'); }
غزوة بدر
تُعَدُّ غزوة بدرٍ من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وقد سمِّيت بغزوة الفرقان، لانَّها فرّقت بين الحق والباطل، وأظهرت عقيدة الولاء والبراء، وقد ظهر ذلك بوضوحٍ عندما أخذ المؤمنون السلاح وطاردوا أقاربهم الكفار ليقتلوهم، وقد جاءت هذه الغزوة بعد أن استقرّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- مع صحابته الكرام في المدينة المنورة، واطمأنَّت نفوسهم بعد العناء والآلام التي لاقوها في مكة المكرمة، ممّا أثار غيظ المنافقين في المدينة، وعلى رأسهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول، وقد كان رئيس الأنصار في المدينة قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها، وهذا هو حال الكفّار دائماً يُغيظهم انتصار المسلمين وارتفاع رايتهم حتى إنَّهم ليحسدون المؤمن على الهواء الذي يتنفسّه، ولا يزال هذا الصراع قائماً بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، وتظلّ غزوة بدرٍ بجميع تفاصيلها دستوراً يُنير طريق الدُعاة والمصلحين في معركتهم مع الباطل، كما إنَّها تُشكّل الدرس الأكبر في انتصار الفئة القليلة الصابرة المؤمنة على الفئة الكثيرة بإذن الله.[١]
أسباب انتصار المسلمين في غزوة بدر
حدثت غزوة بدرٍ الكبرى في شهر رمضان المبارك، شهر التحدّي والانتصار على شهوات النفوس وآفاتها، وكما كان الانتصار فيه على الذات واضحاً؛ كان الانتصار على الأعداء الذين تأبى نفوسهم أن يتنعّم المسلمون بأخلاق القرآن، ونفحات الإيمان، والسير على خطى سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، وفي رمضان كذلك تمَّ القضاء على المجوسيّة في معركة القادسيّة، وفُتحت مكة، وكان فيه فتح الأندلس كذلك، أمَّا غزوة بدر فقد كانت الفرقان بين الحق والباطل، خرج بها العالم من ظلمة الكفر والشرك إلى نور الإسلام، وكانت هذه الغزوة في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، ولم تكن للاعتداء أو التدمير، إنَّما كانت بشارةً بدين العدل والفضيلة لتحقيق مصالح الناس جميعاً، ولا بدّ من المواجهة الردعية في وجه من وقف معادياً لهذا الدين بالسلاح، فقد قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[٢] وقد أسفرت غزوة بدرٍ عن الكثير من أسباب الانتصار على العدو، ومن أهم هذه الأسباب ما يأتي:[٣]
'); }
- التدبير العظيم من الله تعالى، فلم يكن فيها التكافؤ بالعدد والعدّة، فقد كان لدى المشركون مئة فرسٍ وسبعمئة بعيرٍ، أمَّا المسلمين فلم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيراً، كما إنَّ المسلمين لم تكن لديهم الرغبة في الانتقال، إلا إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يردَّ لهم الاعتبار بعد ما قدَّموا من التضحيات في سبيل نصرة الإسلام، أمَّا الكفار فقد خرجوا بقيادة أبو جهلٍ بكل كبرياءٍ ورياءٍ حتى قال أبو جهل: “والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم بها ثلاثا، فننحر الجزور، ونَطعم الطعام، ونُسقى الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا”.
- استعلاء الكفار على المسلمين مع قصد الشهرة والسيطرة ما هو إلا توقيعٌ على الانهزام، فعندما استشعر أبو لهبٍ بالخوف وهو أحد زعامات قريش، وأشدّهم كيداً للإسلام والمسلمين، أناب عنه رجلاً بثلاثة آلاف دينار، وما أن سمع بهزيمة المشركين حتى أصابته الحمَّى ومات من غيظه.
- فضيلة الدعاء، فهو السلاح الذي لا يمكن قهره، فبعد أن أعدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جيشه للقتال، اتّجه إلى الله -تعالى- يتضرّع ويدعو قائلاً: (اللَّهم أنجِز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إِن تهلك هذه العصابة من أَهل الإِسلام لا تُعبد في الأرض).[٤].
- الالتزام بالأخلاق الحسنة؛ كخلق الإيثار، فقد كان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الركوب، فلما كان دورهم في الركوب قالوا له نحن نمشي عنك، فقال: (ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجرِ منكما).[٥]
- انتشار روح الرضا، وسلامة الصدر بين جموع المسلمين، فقد ساوى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين صفوف المسلمين، وفي يده قدحٌ يعدل به القوم، فمرَّ بسواد بن غزية وهو خارجٌ عن الصف، فناداه أن يا سواد استو، وطعن في بطنه بالقدح، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله وقد بُعثت بالحق والعدل، فكشف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه، فما كان من سواد إلا أن أقبل عليه واعتنقه وقبله، ثمَّ قال: “أردت أن يكون آخرُ العهد بك أن يمس جلدي جلدك”، فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخير.
- إخلاص النوايا وسلامة القصد كان سبباً في تأييد الملائكة، كما إنَّ غشيانهم بالنعاس كان سبباً في إعدادهم نفسياً ورفع معنوياتهم.
فوائد غزوة بدر
يُستفاد من دراسة غزوة بدرٍ أنَّ مجد الإسلام لا يكون إلا بإحياء الجهاد في سبيل الله، ورفع راية لا إله إلا الله في جميع الميادين، فما ترك قومٌ الجهاد إلا وسلّط الله -تعالى- عليهم الذلّة، وعلى المسلم أن يُسلّم أُمور حياته كلها لله، فالخيرة دائماً فيما يختاره الله لنا،[٦] وقد جاءت غزوة بدرٍ لتؤكّد مبدأ الشورى باعتباره من أهم مبادئ الإسلام التي تحفظ مصلحة الفرد والمجتمع، فقد استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أربع مرات؛ عند الخروج بقصد ملاحقة العير، وحين علم بخروج قريش للدفاع عن أموالهم، كما استشارهم عن أفضل المنازل في بدر، وعن الأسرى،[٧] وقد ركَّز النبي -صلى الله عليه وسلم- على وسائل الإعلام من خلال حث شعراء المسلمين على القيام بدورهم في الدفاع عن المسلمين، فقد كان للشعر تأثيرٌ كبيرٌ في رفع معنويات الجنود، وحثِّهم على السير في ساحة المعركة بخطواتٍ ثابتةٍ نحو النصر،[٨] وقد تكاملت في معركة بدر أسباب النجاح، فقد كان المسلمين فيها متذلّلين إلى الله -تعالى- آخذين بالأسباب.[٩]
المراجع
- ↑ هشام عبد المنعم (26-2-2014)، “غزوة بدر”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 190.
- ↑ د. محمد ويلالي (6-7-2015)، “من أسباب نصرة المسلمين (غزوة بدر نموذجا)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1763، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن زر بن حبيش، الصفحة أو الرقم: 6/3، صحيح.
- ↑ د. مهران عثمان، “فوائد من غزوة بدر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-20119. بتصرّف.
- ↑ “تأملات في غزوة بدر”، www.islamweb.net،2010-1-6، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2019. بتصرّف.
- ↑ “غزوة بدر.. دروس وعِبَر “، www.ar.islamway.net، 2014-4-26، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد النابلسي، “الخطبة : 0982 – الدروس و العبر التي يمكن أن نستنبطها من وقعة بدر – وعد الله “، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 4-5-2019. بتصرّف.