صلاة الوتر
يطلق الوتر في اللغة على العدد الفردي، فقد يكون واحداً أو ثلاثةً أو خمسةً أو غير ذلك من الأعداد الفردية، ومن ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ وِترٌ يحبُّ الوِترَ)،[١] أمّا صلاة الوتر في الاصطلاح الشرعي فهي تطلق على الصلاة التي يؤدّيها المسلم ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، وأُطلق عليها صلاة الوتر لأنها تُؤدّى وتراً؛ أي ركعةً واحدةً، أو ثلاث ركعاتٍ، أو غير ذلك، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء اختلفوا في حكم صلاة الوتر، فذهب الجمهور منهم إلى القول بأنّها سنةٌ مؤكدةٌ وليست واجبةً، والدليل على ذلك إجابة الرسول -عليه الصلاة والسلام- للرجل الذي سأله عن الفروض في اليوم والليلة، فقد قال: (خمس صلوات في اليومَ والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلّا أن تطوع)،[٢] أمّا الفريق الثاني من العلماء الذي يتمثّل بالحنفية فقد ذهبوا إلى القول بوجوب الوتر، واستندوا على ذلك بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (الوترُ حقٌّ، فمنْ لمْ يوترْ فليسَ منَّا)،[٣] كما ورد في السنة النبوية ما يدلّ على أن الوتر يُقضى، إلّا أنّ الراجح من القولين أنّ الوتر سنةٌ مؤكدةٌ وليس واجباً لقوّة الأدلة التي تبيّن سنيّته.[٤]
عدد ركعات صلاة الوتر
تؤدّى صلاة الوتر بعددٍ مُتابينٍ من الركعات، وأقلّ الوتر ركعةً واحدةً، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (الوترُ ركعةٌ من آخرِ الليلِ)،[٥] ويجوز الوتر بثلاث ركعاتٍ تختلف عن ركعات المغرب، لقول النبي: (لا توتِروا بثلاثٍ أوتِروا بخمسٍ أو بسبعٍ ولا تشبَّهوا بصلاةِ المغربِ)،[٦] فلا يجوز للمسلم أداء صلاة الوتر بثلاث ركعات مثل صلاة المغرب، فإمّا أن يسردها جميعاً بجلوسٍ واحدٍ في آخرها، وإمّا أن يسلّم من الركعتين، ثمّ يصلّي ركعةً واحدةً ويسلّم منها، وذلك ما ورد عن عبد الله بن عمر أنّه مِن فعل النبي عليه الصلاة والسلام، كما يجوز الوتر بأداء خمس ركعاتٍ أو سبعٍ، لا يسلّم المصلّي منهن إلّا مرةً واحدةً، فيكون أداء الركعات بشكلٍ متصلٍ، بتشهّدٍ واحدٍ في آخرهنّ، ثمّ التسليم منهن، ودليل ذلك ما روته أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قالت: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يوترُ بخَمسٍ، وبِسبعٍ، لا يفصِلُ بينَها بسلامٍ، ولا بِكَلامٍ)،[٧] وإن نوى المصلّي أداء الوتر تِسْع ركعاتٍ؛ فعيله الجلوس والتشهّد بعد الركعة الثامنة، دون التسليم، ثمّ القيام للإتيان بالركعة التاسعة، وبعد التاسعة يجلس ويتشهّد ويسلّم، وإن كانت النية أداء إحدى عشر ركعةً، فعلى المصلّي التسليم من كلّ ركعتين، ثمّ إنهاء الصلاة بأداء ركعةٍ واحدةٍ.[٨]
أحكامٌ تتعلّقٌ بصلاة الوتر
بيّن العلماء والفقهاء العديد من الأحكام والمسائل المتعلّقة بصلاة الوتر، وفيما يأتي بيان البعض منها بنحوٍ مفصّلٍ:[٩]
- يبدأ وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء، وينتهي بطلوع الفجر الثاني، وقال ابن المنذر في ذلك: (أجمعوا على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر، وكذلك إذا صلّى العشاء جمع تقديم مع المغرب، فيبدأ وقت الوتر من بعد تمام صلاة العشاء)، ولا يجوز من المسلم تعمّد وقصد تأخير الوتر إلى الصبح، وإن فاتته إلى أن طلع الفجر فيجوز أداء الوتر ما لم تصلّى صلاة الصبح، والدليل على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن نامَ عنِ الوترِ أو نسيَهُ، فليُصلِّ إذا أصبحَ، أو ذَكَرَهُ)،[١٠] وذلك ما ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- أيضاً، مثل: ابن مسعود، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وحذيفة، وعائشة، وذلك ما نصّ عليه كلٌّ من الإمام أحمد والإمام مالك، والإمام الشافعي، وتجدر الإشارة إلى جواز قضاء الوتر، إلّا أنّ قضاؤه لا يكون إلّا شفعاً، فمن كانت عادته أداء الوتر ركعةً واحدةً فيقضيه ركعتين، ومن كانت عادته ثلاث ركعاتٍ فيقضيه أربع ركعاتٍ.
- يعد الثلث الأخير من الليل أفضل الأوقات لأداء الوتر، ولكن ذلك إن كان المسلم واثقاً من استيقاظه، وإن لم يأمن المسلم الاستيقاظ في الثلث الأخير فعليه أن يُوتر قبل أن ينام، والصلاة آخر الليل تشهدها الملائكة، ويكون العبد فيها مناجياً لربه، يسأله حاجاته، وهي ذاتها الصلاة التي يطلق عليها التهجُّد، التي ذكرها الله -تعالى- بقوله: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)،[١١] فصلاة التهجُّد لا تكون إلّا بعد النوم.
- يُشرع القنوت في صلاة الوتر دون المداومة عليه عند الجمهور من العلماء، وقال الألباني -رحمه الله- في ذلك: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في ركعة الوتر أحياناً، وقلنا أحياناً لأنّ الصحابة الذين رووا الوتر لم يذكروا القنوت فيه، فلو كان يفعله دائماً لنقلوه جميعاً عنه، نعم رواه عنه أُبي بن كعب وحده؛ فدلّ على أنّه كان يفعله أحياناً)، وتجدر الإشارة إلى أنّ القنوت يُشرع قبل الركوع أو بعده، والسنة التنويع بين الأمرين، بأن يكون أحياناً قبل الركوع، وأحياناً أخرى بعده، وقال ابن عثيمين في ذلك: (فيكون موضع القنوت من السنن المتنوعة التي يفعلها أحياناً هكذا و أحياناً هكذا)، والقنوت يكون بالدعاء الوارد عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ الصلاة عليه في آخر الدعاء، ويجوز للمسلم الدعاء بما يشاء بعد ذلك.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 453، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم: 2678، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن بريدة بن حصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 9644، صحيح.
- ↑ “صلاة الوتر: فضائل وأحكام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 752، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2429، اخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم: 1713، صحيح.
- ↑ “وقفات مع صلاة الوتر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
- ↑ “أحكام صلاة الوتر”، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 984، صحيح.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 79.