'); }
غزوة أحد
وقعت أحداث غزوة أحد في منتصف شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة، وقعت إلى الشمال من المدينة المنورة، والسبب الذي دفع إلى وقوعها رغبة قبيلة قريش في الانتقام من الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- بعد أن تغلّبوا عليهم في غزوة بدر، فبعد غزوة بدر أقسم أبو سفيان على الثأر من المسلمين، وعمل على جمع القبائل من ثقيف وتهامة وكنانة وتحريضهم على المسلمين، فجمع ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل، منهم سبعمئة دارع، ومئتي فارس، وثلاثة آلاف بعير، كما خرج مع المشركن سبع عشرة امرأة بقيادة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وتجمّعوا بالقرب من جبل أحد، وجعلوا خالد بن الوليد على الميمنة، وعكرمة بن أبي جهل على الميسرة، وحمّلوا الراية لعبد العزى طلحة بن طلحة.[١]
ولما علم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بخروجهم استشار الصحابة رضي الله عنهم، فأشار بعضهم إلى الخروج لملاقاتهم وقتالهم، وأشار آخرون إلى التحصّن في المدينة المنورة والدفاع عنها وعن المسلمين، وهو الرأي الذي رغب به النبي عليه الصلاة والسلام، إلا إن الأكثرية رأوا الخروج إلى القتال، فنزل النبي إلى رأيهم، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى القتال مع ألف مقاتلٍ، إلا إن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي سلول رجع إلى المدينة مع ثلاثمئة مقاتل، فأصبح عدد المسلمين سبعمئة رجل، جعل منهم خمسين ليكونوا رماةً على جبل أحد ليحموا ظهور المسلمين بقيادة عبد الله بن جبير.[١]
'); }
نتائج غزوة أحد
انتهت غزوة أحد باستشهاد سبعين من الصحابة رضي الله عنهم، إضافةً إلى جرح عددٍ منهم، وكان الفوز في المعركة من حليف المشركين بعد أن خالف المسلمون أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام،[٢] وبعد عودة النبي -عليه الصلاة والسلام- من الغزوة إلى المدينة المنورة أُهين وقُلّل من شأن رأس المنافقين عبد الله في المسجد بعد أن وقف متظاهراً بتأييده للنبي بعد عودته من حمراء الأسد، وكان رجوع المنافقين من غزوة أحد سبباً في تجنّب المسلمين لهم والحذر منهم.[٣]
وبعد انهزام المسلمين في غزوة أحد ثارت اليهود والأعراب وقريش على المسلمين، وقلّلوا من شأنهم، إلا إن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقلّ عزمه وإصراره، فقام بعدّة أعمالٍ عسكرية لعودة النظام إلى المدينة، واستعادة هيبة المسلمين بين القبائل، فقام بحملاتٍ على الأعراب لبثّ الرعب والفزغ في قلوبهم، وأجلى اليهود من المدينة وطهّرها منهم، وبعد ذلك أظهر المنافقون الولاء والتأييد للرسول -عليه الصلاة والسلام- وللمسلمين، وبعد ذلك استعاد المسلمون هيبتهم وسيطرتهم على المدينة المنورة، وقضى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المشاكل التي لحقت بالمسلمين بعد غزوة أحد.[٣]
دروس وعبر من غزوة أحد
تضمّنت غزوة أحد العديد من الدروس والعبر والعظات، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:
- قرّرت غزوة أحد أن النصر لا يكون إلا من الله سبحانه، فإن شاء نصر وإن شاء خذل، كما إن النصر لا يكون بالعدّة والعدد والعتاد، ولو كان النصر بذلك لكان حليفاً للمسلمين يوم غزوة حنين، قال الله سبحانه: (لَقَد نَصَرَكُمُ اللَّـهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ)،[٤] كما قال أيضاً: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)،[٥] أما هزيمة المسلمين في أحد فكانت بسبب الإعجاب بالدنيا وحب ما فيها من الشهوات والملذّات، قال الله سبحانه: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).[٦][٧]
- بيّنت غزوة أحد أن المعارك والغزوات لا يتحقّق بها النصر إلا بالطاعة والخضوع لأوامر الله -سبحانه- والرسول عليه الصلاة والسلام، دون أن تشغلهم ملذّات الدنيا عن نيل رضا الله سبحانه، وانحراف إيمان وإخلاص أحدهم قد يؤدّي إلى هزيمة الجماعة وتحطيم وحدتها وصفوفها، قال الله تعالى: (وَأَطيعُوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ).[٨][٩]
- أيّد الله -سبحانه- المؤمنين بالعديد من الآيات والكرامات، فأنزل الله سبحانه النوم الخفيف على المسلمين لينسيهم ما أصابهم من الغم والحزن، ويجدّد همتهم ونشاطهم، قال تعالى: (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ)،[١٠] وفي ذلك قال الزبير بن العوام: “لقد رأيتني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد حين اشتدَّ علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره”، ومن الآيات التي أيّد الله بها عباده المؤمنين استجابة دعائهم، وإعطاؤهم ما سألوا، كما أيّدهم الله -سبحانه- بقتال الملائكة معهم، ودفاعم عن النبي عليه الصلاة والسلام، روى الإمام البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله- عنه قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ أُحُدٍ، ومعهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عنْه، عليهما ثِيَابٌ بيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ ما رَأَيْتُهُما قَبْلُ ولَا بَعْدُ).[١١][١٢]
- كما وعد الله -سبحانه- المؤمنين بمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة، وحين خالف الرماة أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- وتحرّكوا من أماكنهم رفع الله عنهم المدد من الملائكة، وذلك رحمة من الله سبحانه بعباده، إذ جعل المحن والابتلاءات فرصةً لمراجعة النفس ومحاسبة النفس وتجديد العهد مع الله سبحانه، فالبلاء لا يحلّ على العبد إلا بحكمةٍ من الله سبحانه.[١٢]
المراجع
- ^ أ ب “غزوة أحد”، www.ar.islamway.net، 2008-04-14، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
- ↑ “غزوة أحد”، www.islamweb.net، 2006-5-3، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن أحمد باشميل، موسوعة الغزوات الكبرى، مصر: دار الهدي النبوي، صفحة 362-368. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 25.
- ↑ سورة البقرة، آية: 249.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 152.
- ↑ مثنى علوان الزيدي، “غزوة احد…دروس وعبر وما النصر إلا من عند الله”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 46.
- ↑ الدكتور مثنى الزيدي (12-11-2010)، “غزوة أحد: دروس وعبر (2)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 154.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 4054، صحيح.
- ^ أ ب راغب السرجاني (12-2-2013)، “غزوة أحد.. الآيات والكرامات والمعجزات”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.