محتويات
مقدمة
القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلّم” ليكون معجزته الخالدة التي يهدي بها البشرية إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، وأنزل معه ديننا الحنيف الذي كرّمنا الله بأن نكون من أتباعه. فكان للقرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف الذي تعهّد الله بحفظهما إلى يوم الدين الكثير من العلماء والفقهاء الذين شرفهم الله بحملهم لهذه الرسال، ونتيجة لذلك فقد وجدت الكثير من العلوم الإسلاميّة الشرعيّة التي درست أحكام الإسلام والدين والقرآن والسنة.
من العلوم الإسلاميّة المعروفة علوم القرآن الكريم، وعلوم التفسير، وعلوم القراءات، وعلوم الكلام، وعلوم الحديث، وعلوم المتن، وعلوم الرواية، وعلوم الفقه، وغيرها الكثير. وفي مقالنا هذا سنتعرّف على تعريف الفقه الإسلامي، ومصادر التشريع، وأصول الفقه وفروعه، ومراحل نشأته، والمدارس الفقهية الأربعة المشهورة.
تعريف علم الفقه لغة وإصطلاحاً
- الفقه لغة: في اللغة العربية الفصيحة الفقه هو العلم بالشيء وفهمه ومعرفته معرفة جيدة. وقد ارتبط هذا المصطلح بعلم الدين الإسلامي لشرفه وأهمية فهمه.
- الفقه اصطلاحاً: هو مصطلح يطلق على العلم الذي يُعنى بفهم أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها من أدلتها التفصيليّة في القرآن الكريم والسنة النبوية في كل مناحي حياة المسلم بما عليه من أفعال وعبادات مكلّف بها، وهو العلم الذي يقرّر حكم الشيء بحلاله وحرامه ووجوبه وندبه وكراهيته. والفقه الإسلاميّ نظرياُ يشتمل دراسة علوم أساسية فيه، ألا وهي علم فروع الفقه، وأيضاً علم أصول الفقه، وعلم الاستدلال، وغيره.
والأحكام الفقهية التي تضم هذا العلم تشمل المعرفة بأحكام العبادات، وأحكام المعاملات المدنيّة بين الناس، وأحكام الأحوال الشخصية وأحكام الجنائيات، والأحكام القضائية، والأحكام الدولية، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بالإمامة والخلافة والسياسة.
مصادر التشريع في علم الفقه
عند التشريع في علم الفقه، فإنّ علماء المسلمين يعتمدون في تشريعهم للأحكام على مصادر الشريعة ألا وهي:
- القرآن الكريم.
- السنة النبوية الشريفة، كالأحاديث وكل ما ورد عن الرسول محمد “صلّى الله عليه وسلّم” من قول أو فعل أو تقرير.
- الإجماع والقياس والإجتهاد لفقهاء الدين الإسلامي، يقول تعالى في سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”، صدق الله العظيم.
ما هي علوم الفقه
- علوم الفقه الإسلامي متعددة، منها:
- علم أصول الفقه: هذا العلم هو العلم الذي يعتيمد على الأدلة الشرعية ويستمد أحكامه منها ومن أدلتها التفصيليّة، وهو علم يقوم بوضع كل القواعد الأساسية في الأحكام الشرعية، وهي تعتمد على القرآن الكريم ثمّ السنة النبوية الشريفة وأخيراً الإجماع في إصدار الأحكام الشرعيّة كأصول أساسية، بينما تعتمد على الإستحسان، والعرف، والعادات المتعارف عليها، والمصالح العامة كأصول ثانوية في استنباط الأحكام في حالة عدم وجود أدلة واضحة عليها في الأصول الأساسية.
- علم فروع الفقه: وهو العلم الذي يعنى باستنباط الأحكام الفرعية من أصول الأحكام، وذلك حسب الموضوع الذي يدرسه، ومن أهم الأمثلة عليه: فقه المعاملات وتصنيفها وأحكامها كلها، كأحكام الرهن، وأحكام الربا، وأحكام البيع، وأحكام الإجار، وأحكام الوقف، وغيره، وأيضاً من أمثلته فقه العبادات، والذي يختص بالأحكام المتعلقة بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والعمرة، والطهارة، والزواج، وغيرها من الأحكام، وهذا بالإضافة إلى الأمور الإسلامية الأخرى المفروضة على المسلمين في حياتهم كأحكام الزواج، والطلاق، والأبناء، والتربية، والنفقات، والمواريث، والأطعمة المحللة والمحرمة، والنذور، والشهادات، وغيرها من أحكام الإسلام الأخرى.
- قواعد علم الفقه: وهو العلم الذي يتم من خلاله وضع قواعد أساسية في أحكام الشريعة، وعليها يتم استنباط أحكام الأمور الأخرى، مثال ذلك قاعدة: “لا ضرر ولا ضرار”، والتي من خلالها استطاع الفقهاء أن يجمعوا على تحريم التدخين والأرجيلة والمخدرات لما لها من تأثير سلبي وضار على صحة المسلم، وهكذا دواليك.
فضل المعرفة بعلم الفقه
إنّ المعرفة والإلمام بعلم الفقه وأحكامه الشرعية فرض عين على المسلم البالغ العاقل، وهناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث المسلم على تعلم أحكام هذا العلم الفضيل، وتبين لنا أهمية عالم الفقه ومكانته، يقول تعالى في كتابه العزيز: “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ”، أمّا رسولنا الكريم – صلوات الله عليه وسلامه – فيقول: “من يرد اللّه به خيراً يفقّهه في الدّين”.
تطوّر علم الفقه منذ زمن رسولنا الكريم إلى يومنا هذا
- بدأ علم الفقه في زمن الرسول محمد “صلّى الله عليه وسلّم” وقد كان القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي أبواب التشريع فقط.
- بعد وفاة الرسول محمد “صلّى الله عليه وسلّم” جاء عصر الخلفاء الراشدين الذين اسلتموا هذا العلم بتطبيق أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى اجتهاداتهم الخاصة حسب – القياس – ، وذلك حتى منتصف القرن القرن الأول الهجريّ.
- في أوائل القرن الثاني الهجريّ بدأت المذاهب الفقهية بالظهور وبدأت بالمذهب الحنفيّ.
- بعد القرن الثاني الهجريّ إلى منتصف القرن الرابع كانت المذاهب الأربعة قد تأسست ووجدت، وتم وضع أصول هذا العلم.
- حتى القرن السابع الهجريّ كان دور “التحرير والترجيج” وهي المرحلة التي سادت فيها “انحطاط” بهذا العلم، لاعتمادهم على المذاهب الأربعة وتقديسها دون أي اجتهاد فيها.
- في القرن السابع الهجري في عام 1293هـ ظهرت “مجلة الأحكام” التي جددت فيها وواكبت العصر أكثر، إلى أن تصل إلى يومنا هذا.
كان علم الفقه موجوداً في زمن الرسول “صلى الله عليه وسلّم” لكنه لم يكن مصنفاً كنوع من أنواع العلوم الإسلامية، وكذلك الأمر في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين، وقد نشأ فيما بعد مدارس فقهية أساسية يقوم عليها هذا العلم وقد أسس له الفقهاء بدراسة هذا العلم وفق مناهج علميّة واستنتاجات واستنباطات مهمة في الشريعة الإسلاميّة، وقد كان من أشهرها المذاهب الفقهية الأربعة.
أمّا المذاهب الفقهيّة الأربعة التي يقوم عليها هذا العلم فهي:
- المذهب الحنفيّ، وإمامه أبو حنيفة النعمان، وهو يمثّل فقه الكوفة.
- المذهب المالكيّ، وإمامه مالك ابن أنس، وهو يمثّل فقه المدينة المنورة.
- المذهب الشافعيّ، وإمامه الشافعيّ، الذي أخذ واستنبط من أبي حنيفة وابن مالك، وقد تأسس هذا المذهب في بغداد.
- المذهب الحنبليّ، وإمامه أحمد ابن حنبل، والذي تأثر بـ “سفيان الثوريّ” و “الشافعيّ”، وقد تأسس هذا المذهب في بغداد أيضاً.
ومن أهم الكتب الفقهية التي يمكننا الرجوع إليها عند الحاجة كتاب “ردّ المحتار على الدرّ المختار” الذي يمثل المذهب الحنفيّ، ومنها كتاب “مختصر خليل” والذي يمثل المذهب المالكيّ، ومنها كتاب “المنهاج” للشافعي و”آية المحتاج إلى شرح المنهاج” الذي يمثل المذهب الشافعيّ، وكتاب “الإنصاف” للمرداويّ والذي يمثل المنهج الحنبليّ، وغيرهم الكثير من الكتب المهمة في علم الفقه كتاج العروس للزبيديّ.