تنمية الذكاء

معوقات التفكير الناقد

معوقات التفكير الناقد

التفكير الناقد

يُعَدُّ التفكير سلوكاً ناتجاً عن تفاعُل الإنسان مع البيئة المُحيطة به، وتعامله بشكل متواصل مع المشكلات التي تواجهه، بحيث يعتمد على المقدرة العقليّة العامّة لديه، علماً بأنّه نشاطٌ عقليٌّ يمارسه الإنسان في مواجهته للمواقف المجهولة التي تحتاج إلى تفسير وفهم، وهو نشاطٌ يتَّصف بالمرونة. ومن الجدير بالذكر أنّ التفكير الناقد واحد من أنماط التفكير، وهو تفكير مُكتسَب لا يتمّ الحصول عليه بالفطرة، بل بالتدريب، كما أنّه غير مرتبط بعمر مُعيَّن؛ حيث يمكن لأي إنسان ممارسته بناءً على مقدرته العقليّة، والتصورية، والحسّية، وحتى المجرَّدة،[١] ومن الجدير بالذكر أنّه قد تمّ الاهتمام بالتفكير الناقد باعتباره نشاطاً علميّاً معرفيّاً، وباعتباره نشاطاً إنسانيّاً، وقد لقيَ هذا النوع من التفكير اهتماماً واسعاً في القرن الماضي وتحديداً في العقد الثامن منه، من قِبل التربويّين؛ نظراً لضعف المخرجات التعليميّة.[٢]

ومن هنا، وردت عدّة تعريفات للتفكير الناقد، وذلك على النحو الآتي:

  • عرَّفه (عفانة) على أنّه: “عبارة عن عمليّة تَبنّي قـرارات، وأحكام قائمة على أُسُس موضوعيّة تتَّفق مع الوقائع المُلاحَظة، والتي تتمّ مناقشتها بأسلوب علميّ، بعيداً عن التحيُّز، أو المُؤثِّرات الخارجيّة التي تُفسد تلك الوقائع أو تُجنِّبها الدقّة، أو تُعرِّضها إلى تدخُّل مُحتمَل للعوامل الذاتيّة”.[١]
  • يشير (جروان) إلى أنّه: ” عبارة عن نشاط عقليّ مُركَّب هادف، محكوم بقواعد المنطق، والاستدلال، ويقود إلى نواتج يمكن التنبُّؤ بها، غايته التحقُّق من الشيء، وتقييمه، بالاستناد إلى معايير، أو مَحكّات مقبولة”.[٣]
  • تُعرِّفه (ديانا هالبرن) على أنّه: ” التفكير الذي يستخدم المهارات المعرفيّة، أو أنواع الاستراتيجيّات التي تزيد من احتمال الوصول إلى نتائج مُلائمة، وفعّالة؛ أي أنّه نمطٌ من التفكير الهادف، يستعين بالاستدلال، والاحتمالات المُمكِنة، واتِّخاذ القرارات المناسبة لحلِّ مشكلات مُحدَّدة، وإنجاز مَهامّ مُعيَّنة”.[٣]

وعلى ضوء هذا، فإنّه يمكن تعريف التفكير الناقد على أنّه: عمليّة عقليّة تهدف إلى فهم موقف معيَّن وتحليله؛ وصولاً إلى إصدار الحكم الذي يتعلَّق به.[٢]

معوقات التفكير الناقد

تتمثّل مُعوّقات التفكير الناقد في ما يأتي:[٤]

  • الجزميّة: (بالإنجليزيّة: Dogmatism)، حيث يعتقد (روكيتش) الذي قدّم هذا المُصطلح بأنّ للإنسان نظاماً كلّياً للمعتقدات يتكوَّن من طرفين، هما:
    • نظام اعتقاديّ مغلق (بالإنجليزيّة: Closed Belief System): حيث يتًّصف هذا النظام بأنّه يعارض كلّ ما هو جديد، كما أنّه ينظر إلى الحياة بنظرة توهُّمية، بالإضافة إلى أنّه يتَّسم بالجمود، والتسلُّط، والعجز، والوحدة، وضيق الأفق.
    • نظام اعتقاديّ منفتح (بالإنجليزيّة: Open Belief System): ويتَّصف هذا النظام بأنّه مستعدٌّ لتقبُّل الآراء الجديدة، وهو مَرن يتّسم بالاتّساق.
  • الجمود: (بالإنجليزيّة: Rigidity)، حيث إنّ هذا المصطلح مشابه لمصطلح (الجزميّة) إلى حدٍّ ما من حيث التمسُّك بالرأي، ومقاومة كلّ ما هو جديد، وعدم المرونة، إلّا أنّه يخالفه في كونه يرتبط بمعتقد الإنسان بشكل منفرد، وليس بنظام المعتقدات الكلّي كما هو الحال في (الجزميّة)، كما أنّه قد يتمّ التعلُّم هنا عن طريق التزمُّت، والقهر.
  • المسايرة: (بالإنجليزيّة: Conformity)، وهي تعني مدى مطاوعة الإنسان للاتّجاهات المحيطة به من أسرة، ومجتمع، وغيرهما.
  • التفكير الخرافيّ: (بالإنجليزيّة: Superstitious Thinking)، وهو الاستناد إلى أسباب غير طبيعيّة، أو غيبيّة ليس للإرادة فيها دور، أو غير صحيحة لحلّ أيّ مشكلة.

ومن الجدير بالذكر أنّ هناك مُعوِّقات أخرى للتفكير الناقد، ومن بينها:[٥]

  • العناد: (بالإنجليزيّة: Stubborness)، وهو يمثِّل التمسُّك بالرأي والمعتقدات الخاصّة، وعدم التخلّي عنها حتى في حال ظهور آراء أخرى تمثِّل حقائق وأدلّة واضحة، على الرغم من توفُّر الآراء الواضحة حول أمر ما ممّ قد يساعد على فهمه.
  • التعصُّب: (بالإنجليزيّة: Prejudice)، تشكِّل بيئة الفرد عاملاً مهمّاً ومؤثِّراً في نظرته تجاه العالم، حيث إنّ ثقافته تساعد على تحديد الكيفيّة التي ينظر بها إلى الأمور، ممّا قد يجعله مُتحيِّزاً ومتعصّباً في رأيه ضدّ آراء الآخرين، إلّا أنّ المنهج العلميّ لا بُدّ أنّ يعتمد على فكر العديد من الباحثين، لا على فكر فرد منهم فقط؛ لأنّه سيكون فكراً غير مُكتمل؛ لهذا فإنّ عمليّة التخلُّص من التأثيرات الشخصيّة والتحيُّزات تشكِّل أحد أهداف المنهج العلميّ.
  • الخوف: (بالإنجليزيّة: Fear)، حيث قد يعيق الخوف الفرد من مواجهة الحقائق التي قد تؤدّي إلى تغييره لآرائه ومعتقداته، علماً بأنّ عامل الخوف يتداخل مع التفكير الناقد على المستويَين: الفرديّ، والجماعيّ.
  • الكسل: (بالإنجليزيّة: Laziness)، حيث يهتمّ الحوار الحقيقيّ بتوفُّر الرغبة لدى الفرد في ما يتعلَّق بتقديم الحجّة الأقوى، كما أنّ عمليّة التفكير تتطلَّب الصبر، وبذل الجهود في ما يتعلَّق بتحليل الآراء المختلفة، ووجهات النظر الأخرى، ممّا يجعل الكسل مُعوِّقاً للتفكير الناقد.

خصائص التفكير الناقد

يتميّز التفكير الناقد بعدّة مميّزات قد تختلف باختلاف الباحثين، وفيما يأتي بعض هذه المميّزات تِبعاً لما أورده (Beyer) في كتابه (التفكير الناقد):[١]

  • وجود نوع من المجادلة.
  • الاهتمام بآراء الآخرين.
  • وجود المعايير، أو المحكّات المناسبة، وتوفُّر الإجراءات اللازمة لتطبيقها.
  • الاهتمام بالاستنتاج والاستنباط.
  • وجود العادات العقليّة المهمّة، مثل: الوضوح، والدقّة، والعقل المنفتح، وتقدير الأدلّة، وغيرها من الأمور.

مهارات التفكير الناقد

يشتمل التفكير الناقد على العديد من المهارات الفرعيّة، علماً بأنّ هناك العديد من التصنيفات التي ترتبط بهذا الموضوع، ومن أشهرها تصنيف (Watson & Glaser) على النحو الآتي:[٣]

  • التعرُّف على الافتراضات: حيث تتضمّن هذه المهارة التمييز بين الرأي والحقيقة، وبين كذب معلومات معيَّنة أو صدقها، وغيرها من الأمور.
  • التفسير: حيث يهتمّ بتحديد المشكلة، وإدراك التفسيرات المنطقيّة، والتأكُد من مدى قبول أو رفض التعميمات المبنيّة على معلومات محدَّدة.
  • الاستنباط: وهو يعني أن يكون الإنسان قادراً على تحديد بعض النتائج؛ تبعاً لمعلومات مُسبَقة.
  • الاستنتاج: وهو أن يكون الإنسان قادراً على استخلاص نتيجة من حقائق محدَّدة، سواءً كانت موجودة أم مُفترَضة، وإدراك مدى صحّتها أو خطئها؛ تبعاً للحقائق التي تمّ تقديمها.
  • تقويم الحجج: حيث يعني هذا الأمر المقدرة على تقويم الأفكار، وتحديد ما إذا كانت مقبولة أم مرفوضة، والمقدرة على التمييز بين ما هو قويٌّ وما هو ضعيف من الحجج، وبيان المصادر الأساسيّة والثانويّة، وبالتالي إصدار الأحكام التي تتعلَّق بمدى كفاية المعلومات.

معايير التفكير الناقد

للتفكير الناقد العديد من المعايير التي يُحكم بها على نوعيّة التفكير الذي تتمّ ممارسته، وفي ما يأتي أبرز هذه المعايير:[٤]

  • الدقّة: (بالإنجليزيّة: Precision)، وتعني تفسير الموضوع ومعالجته، دون أيّ زيادة أو نقص.
  • المنطق: (بالإنجليزيّة: Logic)، ويعني هذا أن يفكّر الإنسان بمنطقيّة عند طرح المشكلة.
  • الوضوح: (بالإنجليزيّة: Clarity)، وهو يُعتبَر مدخلاً للمعايير كلّها، ومن أهمّها أيضاً، حيث لا بُدّ من هذا المعيار؛ لأنّه من الصعب بمكان فهم ما هو مُبهَم.
  • الربط: (بالإنجليزيّة: Relevance)، وهو يعني صلة الوصل ما بين الحجّة والموضوع الذي تتمّ مناقشته.
  • العمق: (بالإنجليزيّة: Depth)، حيث يعني هذا المعيار معالجة الموضوع بشكلٍ يتلاءم مع تشعُّباته وتعقيداته.
  • الصحة: (بالإنجليزيّة: Accuracy)، أي أن تكون العبارة موثوقة وسليمة.
  • الاتّساع: (بالإنجليزيّة: Breath)، ويعني عدم إغفال أيّ جانب من جوانب المشكلة التي يتمّ طرحها، بحيث تكون عمليّة المناقشة شاملة للجوانب كلّها.

المراجع

  1. ^ أ ب ت نادر خلیل أبو شعبان (2010م)، أثر استخدام إستراتیجیة تدریس الأقران على تنمیة مھارات التفكیر الناقد في الریاضیات لدى طالبات الصف الحادي عشر قسم العلوم الإنسانیة (الأدبي) بغزة، غزّة: الجامعة الإسلاميّة، صفحة 82، 78-77، 50، 48، 4. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ناصر أحمد ضاعن الخوالدة (2015م)، أثر التدريس باستخدام الوسائط المتعددة في التحصيل وتنمية مهارات التفكير الناقد في مبحث التربية الإسلامية للمرحلة الأساسية، صفحة 987-989. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت خالد بن ناهس العتيبي (2007م)، أثر استخدام بعض أجزاء الكورت في تنمية مهارات التفكير الناقد وتحسين مستوى التحصيل الدراسي لدى عينة من طلاب المرحلة الثانوية بمدينة الرياض، السعودية: وزارة التعليم العالي- جامعة أم القرى، صفحة 14-13، 11. بتصرّف.
  4. ^ أ ب هيفاء بنت فهد المبيريك (1427/1428هـ)، ممارسة أعضاء هيئة التدريس للتفكير الناقد وعلاقته بمتغيرات البيئة الجامعية، السعودية: جامعة الملك سعود، صفحة 58-57، 47-46. بتصرّف.
  5. Robert Russell, “What Are Four Barriers to Critical Thinking?”، classroom.synonym.com, Retrieved 8-12-2018. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى