محتويات
'); }
يحيى عليه السلام
هو نبي الله يحيى بن نبي االله زكريا عليهما السلام، ورد اسم يحيى -عليه السلام- في القرآن الكريم ست مراتٍ، في أربع سورٍ مختلفةٍ؛ وهي: الأنعام، والأنبياء، وآل عمران، ومريم، حيث بدأت قصته ببشارة الله تعالى لأبيه زكريا بولادة يحيى، على الرغم من كِبَر سنّه ويأسه من الولد، فقد قال الله تعالى: (يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسمُهُ يَحيى لَم نَجعَل لَهُ مِن قَبلُ سَمِيًّا*قالَ رَبِّ أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَكانَتِ امرَأَتي عاقِرًا وَقَد بَلَغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا)،[١] ففرح زكريا -عليه السلام- بمعجزة ولادة ابنه يحيى عليه السلام، الذي كان اسمه تشريفاً من الله تعالى، وليس من أحدٍ من البشر، وسرعان ما كبُر يحيى عليه السلام، وانتقل إلى سنّ الصِبا، حيث كان محبّاً للعبادة، عاكفاً في محراب العلم، فرزقه الله -تعالى- الذكاء الواسع، والعقل الراجح، وأتاه الحكم صبياً، وكان متمكناً من مسائل التوراة، فاهماً لأصولها وفروعها، يفصل بين الناس، ويقضي بما أنزل الله فيها، ورغم صغر سنه إلّا إنّه كان لا يخشى في الله لومة لائم، فيقول الحقّ بلا تردّدٍ، ولا يهاب بطش الظالمين.[٢]
معجزة يحيى عليه السلام
قال الله تعالى موجهاً ليحيى -عليه السلام- خطاباً مباشراً: (يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا*وَحَنانًا مِن لَدُنّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا*وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا*وَسَلامٌ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَموتُ وَيَومَ يُبعَثُ حَيًّا)،[٣] وتدلّ الآيات السابقة على أنّ يحيى فهم التوراة، وعمل بها وهو في سن الصِبا، وقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (أُعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين)، وممّا رُوي عن يحيى -عليه السلام- أنّ الغلمان كانوا يدعونه ليلعب معهم، فيقول لهم: (ما لهذا خُلقنا)، ثمّ يدعوهم للصلاة، ومن الصفات التي ميّز الله -تعالى- بها يحيى -عليه السلام- الرحمة التي جعلها في قلبه ليعطف بها على الناس، وطهارة القلب التي جنّبته الوقوع في أي شيءٍ يخالف أمر الله تعالى، فكان مُطيعاً لربّه عزّ وجلّ، بارّاً لوالديه، مُتواضعاً، مُجتنباً لما حرّم الله تعالى، وبالإضافة إلى تلك الصفات العظيمة قال الله -تعالى- واصفاً يحيى عليه الصلاة والسلام: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)،[٤] فمن صفاته أن جعله الله سيداً يفوق غيره بالشرف، وعفّة النفس، والتقوى، كما جعله حصوراً أيضاً؛ فلا يأتي الشهوات، ومعصوماً عن المنكرات، ومصدّقاً بكلمة من الله، أي مؤمناً بنبوة عيسى عليه السلام، واصطفاه الله بالنبوّة ليكون مبلّغاً لرسالته وناشراً لدعوته،[٢] بعد البحث والتدقيق لم تُذكر أيّة معجزةً من المعجزات التي تخصّ نبي الله يحيى عليه السلام، إلّا ما ذُكر من ولادته على الرغم من كبر سنّ أبيه زكريا، وعدم قدرة أمّه على الإنجاب؛ حيث إنّها كانت عاقراً لا تلد.[٥]
'); }
صفات يحيى عليه السلام
ذُكر أنّ يحيى -عليه السلام- كان جميل الوجه، حسن الصوت، قوياً في الحقّ منذ صغره، وكان بعيداً عن النعيم وترف الحياة، فلم يكن له بيتاً، ولا عبداً، ولا درهماً، ولا ديناراً، ولكن كان يسكن الغابات والبراري، ويلبس الوبر، ويأكل العشب، ويشرب من مياه الأنهار، ويحبّ العزلة عن الناس، فنشأ نشأة الصلاح، والتقى، والطُهر، والنقاء.[٦]
مقتل يحيى عليه السلام
اختلفت الروايات التي تتحدّث عن مقتل يحيى عليه السلام، وفيما يأتي بيان ذلك:[٧]
- قيل إنّ عيسى -عليه السلام- أرسل يحيى -عليه السلام- مع جماعةٍ من الحواريين؛ ليعلّم الناس أحكام التوراة، ومن ضمن ما كان يعلّمهم تحريم نكاح المحارم؛ كالأخت، وبنت الأخت، وكان هناك ملكٌ تعلّق قلبه ببنت أخٍ له، فأراد نكاحها، فأنكر عليه يحيى ذلك، وفي أحد الأيام شرب ذلك الملك الخمر حتى سَكِر، فقال لتلك الفتاة اطلبي ما تريدين، وكان يحقّق لها في كلّ يومٍ ما تطلب، فقالت لها أمّها اطلبي رأس يحيى في طشت، فطلبت منه ذلك، ولكنّه رفض الأمر، ولمّا ذهب عقله من كثرة الخمر، راودها فامتنعت، فأمر بذبح يحيى عليه السلام، فذبح وجيء برأسه في وعاءٍ، والرأس يقول: (لا يحلّ لك نكاحها)، وأخد الدم يغلي في الوعاء، فوضعوا عليه التراب ولكنّه بقي كذلك، وفي أحد الأيام غزاهم ملك اسمه خردوس، فحاصر بيت المقدس حصاراً طويلاً، ولكنّه لم يفتحها فأراد الرجوع عنها، إلّا أنّ عجوزاً من بني إسرائيل قالت له: (إن أردت أن تفتح المدينة قسّم جيشك إلى أربعة أجزاءٍ، واجعل على كلّ جهةٍ من المدينة جزءاً، ثمّ ارفع يديك إلى السماء، وقل إنّا سنفتحك بالله وبدم يحيى بن زكريا، وبعد أن تفتحها اقتل على دمه حتى يسكن)، فلمّا فعل ما قالته له العجوز فُتحت المدينة، ثمّ أخبرتهم بمكان دم يحيى عليه السلام، فقتل عليه سبعين ألفاً منهم حتى استقرّ الدم.
- قيل إنّه كان زمن يحيى -عليه السلام- ملكٌ يُدعى هردوش، وكان له ابنة بغي اسمها أزبيل، وفي أحد الأيام رأت تلك البغي يحيى -عليه السلام- فأُعجبت به، فأرسلت إليه، وراودته عن نفسه، فأبى، ثمّ راودته مراراً وتكراراً، ولكنّه كان في كلّ مرّةٍ يرفض ذلك، فخافت أن يفتضح أمرها، واستشارت أمّها فأشارت عليها بطلب رأس يحيى -عليه السلام- من أبيها حالما يسألها عن حاجتها، ففعلت ذلك، فذُبح يحيى عليه السلام، وبعد ذلك ندمت على فعلتها، وقيل إنّها ذُكرت في التوراة باسم قتّالة الأنبياء، حيث قتلت في يومٍ واحدٍ سبعين نبياً، آخرهم يحيى عليه السلام، وقيل إنّها أول من تدخل جهنم، ولها منبراً في النار تُعذّب عليه، فيسمع صراخها كلّ أهل النار.
المراجع
- ↑ سورة مريم، آية: 7-8.
- ^ أ ب “قصة يحيى عليه السلام في القرآن”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 12-15.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 39.
- ↑ سيد مبارك، معجزات الأنبياء والمرسلين، القاهرة: المكتبة المحمودية، صفحة 89. بتصرّف.
- ↑ “نبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام”، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 4-7-2018. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله (1434هـ)، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (الطبعة الأولى)، سوريا: دار الرسالة العالمية، صفحة 303-304 جزء 3. بتصرّف.