مكانة العلماء في الإسلام
خلق الله تعالى الإنسان، وسخّر له الأرض، والسماء، والهواء، والماء؛ لحكمةٍ عظيمةٍ أرادها، تتمثّل بالاستخلاف في الأرض؛ لعمارتِها، ونشر الخير في أرجائها، ومنع الهدم والفساد فيها، وبذلك تكون من أعظم الآيات الدالة على عظيم قدرته وحكمته، وقد أشار القرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات إلى هذه المهمة الموكّلة إلى الإنسان، كما في قول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَبلُوَكُم في ما آتاكُم إِنَّ رَبَّكَ سَريعُ العِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رَحيمٌ)،[١] وإن كانت هذه هي وظيفة الإنسان في الحياة، والحكمة من إخضاع الكون له، والتفضّل عليه بشتى النِعم؛ فإنّ الطريق الوحيد للقيام بهذه المهمة على أكمل وجهٍ تكون بملازمة العلم؛ ليتمكّن الإنسان من تمييز الصواب من الخطأ، والخير من الشر، وبذلك فإنّ قيام الحياة على الوجه الذي يُرضي الله عزّ وجلّ، ويحقّق حكمته في الكون، يكون بالعناية بالعلم والعلماء، فقد أولى الإسلام عنايته التامّة بالعلم، وبمحاربة الجهل الذي يهدّد المجتمع منذ قرونه الأولى، وكانت البداية بمحاربة الشرك بالدلائل العقلية، والحثّ على التفكّر بآيات الله سبحانه في كونه، فلا مكان لخرافة التقليد التي يستسلم بها العقل أمام ما تركه الآباء والأجداد، فالإسلام هو دين العلم، ويكفي في هذا المقام ذكرأنّ أول ما نزل من القرآن الكريم كان الحثّ على العلم، وذلك في قول الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،[٢] ليعلم للناس كافةً بدء زمن العلم، ممّا جعله مهراً للزواج، وفداءً للأسير بتعليم أبناء المسلمين، فحُقّ لأمّة الإسلام الخيريّة التي ميّزها الله -عزّ وجلّ- بها على سائر الأمم.[٣]
علماء المسلمين
العلماء ورثة الأنبياء، فهم الذين ساروا على دربهم لنشر الخير، ونفع البلاد والعباد، فقد أناروا الطرق للناس، وبذلوا من وقتهم، وجُهدهم الكثير، وقَد قدّموا نموذجاً حضارياً للعالم أجمع عن طريق العديد من الاكتشافات، وتكرّر لفظ العلم في القرآن الكريم سبعمئةٍ وخمسةٍ وستين مرّةٍ، كما دعا الله تعالى إلى التدبّر والتفكّر والتأمّل في كثيرٍ من الآيات، ولا تقتصر نظرة الإسلام للعلم على أنّه العلم الشرعي فحسب؛ فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل اللهُ له طريقاً إلى الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لَتضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضاً بما يصنعُ، وإنَّ العالمَ لَيستغفرُ له مَن في السماواتِ ومن في الأرضِ، حتى الحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً، إنمّا ورَّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ)،[٤] لذلك برع العلماء المسلمين في أمور دينهم ودُنياهم؛ لأنّهم فهموا أنّ العلم المراد يتفرّع إلى جميع مجالات الحياة، فكان لهم أطيب الأثر في جميع العلوم، ففي علم الكيمياء برع جابر بن حيّان رحمه الله، الذي قدّم دراسات ذات مكانة عظيمةٍ في الكيمياء، وفي الطب والفقه أيضاً برع الكثير من العلماء، مثل: ابن رشد، والرازي، وابن سينا، وفي علم النفس كان الميدان لأبي حامد الغزالي، الذي قدّم للعالم العديد من الحقائق لم تُكتشف إلّا مُؤخّراً، وفي الطبيعة تميّز ابن الهيثم، الذي ألّف مئتي كتاباً، وفي الزراعة ابن البيطار، وفي الرياضيات برع الخوارزمي الذي قدّم للرياضيات المقابلة، والجبر، وفي التاريخ برز كلّ من ياقوت الحموي، والسمعاني، والإدريسي، وغيرهم الكثير من العلماء الذين أدركوا أنّ الطريق إلى رضا الله سبحانه يكون بالعلم؛ فلا انفصال مطلقاً بين العلم والدين.[٥]
من علماء المسلمين
يعودُ الفضل في نشأة العديد من العلوم إلى العلماء المسلمين، وما بذلوه من الجهود العظيمة، ومن أبرزهم:
- البخاري: هو الإمام محمد بن إسماعيل، لُقّب بأمير المحدّثين، وقد وصفه العلماء بأنّه جبل الحفظ، فقد كان محبّاً للعلم من صغره، ولم يقتصر علمه على حفظ الحديث؛ بل حفظ القرآن الكريم في سنٍّ صغيرٍ، تميّز بسرعة الحفظ، وسعة الفهم، تلقّى العلم عن جمعٍ غفيرٍ من العلماء، وروى عنه المشاهير من العلماء، مثل: الترمذي، وأبي حاتم، وكان لهذا العالم فضلٌ كبيرٌ في حماية السنّة النبويّة.[٦]
- الزهراوي: هو خلف بن عباس الزهراوي، عاش في مدينة الزهراء في الأندلس، وقد تميّزت هذه المدينة في زمانه بالازدهار المعرفيّ والفكري، مع وجود الوسائل التعليمية المُعينة على التعلّم، وقد سطع نجم الزهراوي في ميدان الجراحة، كما ألّف كتابه المشهور التصريف لمن عجز عن التأليف، والذي وضع فيه الأُسس والمبادئ لعلم الجراحة، كما أثرى علم الطب بابتكاره لآلات الجراحة، والتي تزيد عن مئتي ألف آلةٍ، منها الحُقن العاديّة، ومقصلة اللوزتين، كما ابتكر أيضاً طريقة ربط الأوعية الدموية بخيوطٍ من أمعاء القطط.[٧]
- الخوارزمي: هو محمد بن موسى الخوارزمي، أصله من خوارزم، ولكنّه عاش في مدينة بغداد، واشتُهر فيها، كانت له مكانةً رفيعةً عند الوالي، وظهر في عصر الخليفة المأمون، ويُعدّ الخوارزمي أول من ألّف كتاباً في علم الحساب، حيث ساهم كتابه في تيسير أعمال التجارة والمال من خلال نظرياته، كما وتطرّق إلى الحديث عن الميراث كما بُيّن في القرآن الكريم، وكيفيّة تقسيمه من خلال عرض الأمثلة، ويعود الفضل للخوارزمي بتوضيح مكانة الصفر في العمليات الحسابية.[٨]
المراجع
- ↑ سورة الأنعام، آية: 165.
- ↑ سورة العلق، آية: 1-5.
- ↑ محمود شلتوت (30-12-2012)، “مكانة العلم في نظر القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 70، حسن لغيره.
- ↑ د. بدر هميسة، “الإسلام دين العلم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-11-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الحكيم خلفي (5-5-2012)، “ترجمة الإمام البخاري”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-11-2018. بتصرّف.
- ↑ د. راغب السرجاني (6-7-2009)، “أبو القاسم الزهراوي.. رائد علم الجراحة “، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2018. بتصرّف.
- ↑ د.عبد الحليم عويس (13-1-2018)، “علم الرياضيات في التاريخ الإسلامي “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-11-2018. بتصرّف.