ثورات وحروب

جديد ما هي حرب القرم

حرب القرم

حرب القرم هي حرب وقعت في شبه جزيرة القرم في الفترة من تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1853م إلى شباط/فبراير عام 1856م، وكانت أطرافها روسيا من جانب، وتركيا وبريطانيا وفرنسا من الجانب الآخر بالإضافة إلى دخول سردينيا الحرب إلى جانب القوات المتحالفة ضد روسيا في شهر كانون الثّاني/يناير بتقديم دعم من جيشها، وقد كان سبب الحرب الرئيسي هو عدوان روسيا على تركيا؛ حيث طالبت روسيا بفرض حمايتها على الممتلكات الأرثوذكسيّة للسلطان العثماني، بالإضافة إلى عامل آخر هو الصراع الروسي الفرنسي في سبيل الحصول على امتيازات الكنائس الأرثوذكسية الروسيّة والكنيسة الكاثوليكيّة في المناطق المقدسة من فلسطين، ممّا أدى إلى تحالف القوى الأوروبيّة المذكورة لصد العدوان الروسي، فدُمّرت القوات البحريّة الروسيّة في البحر الأسود في عام 1854م، ثمّ سيطرت القوى الأوروبيّة على مدينة سيباستوبول في عام 1855م بعد حصار مطول لها.[١][٢][٣]

أسباب حرب القرم

إنّ الأسباب الظاهريّة لحرب القرم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدّين، ويتمثل هذا الارتباط بحماية الأماكن المقدسة في القدس، ويمكن تفسير ذلك بأنّ الأرض المقدسة كانت جزءاً من الإمبراطوريّة العثمانيّة الإسلاميّة، كما أنها كانت موطناً لليهود والمسيحيين، وقد حاولت الطوائف المسيحيّة السيطرة على الأماكن المقدسة، ولكن قُسّمت الطوائف المسيحيّة إلى طائفتين رئيسيتين هما الكنيسة الأرثوذكسية الشرقيّة، والكنيسة الكاثوليكية الرومانيّة، ولم تتمكّن هاتان الطائفتان من العمل معاً؛ حيث أرادت كلّ منهما السيطرة على الأماكن المقدسة، وفي عام 1690م منح السلطان العثمانيّ السلطة للكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة ومكّنها من السيطرة على جميع الكنائس في النّاصرة، وبيت لحم، والقدس، وفي عام 1740م أُبرمت معاهدة فرنسيّة تركيّة مفادها أن الرهبان الكاثوليك عليهم حماية الأماكن المقدسة، وكان ذلك بهدف الحفاظ على سلامة المسيحيّين وتمكينهم من القيام بالحج إلى القدس، إلّا أنه لم يكن هناك عدد كبير من الأشخاص المنتمين إلى الروم الكاثوليك، فقد كان الانتماء الأكبر يعود إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة، وبناءً عليه نُقلت مهمة حماية الأراضي المقدسة إلى الرهبان الأرثوذكس، أخذت روسيا على عاتقها حماية الكنيسة الأرثودكسية، وكانت حينها تحت حكم القيصر نيكولاس الأوّل الذي كان يؤمن بأنّه يلعب دور قائد الكنيسة الأرثودوكسية، وحامي المسيحيين الأرثوذكسيين كتنفيذ لمشيئة الله.[٤]

حدثت عدّة اشتباكات خلال فترة 1847م – 1848م بين الكاثوليك والأرثوذكس في القدس، كما حدثت صراعات بين الفرنسيين والروسيين على الأراضي التركيّة، وعندها اقترحت فرنسا أن تكون السيطرة على الأماكن المقدسة مشتركة بين الكاثوليك والأرثوذكس، إلّا أنه بأواخر عام 1852م سيطر الفرنسيون على الأراضي المقدسة، فاعتبر الروس ذلك تحدياً كبيراً لهم، كما رأى القيصر الروسي أن تركيا تقع تحت السيطرة الأجنبيّة شيئاً فشيئاً، وكان الروس يهدفون إلى السيطرة على الشرق الأدنى والتوسع فيه بقيادة القيصر نيكولاس وبمساعدة من بريطانيا ممثلة برئيس الوزراء البريطاني أبردين، وقد اقترح القيصر تقسيم تركيا إلّا أن رئيس وزراء بريطانيا لم يتفق مع هذا الاقتراح، وفي عام 1853م بعثت روسيا مينشيكوف إلى القسطنطينية، وهو عبارة عن جندي ودبلوماسي قاد بعثة لإجبار السلطان على تقديم التنازلات لروسيا؛ حيث اتهم مينشيكوف المسؤولين العثمانيين بظلم المسيحيين الأرثوذكسيين وسوء معاملتهم، وأن على تركيا وروسيا الوصول إلى اتفاق رسمي يضمن للمسيحيين الأرثوذكسيين معاملة طيبة، وذلك بإنشاء محمية روسّية أرثوذكسية داخل الأراضي العثمانيّة، وقد تخوف السلطان من أن ذلك يهدد استقلاله وبدأ يناشد القوى الأوروبيّة لتحميه من أي انتهاك روسي في تركيا.[٤]

أدرك مينشيكوف أنه فشل في الهدف الذي بُعث لأجله وأدى ذلك إلى عودته لسانت بطرسبرغ، ونقل للقيصر أن السياسة الروسيّة فشلت وأن بريطانيا رفضت مطالب القيصر، وعندها شعر القيصر بالعار وقرر أن يعرف مدى قوّة السلطان العثماني، وقوّة موقف بريطانيا في مواجهة التعديات الروسيّة، وفي سبيل اختبار تركيا غزت روسيا مولدافيا والأشيا التركيّة في عام 1853م، ولم يكن نيكولاس يتوقع معاندة بريطانيا له وخاصة أن بريطانيا وتركيا لم تكونا على وفاق، كما هدف إلى إجبار الأتراك على منح المسيحيين الأرثوذكس ضماناً بعدم أذيتهم، ولم يكن يعلم أن غزوه لتركيا كان قد ضغط على السلام الأوروبيّ، كما أن ذلك قد أشعر النّمسا والمجر بالخطر الناتج عن عبور الروسيين لنهر الدانوب، ومن النتائج الأُخرى لذلك التسبب في غضب فرنسا وبريطانيا نتيجة لتعرض تركيا للتهديد من التوسع الروسي؛ ممّا أدّى إلى اندلاع الحرب.[٤]

اندلاع حرب القرم ومجرياتها

أعلنت النّمسا وبريطانيا وفرنسا الحرب على روسيا في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 1853م ، وفي أواخر تشرين الثّاني/نوفمبر دمّر الأسطول الروسي سرباً بحرياً تركياً في البحر الأسود، وكانت مشاركة بريطانيا ودعمها لتركيا كامنة وراء تأمين تجارتها مع تركيا والوصول إلى الهند؛ من خلال الحفاظ على النظام العثماني من الانهيار، أمّا فرنسا فقد سعت للانتقام من روسيا بسبب هزيمتها في عام 1812م، وطالبت فرنسا وبريطانيا روسيا بالانحسار عن الأراضي الدانوبيّة، وأُمهلت حتّى أواخر شهر آذار/مارس من عام 1854م، كما انضمّت النّمسا إلى بريطانيا وفرنسا في مطالبة روسيا بإخلاء الدانوب، وقد وافق القيصر بداية إلّا أنه كان يخدعهم بالحقيقة، ممّا أجبر جيش القوى المتحالفة على التوجه إلى الساحل البلغاري وتغيير استراتيجياته، وبحلول شهر آب/أغسطس أسّست القوات النمساويّة حاجزاً بين المقاتلين، كما سار الحلفاء على خطةٍ تتمثّل بالهبوط في شبه جزيرة القرم، والهجوم على القاعدة البحريّة الروسيّة في سيفاستوبول وتدمير أسطولها البحري.[٥]

توقّع الحلفاء أن تستغرق الحرب 12 أسبوعاً فقط، ولكنها استغرقت 12 شهراً؛ حيث حدثت معارك برية دامية بين الجيوش القوية والمجهزة تجهيزاً حربياً كاملاً، وفي 20 أيلول/سبتمبر من عام 1854م وقعت معركة ألما التي اعتمدت على استخدام البنادق الجديدة من قِبل البريطانيين والفرنسيين وانتصروا فيها، ولم يتمكن الحلفاء من مهاجمة سيفاستوبول مباشرة، فساروا حولها ليتمكّنوا من حصارها، وفي هذا الوقت تمكّن الروس من تحصينها ومهاجمة الجيش في وسط القرم، وحدثت لاحقاً معركتا بالإكلافا وإنكرمان، واستطاعت القوات الأنجلو فرنسيّة توفير الحماية لإسطنبول، والبلطيق، والقطب الشمالي، والمحيط الهادئ بدعم من القوات البحرية، وفي عام 1854م استطاع الحلفاء السيطرة على قلعة أولاند بومارسوند في البلطيق، كما دُمّرَ حوض بناء السفن، وفي عام 1855م، وفي الفترة من 8-9 سبتمبر/أيلول من عام 1855م أُجبر الروس على الخروج من مدينة سيفاستوبول، واعتقال 200,000 جندي روسي، كما استعد البريطانيون لتدمير مرونستادت وسانت بطرسبرغ؛ من خلال استخدام السفن الحربية المدرعة والزوارق البحرية وسفن الهاون.[٥][٦]

نهاية حرب القرم

بدأت روسيا تقبل الهزيمة في شهر كانون الثّاني/يناير من عام 1856م، وسعت لتحقيق السلام؛ حيث فقدت نحو 500 ألف جندي وخسرت معظمهم بسبب سوء تغذيتهم ومرضهم، كما دُمّرَ اقتصادها، بالإضافة إلى أنها لم تمتلك الإمكانيات لصناعة أسلحة حديثة ومتطوّرة، وفي 30 آذار/مارس من عام 1856م وقّعت هدنة السلام في مدينة باريس، وأسفرت هذه المعاهدة على تهدئة روسيا، وتوحيد ألمانيا، وحافظت على الحُكم العثماني لتركيا حتّى عام 1914م، وقد كشفت هذه الحرب عن قوّة بريطانيا العظمى وأثبتت مدى أهمية وقوّة الحرب البحرية في النزاعات العالميّة،[٦] ولم تستقر العلاقات الأوروبيّة الشرقيّة بعد الحرب؛ حيث إن الإمبراطور الروسي ألكسندر الثّاني الذي خلف القيصر نيكولاس الأوّل في شهر آذار/مارس من عام 1855م رأى أنه يجب القضاء على الجهل الروسي والتخلف؛ حتّى تستطيع روسيا منافسة الدول الأوروبيّة القوية فيما بعد.[٣]

المراجع

  1. “Definition of ‘Crimean War'”, www.collinsdictionary.com, Retrieved 2017-12-24. Edited.
  2. “Crimean War”, www.en.oxforddictionaries.com, Retrieved 2017-12-24. Edited.
  3. ^ أ ب “Crimean War”, www.britannica.com,2017-1-12، Retrieved 2017-12-24.
  4. ^ أ ب ت Marjie Bloy Ph.D., “The Crimean War: immediate causes”، www.victorianweb.org, Retrieved 2017-12-24. Edited.
  5. ^ أ ب Andrew Lambert (2011-3-29), “The Crimean War”، www.bbc.co.uk, Retrieved 2017-12-24. Edited.
  6. ^ أ ب A. D. Lambert, “CRIMEAN WAR”، www.history.com, Retrieved 2017-12-25. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى