'); }
تعتبر الدعوة إلى مكارم الأخلاق من ضمن ما تضمنته دعوة الإسلام العظيمة، وقد عبر عن ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلّم عندما لخص الهدف من بعثته قائلاً: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ) [صحيح] وهذا نص صريح في اهتمام الإسلام بالأخلاق الحسنة، ومن الأخلاق العظيمة التي دعا إليها الإسلام وحثَّ عليها، خلق التسامح، وهو خُلق عظيم يدعو صاحبه إلى معاملة النّاس باللين والرفق، ويدعوه في ذات الوقت إلى الصفح والعفو عن المسيء، ولخلق التسامح مظاهر عديدة تشمل علاقات المسلمين ببعضهم، وتشمل كذلك علاقات المسلمين بغيرهم، ويترتب عليه نتائج عظيمة أيضاً.
من التسامح في علاقات المسلمين مع بعضهم التسامح على مستوى العلاقات الزوجية في الأسرة المسلمة، والتي هي اللبنة الأساس في بناء المجتمع المسلم، فهناك تسامح في علاقة الزوجين مع بعضهما، وهناك تسامح بين الأبوين وأبنائهم شعاره الرحمة والمودة والكلمة الطيبة، فقد نهى صلى الله عليه وسلّم عن سب الأبناء من أبويهم، وحث على حسن معاملتهم وتربيتهم، وفي علاقة المسلمين مع بعضهم يوجد تسامح بين الجيران فيما بينهم فيشير صلى الله عليه وسلم يشير إلى ذلك في قوله: (ما زَالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ، حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيُورِّثُهُ) [صحيح].
هناك تسامح بين أفراد المجتمع المسلم بشكل عام، وبين الحاكم ورعيته، ويعبر عن ذلك نصوص السنة النبوية وأحداث السيرة العظيمة التي تتحدث عن التسامح وحسن التعامل، فكثيرة الآيات التي تحث على العفو والصفح، وتغليبه على الرغبات الشخصيَّة وما يتعلّق بصاحبها من حقوق، كحق الإنسان المعتدى عليه في استيفاء حقوقه ممن ظلمه، فقد مدحت العديد من النصوص القرآنيَّة مواقف العفو والصفح نحو الطرف المسيء، ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [التغابن: 14] وقوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34]
'); }
نجد التسامح في علاقة المسلمين مع غيرهم ممن يعيشون في ظلّ حكم الإسلام، لذلك حثت العديد من النصوص النبويَّة على احترام أهل الذمة ومنحهم حرية العبادة، وحقهم في الوظائف العامّة، ومساواتهم مع باقي المواطنين في الحقوق والواجبات، ومن هنا انبثقت العهدة العمريَّة والتي خط حروفها عمر بن الخطاب رضي الله عنه متوجة أسمى العناوين لحضارة الإسلام العظيم، ورقيه في التعامل مع المخالفين، من ذوي الديانات الأخرى، فكفل للنصارى حقهم في كنسهم، وممارسة شعائرهم التعبديَّة فيها بحريّة تامّة.
إنَّ ما يعانيه المسلمون اليوم في بعض البلدان التي لا تدين بالإسلام، من تقتيل وحرق وويلات، يتعارض بكلّ وضوح مع موقف الإسلام السمح في تعامله مع غير المسلمين، الذين يعيشون في بلاد المسلمين، بل والدعوات التحريضيَّة التي تطلقها جهات حكوميَّة متنفذة في بعض البلدان ضدَّ الأقليات المسلمة هناك، وضدَّ حق المسلمين في إقامة شعائرهم الخاصّة بهم، ليدلل بوضوح على مدى حقد، ومدى غياب التسامح من قلوبهم، الأمر الذي لا يتصف به الإسلام وحملته الحقيقيون.
إنَّ لشيوع وانتشار خلق التسامح بين المسلمين داخلياً فيما بينهم وخارجياً في تعاملهم مع غيرهم آثار عظيمة على مستوى المجتمع المسلم، وعلى علاقة المسلمين بغيرهم، فنجد مجتمعاً مسلماً متماسكاً تسوده المحبَّة،ويعمُّه الترابط، ونجد كذلك علاقات إيجابيَّة بين المسلمين وغيرهم تعكس روح الإسلام الحضاريَّة، وتساهم وتشجع على سرعة انتشار الإسلام وانتقال نوره بين الأمم والشعوب، وعلى مستوى الفرد المتسامح نجد آثاراً عظيمة مثل الطمأنينة والسعادة اللتين تغمران نفس الإنسان المتسامح، كما نجد آثاراً صحيَّة أيضاً، فالإنسان المتسامح كما أكدت الدراسات أقل الناس عرضة للنوبات القلبيَّة وضغط الدم، وتكون الخلايا العصبيَّة لدى الإنسان المتسامح أقوى وأبعد عن خطر التلف والموت، ونجده كذلك أكثر استجابة للعلاج في الأمراض المستعصيّة من غيره، وهذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدلّ على عظمة رسالة الإسلام الخالدة.