أخلاق إسلامية

ما هي أخلاق المسلم

الأخلاق في الإسلام

تنهض الأمم وترتقي برقيّ أخلاق أبنائها، فالحضارات مهما بلغت وتطوّرَت لا يعلو شأنها ولا يَستقيم حالها دون أن تربط مَسيرتها بالمَبادئ والمُثُل والقيم، وإنّ أفول شمس كثيرٍ من الحَضارات السّابقة كان بسبب انفِكاكها عن قِيَمها وأخلاقها.

جاء الإسلام بشريعةٍ خالدةٍ لم تترك شيئاً من أمور الدّنيا والآخرة إلاّ وضعت له المَنهج والطّريق؛ فالمُسلم يَعبدُ الله سُبحانَه وتعالى على بصيرةٍ ونورٍ، ولا يَنحرف عن منهاجِ ربّه وهدي نبيّه، وقد احتلّت الأخلاق جانباً رئيسيّاً في ديننا وهدي نبيّنا الذي جاء ليُتمّم مكارم الأخلاق ويَربطها بشريعة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا تتنازعها الأهواء؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)،[١] فكلّ خُلُقٍ بلا دين أو عقيدة إنما هو هواء لا خير فيه.

حثّ نبّينا عليه الصّلاة والسّلام على التحلّي بالخلق الحسن، والصّفات الحميدة، وقد أقرّ الإسلام لمّا جاء ما كانَ من الأخلاق والقِيم والعادات الحسنة التي اعتاد أهل الجاهليّة على فعلها؛ كالكرم، والجود، وإعانة المحتاج وعابر السبيل، وإكرام الضيف، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة.

مفهوم الأخلاق

الأخلاق هي المبادئُ والقواعدُ المُنظِّمةُ للسُّلوكِ الإنسانيّ، وهيَ من أنظِمةِ العملِ الخيريَّةِ المُؤطِّرةِ للتّعامُلاتِ البينيّةِ المُجتمعيّةِ، وقد دعا الإسلام إلى التحلّي بالأخلاق الحميدة وحثّ على حفظها، وأرشد إلى أنّ من لم يتحلّى بها فقد أساءَ فهم الدين والعقيدة والتدين، وقد ردَّ الإسلام كلّ ما يُخالف مكارم الأخلاق ويُناقضها في العديد من الأمور والأحوال.[٢]

الأخلاق في اللغة

الأخلاقُ جَمع خُلُق: وهو الطبع والسَّجية والدِّين، ويعني أيضاً: حالٌ للنَّفْس رَاسِخَةٌ تَصدُرُ عنها أفْعالُ الخَير أو الشرٍّ مِن غير حاجةٍ إلى تفكر أو تمهل وروية إنّما تصدر بناءً على الطبع والعادة، وهي مجموعةٌ من الصِّفاتِ البشريَّةِ والسُّلوكياتِ التي تتصف بالحُسنِ أو القُبْح.[٣]

الأخلاقُ اصطلاحاً

للأخلاق تعريفاتٌ عديدة تنوّعت بتنوّع العلوم والثقافات التي عرَّفتها، ومن تلك التعريفات والمُصطلحات التي وَصفت الأخلاق ووضّحتها:

  • الأخلاق عند الفلاسفة: عرَّف أَرسطو وأفلاطون الأخلاقَ بأنّها قُدرةُ الفردِ على التّمييز بينَ الخيرِ والشَّر، وهي عندهما أيضاً الفَضيلة التي يَتغلَّبُ فيها الجانِبُ الإلهيُّ – الديني – من الأفراد على الجانِبِ الذي يكون مَرجعه ومردُّه إلى الشهوة والمحبّبات، ويَرى الفلاسفة الشرقيون أنَّ الأخْلاقَ هيَ القدرة على ضَبط الشَّهَواتِ بالعَقلِ ومُمارسَة الفَضائِل والمكارم من الصفات.[٤]
  • الأخلاق مِن المَنظور الإسلاميِّ: تُعرَفُ الأخلاقُ من وجهة النظر الإسلامية بأَنَّها مَجموعَةٌ من المَبادئ والقَواعد التي يُحدِّدُها الوحيُ الإلهي أو النبوي لِتنظيمِ حياةِ النّاسِ وسلوكيّاتهم على نحوٍ يُحقِّقُ الغايَةَ من وُجودِهم، وتَمييزهم عن باقي البشر، ويجعل حياتهم تتّجه وفق قواعد وأحكام الدين وأهدافه،[٢]” وقد عرّفها الجَرجانيّ بأنَّها: الطِّباعُ والسُّلوكاتُ التي تَصدُر بعفوية عن الإنسانِ مِن غيرِ أن يرجع حين التصرّف بها للعَقلِ والتّفكُّروالمُراقَبةِ، وتَعتَمدُ بالذات على ما يَرسخُ في النَّفْسِ مِن حُسْنٍ وقُبْحٍ، ويَنْعَكِسُ عَنها مِن غَيْر فِكرٍ وتدبُّرٍ ورَويَّة.[٥]

بعض أخلاق المسلم

أرشد الإسلام إلى مجموعةٍ مِن الأخلاق التي يَنبغي على المُسلم أن يتحلّى ويتَّصف بها، وقد كانت بعض هذه الأخلاق مُنتشرةً قبل الإسلام فجاءَ الإسلام وأعطاها الصبغة الإسلامية وميّزها بأن جعل لصاحِبها فضلاً أكبر ممّن استغنى عنها، وحثَّ المسلمين جميعاً على التخلُّق بها، ومنها ما نبَّه إليه الإسلام بشكلٍ خاص وأعطى من يتصف به مكانةً خاصّةً ودرجةً رفيعةً، ومِن أبرز الأخلاق التي دعا لها الإسلام والتي يجب على المسلمين جميعاً التحلي بها:[٦]

الأمانة

الأمانة تَعني حِفظُ الحقوقِ وأداؤها لأصحابها إذا طلبوها، والأمانة من الأخلاق التي كان يتَّصف بها النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجاهلية؛ بل إنّه كان أكثر قومه أمانةً حتى إنّهم كانوا يضعون أموالهم ونتاج تجارتهم عنده ليحفظها لهم، وقد أَثنى الله تَعالى على الذين يتصفون بالأمانة وذَكَرهم في كِتابِه العزيز في عدة مواضع، وجَعَل الأمانة علامةً تدلّ على اكتِمال الإيمانِ وصدقه، كما جاء بيان فضل ومكانة الأمانة في كلام المصطفى -عليه الصلاة والسلام- في العديد من المواضع، منها قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصحيح: (آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذبَ، وإذا وعَدَ أخلفَ، وإذا اؤتُمِنَ خان)،[٧] فنَقيضُ الأمانة الخيانةُ التي هي إحدى علاماتِ النِّفاق كما يشير الحديث سالف الذكر.[٦]

الحِلم

الحلم هو الترَفّع عن مُبادلة النّاسِ الإساءةَ بالإساءَة والتحلّي بالصَّبرِ على ما يَصدر منهم من الإساءة القوليّة والفعليّة، والحلم صفةٌ ربانيّة؛ حيث إنّ من أسماء الله سبحانه وتعالى (الحليم) فعلى كل مسلمٍ أن يتحلى بالعلم في معاملاته الحياتيّة حتّى يكون مُسلماً بحق.[٦]

العِفَّة

هيَ الكفُّ عن المُحرَّماتِ واجتناب الوقوع بها والبعد عن مسالكها والطرق المؤدية لها، وترويضُ النَّفسِ عن طلبِها، والعفَّةُ خُلُقٌ من أخلاقِ الأنبياء، وعلامةٌ تدلّ على الإيمان والصلاح.[٦]

الحياء

الحياء خلقٌ يبعث على فعل كلّ أمرٍ حسن وترك كل شاذٍ أو قبيح، وهو من صفات المتّقين التي يحبّها الله؛ فقد قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: (الإيمانُ بِضعٌ وستونَ شُعبةً، والحَياءُ شُعبةٌ منَ الإيمانِ)،[٨] فالحياء دليل على الخير ولا يأتي إلا بخير، وهو صفةٌ من صِفات الله – عز وجل – لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ اللَّهَ حييٌّ ستِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ، فإذا اغتسلَ أحدُكُم فليستَتِر)[٩] وهو خُلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد رَوى أبو سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه – قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشدَّ حَياءً منَ العَذراءِ في خِدرِها، فإذا رأى شيئًا يَكرَهُه عرَفناه في وجهِه)[١٠][٦]

صفات الأخلاق الإسلامية

يُعدّ الدِّينُ الإسلاميّ من أهمّ وأشمل المَصادِر التي تُستمدّ منها الأخلاقِ والمكارم والفَضائِل الحميدة؛ حيث إنّه دِينٌ ثابِتٌ وله مصادر واضحة دقيقة، وهي راسخةٌ عند أهلها متّصلةٌ بالعقيدة، وبِثَباتِ تلك الشريعة تَثبُتُ كُلُّ القِيَمِ المأخوذة والمستمدة منه للأخلاق والفضائل. تَتَّسِمُ الأخلاقُ التي دعا لها الإسلام وحثّ عليها بِسِماتٍ كثيرة فريدةٍ منها:[٥]

  • الخُلودِ والاستمرارية: هي ثابتة راسخة بثبوت النصوص المستمدة منها.
  • الصِّدقِ والدقة: إن الأخلاق الإسلاميّة مَصدرها الوحي السماوي، والمتمثّل بالقرآن الذي لا يَشكّ اثنان في صحته ولا يَعتريه التزييف أو التحريف كما قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،[١١] وأمّا السنة فقد عني بها العلماء بالتّدقيق والتمحيص حتى انتهوا إلى آكدها من حيث الصحة، وعلموا ما حَدث فيها بعد عهد النبي من وضعٍ وكذب واختلاق حتى اتّضحت معالمها وضوح الشمس.
  • الشُّمول والتَّكامُل: جاءت الشريعة الإسلاميّة بجميعِ القيم القديمة لترسّخها، ثم أتت بالقيم والأخلاق والفضائل التي لم تكن في السابق فألزمت المسلمين بها، قال المصطفى – عليه الصلاة والسلام – في ذلك: (إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ).[١]
  • التَّوافُقِ العَقليّ والفِطْريِّ: إنّ جميع ما جاءت به الشريعة الإسلامية يتّفق مع العقل والفطرة السليمة، ويرجع ذلك لتفرُّد مصادرِها بالوَحيِ المتمثل بآياتِ الله وسنّة نبيه، وهي أيضاً مَبنيَّةٌ بِبناءٍ قَويمٍ يَتَناسَبُ مَع جميع الأزمنة والأمكنة، وتتلاءم بمجموعِها مَع تَكوينِ الفَرْدِ والمُجتَمعِ، وتستوعب وتشمل جَميع جوانب حياة الإنسانِ.
  • ارتباط الأخلاق بالجانب العملي: إنّ نِظام الأخلاقِ في الإسلامِ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالجوانب العمليّة في حياة المسلم المُتمثّلة بالعبادات والمعاملات؛ حيث يقول المصطفى – عليه الصلاة والسلام – في الصحيح: (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً)[١٢]

المراجع

  1. ^ أ ب رواه الزرقاني، في مختصر المقاصد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 184، صحيح.
  2. ^ أ ب “مفهوم الأخلاق في الإسلام”، إسلام ويب، 22-8-2008، اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2017.
  3. “معنى أخلاق في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2017.
  4. مصطفى حلمي (2004)، الأخلاق بين الفلاسفة وعلماء الإسلام (الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 52-53.
  5. ^ أ ب “موسوعة الأخلاق”، الدُّررُ السنيّة، اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2017.
  6. ^ أ ب ت ث ج محمد بن عبدالله النونان، “سلسلة أخلاقنا- الأمانة”، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 17-2-2017.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 33.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 9.
  9. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن يعلى بن أمية، الصفحة أو الرقم: 425، إسناده حسن.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 6102.
  11. سورة الحجر، آية: 9.
  12. رواه الترمذي، صحيح سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 31، مسألة الإيمان لعلي بن عبد العزيز الشبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى