على الضفة اليمنى من النهر المعروفة باسم “حي الأندلسيين”، ووسَّعها إدريس الثاني في سنة 808م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى، ومُنذ ذلك الحين أصبحت المدينة المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسيّة في المغرب، وقد تزايد عدد سكانها مع الوقت واختلطت فيها الكثير من الأعراق المُختلفة، بما فيها سكان القيروان والنازحون من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس، واكتسبت فاس أهميَّة دينية وثقافية عظيمة في ظلّ حُكم سلالة الأدارسة، وتأسست فيها منشآت معماريّة مهمة جداً.[٩]

في بداية القرن الحادي عشر الميلادي استقرَّت كامل بلاد المغرب بما فيها فاس، تحت حُكم المرابطين، حيث نجح يوسف بن تاشفين بدخولها في سنة 1069م، وهو يشتهر بأنه وحَّد المدينة بعد أن كانت مقسومة إلى جزأين مُختلفين، قام كلّ واحد منهما على إحدى ضفتي النهر، وذلك عندما أمر ببناء سورٍ كبير يُحيط بمدينة فاس كلّها، وفي عام 1143م دمَّر السلطان عبد المؤمن الموحديّ أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصارٍ دام تسعة شهور، وعندها انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلَّت بين أيديهم حتى انتقالها إلى حُكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.[٩]

أمر أبو يوسف يعقوب المنصور (وهو ثالث خلفاء الدولة الموحدية) ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمَّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدةً من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحاليّة، وأمّا فاس القديمة (واسمُها فاس البالي) فقد حافظت على أهميّتها التجاريّة والاقتصاديّة، وشغلت هذا المركز حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقعت المغرب تحت الاستعمار الفرنسيّ، وحصلت الرباط على مكانة العاصمة، بينما باتت الدار البيضاء مركز مُعظم النشاط الاقتصاديّ في البلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “فاس”، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  2. ^ أ ب “Medina of Fez”, UNESCO, Retrieved 05-12-2016.
  3. ^ أ ب ت ث “Fes | Morocco”, Britannica, Retrieved 05-12-2016.
  4. “Fes Morocco”, VodooSkies, Retrieved 05-12-2016.
  5. “تاريخ بناء جامع القرويين”، وزارة الوقاف والشؤون الإعلامية في المغرب، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  6. “Oldest university”, Guiness World Records, Retrieved 05-12-2016.
  7. “جامعة القرويين”، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  8. “It’s a kind of magic”, The Guardian, Retrieved 05-12-2016.
  9. ^ أ ب “مدينة فاس”، وزارة الثقافة المغربية، اطّلع عليه بتاريخ 09-01-2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

مدينة فاس

إنّ مدينة فاس هي إحدى المدن المغربيّة الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ النابض في أركانها وتلالها ووديانها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة حسب إحصائيّة سنة 1999، أسّسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة الدولة الإدريسيّة عام 177 هجري (أي 793م)، وازدهرت في عهده، ومن ثم اكتسبت أهميّة عظيمة في بلاد المغرب، وأصبحت مركزاً أساسيّاً للنشاط السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، إلا أنَّ أهميّتها تراجعت مُنذ القرن العشرين، عندما ألغى الاستعمار الفرنسيّ اعتبارها عاصمة، ونقل العاصمة إلى الرباط. تقع المدينة على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر فاس، حيث كانت في الماضي مقسومةً إلى مدينتين مُسوَّرتين مستقلتين، وقد عُمّرت في مكان استقرار قبائل زناتة المغربيّة،[١] وتنفجر من نهر فاس الذي يمرّ عبرها ينابيع كثيرة، مما جعلها مصدراً مائيّاً غنيّاً.[٢]

تُعتبر فاس أقدم المدن الأربعة التي شغلت عواصم المغرب في الماضي، وهي تقع في وسط وادٍ خصيب لنهر فاس تحيط بها التلال، حيث تأسّست على كلّ واحدة من ضفتي النهر بصُورة مُنفصلة: فالشرقيّة أسسها إدريس الأول سنة 789م، والغربيّة أسسها إدريس الثاني سنة 809م، ولاحقاً اتّحدت الضفّتان تحت حُكم الدولة المرابطيّة خلال القرن الحادي عشر.[٣]

وتوجد حول فاس تلال مُنخفضة من كلّ الجوانب تُغطيها غابات مليئة بالأشجار، وتوجد حولها أراضٍ واسعة تصلح للزراعة، حيث تكثر بها الكروم والبساتين، وأشجار الزيتون، وتنتشر في مراعيها الخراف والماعز والأبقار. ومدينة فاس مُقسّمة لثلاثة أقسام، وهي: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة.[٣] ويمتاز جوها بحرارته صيفاً وبرودته شتاءً، وباعتداله في الخريف والربيع،[٤] حيث يكثر عدد السياح الوافدين عليها في هذين الموسمين، وغالباً تكون الغاية من السياحة مشاهدة الآثار العريقة في مدينة فاس وقصورها وأبنيتها، أو حضُور للتظاهرات الدوليّة التي تعقد للنضال أو تناول قضيّة فكريّة معيّنة.[٣]

العمارة في فاس

تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام. أولها هي فاس البالي، وهي المدينة القديمة التي تُعتبر الأكثر عراقة تاريخيّاً، وفيها بُني جامع القرويين (أقدم مسجد في المغرب العربي) وجامعة القرويين المُلحقة به (أقدم جامعة في العالم)، كما أنَّ فاس البالي تحتوي الكثير من الفنادق الأثريّة. وأما فاس الجديدة، والتي بناها المرينيون في خلال القرن الثالث عشر، فهي تحتوي القصر الملكي العائد للعصر المرينيّ وكذلك الجامع الكبير، ويقع فيها حيّ اليهود القديم بالمدينة، الذي هجره سكانه لإسرائيل في عام 1948. وأخيراً تُوجد المدينة الجديدة، والتي أسَّسها المُستعمرون الفرنسيّون سنة 1916، وتقع فيها محطة قطار ومُعظم المنشآت الصناعيّة في المدينة.[٣]

جامع القرويين

تُعتبر فاس مدينة حضاريّة وتاريخيّة، ومن أهمّ معالم المدينة جامع القرويين، الذي أسّسته أم البنين فاطمة الفهري في الأول من رمضان عام 245 هـ (الموافق لتاريخ 30 نوفمبر سنة 859م)، وذلك بإذنٍ من الحاكم الإدريسيّ يحيى الأول، وقد عكفت فاطمة الفهري على بنائه واهتمَّت به، إلى حد أنها ظلَّت صائمة مُنذ بدء تعميره وحتى انتهائه. ولجامع القرويين سبعة عشر باباً، زُخرِف بزخرفة أندلسيّة مميزة، وله منبر مصنوع من الخشب المحفور والمطعّم، وجامع الأندلسيين ذو النوافذ المزخرفة وسقف المصلى والفيسفيساء التي تملأه، والنجفة النحاسيّة المدلّاة من السقف.[٥]

جامعة القرويين

ولجامع القرويين جامعة علميّة ملحقة به، تعتبر مركزاً ثقافيّاً وعلميّاً، وهي تعتبر أقدم جامعة مستمرَّة بالعمل في العالم وفقاً لمُنظّمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية، إذ تمَّ تأسيسها للمرة الأولى في عام 859م، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.[٦] وقد تخرج منها بعض علماء الغرب، وبُنيت حولها مدارس في القرن الثاني الهجري، وظلَّت تدرّس العلوم الفقهية والعلمية لحوالي ألف ومئتي عام. وقد سكن مُدرّسو الجامعة في بيوت خاصّة بهم أمّنتها لهم الدولة، وحظوا بمُرتّبات ومكافآت، وكان التدريسُ في الجامعة راجعاً إلى خيارات المدرّسين وأسلوبهم الخاص حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامَّة على الجميع التشبّث بها.[٧]

ثقافة مدينة فاس

وتُقام في أرجاء فاس احتفالات ومهرجانات والمؤتمرات الدوليّة في مجالات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية، وهي تُصنّف كموقع للتراث الإنسانيّ العالميّ وفقاً لمنظمة اليونسكو مُنذ عام 1981م.[٢] ولفاس أسواق نابضة بالحركة، وأزقّة ملتوية فيها العديد من المباني الأثرية القديمة، وفيها سوق العطّارين القديم، والزوايا والأسواق القديمة والحمّامات والحصون، وأبواب السور والقصر السلطاني، والمرصد الفلكي، والحي الصناعي.[١] ولكن التجوّل في مدينة فاس يحتاج إلى مرشد سياحيّ كي لا يضيع السائح فيها، فهي تمتاز بشوارعها الضيّقة جداً والمُعقّدة، والتي تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مُختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر بها عادات وتقاليد مغربية كالأعراس المتوارثة عبر الأجيال وطقوسها.[٨]

تاريخ مدينة فاس

تأسّست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله على الضفة اليمنى من النهر المعروفة باسم “حي الأندلسيين”، ووسَّعها إدريس الثاني في سنة 808م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى، ومُنذ ذلك الحين أصبحت المدينة المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسيّة في المغرب، وقد تزايد عدد سكانها مع الوقت واختلطت فيها الكثير من الأعراق المُختلفة، بما فيها سكان القيروان والنازحون من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس، واكتسبت فاس أهميَّة دينية وثقافية عظيمة في ظلّ حُكم سلالة الأدارسة، وتأسست فيها منشآت معماريّة مهمة جداً.[٩]

في بداية القرن الحادي عشر الميلادي استقرَّت كامل بلاد المغرب بما فيها فاس، تحت حُكم المرابطين، حيث نجح يوسف بن تاشفين بدخولها في سنة 1069م، وهو يشتهر بأنه وحَّد المدينة بعد أن كانت مقسومة إلى جزأين مُختلفين، قام كلّ واحد منهما على إحدى ضفتي النهر، وذلك عندما أمر ببناء سورٍ كبير يُحيط بمدينة فاس كلّها، وفي عام 1143م دمَّر السلطان عبد المؤمن الموحديّ أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصارٍ دام تسعة شهور، وعندها انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلَّت بين أيديهم حتى انتقالها إلى حُكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.[٩]

أمر أبو يوسف يعقوب المنصور (وهو ثالث خلفاء الدولة الموحدية) ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمَّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدةً من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحاليّة، وأمّا فاس القديمة (واسمُها فاس البالي) فقد حافظت على أهميّتها التجاريّة والاقتصاديّة، وشغلت هذا المركز حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقعت المغرب تحت الاستعمار الفرنسيّ، وحصلت الرباط على مكانة العاصمة، بينما باتت الدار البيضاء مركز مُعظم النشاط الاقتصاديّ في البلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “فاس”، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  2. ^ أ ب “Medina of Fez”, UNESCO, Retrieved 05-12-2016.
  3. ^ أ ب ت ث “Fes | Morocco”, Britannica, Retrieved 05-12-2016.
  4. “Fes Morocco”, VodooSkies, Retrieved 05-12-2016.
  5. “تاريخ بناء جامع القرويين”، وزارة الوقاف والشؤون الإعلامية في المغرب، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  6. “Oldest university”, Guiness World Records, Retrieved 05-12-2016.
  7. “جامعة القرويين”، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  8. “It’s a kind of magic”, The Guardian, Retrieved 05-12-2016.
  9. ^ أ ب “مدينة فاس”، وزارة الثقافة المغربية، اطّلع عليه بتاريخ 09-01-2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

مدينة فاس

إنّ مدينة فاس هي إحدى المدن المغربيّة الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ النابض في أركانها وتلالها ووديانها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة حسب إحصائيّة سنة 1999، أسّسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة الدولة الإدريسيّة عام 177 هجري (أي 793م)، وازدهرت في عهده، ومن ثم اكتسبت أهميّة عظيمة في بلاد المغرب، وأصبحت مركزاً أساسيّاً للنشاط السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، إلا أنَّ أهميّتها تراجعت مُنذ القرن العشرين، عندما ألغى الاستعمار الفرنسيّ اعتبارها عاصمة، ونقل العاصمة إلى الرباط. تقع المدينة على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر فاس، حيث كانت في الماضي مقسومةً إلى مدينتين مُسوَّرتين مستقلتين، وقد عُمّرت في مكان استقرار قبائل زناتة المغربيّة،[١] وتنفجر من نهر فاس الذي يمرّ عبرها ينابيع كثيرة، مما جعلها مصدراً مائيّاً غنيّاً.[٢]

تُعتبر فاس أقدم المدن الأربعة التي شغلت عواصم المغرب في الماضي، وهي تقع في وسط وادٍ خصيب لنهر فاس تحيط بها التلال، حيث تأسّست على كلّ واحدة من ضفتي النهر بصُورة مُنفصلة: فالشرقيّة أسسها إدريس الأول سنة 789م، والغربيّة أسسها إدريس الثاني سنة 809م، ولاحقاً اتّحدت الضفّتان تحت حُكم الدولة المرابطيّة خلال القرن الحادي عشر.[٣]

وتوجد حول فاس تلال مُنخفضة من كلّ الجوانب تُغطيها غابات مليئة بالأشجار، وتوجد حولها أراضٍ واسعة تصلح للزراعة، حيث تكثر بها الكروم والبساتين، وأشجار الزيتون، وتنتشر في مراعيها الخراف والماعز والأبقار. ومدينة فاس مُقسّمة لثلاثة أقسام، وهي: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة.[٣] ويمتاز جوها بحرارته صيفاً وبرودته شتاءً، وباعتداله في الخريف والربيع،[٤] حيث يكثر عدد السياح الوافدين عليها في هذين الموسمين، وغالباً تكون الغاية من السياحة مشاهدة الآثار العريقة في مدينة فاس وقصورها وأبنيتها، أو حضُور للتظاهرات الدوليّة التي تعقد للنضال أو تناول قضيّة فكريّة معيّنة.[٣]

العمارة في فاس

تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام. أولها هي فاس البالي، وهي المدينة القديمة التي تُعتبر الأكثر عراقة تاريخيّاً، وفيها بُني جامع القرويين (أقدم مسجد في المغرب العربي) وجامعة القرويين المُلحقة به (أقدم جامعة في العالم)، كما أنَّ فاس البالي تحتوي الكثير من الفنادق الأثريّة. وأما فاس الجديدة، والتي بناها المرينيون في خلال القرن الثالث عشر، فهي تحتوي القصر الملكي العائد للعصر المرينيّ وكذلك الجامع الكبير، ويقع فيها حيّ اليهود القديم بالمدينة، الذي هجره سكانه لإسرائيل في عام 1948. وأخيراً تُوجد المدينة الجديدة، والتي أسَّسها المُستعمرون الفرنسيّون سنة 1916، وتقع فيها محطة قطار ومُعظم المنشآت الصناعيّة في المدينة.[٣]

جامع القرويين

تُعتبر فاس مدينة حضاريّة وتاريخيّة، ومن أهمّ معالم المدينة جامع القرويين، الذي أسّسته أم البنين فاطمة الفهري في الأول من رمضان عام 245 هـ (الموافق لتاريخ 30 نوفمبر سنة 859م)، وذلك بإذنٍ من الحاكم الإدريسيّ يحيى الأول، وقد عكفت فاطمة الفهري على بنائه واهتمَّت به، إلى حد أنها ظلَّت صائمة مُنذ بدء تعميره وحتى انتهائه. ولجامع القرويين سبعة عشر باباً، زُخرِف بزخرفة أندلسيّة مميزة، وله منبر مصنوع من الخشب المحفور والمطعّم، وجامع الأندلسيين ذو النوافذ المزخرفة وسقف المصلى والفيسفيساء التي تملأه، والنجفة النحاسيّة المدلّاة من السقف.[٥]

جامعة القرويين

ولجامع القرويين جامعة علميّة ملحقة به، تعتبر مركزاً ثقافيّاً وعلميّاً، وهي تعتبر أقدم جامعة مستمرَّة بالعمل في العالم وفقاً لمُنظّمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية، إذ تمَّ تأسيسها للمرة الأولى في عام 859م، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.[٦] وقد تخرج منها بعض علماء الغرب، وبُنيت حولها مدارس في القرن الثاني الهجري، وظلَّت تدرّس العلوم الفقهية والعلمية لحوالي ألف ومئتي عام. وقد سكن مُدرّسو الجامعة في بيوت خاصّة بهم أمّنتها لهم الدولة، وحظوا بمُرتّبات ومكافآت، وكان التدريسُ في الجامعة راجعاً إلى خيارات المدرّسين وأسلوبهم الخاص حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامَّة على الجميع التشبّث بها.[٧]

ثقافة مدينة فاس

وتُقام في أرجاء فاس احتفالات ومهرجانات والمؤتمرات الدوليّة في مجالات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية، وهي تُصنّف كموقع للتراث الإنسانيّ العالميّ وفقاً لمنظمة اليونسكو مُنذ عام 1981م.[٢] ولفاس أسواق نابضة بالحركة، وأزقّة ملتوية فيها العديد من المباني الأثرية القديمة، وفيها سوق العطّارين القديم، والزوايا والأسواق القديمة والحمّامات والحصون، وأبواب السور والقصر السلطاني، والمرصد الفلكي، والحي الصناعي.[١] ولكن التجوّل في مدينة فاس يحتاج إلى مرشد سياحيّ كي لا يضيع السائح فيها، فهي تمتاز بشوارعها الضيّقة جداً والمُعقّدة، والتي تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مُختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر بها عادات وتقاليد مغربية كالأعراس المتوارثة عبر الأجيال وطقوسها.[٨]

تاريخ مدينة فاس

تأسّست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله على الضفة اليمنى من النهر المعروفة باسم “حي الأندلسيين”، ووسَّعها إدريس الثاني في سنة 808م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى، ومُنذ ذلك الحين أصبحت المدينة المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسيّة في المغرب، وقد تزايد عدد سكانها مع الوقت واختلطت فيها الكثير من الأعراق المُختلفة، بما فيها سكان القيروان والنازحون من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس، واكتسبت فاس أهميَّة دينية وثقافية عظيمة في ظلّ حُكم سلالة الأدارسة، وتأسست فيها منشآت معماريّة مهمة جداً.[٩]

في بداية القرن الحادي عشر الميلادي استقرَّت كامل بلاد المغرب بما فيها فاس، تحت حُكم المرابطين، حيث نجح يوسف بن تاشفين بدخولها في سنة 1069م، وهو يشتهر بأنه وحَّد المدينة بعد أن كانت مقسومة إلى جزأين مُختلفين، قام كلّ واحد منهما على إحدى ضفتي النهر، وذلك عندما أمر ببناء سورٍ كبير يُحيط بمدينة فاس كلّها، وفي عام 1143م دمَّر السلطان عبد المؤمن الموحديّ أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصارٍ دام تسعة شهور، وعندها انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلَّت بين أيديهم حتى انتقالها إلى حُكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.[٩]

أمر أبو يوسف يعقوب المنصور (وهو ثالث خلفاء الدولة الموحدية) ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمَّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدةً من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحاليّة، وأمّا فاس القديمة (واسمُها فاس البالي) فقد حافظت على أهميّتها التجاريّة والاقتصاديّة، وشغلت هذا المركز حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقعت المغرب تحت الاستعمار الفرنسيّ، وحصلت الرباط على مكانة العاصمة، بينما باتت الدار البيضاء مركز مُعظم النشاط الاقتصاديّ في البلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “فاس”، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  2. ^ أ ب “Medina of Fez”, UNESCO, Retrieved 05-12-2016.
  3. ^ أ ب ت ث “Fes | Morocco”, Britannica, Retrieved 05-12-2016.
  4. “Fes Morocco”, VodooSkies, Retrieved 05-12-2016.
  5. “تاريخ بناء جامع القرويين”، وزارة الوقاف والشؤون الإعلامية في المغرب، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  6. “Oldest university”, Guiness World Records, Retrieved 05-12-2016.
  7. “جامعة القرويين”، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  8. “It’s a kind of magic”, The Guardian, Retrieved 05-12-2016.
  9. ^ أ ب “مدينة فاس”، وزارة الثقافة المغربية، اطّلع عليه بتاريخ 09-01-2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

مدينة فاس

إنّ مدينة فاس هي إحدى المدن المغربيّة الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ النابض في أركانها وتلالها ووديانها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة حسب إحصائيّة سنة 1999، أسّسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة الدولة الإدريسيّة عام 177 هجري (أي 793م)، وازدهرت في عهده، ومن ثم اكتسبت أهميّة عظيمة في بلاد المغرب، وأصبحت مركزاً أساسيّاً للنشاط السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، إلا أنَّ أهميّتها تراجعت مُنذ القرن العشرين، عندما ألغى الاستعمار الفرنسيّ اعتبارها عاصمة، ونقل العاصمة إلى الرباط. تقع المدينة على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر فاس، حيث كانت في الماضي مقسومةً إلى مدينتين مُسوَّرتين مستقلتين، وقد عُمّرت في مكان استقرار قبائل زناتة المغربيّة،[١] وتنفجر من نهر فاس الذي يمرّ عبرها ينابيع كثيرة، مما جعلها مصدراً مائيّاً غنيّاً.[٢]

تُعتبر فاس أقدم المدن الأربعة التي شغلت عواصم المغرب في الماضي، وهي تقع في وسط وادٍ خصيب لنهر فاس تحيط بها التلال، حيث تأسّست على كلّ واحدة من ضفتي النهر بصُورة مُنفصلة: فالشرقيّة أسسها إدريس الأول سنة 789م، والغربيّة أسسها إدريس الثاني سنة 809م، ولاحقاً اتّحدت الضفّتان تحت حُكم الدولة المرابطيّة خلال القرن الحادي عشر.[٣]

وتوجد حول فاس تلال مُنخفضة من كلّ الجوانب تُغطيها غابات مليئة بالأشجار، وتوجد حولها أراضٍ واسعة تصلح للزراعة، حيث تكثر بها الكروم والبساتين، وأشجار الزيتون، وتنتشر في مراعيها الخراف والماعز والأبقار. ومدينة فاس مُقسّمة لثلاثة أقسام، وهي: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة.[٣] ويمتاز جوها بحرارته صيفاً وبرودته شتاءً، وباعتداله في الخريف والربيع،[٤] حيث يكثر عدد السياح الوافدين عليها في هذين الموسمين، وغالباً تكون الغاية من السياحة مشاهدة الآثار العريقة في مدينة فاس وقصورها وأبنيتها، أو حضُور للتظاهرات الدوليّة التي تعقد للنضال أو تناول قضيّة فكريّة معيّنة.[٣]

العمارة في فاس

تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام. أولها هي فاس البالي، وهي المدينة القديمة التي تُعتبر الأكثر عراقة تاريخيّاً، وفيها بُني جامع القرويين (أقدم مسجد في المغرب العربي) وجامعة القرويين المُلحقة به (أقدم جامعة في العالم)، كما أنَّ فاس البالي تحتوي الكثير من الفنادق الأثريّة. وأما فاس الجديدة، والتي بناها المرينيون في خلال القرن الثالث عشر، فهي تحتوي القصر الملكي العائد للعصر المرينيّ وكذلك الجامع الكبير، ويقع فيها حيّ اليهود القديم بالمدينة، الذي هجره سكانه لإسرائيل في عام 1948. وأخيراً تُوجد المدينة الجديدة، والتي أسَّسها المُستعمرون الفرنسيّون سنة 1916، وتقع فيها محطة قطار ومُعظم المنشآت الصناعيّة في المدينة.[٣]

جامع القرويين

تُعتبر فاس مدينة حضاريّة وتاريخيّة، ومن أهمّ معالم المدينة جامع القرويين، الذي أسّسته أم البنين فاطمة الفهري في الأول من رمضان عام 245 هـ (الموافق لتاريخ 30 نوفمبر سنة 859م)، وذلك بإذنٍ من الحاكم الإدريسيّ يحيى الأول، وقد عكفت فاطمة الفهري على بنائه واهتمَّت به، إلى حد أنها ظلَّت صائمة مُنذ بدء تعميره وحتى انتهائه. ولجامع القرويين سبعة عشر باباً، زُخرِف بزخرفة أندلسيّة مميزة، وله منبر مصنوع من الخشب المحفور والمطعّم، وجامع الأندلسيين ذو النوافذ المزخرفة وسقف المصلى والفيسفيساء التي تملأه، والنجفة النحاسيّة المدلّاة من السقف.[٥]

جامعة القرويين

ولجامع القرويين جامعة علميّة ملحقة به، تعتبر مركزاً ثقافيّاً وعلميّاً، وهي تعتبر أقدم جامعة مستمرَّة بالعمل في العالم وفقاً لمُنظّمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية، إذ تمَّ تأسيسها للمرة الأولى في عام 859م، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.[٦] وقد تخرج منها بعض علماء الغرب، وبُنيت حولها مدارس في القرن الثاني الهجري، وظلَّت تدرّس العلوم الفقهية والعلمية لحوالي ألف ومئتي عام. وقد سكن مُدرّسو الجامعة في بيوت خاصّة بهم أمّنتها لهم الدولة، وحظوا بمُرتّبات ومكافآت، وكان التدريسُ في الجامعة راجعاً إلى خيارات المدرّسين وأسلوبهم الخاص حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامَّة على الجميع التشبّث بها.[٧]

ثقافة مدينة فاس

وتُقام في أرجاء فاس احتفالات ومهرجانات والمؤتمرات الدوليّة في مجالات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية، وهي تُصنّف كموقع للتراث الإنسانيّ العالميّ وفقاً لمنظمة اليونسكو مُنذ عام 1981م.[٢] ولفاس أسواق نابضة بالحركة، وأزقّة ملتوية فيها العديد من المباني الأثرية القديمة، وفيها سوق العطّارين القديم، والزوايا والأسواق القديمة والحمّامات والحصون، وأبواب السور والقصر السلطاني، والمرصد الفلكي، والحي الصناعي.[١] ولكن التجوّل في مدينة فاس يحتاج إلى مرشد سياحيّ كي لا يضيع السائح فيها، فهي تمتاز بشوارعها الضيّقة جداً والمُعقّدة، والتي تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مُختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر بها عادات وتقاليد مغربية كالأعراس المتوارثة عبر الأجيال وطقوسها.[٨]

تاريخ مدينة فاس

تأسّست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله على الضفة اليمنى من النهر المعروفة باسم “حي الأندلسيين”، ووسَّعها إدريس الثاني في سنة 808م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى، ومُنذ ذلك الحين أصبحت المدينة المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسيّة في المغرب، وقد تزايد عدد سكانها مع الوقت واختلطت فيها الكثير من الأعراق المُختلفة، بما فيها سكان القيروان والنازحون من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس، واكتسبت فاس أهميَّة دينية وثقافية عظيمة في ظلّ حُكم سلالة الأدارسة، وتأسست فيها منشآت معماريّة مهمة جداً.[٩]

في بداية القرن الحادي عشر الميلادي استقرَّت كامل بلاد المغرب بما فيها فاس، تحت حُكم المرابطين، حيث نجح يوسف بن تاشفين بدخولها في سنة 1069م، وهو يشتهر بأنه وحَّد المدينة بعد أن كانت مقسومة إلى جزأين مُختلفين، قام كلّ واحد منهما على إحدى ضفتي النهر، وذلك عندما أمر ببناء سورٍ كبير يُحيط بمدينة فاس كلّها، وفي عام 1143م دمَّر السلطان عبد المؤمن الموحديّ أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصارٍ دام تسعة شهور، وعندها انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلَّت بين أيديهم حتى انتقالها إلى حُكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.[٩]

أمر أبو يوسف يعقوب المنصور (وهو ثالث خلفاء الدولة الموحدية) ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمَّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدةً من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحاليّة، وأمّا فاس القديمة (واسمُها فاس البالي) فقد حافظت على أهميّتها التجاريّة والاقتصاديّة، وشغلت هذا المركز حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقعت المغرب تحت الاستعمار الفرنسيّ، وحصلت الرباط على مكانة العاصمة، بينما باتت الدار البيضاء مركز مُعظم النشاط الاقتصاديّ في البلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “فاس”، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  2. ^ أ ب “Medina of Fez”, UNESCO, Retrieved 05-12-2016.
  3. ^ أ ب ت ث “Fes | Morocco”, Britannica, Retrieved 05-12-2016.
  4. “Fes Morocco”, VodooSkies, Retrieved 05-12-2016.
  5. “تاريخ بناء جامع القرويين”، وزارة الوقاف والشؤون الإعلامية في المغرب، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  6. “Oldest university”, Guiness World Records, Retrieved 05-12-2016.
  7. “جامعة القرويين”، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  8. “It’s a kind of magic”, The Guardian, Retrieved 05-12-2016.
  9. ^ أ ب “مدينة فاس”، وزارة الثقافة المغربية، اطّلع عليه بتاريخ 09-01-2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

مدينة فاس

إنّ مدينة فاس هي إحدى المدن المغربيّة الكبرى الزاخرة بالتراث والتاريخ النابض في أركانها وتلالها ووديانها، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة حسب إحصائيّة سنة 1999، أسّسها إدريس الثاني وجعلها عاصمة الدولة الإدريسيّة عام 177 هجري (أي 793م)، وازدهرت في عهده، ومن ثم اكتسبت أهميّة عظيمة في بلاد المغرب، وأصبحت مركزاً أساسيّاً للنشاط السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ، إلا أنَّ أهميّتها تراجعت مُنذ القرن العشرين، عندما ألغى الاستعمار الفرنسيّ اعتبارها عاصمة، ونقل العاصمة إلى الرباط. تقع المدينة على الضفتين اليمنى واليسرى لنهر فاس، حيث كانت في الماضي مقسومةً إلى مدينتين مُسوَّرتين مستقلتين، وقد عُمّرت في مكان استقرار قبائل زناتة المغربيّة،[١] وتنفجر من نهر فاس الذي يمرّ عبرها ينابيع كثيرة، مما جعلها مصدراً مائيّاً غنيّاً.[٢]

تُعتبر فاس أقدم المدن الأربعة التي شغلت عواصم المغرب في الماضي، وهي تقع في وسط وادٍ خصيب لنهر فاس تحيط بها التلال، حيث تأسّست على كلّ واحدة من ضفتي النهر بصُورة مُنفصلة: فالشرقيّة أسسها إدريس الأول سنة 789م، والغربيّة أسسها إدريس الثاني سنة 809م، ولاحقاً اتّحدت الضفّتان تحت حُكم الدولة المرابطيّة خلال القرن الحادي عشر.[٣]

وتوجد حول فاس تلال مُنخفضة من كلّ الجوانب تُغطيها غابات مليئة بالأشجار، وتوجد حولها أراضٍ واسعة تصلح للزراعة، حيث تكثر بها الكروم والبساتين، وأشجار الزيتون، وتنتشر في مراعيها الخراف والماعز والأبقار. ومدينة فاس مُقسّمة لثلاثة أقسام، وهي: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة.[٣] ويمتاز جوها بحرارته صيفاً وبرودته شتاءً، وباعتداله في الخريف والربيع،[٤] حيث يكثر عدد السياح الوافدين عليها في هذين الموسمين، وغالباً تكون الغاية من السياحة مشاهدة الآثار العريقة في مدينة فاس وقصورها وأبنيتها، أو حضُور للتظاهرات الدوليّة التي تعقد للنضال أو تناول قضيّة فكريّة معيّنة.[٣]

العمارة في فاس

تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام. أولها هي فاس البالي، وهي المدينة القديمة التي تُعتبر الأكثر عراقة تاريخيّاً، وفيها بُني جامع القرويين (أقدم مسجد في المغرب العربي) وجامعة القرويين المُلحقة به (أقدم جامعة في العالم)، كما أنَّ فاس البالي تحتوي الكثير من الفنادق الأثريّة. وأما فاس الجديدة، والتي بناها المرينيون في خلال القرن الثالث عشر، فهي تحتوي القصر الملكي العائد للعصر المرينيّ وكذلك الجامع الكبير، ويقع فيها حيّ اليهود القديم بالمدينة، الذي هجره سكانه لإسرائيل في عام 1948. وأخيراً تُوجد المدينة الجديدة، والتي أسَّسها المُستعمرون الفرنسيّون سنة 1916، وتقع فيها محطة قطار ومُعظم المنشآت الصناعيّة في المدينة.[٣]

جامع القرويين

تُعتبر فاس مدينة حضاريّة وتاريخيّة، ومن أهمّ معالم المدينة جامع القرويين، الذي أسّسته أم البنين فاطمة الفهري في الأول من رمضان عام 245 هـ (الموافق لتاريخ 30 نوفمبر سنة 859م)، وذلك بإذنٍ من الحاكم الإدريسيّ يحيى الأول، وقد عكفت فاطمة الفهري على بنائه واهتمَّت به، إلى حد أنها ظلَّت صائمة مُنذ بدء تعميره وحتى انتهائه. ولجامع القرويين سبعة عشر باباً، زُخرِف بزخرفة أندلسيّة مميزة، وله منبر مصنوع من الخشب المحفور والمطعّم، وجامع الأندلسيين ذو النوافذ المزخرفة وسقف المصلى والفيسفيساء التي تملأه، والنجفة النحاسيّة المدلّاة من السقف.[٥]

جامعة القرويين

ولجامع القرويين جامعة علميّة ملحقة به، تعتبر مركزاً ثقافيّاً وعلميّاً، وهي تعتبر أقدم جامعة مستمرَّة بالعمل في العالم وفقاً لمُنظّمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية، إذ تمَّ تأسيسها للمرة الأولى في عام 859م، ولا زالت نشطة حتى هذه اللحظة.[٦] وقد تخرج منها بعض علماء الغرب، وبُنيت حولها مدارس في القرن الثاني الهجري، وظلَّت تدرّس العلوم الفقهية والعلمية لحوالي ألف ومئتي عام. وقد سكن مُدرّسو الجامعة في بيوت خاصّة بهم أمّنتها لهم الدولة، وحظوا بمُرتّبات ومكافآت، وكان التدريسُ في الجامعة راجعاً إلى خيارات المدرّسين وأسلوبهم الخاص حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامَّة على الجميع التشبّث بها.[٧]

ثقافة مدينة فاس

وتُقام في أرجاء فاس احتفالات ومهرجانات والمؤتمرات الدوليّة في مجالات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية، وهي تُصنّف كموقع للتراث الإنسانيّ العالميّ وفقاً لمنظمة اليونسكو مُنذ عام 1981م.[٢] ولفاس أسواق نابضة بالحركة، وأزقّة ملتوية فيها العديد من المباني الأثرية القديمة، وفيها سوق العطّارين القديم، والزوايا والأسواق القديمة والحمّامات والحصون، وأبواب السور والقصر السلطاني، والمرصد الفلكي، والحي الصناعي.[١] ولكن التجوّل في مدينة فاس يحتاج إلى مرشد سياحيّ كي لا يضيع السائح فيها، فهي تمتاز بشوارعها الضيّقة جداً والمُعقّدة، والتي تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مُختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر بها عادات وتقاليد مغربية كالأعراس المتوارثة عبر الأجيال وطقوسها.[٨]

تاريخ مدينة فاس

تأسّست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله على الضفة اليمنى من النهر المعروفة باسم “حي الأندلسيين”، ووسَّعها إدريس الثاني في سنة 808م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى، ومُنذ ذلك الحين أصبحت المدينة المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسيّة في المغرب، وقد تزايد عدد سكانها مع الوقت واختلطت فيها الكثير من الأعراق المُختلفة، بما فيها سكان القيروان والنازحون من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس، واكتسبت فاس أهميَّة دينية وثقافية عظيمة في ظلّ حُكم سلالة الأدارسة، وتأسست فيها منشآت معماريّة مهمة جداً.[٩]

في بداية القرن الحادي عشر الميلادي استقرَّت كامل بلاد المغرب بما فيها فاس، تحت حُكم المرابطين، حيث نجح يوسف بن تاشفين بدخولها في سنة 1069م، وهو يشتهر بأنه وحَّد المدينة بعد أن كانت مقسومة إلى جزأين مُختلفين، قام كلّ واحد منهما على إحدى ضفتي النهر، وذلك عندما أمر ببناء سورٍ كبير يُحيط بمدينة فاس كلّها، وفي عام 1143م دمَّر السلطان عبد المؤمن الموحديّ أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصارٍ دام تسعة شهور، وعندها انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلَّت بين أيديهم حتى انتقالها إلى حُكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.[٩]

أمر أبو يوسف يعقوب المنصور (وهو ثالث خلفاء الدولة الموحدية) ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمَّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدةً من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحاليّة، وأمّا فاس القديمة (واسمُها فاس البالي) فقد حافظت على أهميّتها التجاريّة والاقتصاديّة، وشغلت هذا المركز حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقعت المغرب تحت الاستعمار الفرنسيّ، وحصلت الرباط على مكانة العاصمة، بينما باتت الدار البيضاء مركز مُعظم النشاط الاقتصاديّ في البلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت “فاس”، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  2. ^ أ ب “Medina of Fez”, UNESCO, Retrieved 05-12-2016.
  3. ^ أ ب ت ث “Fes | Morocco”, Britannica, Retrieved 05-12-2016.
  4. “Fes Morocco”, VodooSkies, Retrieved 05-12-2016.
  5. “تاريخ بناء جامع القرويين”، وزارة الوقاف والشؤون الإعلامية في المغرب، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  6. “Oldest university”, Guiness World Records, Retrieved 05-12-2016.
  7. “جامعة القرويين”، الجزيرة نت، اطّلع عليه بتاريخ 05-12-2016.
  8. “It’s a kind of magic”, The Guardian, Retrieved 05-12-2016.
  9. ^ أ ب “مدينة فاس”، وزارة الثقافة المغربية، اطّلع عليه بتاريخ 09-01-2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى