الآداب

نماذج من الشعر الغنائي

نماذج من الشعر الغنائي

قصيدة: يؤرقني التذكر حين أمسي

قالت الخنساء:[١]

يُؤَرِّقُني التَذَكُّرُ حينَ أُمسي

فَأُصبِحُ قَد بُليتُ بِفَرطِ نُكسِ

عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ

لِيَومِ كَريهَةٍ وَطِعانِ حِلسِ

وَلِلخَصمِ الأَلَدُّ إِذا تَعَدّى

لِيَأخُذَ حَقَّ مَظلومٍ بِقِنسِ

فَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِجِنٍّ

وَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِإِنسِ

أَشَدَّ عَلى صُروفِ الدَهرِ أَيدًا

وَأَفصَلَ في الخُطوبِ بِغَيرِ لَبسِ

وَضَيفٍ طارِقٍ أَو مُستَجيرٍ

يُرَوَّعُ قَلبُهُ مِن كُلِّ جَرسِ

فَأَكرَمَهُ وَآمَنَهُ فَأَمسى

خَلِيّاً بالُهُ مِن كُلِّ بُؤسِ

يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخرًا

وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ

وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي

عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي

وَلَكِن لا أَزالُ أَرى عَجولًا

وَباكِيَةً تَنوحُ لِيَومِ نَحسِ

أَراها والِهاً تَبكي أَخاها

عَشِيَّةَ رُزئِهِ أَو غِبَّ أَمسِ

وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن

أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي

فَلا وَاللَهِ لا أَنساكَ حَتّى

أُفارِقَ مُهجَتي وَيُشَقُّ رَمسي

فَقَد وَدَّعتُ يَومَ فِراقِ صَخرٍ

أَبي حَسّانَ لَذّاتي وَأُنسي

فَيا لَهفي عَلَيهِ وَلَهفَ أُمّي

أَيُصبِحُ في الضَريحِ وَفيهِ يُمسي

قصيدة: أقول وقد ناحت بقربي حمامة

قال أبو فراس الحمداني:[٢]

أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ

أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي

مَعاذَ الهَوى ما ذقت طارِقَةَ النَوى

وَلا خَطَرَت مِنكِ الهُمومُ بِبالِ

أَتَحمِلُ مَحزونَ الفُؤادِ قَوادِمٌ

عَلى غُصُنٍ نائي المَسافَةِ عالِ

أَيا جارَتا ما أَنصَفَ الدَهرُ بَينَنا

تَعالَي أُقاسِمكِ الهُمومَ تَعالَي

تَعالَي تَرَي روحاً لَدَيَّ ضَعيفَةً

تَرَدَّدُ في جِسمٍ يُعَذِّبُ بالِ

أَيَضحَكُ مَأسورٌ وَتَبكي طَليقَةٌ

وَيَسكُتُ مَحزونٌ وَيَندِبُ سالِ

لَقَد كُنتُ أَولى مِنكِ بِالدَمعِ مُقلَةً

وَلَكِنَّ دَمعي في الحَوادِثِ غالِ

قصيدة: ودعت نجدًا بعد هجر هجرته

قال الشاعر ابن الدمينة:[٣]

وَدَّعتُ نَجدًا بَعدَ هَجرٍ هَجَرتُهُ

قَدِيمًا فَحَيّانِي سَقَتهُ الغَمائِمُ

أَلاَ يَا أُمَيمَ القَلبِ نَرضى إِذا بَدَا

لَنَا مِنكِ وُدٌّ مِثلُ وُدّيكِ دَائِمُ

هَجَرتُكِ أَيّاماً بذي الغَمرِ إِنّني

عَلَى هَجرِ أَيّامٍ بذي الغَمرَِ نادِمُ

هَجَرتُكَ إِشفاقًا عَلَيكِ مِنَ الرّدى

وَخَوفَ الأعادي وَاجتِنَابَ النَّمائِمِ

فَلَمَّا انقَضَت أَيّامُ ذي الغَمرِ وَارتَمَت

بِكِ الدّارُ لامتني عَلَيكِ اللَّوَائِمُ

وإني وَذَاكَ الهَجرَ لَو تَعلَمينَهُ

كَعَازِبةٍ عَن طِفلِهَا وهي رَائِمُ

مَتى تطرحي قَولَ الوُشَاةِ وتخلصي

لنا الوُدَّ يَذهَب عَنكِ مِنّا الذَّمائِمُ

وَمَا بَينَ تَفرِيقِ النَّوَى بَينَ مَن تَرَى

مِنَ الحيِّ إِلاّ أَن تَهُبَّ السَّمائِمُ

وَرُبَّ خَليلٍ سَوفَ تَفجَعُهُ النَّوى

بِخُلصَانِهِ لَو قَد تَغَنّى الحَمائِمُ

وَلَيسَ عَلَينَا أَن تَبينَ بِكِ النَّوى

فَتَنأَي ولاَ مِن أَن تَموتَ النّمائِمُ

وَلكِن عَلَينَا أَن تجودي بنائلٍ

لِغَيرِى وَيَلحَانى عَلَيكِ اللَّوَائِمُ

فَما أَعلَمَ الواشِينَ بِالسِّرِّ بَينَنَا

وَنَحنُ كِلانَا لِلمَوَدَّةِ كاتِمُ

وَمَا نلتقي إِلاّ الفُجَاءَةَ بَعدَ ما

نَرى أَنَّ أَدنى عَهدِنا المُتَقادِمُ

وَمَا نَلتَقى إِلاّ لِمامًا عَلَى عِدىً

عِدَادَ الثُّرَيّا وهي مِنكِ الغَنائمُ

أداري بِهِجرَانيكِ صِيدًا كأَنَّمَا

بآنفِهِم مِن أَن يروني الغَمائِمُ

فأشهَدُ عِندَ اللهِ لاَ زِلتُ لاَئمًا

لنفسي ما دَامَت بِمَرَّ الكَظائِمُ

لِمَنعَى مالًا مِن أُمَيمَةَ بَعدَ ما

دُعِيتُ إِليها إِنّ شجوي لَدَائِمُ

تباعَدتُ حَتَّى حِيلَ بيني وبينَهَا

كما مِن مَكانِ الفَرقَدَينِ النَّعائِمُ

قصيدة: يا فؤادي رحم الله الهوى

قال الشاعر إبراهيم ناجي:[٤]

يا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى

كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى

اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ

وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى

كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَرًا

وَحَدِيْثًا مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى

وَبِسَاطًا مِنْ نَدَامَى حُلُمٍ

هم تَوَارَوا أَبَدًا وَهُوَ انْطَوَى

يا رياحًا لَيْسَ يهدأ عَصْفُهَا

نَضَبَ الزَّيْتُ وَمِصْبَاحِي انْطَفَا

وَأَنَا أَقْتَاتُ مِنْ وَهْمٍ عَفَا

وَأَفي العُمْرَ لِنِاسٍ مَا وَفَى

كَمْ تَقَلَّبْتُ عَلَى خَنْجَرِهِ

لاَ الهَوَى مَالَ وَلاَ الجَفْنُ غَفَا

وَإذا القَلْبُ عَلَى غُفْرانِهِ

كُلَّمَا غَارَ بَهِ النَّصْلُ عَفَا

يَا غَرَامًا كَانَ مِنّي في دّمي

قَدَرًا كَالمَوْتِ أَوْفَى طَعْمُهُ

مَا قَضَيْنَا سَاعَةً في عُرْسِهِ

وقَضَيْنَا العُمْرَ في مَأْتَمِهِ

مَا انْتِزَاعي دَمْعَةً مِنْ عَيْنَيْهِ

وَاغْتِصَابي بَسْمَةً مِنْ فَمِهِ

لَيْتَ شِعْري أَيْنَ مِنْهُ مَهْرَبي

أَيْنَ يَمْضي هَارِبٌ مِنْ دَمِهِ

لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أغريتني

بِفَمٍ عَذْبِ المُنَادَاةِ رَقِيْقْ

وَيَدٍ تَمْتَدُّ نَحْوي كَيَدٍ

مِنْ خِلاَلِ المَوْجِ مُدَّتْ لِغَرِيْقْ

آهِ يَا قِيْلَةَ أَقْدَامي إِذَا

شَكَتِ الأَقْدَامُ أَشْوَاكَ الطَّرِيْقْ

يَظْمَاُ السَّاري لَهُ

أَيْنَ في عَيْنَيْكِ ذَيَّاكَ البَرِيْقْ

لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أَغْرَيْتِني

بِالذُّرَى الشُّمِّ فَأَدْمَنْتُ الطُّمُوحْ

أَنْتِ رُوحٌ في سَمَائي

وَأنَالَكِ أَعْلُو فَكَأَنّي مَحْضُ رُوحْ

يَا لَهَا مِنْ قِمَمٍ كُنَّا بِهَا

نَتَلاَقَى وَبِسِرَّيْنَا نَبُوحْ

نَسْتَشِفُّ الغَيْبَ مِنْ أَبْرَاجِهَا

وَنَرَى النَّاسَ ظِلاَلًا في السُفُوحْ

قصيدة: أعلمت من حملوا على الأعواد

قال الشريف الرضي:[٥]

أَعَلِمتَ مَن حَمَلوا عَلى الأَعوادِ

أَرَأَيتَ كَيفَ خَبا ضِياءُ النادي

جَبَلٌ هَوى لَو خَرَّ في البَحرِ اِغتَدى

مِن وَقعِهِ مُتَتابِعَ الإِزبادِ

ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَ حَطِّكَ في الثَرى

أَنَّ الثَرى يَعلو عَلى الأَطوادِ

بُعداً لِيَومِكَ في الزَمانِ فَإِنَّهُ

أَقذى العُيونَ وَفَتَّ في الأَعضادِ

لا يَنفَدُ الدَمعُ الَّذي يُبكى بِهِ

إِنَّ القُلوبَ لَهُ مِنَ الأَمدادِ

كَيفَ اِنمَحى ذاكَ الجَنابُ وَعُطِّلَت

تِلكَ الفِجاجُ وَضَلَّ ذاكَ الهادي

طاحَت بِتِلكَ المَكرُماتِ طَوائِحٌ

وَعَدَت عَلى ذاكَ الجَوادِ عَوادي

قالوا أَطاعَ وَقيدَ في شَطَنِ الرَدى

أَيدي المَنونِ مَلَكتِ أَيَّ قِيادِ

مِن مُصعَبٍ لَو لَم يَقُدهُ إِلَهُهُ

بِقَضائِهِ ما كانَ بِالمُنقادِ

هَذا أَبو إِسحَقَ يُغلِقُ رَهنُهُ

هَل ذا يَدٍ أَو مانِعٍ أَو فادِ

لَو كُنتَ تُفدى لَاِفتَدَتكَ فَوارِسٌ

مُطِروا بِعارِضِ كُلِّ يَومِ طِرادِ

وَإِذا تَأَلَّقَ بارِقٌ لِوَقيعَةٍ

وَالخَيلُ تَفحَصُ بِالرِجالِ بَدادِ

سَلوّا الدُروعَ مِنَ العُبابِ وَأَقبَلوا

يَتَحَدَّبونَ عَلى القَنا المَيّادِ

لَكِن رَماكَ مُجَبِّنُ الشُجعانِ عَن

إِقدامِهِم وَمُضَعضِعُ الأَنجادِ

كَاللَيثِ يوهَنُ بِالتَرابِ وَيَمتَلي

نَومًا عَلى الأَضغانِ وَالأَحقادِ

وَالدَهرُ تَدخُلُ نافِذاتُ سِهامِهِ

مَأوى الصِلالِ وَمَربَضَ الآسادِ

أَلقى الجِرانَ عَلى عَنطَنطِ حِميَرٍ

فَمَضى وَمَدَّ يَدًا لِأَحمَرٍ عادِ

أَعزِز عَلَيَّ بِأَن أَراكَ وَقَد خَلَت

مِن جانِبَيكَ مَقاوِدُ العُوّادِ

أَعِزِز عَلَيَّ بِأَن يُفارِقَ ناظِري

لَمَعانَ ذاكَ الكَوكَبِ الوَقّادِ

أَعزِز عَلَيَّ بِأَن نَزَلتَ بِمَنزِلٍ

مُتَشابِهِ الأَمجادِ وَالأَوغادِ

في عُصبَةٍ جُنِبوا إِلى آجالِهِم

وَالدَهرُ يُعجِلُهُم عَنِ الإِروادِ

قصيدة: أتراها يوم صدت أن أراها

قال الشاعر مهيار الديلمي:[٦]

أتُراها يومَ صدَّت أن أراها

علمتْ أنِّيَ من قَتْلَى هواها

أم رمتْ جاهلةً ألحاظُها

لم تميِّز عَمدَها لي من خَطَاها

لا ومن أرسلها مفتنةً

تحرِجُ النُّسكَ بجَمْع وقَضاها

ما رَمى نفسِيَ إلا واثقٌ

أنه يقضِي عليها مَن رماها

سنحتْ بين المصلَّى ومِنىً

مَسنَح الظبيةِ تستقري طَلاها

فجزاها اللهُ مِن فتكتها

في حريم الله سوءًا ما جزاها

قال واشيها وقد راودْتُها

رشفةً تبرُدُ قلبي من لمَاها

لا تَسُمْها فمَها إن الذي

حرَّم الخمرةَ قد حرَّم فاها

أعطِيتْ من كلّ حُسنِ ما اشتهتْ

فرآها كلُّ طرفٍ فاشتهاها

وحماها خَفَرٌ في وجهها

ووقارٌ قبلَ أن تُسمِي أباها

لو خَلتْ من أُسرةٍ في قومها

ونفاها حسبٌ زاكٍ نماها

غدت الشمسُ إذا ما أسفرتْ

أختَها والغصْنُ إن ماست أخاها

ورأتْ في العين من أشباهِها

من قبيلٍ وعديدٍ ما كفاها

كيف والدَّهناء غابٌ دونَها

وظبا سعدٍ أسودٌ وقنَاها

ولوَ أن النجمَ يرتاحُ لها

لحظةً في غير جَمع ما اجتلاها

آهِ مما أسأرتْ في كبدي

مِن جوًى تلك الليالي البيضُ آها

أشتكي البينَ وفي صدري نُدوبٌ

من زماني دامياتٌ ما اشتكاها

ويُنِدُّ النومَ عن عيني حبيبٌ

هاجرٌ يرحَلُ عنّي بكراها

والليالي خالساتٌ من لحاظي

كلَّ مولى قربُه يجلو قذاها

دِيَمِي في المحْلِ تسرِي وحُماتي

يومَ أسدُ الغاب مبذولٌ حِماها

قصيدة: خنساء همي وذكرها أنسي

قال الشاعر مهيار الديلمي:[٧]

خنساءُ همّي وذكُرها أنسي

إذا أمانيَّ حدَّثتْ نفسي

وساوسُ بينَ خاطري وفمي

أصبح أهذي بها كما أمسي

حتى لظنَّ الأقوامُ أنّيَ مم

سوسٌ وما بي إلاَّك من مسِّ

كم دعوةٍ يشهدُ الحفيظُ على

خلوصِ سرِّي بها من اللَّبسِ

يا رب إما أن ضمَّني وصلُ خن

ساء إليها أو ضمني رمسي

المراجع

  1. ” يؤرقني التذكر حين أمسي”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.
  2. “أقول وقد ناحت بقربي حمامة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.
  3. ” ودعت نجدا بعد هجر هجرته”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.
  4. “يا فؤادي رحم الله الهوى”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.
  5. ” أعلمت من حملوا على الأعواد”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.
  6. “أتراها يوم صدت أن أراها”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.
  7. “خنساء همي وذكرها أنسي”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى