مصطلحات إسلامية

ما هي مصادر التشريع الإسلامي

الشريعة الإسلامية

شَرع الله سُبحانه لعِباده شرائعَ وأحكاماً وقَواعد لتنظيم حياتِهم، لذلك ينبغي اتباع أحكام الله وشرائعه كما جاءت بلسان أنبيائه دون التفكير في تفاصيلها أو البحث عن السّبب في تشريعها ما دام ذلك الأمر أو الشريعة أو الحكم المنقول عن الله قد ثبت بأحد مَصادر التشريع المُعتبرة شرعاً.

إنّ مَصادرَ التشريع التي تثبُت الأحكام والشرائع من خلالها فأوّلها كتاب الله – سبحانه وتعالى – فإن جاءَ في كِتاب الله أمرٌ عامٌ وَجَب حينها الانصياع له تمثّلاً بقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)،[١] ثم تأتي بعد كتاب الله في المنزلة سُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بجميع مكوناتها – الفعلية والقولية والتقريرية – وغير ذلك ممّا ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – وصحَّ وثبت نقله عنه، فهذان المَصدران من مَصادر التشريع مُتّفقٌ عليهما بين أهل العلم من الفقهاء الثقات، ولكن هنالك بعض المصادر الأخرى للتشريع الإسلامي التي ذكرها العلماء غير كتاب الله وسنة رسوله، فما هي تلك المصادر؟ وما مدى حجيتها في الإسلام؟

مصادر التشريع الإسلامي

مصادر التشريع في المذاهب الفقهية

اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر التشريع كالقرآن والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر، وبيان آرائهم وأقوالهم في ذلك على النحو الآتي:[٢]

  • يَرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أنّ مَصادر التشريع المُعتبرة ستة مصادر، وهي: القرآن الكريم، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم ما ثبت منها، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس على الأحكام الفقهيّة العمليّة المُستنبطة من المصادر الأصليّة للتشريع، والاستحسان، والعُرف.
  • ذهب الإمام مالك إلى أنَّ مصادر التشريع التي يُستدلُّ بها ثمانية، وهي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وعمل أهل المدينة، وقد انحنى الإمام مالك بانتهاجه عمل أهل المدينة من مصادر التشريع مُنحناً آخر عن الفقهاء؛ حيث اعتبر أنّ أهل المدينة بحكم معرفتهم بحال النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان بينهم فإنّهم يكونون أجدر بالعلم بالأمور الشرعيّة والأحكام العمليّة لذلك أخذ بعملهم على أنّه من مَصادر التشريع، وفتوى الصحابيّ وقوله، والقياس، والمصالح المُرسَلة، والاستحسان، والذَّرائع سدُّها وفتحها.
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى أنَّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وهما عنده بنفس الدرجة من حيث الاستدلال، والإجماع، وقول الصّحابي أو فتواه، والقياس، ولم يقل الشافعيّ أو يأخذ بالاستحسان بكونه من مَصادر التشريع المُعتبرة على خلاف أبي حنيفة ومالك – رضي الله عنهما – بل إنّه كان يقول فيه: (من استحسَن فقد شَرَّع).
  • ذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إلى القول بأنّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، والإجماع، وفَتاوى الصّحابة والتابعين، والقياس، وعلى ذلك درج تلميذاه ابن تيمية، وابن قيم الجوزيّة.
  • ذهب الإمام ابن حزم الظاهري إلى أنّ مَصادر التشريع محصورةٌ في القرآن الكريم والسُّنة النبوية فقط، وأنّ غير هذه المصادر لا تُعتبر من مصادر التشريع، وهو بذلك يُظهر تأثيره بشيخه الإمام الشافعي الذي كان يولي كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – منزلةً خاصةً من حيث الاستدلال بهما، إلا أنّ الظاهري تشدّد أكثر من شيخه الشافعي فأبطل ما سواهما من مَصادر التّشريع المُعتبرة عند غيره من الفقهاء الثقات كالإجماع والقياس، بل إنّه غالى في التصدّي لمَن عمل بالقياس واعتبر العمل به تشريعٌ يُخالف شرع الله؛ حيث إنّ الظاهري يتوقّف في الاستدلال على ما ورد في النصوص ظاهراً ولا يلجأ إلى تحليلِ النّص وتفسيره مُطلَقاً.

مصادر التشريع من حيث تكوينها

تَنقسم مصادر التشريع من حيث قوّتها إلى مصادر تشريع أصلية، ومصادر تشريع تبعية أو تابعة أو ثانوية، أمّا مصادر التشريع الرئيسيّة فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والاجتهاد المتمثّل بالقياس، وغير تلك المصادر كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي وفتواه؛ فهي مصادر تبعية غير أصلية، وفيما يلي بيانٌ للمصادر الأصلية:[٣]

  • القرآن الكريم: هو كَلامُ الله المنزل على سَيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة الناس، والمنقول إلينا بالتواتر،[٤] ويُعتبر القرآن الكَريم المصدَر الأوّل من مصادر التشريع إطلاقاً، وقد أجمع الفقهاء على كونه من مَصادر التشريع واعتباره في ذلك.
  • السنة النبوية: يُقصد بها كُلّ ما صدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلقيةٍ أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، إلا أنّ الإمام الشافعي جعل القرآن الكريم والسنة النبوية في الدرجة نفسها؛ بمعنى أنّ المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي عند الإمام الشافعي هو القرآن والسنة،[٢] وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، أو لتثبت حُكماً جديداً لم يُشر إليه كتاب الله، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له.
  • الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصرٍ من العصور على حكمٍ خاص لمسألةٍ من المَسائل الفقهية.
  • القياس: هو إيجاد علةٍ مشتركة لإحدى المسائل التي لم تكُن في عصر النبي وصَحابته، ولم يَرد فيها نصٌ شرعي مع مسألةٍ أخرى ورد فيها نصٌ شرعي، ثم إيقاع ذلك الحُكم على المسألة المُستحدثة لاتّحادهما في العلّة بحيث يُصبح لهما الحكم نفسه.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 36.
  2. ^ أ ب الإمام محمد أبو زهره (1987)، تاريخ المذاهب الإسلامية (الطبعة الأولى)، لندن: دار الحديث، صفحة 375. بتصرّف.
  3. عفاف بنت يحيى آل حريد (27-8-1432هـ)، “مصادر التشريع الإسلامي”، الثقافة والفكر الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
  4. عبد الفتاح محمد محمد سلامة (1400هـ)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة 46)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 89. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الشريعة الإسلامية

شَرع الله سُبحانه لعِباده شرائعَ وأحكاماً وقَواعد لتنظيم حياتِهم، لذلك ينبغي اتباع أحكام الله وشرائعه كما جاءت بلسان أنبيائه دون التفكير في تفاصيلها أو البحث عن السّبب في تشريعها ما دام ذلك الأمر أو الشريعة أو الحكم المنقول عن الله قد ثبت بأحد مَصادر التشريع المُعتبرة شرعاً.

إنّ مَصادرَ التشريع التي تثبُت الأحكام والشرائع من خلالها فأوّلها كتاب الله – سبحانه وتعالى – فإن جاءَ في كِتاب الله أمرٌ عامٌ وَجَب حينها الانصياع له تمثّلاً بقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)،[١] ثم تأتي بعد كتاب الله في المنزلة سُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بجميع مكوناتها – الفعلية والقولية والتقريرية – وغير ذلك ممّا ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – وصحَّ وثبت نقله عنه، فهذان المَصدران من مَصادر التشريع مُتّفقٌ عليهما بين أهل العلم من الفقهاء الثقات، ولكن هنالك بعض المصادر الأخرى للتشريع الإسلامي التي ذكرها العلماء غير كتاب الله وسنة رسوله، فما هي تلك المصادر؟ وما مدى حجيتها في الإسلام؟

مصادر التشريع الإسلامي

مصادر التشريع في المذاهب الفقهية

اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر التشريع كالقرآن والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر، وبيان آرائهم وأقوالهم في ذلك على النحو الآتي:[٢]

  • يَرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أنّ مَصادر التشريع المُعتبرة ستة مصادر، وهي: القرآن الكريم، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم ما ثبت منها، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس على الأحكام الفقهيّة العمليّة المُستنبطة من المصادر الأصليّة للتشريع، والاستحسان، والعُرف.
  • ذهب الإمام مالك إلى أنَّ مصادر التشريع التي يُستدلُّ بها ثمانية، وهي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وعمل أهل المدينة، وقد انحنى الإمام مالك بانتهاجه عمل أهل المدينة من مصادر التشريع مُنحناً آخر عن الفقهاء؛ حيث اعتبر أنّ أهل المدينة بحكم معرفتهم بحال النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان بينهم فإنّهم يكونون أجدر بالعلم بالأمور الشرعيّة والأحكام العمليّة لذلك أخذ بعملهم على أنّه من مَصادر التشريع، وفتوى الصحابيّ وقوله، والقياس، والمصالح المُرسَلة، والاستحسان، والذَّرائع سدُّها وفتحها.
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى أنَّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وهما عنده بنفس الدرجة من حيث الاستدلال، والإجماع، وقول الصّحابي أو فتواه، والقياس، ولم يقل الشافعيّ أو يأخذ بالاستحسان بكونه من مَصادر التشريع المُعتبرة على خلاف أبي حنيفة ومالك – رضي الله عنهما – بل إنّه كان يقول فيه: (من استحسَن فقد شَرَّع).
  • ذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إلى القول بأنّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، والإجماع، وفَتاوى الصّحابة والتابعين، والقياس، وعلى ذلك درج تلميذاه ابن تيمية، وابن قيم الجوزيّة.
  • ذهب الإمام ابن حزم الظاهري إلى أنّ مَصادر التشريع محصورةٌ في القرآن الكريم والسُّنة النبوية فقط، وأنّ غير هذه المصادر لا تُعتبر من مصادر التشريع، وهو بذلك يُظهر تأثيره بشيخه الإمام الشافعي الذي كان يولي كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – منزلةً خاصةً من حيث الاستدلال بهما، إلا أنّ الظاهري تشدّد أكثر من شيخه الشافعي فأبطل ما سواهما من مَصادر التّشريع المُعتبرة عند غيره من الفقهاء الثقات كالإجماع والقياس، بل إنّه غالى في التصدّي لمَن عمل بالقياس واعتبر العمل به تشريعٌ يُخالف شرع الله؛ حيث إنّ الظاهري يتوقّف في الاستدلال على ما ورد في النصوص ظاهراً ولا يلجأ إلى تحليلِ النّص وتفسيره مُطلَقاً.

مصادر التشريع من حيث تكوينها

تَنقسم مصادر التشريع من حيث قوّتها إلى مصادر تشريع أصلية، ومصادر تشريع تبعية أو تابعة أو ثانوية، أمّا مصادر التشريع الرئيسيّة فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والاجتهاد المتمثّل بالقياس، وغير تلك المصادر كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي وفتواه؛ فهي مصادر تبعية غير أصلية، وفيما يلي بيانٌ للمصادر الأصلية:[٣]

  • القرآن الكريم: هو كَلامُ الله المنزل على سَيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة الناس، والمنقول إلينا بالتواتر،[٤] ويُعتبر القرآن الكَريم المصدَر الأوّل من مصادر التشريع إطلاقاً، وقد أجمع الفقهاء على كونه من مَصادر التشريع واعتباره في ذلك.
  • السنة النبوية: يُقصد بها كُلّ ما صدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلقيةٍ أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، إلا أنّ الإمام الشافعي جعل القرآن الكريم والسنة النبوية في الدرجة نفسها؛ بمعنى أنّ المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي عند الإمام الشافعي هو القرآن والسنة،[٢] وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، أو لتثبت حُكماً جديداً لم يُشر إليه كتاب الله، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له.
  • الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصرٍ من العصور على حكمٍ خاص لمسألةٍ من المَسائل الفقهية.
  • القياس: هو إيجاد علةٍ مشتركة لإحدى المسائل التي لم تكُن في عصر النبي وصَحابته، ولم يَرد فيها نصٌ شرعي مع مسألةٍ أخرى ورد فيها نصٌ شرعي، ثم إيقاع ذلك الحُكم على المسألة المُستحدثة لاتّحادهما في العلّة بحيث يُصبح لهما الحكم نفسه.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 36.
  2. ^ أ ب الإمام محمد أبو زهره (1987)، تاريخ المذاهب الإسلامية (الطبعة الأولى)، لندن: دار الحديث، صفحة 375. بتصرّف.
  3. عفاف بنت يحيى آل حريد (27-8-1432هـ)، “مصادر التشريع الإسلامي”، الثقافة والفكر الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
  4. عبد الفتاح محمد محمد سلامة (1400هـ)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة 46)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 89. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الشريعة الإسلامية

شَرع الله سُبحانه لعِباده شرائعَ وأحكاماً وقَواعد لتنظيم حياتِهم، لذلك ينبغي اتباع أحكام الله وشرائعه كما جاءت بلسان أنبيائه دون التفكير في تفاصيلها أو البحث عن السّبب في تشريعها ما دام ذلك الأمر أو الشريعة أو الحكم المنقول عن الله قد ثبت بأحد مَصادر التشريع المُعتبرة شرعاً.

إنّ مَصادرَ التشريع التي تثبُت الأحكام والشرائع من خلالها فأوّلها كتاب الله – سبحانه وتعالى – فإن جاءَ في كِتاب الله أمرٌ عامٌ وَجَب حينها الانصياع له تمثّلاً بقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)،[١] ثم تأتي بعد كتاب الله في المنزلة سُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بجميع مكوناتها – الفعلية والقولية والتقريرية – وغير ذلك ممّا ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – وصحَّ وثبت نقله عنه، فهذان المَصدران من مَصادر التشريع مُتّفقٌ عليهما بين أهل العلم من الفقهاء الثقات، ولكن هنالك بعض المصادر الأخرى للتشريع الإسلامي التي ذكرها العلماء غير كتاب الله وسنة رسوله، فما هي تلك المصادر؟ وما مدى حجيتها في الإسلام؟

مصادر التشريع الإسلامي

مصادر التشريع في المذاهب الفقهية

اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر التشريع كالقرآن والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر، وبيان آرائهم وأقوالهم في ذلك على النحو الآتي:[٢]

  • يَرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أنّ مَصادر التشريع المُعتبرة ستة مصادر، وهي: القرآن الكريم، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم ما ثبت منها، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس على الأحكام الفقهيّة العمليّة المُستنبطة من المصادر الأصليّة للتشريع، والاستحسان، والعُرف.
  • ذهب الإمام مالك إلى أنَّ مصادر التشريع التي يُستدلُّ بها ثمانية، وهي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وعمل أهل المدينة، وقد انحنى الإمام مالك بانتهاجه عمل أهل المدينة من مصادر التشريع مُنحناً آخر عن الفقهاء؛ حيث اعتبر أنّ أهل المدينة بحكم معرفتهم بحال النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان بينهم فإنّهم يكونون أجدر بالعلم بالأمور الشرعيّة والأحكام العمليّة لذلك أخذ بعملهم على أنّه من مَصادر التشريع، وفتوى الصحابيّ وقوله، والقياس، والمصالح المُرسَلة، والاستحسان، والذَّرائع سدُّها وفتحها.
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى أنَّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وهما عنده بنفس الدرجة من حيث الاستدلال، والإجماع، وقول الصّحابي أو فتواه، والقياس، ولم يقل الشافعيّ أو يأخذ بالاستحسان بكونه من مَصادر التشريع المُعتبرة على خلاف أبي حنيفة ومالك – رضي الله عنهما – بل إنّه كان يقول فيه: (من استحسَن فقد شَرَّع).
  • ذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إلى القول بأنّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، والإجماع، وفَتاوى الصّحابة والتابعين، والقياس، وعلى ذلك درج تلميذاه ابن تيمية، وابن قيم الجوزيّة.
  • ذهب الإمام ابن حزم الظاهري إلى أنّ مَصادر التشريع محصورةٌ في القرآن الكريم والسُّنة النبوية فقط، وأنّ غير هذه المصادر لا تُعتبر من مصادر التشريع، وهو بذلك يُظهر تأثيره بشيخه الإمام الشافعي الذي كان يولي كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – منزلةً خاصةً من حيث الاستدلال بهما، إلا أنّ الظاهري تشدّد أكثر من شيخه الشافعي فأبطل ما سواهما من مَصادر التّشريع المُعتبرة عند غيره من الفقهاء الثقات كالإجماع والقياس، بل إنّه غالى في التصدّي لمَن عمل بالقياس واعتبر العمل به تشريعٌ يُخالف شرع الله؛ حيث إنّ الظاهري يتوقّف في الاستدلال على ما ورد في النصوص ظاهراً ولا يلجأ إلى تحليلِ النّص وتفسيره مُطلَقاً.

مصادر التشريع من حيث تكوينها

تَنقسم مصادر التشريع من حيث قوّتها إلى مصادر تشريع أصلية، ومصادر تشريع تبعية أو تابعة أو ثانوية، أمّا مصادر التشريع الرئيسيّة فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والاجتهاد المتمثّل بالقياس، وغير تلك المصادر كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي وفتواه؛ فهي مصادر تبعية غير أصلية، وفيما يلي بيانٌ للمصادر الأصلية:[٣]

  • القرآن الكريم: هو كَلامُ الله المنزل على سَيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة الناس، والمنقول إلينا بالتواتر،[٤] ويُعتبر القرآن الكَريم المصدَر الأوّل من مصادر التشريع إطلاقاً، وقد أجمع الفقهاء على كونه من مَصادر التشريع واعتباره في ذلك.
  • السنة النبوية: يُقصد بها كُلّ ما صدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلقيةٍ أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، إلا أنّ الإمام الشافعي جعل القرآن الكريم والسنة النبوية في الدرجة نفسها؛ بمعنى أنّ المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي عند الإمام الشافعي هو القرآن والسنة،[٢] وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، أو لتثبت حُكماً جديداً لم يُشر إليه كتاب الله، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له.
  • الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصرٍ من العصور على حكمٍ خاص لمسألةٍ من المَسائل الفقهية.
  • القياس: هو إيجاد علةٍ مشتركة لإحدى المسائل التي لم تكُن في عصر النبي وصَحابته، ولم يَرد فيها نصٌ شرعي مع مسألةٍ أخرى ورد فيها نصٌ شرعي، ثم إيقاع ذلك الحُكم على المسألة المُستحدثة لاتّحادهما في العلّة بحيث يُصبح لهما الحكم نفسه.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 36.
  2. ^ أ ب الإمام محمد أبو زهره (1987)، تاريخ المذاهب الإسلامية (الطبعة الأولى)، لندن: دار الحديث، صفحة 375. بتصرّف.
  3. عفاف بنت يحيى آل حريد (27-8-1432هـ)، “مصادر التشريع الإسلامي”، الثقافة والفكر الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
  4. عبد الفتاح محمد محمد سلامة (1400هـ)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة 46)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 89. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الشريعة الإسلامية

شَرع الله سُبحانه لعِباده شرائعَ وأحكاماً وقَواعد لتنظيم حياتِهم، لذلك ينبغي اتباع أحكام الله وشرائعه كما جاءت بلسان أنبيائه دون التفكير في تفاصيلها أو البحث عن السّبب في تشريعها ما دام ذلك الأمر أو الشريعة أو الحكم المنقول عن الله قد ثبت بأحد مَصادر التشريع المُعتبرة شرعاً.

إنّ مَصادرَ التشريع التي تثبُت الأحكام والشرائع من خلالها فأوّلها كتاب الله – سبحانه وتعالى – فإن جاءَ في كِتاب الله أمرٌ عامٌ وَجَب حينها الانصياع له تمثّلاً بقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)،[١] ثم تأتي بعد كتاب الله في المنزلة سُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بجميع مكوناتها – الفعلية والقولية والتقريرية – وغير ذلك ممّا ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – وصحَّ وثبت نقله عنه، فهذان المَصدران من مَصادر التشريع مُتّفقٌ عليهما بين أهل العلم من الفقهاء الثقات، ولكن هنالك بعض المصادر الأخرى للتشريع الإسلامي التي ذكرها العلماء غير كتاب الله وسنة رسوله، فما هي تلك المصادر؟ وما مدى حجيتها في الإسلام؟

مصادر التشريع الإسلامي

مصادر التشريع في المذاهب الفقهية

اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر التشريع كالقرآن والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر، وبيان آرائهم وأقوالهم في ذلك على النحو الآتي:[٢]

  • يَرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أنّ مَصادر التشريع المُعتبرة ستة مصادر، وهي: القرآن الكريم، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم ما ثبت منها، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس على الأحكام الفقهيّة العمليّة المُستنبطة من المصادر الأصليّة للتشريع، والاستحسان، والعُرف.
  • ذهب الإمام مالك إلى أنَّ مصادر التشريع التي يُستدلُّ بها ثمانية، وهي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وعمل أهل المدينة، وقد انحنى الإمام مالك بانتهاجه عمل أهل المدينة من مصادر التشريع مُنحناً آخر عن الفقهاء؛ حيث اعتبر أنّ أهل المدينة بحكم معرفتهم بحال النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان بينهم فإنّهم يكونون أجدر بالعلم بالأمور الشرعيّة والأحكام العمليّة لذلك أخذ بعملهم على أنّه من مَصادر التشريع، وفتوى الصحابيّ وقوله، والقياس، والمصالح المُرسَلة، والاستحسان، والذَّرائع سدُّها وفتحها.
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى أنَّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وهما عنده بنفس الدرجة من حيث الاستدلال، والإجماع، وقول الصّحابي أو فتواه، والقياس، ولم يقل الشافعيّ أو يأخذ بالاستحسان بكونه من مَصادر التشريع المُعتبرة على خلاف أبي حنيفة ومالك – رضي الله عنهما – بل إنّه كان يقول فيه: (من استحسَن فقد شَرَّع).
  • ذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إلى القول بأنّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، والإجماع، وفَتاوى الصّحابة والتابعين، والقياس، وعلى ذلك درج تلميذاه ابن تيمية، وابن قيم الجوزيّة.
  • ذهب الإمام ابن حزم الظاهري إلى أنّ مَصادر التشريع محصورةٌ في القرآن الكريم والسُّنة النبوية فقط، وأنّ غير هذه المصادر لا تُعتبر من مصادر التشريع، وهو بذلك يُظهر تأثيره بشيخه الإمام الشافعي الذي كان يولي كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – منزلةً خاصةً من حيث الاستدلال بهما، إلا أنّ الظاهري تشدّد أكثر من شيخه الشافعي فأبطل ما سواهما من مَصادر التّشريع المُعتبرة عند غيره من الفقهاء الثقات كالإجماع والقياس، بل إنّه غالى في التصدّي لمَن عمل بالقياس واعتبر العمل به تشريعٌ يُخالف شرع الله؛ حيث إنّ الظاهري يتوقّف في الاستدلال على ما ورد في النصوص ظاهراً ولا يلجأ إلى تحليلِ النّص وتفسيره مُطلَقاً.

مصادر التشريع من حيث تكوينها

تَنقسم مصادر التشريع من حيث قوّتها إلى مصادر تشريع أصلية، ومصادر تشريع تبعية أو تابعة أو ثانوية، أمّا مصادر التشريع الرئيسيّة فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والاجتهاد المتمثّل بالقياس، وغير تلك المصادر كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي وفتواه؛ فهي مصادر تبعية غير أصلية، وفيما يلي بيانٌ للمصادر الأصلية:[٣]

  • القرآن الكريم: هو كَلامُ الله المنزل على سَيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة الناس، والمنقول إلينا بالتواتر،[٤] ويُعتبر القرآن الكَريم المصدَر الأوّل من مصادر التشريع إطلاقاً، وقد أجمع الفقهاء على كونه من مَصادر التشريع واعتباره في ذلك.
  • السنة النبوية: يُقصد بها كُلّ ما صدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلقيةٍ أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، إلا أنّ الإمام الشافعي جعل القرآن الكريم والسنة النبوية في الدرجة نفسها؛ بمعنى أنّ المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي عند الإمام الشافعي هو القرآن والسنة،[٢] وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، أو لتثبت حُكماً جديداً لم يُشر إليه كتاب الله، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له.
  • الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصرٍ من العصور على حكمٍ خاص لمسألةٍ من المَسائل الفقهية.
  • القياس: هو إيجاد علةٍ مشتركة لإحدى المسائل التي لم تكُن في عصر النبي وصَحابته، ولم يَرد فيها نصٌ شرعي مع مسألةٍ أخرى ورد فيها نصٌ شرعي، ثم إيقاع ذلك الحُكم على المسألة المُستحدثة لاتّحادهما في العلّة بحيث يُصبح لهما الحكم نفسه.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 36.
  2. ^ أ ب الإمام محمد أبو زهره (1987)، تاريخ المذاهب الإسلامية (الطبعة الأولى)، لندن: دار الحديث، صفحة 375. بتصرّف.
  3. عفاف بنت يحيى آل حريد (27-8-1432هـ)، “مصادر التشريع الإسلامي”، الثقافة والفكر الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
  4. عبد الفتاح محمد محمد سلامة (1400هـ)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة 46)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 89. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

الشريعة الإسلامية

شَرع الله سُبحانه لعِباده شرائعَ وأحكاماً وقَواعد لتنظيم حياتِهم، لذلك ينبغي اتباع أحكام الله وشرائعه كما جاءت بلسان أنبيائه دون التفكير في تفاصيلها أو البحث عن السّبب في تشريعها ما دام ذلك الأمر أو الشريعة أو الحكم المنقول عن الله قد ثبت بأحد مَصادر التشريع المُعتبرة شرعاً.

إنّ مَصادرَ التشريع التي تثبُت الأحكام والشرائع من خلالها فأوّلها كتاب الله – سبحانه وتعالى – فإن جاءَ في كِتاب الله أمرٌ عامٌ وَجَب حينها الانصياع له تمثّلاً بقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)،[١] ثم تأتي بعد كتاب الله في المنزلة سُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بجميع مكوناتها – الفعلية والقولية والتقريرية – وغير ذلك ممّا ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – وصحَّ وثبت نقله عنه، فهذان المَصدران من مَصادر التشريع مُتّفقٌ عليهما بين أهل العلم من الفقهاء الثقات، ولكن هنالك بعض المصادر الأخرى للتشريع الإسلامي التي ذكرها العلماء غير كتاب الله وسنة رسوله، فما هي تلك المصادر؟ وما مدى حجيتها في الإسلام؟

مصادر التشريع الإسلامي

مصادر التشريع في المذاهب الفقهية

اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر التشريع كالقرآن والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر، وبيان آرائهم وأقوالهم في ذلك على النحو الآتي:[٢]

  • يَرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أنّ مَصادر التشريع المُعتبرة ستة مصادر، وهي: القرآن الكريم، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم ما ثبت منها، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس على الأحكام الفقهيّة العمليّة المُستنبطة من المصادر الأصليّة للتشريع، والاستحسان، والعُرف.
  • ذهب الإمام مالك إلى أنَّ مصادر التشريع التي يُستدلُّ بها ثمانية، وهي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وعمل أهل المدينة، وقد انحنى الإمام مالك بانتهاجه عمل أهل المدينة من مصادر التشريع مُنحناً آخر عن الفقهاء؛ حيث اعتبر أنّ أهل المدينة بحكم معرفتهم بحال النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان بينهم فإنّهم يكونون أجدر بالعلم بالأمور الشرعيّة والأحكام العمليّة لذلك أخذ بعملهم على أنّه من مَصادر التشريع، وفتوى الصحابيّ وقوله، والقياس، والمصالح المُرسَلة، والاستحسان، والذَّرائع سدُّها وفتحها.
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى أنَّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وهما عنده بنفس الدرجة من حيث الاستدلال، والإجماع، وقول الصّحابي أو فتواه، والقياس، ولم يقل الشافعيّ أو يأخذ بالاستحسان بكونه من مَصادر التشريع المُعتبرة على خلاف أبي حنيفة ومالك – رضي الله عنهما – بل إنّه كان يقول فيه: (من استحسَن فقد شَرَّع).
  • ذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إلى القول بأنّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، والإجماع، وفَتاوى الصّحابة والتابعين، والقياس، وعلى ذلك درج تلميذاه ابن تيمية، وابن قيم الجوزيّة.
  • ذهب الإمام ابن حزم الظاهري إلى أنّ مَصادر التشريع محصورةٌ في القرآن الكريم والسُّنة النبوية فقط، وأنّ غير هذه المصادر لا تُعتبر من مصادر التشريع، وهو بذلك يُظهر تأثيره بشيخه الإمام الشافعي الذي كان يولي كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – منزلةً خاصةً من حيث الاستدلال بهما، إلا أنّ الظاهري تشدّد أكثر من شيخه الشافعي فأبطل ما سواهما من مَصادر التّشريع المُعتبرة عند غيره من الفقهاء الثقات كالإجماع والقياس، بل إنّه غالى في التصدّي لمَن عمل بالقياس واعتبر العمل به تشريعٌ يُخالف شرع الله؛ حيث إنّ الظاهري يتوقّف في الاستدلال على ما ورد في النصوص ظاهراً ولا يلجأ إلى تحليلِ النّص وتفسيره مُطلَقاً.

مصادر التشريع من حيث تكوينها

تَنقسم مصادر التشريع من حيث قوّتها إلى مصادر تشريع أصلية، ومصادر تشريع تبعية أو تابعة أو ثانوية، أمّا مصادر التشريع الرئيسيّة فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والاجتهاد المتمثّل بالقياس، وغير تلك المصادر كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي وفتواه؛ فهي مصادر تبعية غير أصلية، وفيما يلي بيانٌ للمصادر الأصلية:[٣]

  • القرآن الكريم: هو كَلامُ الله المنزل على سَيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة الناس، والمنقول إلينا بالتواتر،[٤] ويُعتبر القرآن الكَريم المصدَر الأوّل من مصادر التشريع إطلاقاً، وقد أجمع الفقهاء على كونه من مَصادر التشريع واعتباره في ذلك.
  • السنة النبوية: يُقصد بها كُلّ ما صدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلقيةٍ أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، إلا أنّ الإمام الشافعي جعل القرآن الكريم والسنة النبوية في الدرجة نفسها؛ بمعنى أنّ المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي عند الإمام الشافعي هو القرآن والسنة،[٢] وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، أو لتثبت حُكماً جديداً لم يُشر إليه كتاب الله، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له.
  • الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصرٍ من العصور على حكمٍ خاص لمسألةٍ من المَسائل الفقهية.
  • القياس: هو إيجاد علةٍ مشتركة لإحدى المسائل التي لم تكُن في عصر النبي وصَحابته، ولم يَرد فيها نصٌ شرعي مع مسألةٍ أخرى ورد فيها نصٌ شرعي، ثم إيقاع ذلك الحُكم على المسألة المُستحدثة لاتّحادهما في العلّة بحيث يُصبح لهما الحكم نفسه.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 36.
  2. ^ أ ب الإمام محمد أبو زهره (1987)، تاريخ المذاهب الإسلامية (الطبعة الأولى)، لندن: دار الحديث، صفحة 375. بتصرّف.
  3. عفاف بنت يحيى آل حريد (27-8-1432هـ)، “مصادر التشريع الإسلامي”، الثقافة والفكر الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
  4. عبد الفتاح محمد محمد سلامة (1400هـ)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة 46)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 89. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الشريعة الإسلامية

شَرع الله سُبحانه لعِباده شرائعَ وأحكاماً وقَواعد لتنظيم حياتِهم، لذلك ينبغي اتباع أحكام الله وشرائعه كما جاءت بلسان أنبيائه دون التفكير في تفاصيلها أو البحث عن السّبب في تشريعها ما دام ذلك الأمر أو الشريعة أو الحكم المنقول عن الله قد ثبت بأحد مَصادر التشريع المُعتبرة شرعاً.

إنّ مَصادرَ التشريع التي تثبُت الأحكام والشرائع من خلالها فأوّلها كتاب الله – سبحانه وتعالى – فإن جاءَ في كِتاب الله أمرٌ عامٌ وَجَب حينها الانصياع له تمثّلاً بقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)،[١] ثم تأتي بعد كتاب الله في المنزلة سُنّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – بجميع مكوناتها – الفعلية والقولية والتقريرية – وغير ذلك ممّا ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – وصحَّ وثبت نقله عنه، فهذان المَصدران من مَصادر التشريع مُتّفقٌ عليهما بين أهل العلم من الفقهاء الثقات، ولكن هنالك بعض المصادر الأخرى للتشريع الإسلامي التي ذكرها العلماء غير كتاب الله وسنة رسوله، فما هي تلك المصادر؟ وما مدى حجيتها في الإسلام؟

مصادر التشريع الإسلامي

مصادر التشريع في المذاهب الفقهية

اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر التشريع كالقرآن والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر، وبيان آرائهم وأقوالهم في ذلك على النحو الآتي:[٢]

  • يَرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله أنّ مَصادر التشريع المُعتبرة ستة مصادر، وهي: القرآن الكريم، وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم ما ثبت منها، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس على الأحكام الفقهيّة العمليّة المُستنبطة من المصادر الأصليّة للتشريع، والاستحسان، والعُرف.
  • ذهب الإمام مالك إلى أنَّ مصادر التشريع التي يُستدلُّ بها ثمانية، وهي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وعمل أهل المدينة، وقد انحنى الإمام مالك بانتهاجه عمل أهل المدينة من مصادر التشريع مُنحناً آخر عن الفقهاء؛ حيث اعتبر أنّ أهل المدينة بحكم معرفتهم بحال النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي كان بينهم فإنّهم يكونون أجدر بالعلم بالأمور الشرعيّة والأحكام العمليّة لذلك أخذ بعملهم على أنّه من مَصادر التشريع، وفتوى الصحابيّ وقوله، والقياس، والمصالح المُرسَلة، والاستحسان، والذَّرائع سدُّها وفتحها.
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى أنَّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، وهما عنده بنفس الدرجة من حيث الاستدلال، والإجماع، وقول الصّحابي أو فتواه، والقياس، ولم يقل الشافعيّ أو يأخذ بالاستحسان بكونه من مَصادر التشريع المُعتبرة على خلاف أبي حنيفة ومالك – رضي الله عنهما – بل إنّه كان يقول فيه: (من استحسَن فقد شَرَّع).
  • ذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إلى القول بأنّ مصادر التشريع المُعتبرة هي: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية، والإجماع، وفَتاوى الصّحابة والتابعين، والقياس، وعلى ذلك درج تلميذاه ابن تيمية، وابن قيم الجوزيّة.
  • ذهب الإمام ابن حزم الظاهري إلى أنّ مَصادر التشريع محصورةٌ في القرآن الكريم والسُّنة النبوية فقط، وأنّ غير هذه المصادر لا تُعتبر من مصادر التشريع، وهو بذلك يُظهر تأثيره بشيخه الإمام الشافعي الذي كان يولي كتاب الله وسنّة نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – منزلةً خاصةً من حيث الاستدلال بهما، إلا أنّ الظاهري تشدّد أكثر من شيخه الشافعي فأبطل ما سواهما من مَصادر التّشريع المُعتبرة عند غيره من الفقهاء الثقات كالإجماع والقياس، بل إنّه غالى في التصدّي لمَن عمل بالقياس واعتبر العمل به تشريعٌ يُخالف شرع الله؛ حيث إنّ الظاهري يتوقّف في الاستدلال على ما ورد في النصوص ظاهراً ولا يلجأ إلى تحليلِ النّص وتفسيره مُطلَقاً.

مصادر التشريع من حيث تكوينها

تَنقسم مصادر التشريع من حيث قوّتها إلى مصادر تشريع أصلية، ومصادر تشريع تبعية أو تابعة أو ثانوية، أمّا مصادر التشريع الرئيسيّة فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع الصحابة، والاجتهاد المتمثّل بالقياس، وغير تلك المصادر كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي وفتواه؛ فهي مصادر تبعية غير أصلية، وفيما يلي بيانٌ للمصادر الأصلية:[٣]

  • القرآن الكريم: هو كَلامُ الله المنزل على سَيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- المُتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة الناس، والمنقول إلينا بالتواتر،[٤] ويُعتبر القرآن الكَريم المصدَر الأوّل من مصادر التشريع إطلاقاً، وقد أجمع الفقهاء على كونه من مَصادر التشريع واعتباره في ذلك.
  • السنة النبوية: يُقصد بها كُلّ ما صدر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلقيةٍ أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، إلا أنّ الإمام الشافعي جعل القرآن الكريم والسنة النبوية في الدرجة نفسها؛ بمعنى أنّ المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي عند الإمام الشافعي هو القرآن والسنة،[٢] وقد جاءت السنة النبوية لتوضيح ما جاء في القرآن الكريم من أحكام، وتفصيل جزئياته، أو لتثبت حُكماً جديداً لم يُشر إليه كتاب الله، فهي موضّحةٌ لكتاب الله متمّمةٌ له.
  • الإجماع: يُقصد به اتفاق مجموعة من المُجتهدين الثقات في عصرٍ من العصور على حكمٍ خاص لمسألةٍ من المَسائل الفقهية.
  • القياس: هو إيجاد علةٍ مشتركة لإحدى المسائل التي لم تكُن في عصر النبي وصَحابته، ولم يَرد فيها نصٌ شرعي مع مسألةٍ أخرى ورد فيها نصٌ شرعي، ثم إيقاع ذلك الحُكم على المسألة المُستحدثة لاتّحادهما في العلّة بحيث يُصبح لهما الحكم نفسه.

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 36.
  2. ^ أ ب الإمام محمد أبو زهره (1987)، تاريخ المذاهب الإسلامية (الطبعة الأولى)، لندن: دار الحديث، صفحة 375. بتصرّف.
  3. عفاف بنت يحيى آل حريد (27-8-1432هـ)، “مصادر التشريع الإسلامي”، الثقافة والفكر الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2017. بتصرّف.
  4. عبد الفتاح محمد محمد سلامة (1400هـ)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة 46)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 89. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى