محتويات
الصحابة رضي الله عنهم
إن الصحابة -رضي الله عنهم- خير البشر بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، فقد اطّلع الله -تعالى- على قلوب العباد فاختار أطهرهم قلباً، وأنقاهم روحاً، وأعظمهم خلقاً؛ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وبعثه بالرسالة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ثم نظر إلى قلوب البشر مرةً أخرى واختار الصحابة -رضي الله عنهم- ليكونوا وزراء نبيّه عليه الصلاة والسلام، وأنصار دينه، وقد أثنى الله -تعالى- عليهم في القرآن الكريم، حيث قال: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)،[١] ورُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ)،[٢] وقد ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في الإخلاص، وطهر القلب، وعفّة اليد، وأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة؛ أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة، وأهل بدر، وشهداء أحد، وأصحاب بيعة الرضوان -رضي الله عنهم- جميعاً.[٣][٤]
أبو أيوب الأنصاري
هو الصحابي الجليل خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج، كان من السباقين إلى الإسلام في المدينة المنورة، وشهد بيعة العقبة الثانية، وقد آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين مصعب بن عمير رضي الله عنه، وخاض معركة بدر، وأحد، وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة ومنها في صحيح البخاري ومسلم.[٥]
وروى عنه الحديث العديد من الصحابة والتابعين منهم: البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، والمقدام بن معد يكرب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وجبير بن نفير، وموسى بن طلحة، ومن الجدير بالذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خصّ أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بُنيت له حجرة أم المؤمنين سودة، وبُني المسجد الشريف، وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- عيّنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والياً على البصرة، وفي أحد الأيام وفد عليه فبالغ في إكرامه، وقال له: لأجزينك على إنزال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندك، فبلغ عطائه أربعين ألفاً.[٥]
مواقف أبو أيوب الأنصاري
كان أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- رجل المواقف، وقد سُجّلت مواقفه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- بأحرفٍ من ذهب، وفيما يأتي ذكر بعض هذه المواقف:[٦][٧]
- نزول النبي عليه الصلاة والسلام في بيته: عند وصول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة مهاجراً، كانت الجموع الغفيرة من الأنصار باستقباله، والفرحة والبهجة تملأ وجوههم وقلوبهم بقدوم النبي عليهم، وقد تزاحم الناس حول ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكل واحدٍ منهم يطمع باستضافته، ثم سارت الناقة حتى مرّت بدور بني سالم بن عوف، فاعترضوها وأخذوا زمامها وقالوا: “يا رسول الله، أقم عندنا، فلدينا العدد والعدّة والمنعة”، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بأن يخلّوا سبيل الناقة لأنها مأمورة، وسار الموكب، وكلما مرّ بدور قوم من الأنصار طلبوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- النزول عندهم، ولكنه كان يجيبهم بأن الناقة مأمورة، إلى أن وصلت الناقة إلى دار أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- فبركت عنده.
- فأسرع أبو أيوب -رضي الله عنه- واحتمل رحل النبي -عليه الصلاة والسلام- وكأنه حاز كنوز الدنيا من شدّة الفرح، ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضيفاً عند أبي أيوب رضي الله عنه، وكان أبو أيوب -رضي الله عنه- يحرص كل الحرص على راحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رُوي عنه أنه قال: (أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَزَلَ في بيتِنا الأسفَلِ، وكُنتُ في الغُرْفةِ، فأُهريقَ ماءٌ في الغُرْفةِ، فقُمتُ أنا وأُمُّ أيُّوبَ بقَطيفةٍ لنا نَتَّبِعُ الماءَ؛ شَفَقةَ أنْ يَخلُصَ الماءُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَزَلتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأنا مُشفِقٌ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّه ليس يَنبَغي أنْ نكونَ فَوقَك، انتَقِلْ إلى الغُرْفةِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَتاعِه فنُقِلَ).[٨]
- حادثة الإفك: ضرب أبو أيوب -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في حسن الظن بالمؤمنين في حادثة الإفك، وذلك عندما عاش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهراً من المحنة والابتلاء بسبب رميه في عرضه وفي دعوته ورسالته، وقبل أن تتنزّل براءة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في قرآنٍ يتلى إلى قيام الساعة، كان لأبي أيوب -رضي الله عنه- موقفٌ عظيم، حيث ذهب إلى زوجته أم أيوب وقال لها: “يا أم أيوب، أرأيت لو كنت مكان عائشة أيمكن أن تفعلي ما رُميت به عائشة رضي الله عنها”؟ قالت: “لا والله”، قال: “فوالله لعائشة خيرٌ منك وخيرٌ من نساء العالمين”.[٩]
وفاة أبو أيوب الأنصاري
عاش أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- حياته مجاهداً في سبيل الله، إذ لم يتخلّف عن غزوة واحدة، ولما بلغ الثمانين من عمره خرج في جيش معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- لفتح بلاد الروم، ولما وصل الجيش أسوار القسطنطينية مرض أبو أيوب رضي الله عنه، فذهب إليه قائد الجيش يزيد بن معاوية ليتفقّد أحواله، فقال له: “يا أبا أيوب، ما حاجتك”؟ فأوصى -رضي الله عنه- أن يُحمل جثمانه بعد وفاته على فرسه ويُدفن في أبعد بقعةٍ في أرض العدو، حتى يسمع صوت حوافر الخيل إذا زحف جيش المسلمين فوق قبره، فيعلم أنهم قد حقّقوا النصر والفوز، وبعد وفاته أنجز يزيد بن معاوية وصيّته ودفنه في قلب القسطنطينية، ورُوي أن الروم كانوا يتبرّكون بقبره قبل أن تُفتح القسطنطينة.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة التوبة، آية: 100.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2652، صحيح.
- ↑ عبد المجيد مباركي (9-8-2017)، “صحابة رسول الله -رضي الله عنهم- وأرضاهم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
- ↑ د. نايف الحمد، “فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-“، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الذهبي (1422هـ – 2001م )، سير أعلام النبلاء، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 403-413، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ “أبو أيوب الأنصاري”، www.islamstory.com، 2006-5-1، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
- ↑ “موارد الظمآن لدروس الزمان”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 23570 ، إسناده صحيح.
- ↑ “هكذا علمتني الحياة – أبو أيوب الأنصاري “، www.ar.islamway.net، 2014-8-25، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
- ↑ د.محمد راتب النابلسي (1993-01-11)، “الصحابة الكرام : 14 – سيدنا أبو أيوب الأنصاري”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.