محتويات
عيادة المريض في الإسلام
دعى الإسلام إلى الفضائل من الأخلاق، واعتنى بجميع ما يتعلَّق بالحياة البشرية سواء أكان ذلك يتعلَّق بالتعاملات الاجتماعية من خلال تواصل الناس فيما بينهم، أو المالية الاقتصادية من خلال ما يتعلَّق بالبيع والشراء وغير ذلك، أو حتى الجوانب الأخلاقية من خلال دعوته إلى الطيب من الأخلاق ونبذ كل ما فيه إساءةٌ أو امتهانٌ للأشخاص، وبناءً على ذلك فقد جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في معظمها تدعو إلى فضائل معينة، وتنهى عن أمور سيئة أخرى، وكان من بين تلك الفضائل ما يتعلَّق بزيارة المريض في مرضه والاطمئنان عليه وتخفيف ما يُعانيه من آلام وأسقام، فما هو فضل عيادة المريض في الإسلام؟ وهل جاء حول ذلك أحاديث نبوية أو نصوص قرآنية؟ وما أثر عيادة المريض على الناس والمجتمع؟ وكيف ينبغي أن يتصرّف الشخص أثناء عيادته لأحد المرضى؟
المقصود بعيادة المريض
- عيادة المريض في اللغة لها عدة معان، وهي مأخوذة من العَود، والعَود هو: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، وهذا الانصراف إما أن يكون انصرافاً بالذات أو انصرافاً بالقول والعزيمة، قال الله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)،[١] يُطلق العود أيضاً على الطريق القديم الذي يعود إليه السفر، ومن العَود أيضاً: عيادة المريض،[٢] والعيادة كذلك تعني: الزيارة وهي تعني الافتقاد، وقد سُمّيت الزيارة بالعيادة؛ لأنّ الناس فيها يُكرّرون الزيارة ويرجعون مرةً تلو مرة.[٣]
- معنى المرض لُغةً واصطلاحاً: هي مصدر مَرِضَ يمرَض، كفَرِحَ يفرح، ويُقال: مرِض مَرَضاً، فهو مَرْض ومَريض أو مارض، وجمع ذلك مُرّاض ويُجمع كذلك على مرضى، والمَرَضُ يكون للقلب خاصةً بفتح الراء وتحريكها، وهو يتعلَّق كذلك بالشكّ والنفاق، ويعني في الاصطلاح: أنّه حالة يخرج فيها الشخص عن طبائعه تُلحق الضرر به، ويظهر الضرر المترتِّب على المرض من خلال شعوره بالآلام، أو ظهور الأورام عليه، وهي ما يُعرف بأعراض المرض، قال ابن فارس: (المرض كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة، أو نفاق، أو تقصير في أمر، والفاعل مريض وجمعه مرضى)،[٣] وقال ابن الأَعرابي: (المرض إظلام الطبيعة، واضْطِرابُها بعد صَفائها واعْتدالها، والمرَضُ الظُّلْمةُ)، وقال ابن عرفة: (المرَضُ في القلب فُتُورٌ عن الحقّ، وفي الأَبدان فُتورُ الأَعضاء، وفي العين فُتورُ النظرِ، وعين مَريضةٌ فيها فُتور).[٤]
فضل عيادة المريض
فضائل وآثار وفوائد زيارة المريض كثيرةٌ عديدة، وقد جاء بيان أثرها وفضلها في العديد من النصوص النبوية الصحيحة، والتي تدعو إلى زيارة المريض وتُحبّب فيها، ومن أبرز وأهمِّ تلك الفضائل ما يلي:[٥]
- الذي يعود المريض يكون في معية الله -عز وجل- وجالساً في معيته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ …)،[٦] فإنّ في إضافة المرض إلى الله -سُبْحَانه وَتَعَالَى- لا يعني كونه مريضاً على الحقيقة، إنّما يُراد به تشريف العبد وتقريبه من الله عند زيارة المريض، أمّا مَعْنَى قوله (وَجَدْتنِي عِنْده)؛ أَيْ أنّه سيجد الأجر والمثوبة والكرامة عند المريض الذي يزوره.
- صلاة الملائكة على من يزور المريض واستغفارها له، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما مِن مسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً إلَّا صلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُمسيَ، وإن عادَهُ عشيَّةً إلَّا صلَّى عليهِ سبعونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُصبِحَ، وَكانَ لَه خريفٌ في الجنَّةِ).[٧]
- نزول الرحمة والمغفرة على من يزور المريض؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من عاد مريضًا خاض في الرحمةِ، حتى إذا قعد استقرَّ فيها).[٨]
- السعادة والنعيم ثوابٌ من الله سبحانه وتعالى لمن يزور المريض ويعوده، فقد ورد في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إنَّ المُسْلِمَ إذا عادَ أخاهُ المُسْلِمَ، لَم يزلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ حتَّى يرجعَ).[٩]
- في زيارة المريض معرفةٌ لنعم الله على العبد، ودواء لقسوة القلوب.
حكم عيادة المريض
اختلف العلماء في حكم زيادة المريض على قولين رئيسين، فمنهم من أوصلها إلى درجة الوجوب ومنهم من جعلها أقلَّ من ذلك درجةً من حيث الحكم الشرعي، وبيان آراء العلماء في حكم عيادة المريض بما يلي:[٤]
- زيارة المريض سنةٌ مؤكدة: وقد ذهب إلى هذا القول جمهور العلماء؛ حيث يرون أنّها سنة مؤكدة، وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك بين العلماء كما نُقل عن الإمام النووي، أما دليل سُنّيتها فمأخوذٌ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ دعا إليها وحبب في فِعْلِها وفَعَلَها بنفسه وأمر أصحابه بها، يقول الإمام المالكي ابن عبد البر: (وعيادة المريض سنة مسنونة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها وندب إليها وأخبر عن فضلها بضروب من القول، فثبتت سنّة ماضية لا خلاف فيها)، وإلى ذلك ذهب الإمام النووي حتى أنّه نقل الإجماع على ذلك كما سبق بيانه؛ حيثُ يقول: (أما عيادة المريض فسنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي، واختلف العلماء في الأوكد والأفضل منها).
- زيارة المريض واجبة: فقد قال بعض العلماء بوجوب عيادة المريض وزيارته، فجعلوا حكمها أعلى من كونها سُنةً أو مندوبٌ إليها، وممّن قال بوجوب زيارة المريض الإمام البخاري رحمه الله، حتى أنّه جعل لها باباً خاصاً في صحيحه أفرد فيه الأحاديث التي وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان فضلها والحثِّ عليها، وقد سمّى ذلك الباب بـ (باب وجوب عيادة المريض)، ومن بين من يرى وجوب زيارة المريض كذلك ابن حجر العسقلاني، وابن بطال وغيرهم، فقد نُقِلَ عن ابن حجر -رحمه الله- أنّه قال مُعلِّقاً على ما أورده البخاري في صحيحه: (كذا جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة، وتقدم حديث أبي هريرة في الجنائز حق المسلم على المسلم خمس فذكر منها عيادة المريض ووقع في رواية مسلم خمس تجب للمسلم على المسلم فذكرها منها).
- يرى ابن بطال -رحمه الله- أنّها واجبةٌ على الكفاية لا على الوجوب الحتمي؛ حيثُ يقول: (يُحتمَل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية، كإطعام الجائع وفك الأسير، ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة، وجزم الداودي بالأول، فقال: هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض)، أما جمهور الفقهاء فيرون أنها في أصلها مندوبٌ إليها؛ إلّا أنّها قد تصل إلى درجة الوجوب في بعض الحالات، وفي حق بعض الناس دون بعضهم الآخر، ويرى الطبري -رحمه الله- أنّ زيارة المريض تتأكّد في حقّ من يُرجى أن يكون في زيارته بركةٌ لحسن دينه، وأنّها تكون مسنونةً لمن يراعي حال المريض، وأنها تباح في غير هاتين الحالتين، فجعل لها ثلاثة أحكام لا حكمين هي: الوجوب والسُّنية والإباحة، ويقول العيني: (قوله: “وعودوا المريض”، وعودوا أمر من العيادة، وعيادة المريض فرض كفاية أيضاً، وقيل سنة مؤكدة).
آداب عيادة المريض
لزيارة المريض آدابا عديدة منها:[١٠]
- اختيار الوقت المناسب لزيارة المريض
- تقليل وقت الجلوس عند المريض.
- غضّ البصر.
- تقليل الأسئلة للمريض.
- إظهار الاهتمام بالمريض.
- الاخلاص في الدعاء للمريض.
- تسلية المريض بالكلام الطيب.
- الإشارة على المريض بالصبر.
- تحذير المريض من الجزع لِمَا فيه من الوِزر.
المراجع
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 107.
- ↑ أبو الراغب الأصفهاني (1412هـ)، المفردات في غريب القرآن (الطبعة الأولى)، سوريا: دار القلم، صفحة 593-594. بتصرّف.
- ^ أ ب السفاريني (1993)، غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (الطبعة الثانية)، مصر: مؤسسة قرطبة، صفحة 3، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب عادل الصعدي (27-1-2013)، “الإعجاز التشريعي في عيادة المريض”، www.jameataleman.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2017. بتصرّف.
- ↑ د.بدر عبد الحميد هميسه، “عيادة المريض فضائل وآداب”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6648 .
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 969، صحيح إلا قوله زائرا والصواب شامتا.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 407، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 2568، صحيح.
- ↑ “من آداب زيارة المريض”، WWW.fatwa.islamweb.net، 24-5-2007، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2017. بتصرّف.