إسلام

ولآمرنهم فليغيرن خلق الله

ولآمرنهم فليغيرن خلق الله

مقالات ذات صلة

معنى آية “ولآمرنهم فليغيرن خلق الله”

تعددت آراء الصحابة والمفسرين من بعدهم في تحديد المعنى المراد بتغير خلق الله، والذي ورد في الآية الكريمة رقم مئة وتسعة عشر من سورة النساء في قوله تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرانًا مُبِينًا)،[١] وذهب العلماء في تفسير المعنى إلى طريقتين:[٢]

  • الطريقة الأولى: النظر إلى المعنى الباطني المعنوي؛ ويُفسر تغيير خلق الله بذلك على أنه:
    • تغيير فطرة الله -تعالى- التي فطر الناس عليها، وتغيير دين الله تعالى.[٣]
    • تغيير دين الله -سبحانه وتعالى-.
    • اتخاذ الإنسان المخلوقات التي خلقها الله -تعالى- لغير ما خلقها له؛ مثل الكواكب التي اتخذزها آلهة معبودة، فقاموا بذلك بتغيير المعنى المراد من خلق الله -سبحانه وتعالى- لهذه المخلوقات.[٤]
    • تغيير أمر الله -سبحانه وتعالى-.
    • تغيير التحريم والتحليل في الأحكام الشرعية والتدبيل بينهما.[٥]
    • تغيير الأنساب.

  • الطريقة الثانية: النظر إلى المعنى الظاهر الحسي؛ ويكون تغيير خلق الله تعالى بناءً على هذه الطريقة عبارة عن:
    • الإخصاء -قطع الأعضاء التناسلية- للبهائم والحيوانات.[٦]
    • قطع آذان الأنعام وفقء عيونها.
    • الوشم.
    • وصل الشعر.
    • فلج الأسنان.
    • صبغ الشعر باللون الأسود.
    • تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال.

وتجدر الإشارة إلى أن القائل هنا هو الشيطان الرجيم، والذي كان هدفه وما زال منذ بدء الخليقة غواية الإنسان، وحرفه عن الفطرة السليمة التي فطره الله -تعالى- عليها،[٤] وواحدة من طرق غوايته أن يوسوس للإنسان بتغيير خلق الله -سبحانه وتعالى- وتزيين المحرمات وتضلال الإنسان،[٧] وأنه سيتخذ نصيباً له من الإنسان من خلال غوايته وتحريضه على مخالفة أمر الله -سبحانه وتعالى-، وتغيير خلقته وفطرته التي فطر الناس عليها،[٨] ودعوة الشيطان للإنسان بفعل كل هذه الأمور لا تنطوي عليها أي مصلحة للشيطان، وإنما هدفه الوحيد الإضرار بالإنسان وإبعاده عن الله -تعالى- وعن دينه القويم وفطرته السليمة.[٩]

وتضمن توعد الشيطان في هذه الآية الكريمة لثلاثة أمور:[١٠]

  • إخراج الإنسان عن الفطرة الخَلقية وتشويهها، وتغيير الشكل الخارجي للمخلوقات.
  • اقتران هذه الأعمال بنية خاطئة؛ مثل تقديم الأنعام بعد تشويهها لغير الله -سبحانه وتعالى-.
  • أن هذه التغييرات هي تغيرات ضارة وليس فيها أي ضرورة أو نفع مرجو.

حكم تغيير خلق الله

إن حكم تغير خلق الله له حالات متعددة، ولكل حالة منها حكم مختلف؛ نبين هذه الحالات وأحكامها فيما يأتي:

ما هو التغيير المباح

إن التغيير المباح في خلق الله تعالى له ضوابط عدة، نبيها على النحو الآتي:[١١]

  • العمليات الجراحية التي تهدف لغلق الجروح، وإصلاح الأعضاء المتهتكة، وأي أمر آخر يهدف إلى إعادة العضو إلى ما كان عليه.
  • إزالة التشوهات التي قد تحدث للجنين أثناء الحمل بسبب الأدوية أو لأمر آخر، وإزالة الأصابع الزائدة، أو الزوائد اللحمية، وأي أمر آخر يخالف أصل الخلقة.
  • التغيير الإيجابي والذي يعيد الإنسان إلى الخلقة التي خلقه الله -تعالى- عليها؛ مثل العمليات الجراجية التي تزيل التشوهات والحروق ونحو ذلك، أما التغيير الذي يقصد العبث بالجسد وتغييره دون ضرورة وحاجة لذلك.[١٠]
  • التغييرات التي استحبها الشارع أو التي أوجبها والتي ورد في جوازها نص؛ مثل حلق العانة، وقص الشارب، وتقليم الأظافر ونحو ذلك.[١٢]

وتجدر الإشارة إلى أن العمليات التجميلية والتي تهدف إلى إزالة التشوهات، أو إصلاح الأعضاء تعد من الجرحات التجميلية الحاجية الضرورية؛ أي أنها لا تخالف أمر الله -تعالى-، ولا تدخل في تغيير خلق الله الذي ورد في الآية الكريمة.[١٣]

والقصد في هذه العمليات ليس العبث أو التجميل وزيادة الحسن؛ وإنما إعادة الخلقة إلى ما كانت عليه، وإزالة ما يخالف أصل الخلقة؛ فمن كان في أنفه ميلان جاز له تعديله، ومن كان في عينيه حول جاز له إصلاحه، ودليل ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لأحد الصحابة أن يتخذ أنفاً من ذهب بعد أن قطع أنفه في إحدى الغزوات.[١٣]

ما هو التغيير المحرم

وأما التغيير المحرم في خلق الله -تعالى- فيتضمن الأمور الآتية:[١٤]

  • كل تغيير يُقصد به تغيير خلق الله تعالى من غير حاجة أو ضرورة؛ مثل تغيير اللون والشكل؛ سواءً أكان شكل الوجه أو الأعضاء الأخرى.
  • الأمور التي جاء نص في تحريم تغييرها؛ مثل فلج الأسنان -المباعدة بينها-، والوشم، ووصل الشعر، وترقيق الحاجب.
  • تغيير جنس الإنسان من أنثى لذكر أو العكس؛ حيث يعد هذا من أخطر أنواع التغيير في خلق الله، والمقصود هنا من خُلق ذكراً كاملاً أو خًُلقت أنثى كاملة، أما من خُلق بأعضاء مختلطة فيجوز له إجراء عملية لإلحاقه بالجنس الغالب عليه.
  • التغيير الضار الذي يخرج الخلقة عن أصلها، والذي يكون فيه ضرر على جسد المخلوقات ولا نفع فيه؛ مثل قطع الأعضاء وتشويهها، أو قطعها بهدف بيعها.[١٠]
  • الجراحات التحسينية؛ وهي العمليات الجراحية والتي لا تتضمن ضرورة ولا حاجة لإجرائها، وإنما تكون الغاية منها فقط زيادة الجمال وتحسين الشكل؛ لأنه تغيير لا طائل منه، وفيه عبث وإدخال لشهوات الإنسان وأهوائه في حكم الله -تعالى-، كما أن فيه نوع من الغش والتخداع والتدليس.[١٣]

تحدث المقال عن المعاني والتفاسير الواردة في المقصود بتغيير خلق الله، كما تعرض لحكم التغيير وبيان أنواعه المختلفة، وبيان ما هو مباح منها وما هو غير مباح.

المراجع

  1. سورة النساء، آية:119
  2. صالح الفوزان، تغيير خلق الله ضوابطه وتطبيقاته، صفحة 4-5. بتصرّف.
  3. فيصل المبارك (1992)، توفيق الرحمن في دروس القرآن (الطبعة 1)، السعودية:دار العاصمة، صفحة 596. بتصرّف.
  4. ^ أ ب صديق خان (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، لبنان:المكتبة العصرية، صفحة 245-246، جزء 3. بتصرّف.
  5. حافظ الدين النسفي (1998)، تفسير النسفي، لبنان:دار الكلم، صفحة 379، جزء 1. بتصرّف.
  6. محمد الطبري (2000)، جامع البيان، مصر:مؤسسة الرسالة، صفحة 215-216، جزء 9. بتصرّف.
  7. عمر الأشقر (1981)، مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين، الكويت:مكتبة الفلاح، صفحة 362. بتصرّف.
  8. إسماعيل الدهلوي (2003)، رسالة التوحيد (الطبعة 1)، سوريا:دار وحي القلم، صفحة 149-150. بتصرّف.
  9. محمد الطاهر ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 206، جزء 5. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت “الأحكام الفقهية لقوله تعالى “ولآمرنهم فليغيرن خلق الله””، مجلة سرى، 2011، العدد 36، المجلد 7، صفحة 119. بتصرّف.
  11. كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، مصر:المكتبة التوقيفية، صفحة 67، جزء 3. بتصرّف.
  12. حسين العوايشة (1429)، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة 1)، لبنان:دار ابن حزم، صفحة 214. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت عبدالله الطيار وآخرون (2011)، الفقه الميسر (الطبعة 1)، السعودية:مدار الوطن للنشر، صفحة 50، جزء 12. بتصرّف.
  14. كمال السالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، مصر:المكتبة التوقيفية، صفحة 67-68، جزء 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى