'); }
سليمان عليه السّلام
وهو أحد أنبياء بني إسرائيل وأعظم ملوكهم؛ حيث إنّ الله تعالى رزقه ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، واسمه؛ سليمان بن داوود بن ايشا بن عويد بن عابر، و يعود نسبه إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيمإبراهيم الخليل عليه السلام، وقد كان سليمان -عليه السّلام- أبيضاً جسيماً، يلبس من الثياب البيض، وعلى الرغم من أنّه ورث الملك عن داوود -عليه السّلام- وهو يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنةً، إلا أنّه كان صاحب ذكاءٍ وفطانةٍ، وحسن سياسةٍ و تدبيرٍ، كما قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)،[١] وبعد أن ورث سليمان الملك بأربع سنواتٍ، قام بإعمار بيت المقدس كما وصّاه داوود عليه السّلام، وأقام سوراً حول مدينة القدس، وكان اهتمام سليمان عليه السلام بالجهاد في سبيل الله كبيراً؛ إذ إنّه كان يعتني بالخيل ويروّضها ويعدّها للجهاد، وكان له أسطولٌ بحريٌّ، وقد تزوج عدداً كبيراً من النساء، وكان الهدف من ذلك؛ إنجاب الفرسان؛ ليجاهدوا معه في سبيل الله.[٢]
معجزات سليمان عليه السّلام
كانت معجزات الأنبياء الحسّيّة غالباً مؤقّتةً غير دائمةٍ، وتؤدي وظيفةً معيّنةً؛ فتُبهر العقول، ثمّ تنتهي؛ مثل عصا موسى عليه السّلام، والنار التي نجا منها إبراهيم عليه السّلام، ولكنّ معجزة سليمان -عليه السّلام- كانت مختلفةً عن معجزات الأنبياء، إذ إنّ معجزاته كانت مرافقةً له طول حياته، فصنع بها حضارةً هائلةً، واستفاد منها كلّ من كان يعيش في مملكته ونذكر منها:[٣]
'); }
- محادثة ما لا ينطق؛ فقد كان سليمان -عليه السّلام- يفهم كلام ما لا يتكلم من جمادٍ، وحشراتٍ، وطيور، ولكن خصّ الله تعالى ذكرالطيور؛ لأنّها كانت من جنود سليمان عليه السّلام، حيث قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)؛[١] حيث كانت ترسل له الرسائل للأماكن البعيدة، وتنقل له الأخبار، وتُظل الجيش، وتلطف الجو بأجنحتها، و وكان كثيراً ما يروي لقومه أقوال الطير؛ لما فيها من حكم وعظات.
- تسخير الجنّ؛ حيث إنّ الله تعالى مكّن سليمان -عليه السّلام- من الجنّ وأقدره عليهم، فكان يحكمهم، ويأمرهم بالأعمال النافعة للمملكة؛ من عمارة أماكن العبادة والمحاريب، والتماثيل، والغوص في أعماق المحيطات والبحار؛ لاستخراج اللؤلؤ والمرجان والكنوز الثمينة، مسفيداً من سرعتهم الهائلة في التنقّل وقدرتهم على اختراق الحواجز، وأمّا من خالف أمره من الجنّ، فقد كان يسجنهم ويقيدهم بالسلاسل، كما قال تعالى:(وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ*وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ)[٤]
- تسخير الرياح؛ كانت الريح تتحرك بأمر سليمان -عليه السّلام- طيلة حياته؛ حيث قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ*فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)،[٥] وكانت هذه الرياح شديدة السرعة، تقطع في يومٍ واحدٍ مسافةً يحتاج الناس لقطعها مسيرة شهرين مسرعين، فكان يحمل عليها مئات الآلاف بأحمالهم وعتادهم، وتتنقل بهم حيث شاء في الأرض المباركة؛ وهي مملكة سليمان عليه السّلام، التي تمتد من شط الفرات إلى خليج العقبة، كما قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)،[٦] وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّه قال: (كان سليمان إذا جلس نصبت حواليه أربعمائة ألف كرسي، فيجمع الإنس والجن جميعاً عليها، وتقلهم الريح حيث يشاء)، بالإضافة إلى أنّ الريح كانت تهب بأمره؛ فتتحكم في حركة السفن والسحاب الذي يحمل الماء، و كان سليمان -عليه السّلام- دائم الجهاد في سبيل الله، كلّما سمع عن قوم محاربين لله تعالى أعدّ لهم، ثمّ أمر الريح؛ لتحمله إليهم غازياً.
- إسالة النحاس؛ أجرى الله تعالى لسليمان -عليه السّلام- عيناً من نحاسٍ أصفرٍ تجري كما يجري الماء، فكان الجن يأخذون منها ويشكلون النحاس كما يشاء، ويرجع السبب في ذلك؛ إلى أن سليمان كان يحتاج في حروبه مادةً يصنع منها الأسلحة والمعدات الأخرى.
وفاة سليمان عليه السّلام
لمّا اقترب موعد وفاة سليمان عليه السّلام، أخبره ملك الموت بقرب أجله، فطلب من الجنّ بناء صرحٍ من قوارير وليس له بابٌ حوله، فقاموا ببنائه، ثمّ صلّى ما كتب الله له أن يصلّي، وجلس متوكّئاً على عصاه، فجاء ملك الموت وقبض روحه، و بقي متوكّئاً عليها فترةً طويلةً من الزمن، قيل: نحواً من السنة، واستمرالجنّ بالعمل بأمره، وكلّما نظروا إليه حسبوا أنّه حيّ، ثمّ أرسل الله تعالى دابة الأرض واسمها القادح، فدخلت إلى جوف العصا، فأكلته حتى ضعفت العصا وسقطت، فلمّا سقطت، علم الجن والإنس أنّ سليمان -عليه السّلام- قد توفي منذ زمنٍ، وتبينوا أنّ الجن لا يعلمون الغيب كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس بذلك، كما قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)، [٧] وقال الجنّ لدابة الأرض: لو كنت تأكلين؛ لأتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين؛ لأتيناك بأفضل الشراب، ولكن سنأتيك بالماء والطين، وبقي الجنّ على ذلك شكراً لها. [٨]
المراجع
- ^ أ ب سورة النمل، آية: 16.
- ↑ “نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام”، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 20-5-2018. بتصرّف.
- ↑ أحمد أحمد غلوش، دعوة الرسل عليهم السلام ، صفحة 422-427. بتصرّف.
- ↑ سورة ص، آية: 37-38.
- ↑ سورة ص، آية: 35-36.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 81.
- ↑ سورة سبأ، آية: 14.
- ↑ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، صفحة سورة سبأ الآية 14. بتصرّف.