أدباء وشعراء

من هو حاتم الطائي

مقالات ذات صلة

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

التعريف بحاتم الطائيّ

حاتم الطائي هو من شعراء العرب الجاهليين، والذي عُرف بفطرته السليمة الخيّرة التي تتصف بالفضائل الحميدة، وهذا ما جعله موضع احترام الناس ومحبتهم في العصر الجاهلي، وعندما جاء الإسلام شهد له بهذه الفضائل وأقرّها؛ مما جعله يحظى بالذكر الطيب والسيرة الحسنة؛ فكان مثالاً للابن الصالح، والأخ الجيّد، والصاحب الوفيّ، والجار الحسن، وتمثّلت هذه الفضائل في صفات عدّة كان منها: نصرة الضعيف، ومساعدة الفقير، وإطلاق سراح الأسير والتفريج عن كربته، والالتزام بالعهد وصون الأهل والدفاع عن حرماتهم وأعراضهم، ومراعاة حرمة الجار، وقد جسّد حاتم الطائي هذه الأخلاق التي كان يتحلى بها من خلال قصائده الشعريّة التي زخر بها ديوانه بصور مختلفة ونماذج بلاغيّة شتى.[١]

نسب حاتم الطائي ونشأته

حاتم الطائي هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرؤ القيس بن عدي بن أقزم بن أبي أخزم، وكان يُسمى أيضاً هزومة بن ربيعة بن جرول بن تعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وورد عن يعقوب بن السكيت أنّه سُمّي بهذا الاسم لأنه شُجَّ أو شَجّ، وأنّ جدّه الأكبر طيء كان اسمه جَلهَمّة بن أدر بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان أول من طوى المناهل، وكان حاتم الطائي يكنّى بكنيتيّن هما: أبو سفّانة تيمّناً باسم ابنته سفّانة التي كانت أكبر أولاده، أمّا كنيّته الثانية فكانت أبا عدي نسبة لابنه عدي، وقد شهدا عدي وسفّانة الإسلام وأسلما.[٢]

كان مولد حاتم الطائي في العصر الجاهلي قبل ولادة سيدنا محمد -عليه السلام-، ولم يُعرف العام الذي ولد فيه، وقد نشأ وترعرع في منطقة نجد الواقعة في اليمن حيث كانت تسكن قبيلته طيىء في مكانٍ يُقال له تُنغّة؛ وهو عبارة عن مورد مائي يقع في وادي حائل الممتد من الجهة الشرقية الشمالية من جبل أجا،[٣] ونشأ حاتم الطائي برعاية والدته التي كانت تدعى عتبة ابنة عفيف بن عمرو بن امرؤ القيس بن عدي بن أخزم، وقيل إنّها كانت ميسورة الحال ورث حاتمٌ عنها السخاء المفرط الذي عُرفت به، فكان حالها كحال ابنها حاتم لا تدّخر مالاً ولا تردّ محتاجاً.[٣]

كرم حاتم الطائي

ورث حاتم الطائي العزّة والإباء والشهامة من أبيه الذي عُرف بنسبه وأصله الرفيع الذي كان موصولاً بيعرب بن قحطان، أمّا أخواله فقد ورث عنهم حبّ العطاء والسخاء، فهو كان ينحر كل يوم في شهر رجب الذي كان العرب في الجاهلية يعظّمونه عشراً من الإبل ليطعم الناس التي تأتي إليه، وكان منهم الشاعران الخطيئة وبشر بن أبي حازم، وقد أكدت روايات المؤرخين وأخبار العرب الأثر الكبير لأخواله وأمه في طبعه وأخلاقه، فسيرة أمّ حاتم في الكرم والسخاء تشبه إلى حدٍ كبير سيرة ولدها وسيرة ابنته سفّانة، فعُرف عنها أنها كانت معروفة بالغنى ويسر الحال، واشتهرت بين الناس بسخائها وكرمها بكل ما تملك، وأنّها كانت لا ترد محتاجاً، ويُقال إنّ إخوتها عندما وجدوها على هذا الحال خافوا على ضياع ثروتها بسبب إسرافها، فحجزوا على ثروتها وحبسوها في بيتها لعلّها تتوقف عن هذا التبذير، وبعد أن مضت فترة من الزمن وظنوا أنّها تركت ذلك الخلق أعطوها قطيعاً من الإبل، فما إن قدمت إليها امرأة من هوازن كانت تأتي إليها كل عامٍ تطلب حاجةً حتى غلب عليها طبعها السخيّ وإحساسها بالجوع الذي عاشته عندما تمّ حبسها ومنع عنها مالها فجادت عليها بما أخذته من إبل.[٤]

كان حاتم ظاهرةً في الكرم العربي الأصيل ورمزاً للعطاء والسخاء، وكان المثل الأعلى لمكارم الأخلاق، لهذا استحق من المؤرخين وكتّاب التاريخ والدارسين أن تبقى سيرته وأشعاره دائمة الذكر على ألسنة الأجيال وممتدة عبر الأزمان؛ فهو لم يكن كريماً وجواداً في ماله فحسب وإنما جسّد كرمه في أخلاقه وسلوكه، فكان عفيفاً طاهراً دائم الدعوة إلى فضائل الأخلاق التي اتصف بها، ومنها: المروءة والشهامة ونجدة الملهوف، وكان محافظاً على حسن الجوار مع جيرانه، ومحافظاً أيضاً على حرمة المرأة وكرامتها؛ فلا يطرق بابها ليلاً ولا يتسلل إلى مخدعها سراً، فكان كرمه بعيداً عن رذائل الأمور وفواحش التبذير، فالمال عنده له طرق يصرف به، وكان يجد في أفعاله الكريمة هذه عزاءه وراحته بعد موته وذلك من خلال الذكّر الحسن بين الناس، ومما قاله مخاطباً زوجته ماوية في هذا الشأن:[٤]

أماويَّ ما يُغْني الثَراءُ عن الفَتَى

إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصّدْرُ

إذا أنا دلّاني، الذين أحبُّهم

بملحودةٍ زلجٍ جوانبها غُبْرُ

وراحوا سراعاً ينفصون أكُفَّهم

يَقولونَ: قد دمّى أناملَنا الحَفْرُ

ورد عن زوجة حاتم ماوية قصصاً عديدة بشأن كرم زوجها، ومن هذه القصص ما ذكرته عندما طُلب منها مرةً الحديث عنه، فأجابت: إنّ كل أمره كان عجباً! وروت كيف أنّهم مروا في سنة من السنين بقحطٍ وجوع ولم يجد الناس ما يأكلونه حيث جفّت المراضع على اولادها، وأصبحت الإبل هزيلة وضعيفة من الجوع، وفي ليلة باردة كثر بكاء الصبية من الجوع، ولم يجد حاتم وزوجته القليل من الطعام لإسكات جوعهم، وبعد ذلك افترشوا قطيفة شامية للنوم وبعد مرور بعض الوقت من الليل إذا بجارتهم تصيح بأعلى صوتها، وتستنجد بحاتمٍ لإطعام أطفالها الذين يبكون من شدّة الجوع، فطلب منها حاتم أن تحضرهم إليه، وعند ذلك قامت النوار من فراشها تلومه وتذكّره ببكاء أطفاله بسبب الجوع الشديد فما وجد شيئاً عنده ليطعمهم فكيف طلب من جارتهم إحضار أطفالها؛ وهو لا يملك شيئاً لإطعامهم، فما كان منه إلا أن طلب منها السكوت ووعدها بإطعامها وإطعام صغاره، وبعد ذلك جاءت المرأة ومعها أطفالها فقام حاتم الطائي إلى فرسه فذبحها ثمّ أشعل النار، وأعدّ الطعام، والتفت إلى المرأة وأعطاها ما تحتاجه من طعام لها ولصغارها، وأطعم أهل بيته ثم أخذ ينادي على من حوله من الناس من أجل إطعامهم فالتفوا حوله، وقام بإطعامهم ثمّ اضطجع وأخذ ينظر إليهم دون أن يتذوق شيئاً من ذبيحته.[٥]

ملامح من شخصيّة حاتم الطائي

كان حاتم الطائي من الشعراء العرب المشهورين بالكرم والجود، وقد اجتمعت في شخصيته الخصال الحميدة التي جعلته يحتل مكانة مرموقة بين العرب، فكان صادقاً في أقواله وأفعاله، شديداً في بطشه وقتاله في ساحات القتال حيث كانت له الغلبة والنصر على من يبارزه، وكان معطاءً لا يرد سائلاً ولا محروماً، وعُرف عنه أنّه كان يطلق سراح كل شخص يقع تحت أسره، ودائماً يحتل المركز الأول في سباقات الخيل وفي ضرب القداح، ويأخذ عهداً على نفسه ألا يقتل أحداً في شهر رجب؛ وهو الشهر الذي كانت الناس تعظّمه في العصر الجاهلي كما ذكر سالفاً، وكان من شدة جوده وكرمه يذبح كل يوم من هذا الشهر عشرة من الإبل ويطعم لحمها إلى الناس، وكان ممن يحضر هذه الولائم الشاعران: الخطيئة وبشر بن أبي خازم.[٢]

زواج حاتم الطائي وأولاده

تزوج حاتم الطائي مرتين في حياته، وهما: الأولى من امرأة تدّعى نوّار،[٣] أمّا زوجته الثانية فكانت ماوية بنت عفزر؛ وكانت ملكة من ملكات الحيرة تقرر الزواج بمَنْ تشاء من الرجال، ولقد تقدّم لخطبتها ثلاثة من الشعراء، وهم: حاتم الطائي، والنابغة الذبياني، والنبيتي، فطلبت منهم ماوية العودة إلى رحالهم وأن يقوم كلّ واحدٍ منهم بنظم أبياتٍ من الشعر يبين فيها أفعاله ومكانته بين قومه، وأنها تنوي الزواج بأفضلهم شعراً وأكثرهم كرماً، ولما خرجوا من عندها ذبح كلٌّ منهم بعيراً سميناً، ثم لحقت بهم ماوية بعد أن قامت بتغيير هيئتها وتنكّرت بزي خادمة لها، وجعلت من نفسها سائلة تطلب طعاماً، فبدأت بالشاعر النبيتي تسأله شيئاً من ذبيحته، فأعطاها الرديء منها، وفعل معها نفس الصنيع الشاعر النابغة، وعندما وصلت حاتماً سألته أن يجود عليها من ذبيحته فأعطاها جزءاً من أجودها، ثمّ غادرت المكان عائدة إلى خيمتها وأرسلت في طلبهم، وعندما حضروا طلبت منهم إلقاء الشعر الذي نظموه، ثمّ طلبت تقديم الطعام للشعراء الثلاثة بعد أن اتفقت مسبقاً مع جارية لها أن تقدّم لكل شاعرٍ ما أطعمها إياه، فلما رأى النابغة والنبيتي ذلك خجلا من فعلتهما وتسللا مسرعين إلى الخارج، وهنا قالت ماوية لحاتم إنه أكرمهم لهذا ستتزوجه بشرط أن يطلق زوجته، وعندما رفض تزوّجته بعد وفاة زوجته، ورزق منها ولده عديّ.[٦]

قامت ماوية بإعلان الطلاق على حاتم بعد فترة حيث ضاقت ذرعاً بتبذيره الزائد في إكرام الناس وعدم انتباهه لأطفاله ومستقبلهم، وأخفقت محاولاتها في ثنيه عن الإفراط في هذا الأمر، وكان قرار ماوية بالانفصال عن حاتم بتحريض من ابن عمّه مالك الذي وعدها بالزواج منه إذا انفصلت عن حاتم على وعد منه أن يقوم بتأمين ما يلزمها ويلزم أطفالها، وكانت النساء في الجاهلية إذا عقدن العزم على تطليق أزواجهن يقمن بتغيير جهة الخباء الذي يسكن فيه؛ فإذا كان من الجهة الشرقية يحولنه إلى الجهة الغربية، وإن كان من جهة اليمن يحولنه جهة بلاد الشام، وعندما يلاحظ الزوج ذلك يعرف أنّ زوجته قد طلقته فلا يقترب من مخبئها، وهذا ما حدث مع حاتم الطائي وزوجته ماوية، وقيل إنّ حاتماً رزق منها ولده عدي، وذكرت مصادر أخرى أنّ أولاده الثلاثة، وهم: عدي وعبدالله وسفّانة من زوجته النوّار، وقد تعاقب نسل حاتم من بعده؛ فقد رزق ابنه عبدالله بالبنين بينما لم يرزق ابنه عدي بأحدٍ من الذكور.[٧]

شعر حاتم الطائي وأغراضه

نظم حاتم الطائي العديد من القصائد الشعريّة التي جمعها في ديوانٍ شعريّ واحد جسّد فيها الصفات الحميدة والأعمال الفاضلة التي كان يقوم بها ودعوته الدائمة إلى مكارم الأخلاق، ولم يستطع أحدٌ حتى زوجته من منعه من ممارسة تلك الأفعال، وقد جاءت تلك الأشعار معبّرة بصورة صادقة عن نفسه، وأحاسيسه، وشعوره، وفكره، ومزاجه، وحياته، وما مرّ به من تجارب وأحداث، وقد تميّزت تلك الأشعار بالسّمات التعبيريّة، والخصائص الأسلوبيّة، وبالكثير من الصور البلاغية التي أحسن استخدامها بصورة تخدم تلك الأشعار وتبرز جمالها بعد أن نجح في اختيار الألفاظ والتراكيب السهلة البسيطة والمعاني الواضحة البعيدة عن التعقيد، والتي مكّنت الشاعر من إيصال المعنى الذي يقصده إلى القارئ والناقد.[٨]

أثّرت الأخلاق الحميدة في نظم حاتم للشعر؛ فجاءت ألفاظ شعره سهلة رقيقة بأسلوب مُحكم ومترابط استطاع من خلاله تحقيق الغرض السامي الذي قيلت من أجله هذه الاشعار على خلاف ما نعرفه عن شعراء العصر الجاهلي، وقد ورد عن بعض الدارسين أقوال عدّة عن شعر حاتم الذي عُرف بفصاحة الألفاظ، وسهولة التراكيب، والبعيد كل البعد عن الغريب من الكلام، وأكد الكثير منهم أنّ شعره جاء عفوياً بسيطاً صادقاً كشخصيته، كما مثّل شعره الواقع الذي كان يعيشه، ووصفاً لبيئته التي اتصفت بالقساوة والبؤس وشظف العيش في الوقت الذي كان فيه خلق الكرم من أنبل الأخلاق مثله كمثل الشجاعة والمروءة والنجّدة، ويعتبر حاتم الطائي من الشعراء الذين لم يصلنا الكثير من شعرهم؛ ويعود السبب إلى فقد الكثير منه وبقاء القليل منه.[١]

نظم حاتم الطائي شعره في مختلف الأغراض الشعريّة المعروفة، ونوجز هذه الأغراض فيما يلي:[١]

  • الفخر: هو من أكثر الأغراض الشعريّة التي قال فيها حاتم الطائي الشعر؛ فكان يفتخر بكرمه وشجاعته وعفته، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله عندما رحل عنه جدّه سعد بن الحشرج تاركاً إياه في منزله فنظم أبيات من الشعر قائلاً:

إنّي لعفُّ الفَقرِ مشترك الغنى

وودُّك شكل لا يوافقه شكلي

وشكلي شكل لا يقوم لمثله

من النّاس إلا كل ذي نيقة مثلي

ولي نيقة في المجد والبذل لم تكن

تأنقها فيما مضى أحد قبلي

وأجعل مالي دون عرضي جنة

لنفسي فاستغني بما كان من فضلي
  • الحماسة: نظم حاتم الطائي الكثير من الشعر في الحماسة، ومما قاله فيه ما يلي:

أغزو بني ثعل فالغزو حظُّكم

عدّو الرّوابي ولا تبكوا لمن نكلا

ويها فداؤكم أمي وما ولدت حاموا

على مجدِكم واكفوا من اتكلا
  • الحكمة: كان لحاتم الطائي اهتمام في كتابة قصائد النثر التي تميّزت بالحكمة، ومنها الأبيات التالية:

فنَفسك أكرِمها فإنك إن تهن

عليك فلن تلفي لك الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلاد فإنه

إذا متَّ كانَ المال نهباً مقسماً

ولا تشقين فيه فيسعد وارث

به حين تخشى أغبر اللّونِ مظلما
  • المدح: كان لحاتم أبياتٌ من الشعر في المدح ولكنها قليلة، ومنها نذكر الأبيات التالية يمدح فيها قبيلة بدر:

إن كنت كارِهة معيشتنا

هاتي فحُلّي في بني بدر

جاورتهم زمن الفساد فنعم

الحيُ في العوصاء واليسر
  • الهجاء: كان له مقطوعة في الهجاء، ومنها الأبيات التالية:

أبا الخيبري وأنت امرؤٌ

حسود العشيرة شتامتها

فماذا أردت إلى رمة

بدوية صخب هامها

تبغيّ أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها
  • الذم: ذمّ الطائي أصحاب الصفات السيئة، ومن هذه الأشعار ما يلي:

لحى اللَه صعلوكاً مناه وهمه

من العيش أن يلقى لبوساً ومطعما

ينام الضّحى حتّى إذا ليله استوى

تنبه مثلوج الفؤاد مورَّما

شعر من ديوان حاتم الطائي

نظم حاتي الطائي العديد من القصائد، نذكر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة “يقولون لي أهلكت مالك”، ومنها البيتان التاليان:

وعاذلَةٍ هَبّتْ بلَيْلْ تَلُومُني،

وقد غابَ عَيّوقُ الثّرَيّا، فعُردّا

تَلومُ على إعطائيَ المالَ، ضِلّة ً

إذا ضَنّ بالمالِ البَخيلُ وصَرّدا
  • قصيدة “قدوري منصوبة”، ومنها البيتان التاليان:

قُدوري، بِصَحراءَ، مَنصوبَةٌ

وَما يَنبَحُ الكَلبُ أَضيافِيَه

وَإِن لَم أَجِد لِنَزيلي قِرىً

قَطَعتُ لَهُ بَعضَ أَطرافِيَهْ
  • قصيدة “فتيان صدق”، ومنها البيتان التاليان:

وَفِتيان صِدْقٍ، لا ضَغائِنَ بَيْنَهُمْ،

إِذا أَرْمَلوا لَم يُولَعُوا بِالتَلاومِ

سَرَيتُ بهمْ، حتى تَكِلَّ مَطِيُّهُم،

وحتى تَراهُمْ فَوُقَ أَغْبَرَ طاسِمِ

وفاة حاتم الطائي

ذكر المؤرخون أنّ حاتماً توفي بعد ولادة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بثماني سنوات،[١٠] وظهر قولان آخران اختلفا مع هذا القول، حيث ذكر القول الأول أنّ حاتماً توفي عام 506 ميلادي، بينما ورد عن القول الثاني أنّ حاتماً توفي في عام 575 ميلادي، وكان قد دفن في منطقة جبلية تدعى عوارض تقع في بلاد طيىء بعد أن عاش ما يقارب الستين عاماً، وعاصر في حياته كلاً من الشعراء: النابغة، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي حازم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب ت معزَّة الزبير (2012)، حاتم الطائي والنَّمِرُ بْنُ تولب العُكْلِيَّ، السودان: جامعة أم درمان الإسلاميَّة، صفحة 11، 21-25، 28-29. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الشيخ كامل عويضة، الأعلام من الأدباء والشعراء: حاتم الطائي شاعر الكرم والجود، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 84، 86. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د. جاد جاد ، الشواهد النحوية واللغوية في شعر حاتم الطائي ، صفحة 215-217، 225-226. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الدكتور عمر الطباّع ، ديوان حاتم الطائي ، بيروت – لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، صفحة 7-8، 11. بتصرّف.
  5. ذكر أخبار العرب ، صفحة 109-111. بتصرّف.
  6. أحمد رشاد (2002)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الثالثة)، بيروت- لبنان : دار الكتب العلمية، صفحة 3-5. بتصرّف.
  7. – (1981)، ديوان حاتم الطائي، بيروت – لبنان : دار صادر، صفحة 9، 19. بتصرّف.
  8. د. أحمد شتيوي (2014)، “البلاغة الشعرية في ديوان حاتم الطائي “، مجلة العلوم العربية والإنسانية ، العدد 2، المجلد 7، صفحة 1. بتصرّف.
  9. أحمد رشاد (1986)، ديوان حاتم الطائي (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 17،38،46. بتصرّف.
  10. خير الدين الزركلي ، الأعلام ، -: المكتبة الشيعية، صفحة 151، الجزء الثاني. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى