مؤذّنوا الرسول
كان للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عدّة مؤذنين، وفيما يأتي ذكرهم:
- بلال بن رباح -رضي الله عنه-: نال الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنه- منزلة أوّل مؤذنٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد عُذِّب بعد دخوله للإسلام، فقام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بإعتاقه لوجه الله -تعالى-، وشارك في العديد من غزوات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وسائر الأحداث الهامة في الإسلام حتى توفّاه الله -تعالى- في الشام،[١] ولمَّا فُتحت مكة المكرَّمة صَعد بلال بن رباح على ظهر الكعبة المُشرَّفة، وصدح بالأذان ليُعلن هزيمة المشركين الذين حاربوا الأذان والدعوة لسنواتٍ طويلة.[٢]
- ويجدُر بالذِّكر أنَّ بلال بن رباح -رضي الله عنه- لم يؤذّن بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلَّا في عهد الخليفة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-، وبالتّحديد عندما قام بفتح الشام، وما أن بدأ يعلو صوت بلال بالأذان حتى ضجّت المدينة ببكاء المسلمين، فقد أحيا صوت بلال في قلوبهم ذكرى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عندما كان بينهم، وقد توفّي بلال بن رباح -رضي الله عنه- بعدما تجاوز الستّين من عمره قضاها في نصرة الإسلام والدعوة له.[٣]
- أبو محذورة -رضي الله عنه-: كان الصحابي أبو محذورة ينوب عن الصحابي بلال -رضي الله عنهما-، فإذا غاب بلال لأيّ سببٍ يؤذّن أبو محذورة بدلاً عنه،[٤] وقد كان أبو محذورة من الصحابة الذين أسلموا في يوم الفتح، واستأذن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يقوم بالأذان مع بلال، فأذن له النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، فكان يُنادي لصلاة الفجر، ولمَّا هاجر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى مكة المكرمة كان يؤذّن لجميع الصلوات ويقول: “لولا الأذان لهاجرت”،[٥] وقد توفّي -رضي الله عنه- في العام التاسع والخمسين، وبقي الأذان لذريّته أعظم إرثٍ لهم.[٦]
- عمرو بن أم مكتوم -رضي الله عنه-: عُرف عن الصحابي عمر بن أُم مكتوم الأذان في المدينة المنورة، وقد كان من أوائل الصحابة الذين هاجروا إليها، وتوفّي هذا الصّحابي الجليل في عهد الخليفة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهما-،[٧] ويُروى في سيرته أنَّه كان ضرير البصر، وقد استعمله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على المدينة المنورة للصلاة بالنَّاس عندما كان يخرج مع صحابته للغزو والجهاد.[٨]
- سعد القرظ -رضي الله عنه-: هو الصحابي سعد بن عائد، وقد كلَّفه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بمهمّة القيام بالأذان في مسجد قباء، ثمَّ صار يؤذّن في المسجد النبوي بعد توقّف الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنهما- عن الأذان فيه، وبقي على هذه الحال إلى أن توفَّاه الله -تعالى- وورَّث الأذان لأبنائه.[٩]
- زياد بن الحارث الصدائي -رضي الله عنه-: قام الصحابي زياد بن الحارث الصدائي بمبايعة النبيّ -صلَّى الله عليه وسلّم- ومعاهدته على الطاعة، وهو من الصحابة البَصْريّين،[١٠] الذين نالوا شرف الأذان مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١١]
تشريع الأذان
يعدُّ تشريع الأذان من التشريعات العظيمة التي دلَّت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[١٢] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا حَضَرتِ الصَّلاةُ، فليؤذِّن لَكُم أحدُكُم وليؤُمَّكُم أَكْبرُكُم)،[١٣][١٤] وقد كان المسلمون قبل تشريع الأذان يذهبون إلى المسجد للصلاة ويقومون بأدائها، ولكن كان يحدث أن لا يُدرك بعضهم الصلاة، فاقترح عددٌ من الصحابة أن يتَّخذوا شيئاً مثل جرس النصارى أو بوق اليهود ليذكّرهم بموعد الصلاة، فلم يقبل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فاجتمعوا على أن يُنادي أحدهم ويقول إذا حضرت الصلاة: “الصلاة الصلاة”، حتى رأى الصحابي عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- الأذان في منامه، فأسرع إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ليخبره بما رأى، فأخبره النبي -صلَّى الله عليه وسلم- أنَّه الأذان، وأشار عليه أن يُعلّمه لبلال بن رباح؛ لِما عُرف عنه من حُسن الصوت وجماله.[١٥]
الحكمة من تشريع الأذان
يشتمل الدين الإسلامي على العديد من الشعائر العظيمة، ومن هذه الشعائر الأذان، وقد نُصَّ عليه في القرآن الكريم والسُنَّة النبوية، وأجمع علماء الأُمّة على مشروعيته، ومن الأغراض التي شُرع لأجلها الأذان؛ تعظيم الله -تعالى- في نفوس المُسلمين، وتذكير الناس بأوقات الصلاة للقيام بأدائها في وقتها،[١٦] وفيه كذلك إعلاءٌ لكلمة الله -تعالى- وتوحيده على الملأ، كما يَتبع المسلمون نداء الأذان بالدّعاء الذي علَّمهم إياه النبي -صلى الله عليه وسلم-.[١٧]
المراجع
- ↑ وحيد عبد السلام بالي (2003)، كتاب الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، صفحة 126، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد اللطيف سلطاني (1982)، كتاب في سبيل العقيدة الإسلامية (الطبعة الاولى)، الجزائر: دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ القسطلاني، كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، القاهرة: المكتبة التوفيقية، صفحة 558، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد اللطيف سللطاني (1982)، كتاب في سبيل العقيدة الغسلامية، الجزائر: دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ البلاذري (1996)، كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 267، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سليمان بن حمد العودة (2013)، كتاب شعاع من المحراب (الطبعة الثانية)، الرياض: دار المغني للنشر والتوزيع، صفحة 127، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ أبو أسماء محمد بن طه (2012)، كتاب الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 647. بتصرّف.
- ↑ ابن الجوزي (1997)، كتاب تلقيح فهوم أهل الأثر (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الأرقم بن أبي الأرقم، صفحة 99. بتصرّف.
- ↑ المقريزي (1999)، كتاب إمتاع الأسماع (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 135، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ ابن الأثير، كتاب جامع الأُصول (الطبعة الاولى)، صفحة 406، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ علاء الدين مغلطاي (1996)، كتاب الإشارة إلى سيرة المصطفي وتاريخ ما بعده من الخلفا، دمشق: دار القلم، صفحة 325. بتصرّف.
- ↑ سورة الجمعة، آية: 9.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 6008، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1992)، كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 114، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد بن صامل السلمي (1431 هـ – 2010 م)، كتاب صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (الطبعة الأولى)، جدة: مكتبة روائع المملكة، صفحة 177. بتصرّف.
- ↑ محمد مختار الشنقيطي، كتاب شرح زاد المستنقع للشنقيطي، صفحة 1، جزء 28. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، كتاب شرح رياض الصالحين، صفحة 1، جزء 97. بتصرّف.