ما هو صلح الحديبية

'); }

صلح الحديبية وسبب التسمية

عُقِد هذا الصُّلح في منطقة الحديبية في ذي القعدة من العام السادس للهجرة بين المسلمين، ومُشرِكي قريش مدّة عشر سنوات،[١] وقد اختلف العلماء في تسمية حادثة الحديبية، حيث إنّ بعضهم سمّاه بالصلح وهم العلماء الذين اهتموا بتدوين السيرة النبوية، وسمّاها بعض المحققين من أهل العلم بقصة الحديبية، وأمر الحديبية، وغزوة الحديبية، واستند كلّ فريق منهم لمُرجح توصل إليه، وكان سبب تسمية الحديبية بهذا الاسم هو الموقع الذي تمّ فيه الصلح، كما ذكر البخاري في صحيحه: (وسار النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يَهْبِطُ عليهم منها، برَكَتْ به راحلتُه، فقال الناس: حلْ حلْ، فأَلَحَّتْ، فقالوا خَلَأَتِ القَصْواءُ، خلَأَتِ القصواءُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما خلَأَتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبَسَها حابسُ الفيلِ، ثمّ قال: والذي نفسي بيدِه، لا يَسْأَلُونَنِي خطةً يُعَظِّمون فيها حرماتِ اللهِ إلّا أَعْطَيْتُهم إيَّاها، ثمّ زجَرَها فوثَبَتْ، قال: فعَدَلَ عنهم حتى نزَلَ بأقصى الحديبيةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماءِ، يَتَبَرَّضُه الناسُ تَبَرُّضاً، فلم يَلْبَثْه الناسُ حتى نَزَحُوه).[٢][٣]

سبب حادثة صلح الحديبية

رأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في منامه أنّه دخل إلى مكة مع أصحابه، فبشّرهم بذلك، وفرحوا فرحاً شديداً، وخرجوا مع النبيّ وقد أحرموا للعمرة؛ كي تعلم قريش أنّهم لا ينوون دخول مكّة بهدف القتال، بل لعبادة الله -عزّ وجلّ- بزيارة بيته الحرام؛ فخرجوا جميعاً بلا سيوف، ولا سلاح، وعندما علمت قريش بنيّة دخول المسلمين إلى مكّة، حاولوا أن يصدّوهم، ويمنعوهم من دخول مكّة بالسلاح، والقوة، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عدلَ عن طريق مواجهتهم؛ حَقناً للدماء، وتَركاً للقتال، وليُثبتَ لهم أنّه لم يأتِ لحربهم، فأعلن السلم والتفاوض معهم، وإلّا لقاتلهم لو منعوه، وصدّوه بالقوة، فكان صُلح الحديبية، وبيان ذلك بشيء من التفصيل في ما يأتي:[٤]

'); }

خروج النبيّ إلى عمرة الحديبية

خرج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم -إلى العمرة في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وخرجت معه زوجته أم سلمة -رضي الله عنها-، وقد كان عدد الخارجين معه ألفاً وأربعمئة، وقِيل ألفاً وخمسمئة، وولّى -عليه السلام- على المدينة ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه-، وقِيل نميلة الليثيّ.[٥]

مفاوضات قريش والنبيّ

انطلق المسلمون إلى مكّة المُكرَّمة، وعندما وصلوا إلى ذي الحليفة، أحرموا للعمرة، وفي أثناء ذلك كانت قريش قد سمعت بالخبر، فتجهّزت، وأعدّت لهم؛ لصَدّهم عن دخولها، وعلم المسلمون عند اقترابهم من مكّة بأنّ قريش أدركت الخبر، فأخذ -عليه الصلاة والسلام- طريقاً آخر غير الطريق الرئيسيّ المؤدّي إلى مكّة، وفي أثناء ذلك امتنعت راحلته -عليه السلام- عن السير، فقال الناس: “حل حل”، فألحت*، فقالوا: “خلأت* القصواء، خلأت القصواء”، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياه)،[٦] ثم جاء بديل بن ورقاء الخزاعي ليخبر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه إذا أراد الدخول، فإنّ قريش ستقاتله، وتصدّه عن البيت، فأجابه -عليه السلام-: (إنَّا لم نجِئْ لقتالِ أَحدٍ ولكنَّا جِئْنا مُعتمرينَ)،[٧] وعلى الرغم من أنّ قريش استمرَّت بإرسال الرُّسل؛ لمحاولة إقناعه -عليه السلام- بالرجوع، إلّا أنّه ظلّ يجيبهم بما أجاب به بديل الخزاعي.[٥]

عندما رأى الرسول -عليه السلام- هذا الإصرار من قريش، أراد أن يرسل سفيراً إليها، مُؤكِّداً لهم هدفه من دخول مكّة المُكرَّمة، فأرسل خراش بن أمية، وهمّت قريش بقتله، إلّا أنّ الأحابيش* منعتهم من ذلك، فعاد إلى الرسول -عليه السلام- الذي أشار على عمر بن الخطاب بالذهاب إلى قريش، ولكنَّ عمر طلب من الرسول أن يُرسل عثمان بن عفان؛ لأنّه ليس لديه في مكّة أحد من بني كعب ليحتمي به إن أصابه أذىً من قريش، أمّا عثمان فلديه عشيرته التي يحتمي بها في مكّة، فأرسل الرسول -عليه السلام- عثمان ليخبرهم أنّهم لم يأتوا للقتال، وإنّما لأداء مناسك العمرة، ودعوتهم إلى الإسلام، وليخبر المؤمنين الذين في مكّة بإظهار دينهم؛ فقد جاء وقت الفَتح، فانطلق عثمان -رضي الله عنه- إلى مكّة، وكان قد مرَّ بقومٍ من قريش، فأخبرهم بحاجته، فصحبه أبان بن سعيد إلى زعماء قريش، وأوصل إليهم رسالة الرسول -عليه السلام-، وعندما انتهى عرضوا عليه أن يطوف حول الكعبة، إلّا أنّه رفض، واحتجزته قريش فترة طويلة، فشاع بين المسلمين أنّ عثمان قد قُتِل.[٨][٥]

بيعة الرضوان

عندما بلغ رسول الله -عليه الصلاة والسلام-أنّ عثمان قد قُتِل، دعا القوم إلى البَيعة، فبايعَه الصحابة تحت الشجرة، فكانت بيعة الرضوان، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه البيعة لم يتخلّف عنها أحد إلّا الجد بن قيس، ثمّ وصل إلى الرسول -عليه السلام- أنّ خبر مقتل عثمان غير صحيح.[٩] وبعد أن تمّت بيعة الرضوان، وقبل أن يعود عثمان، أخبر المسلمون النبيّ -عليه السلام- أنّ عثمان ربّما طاف في الكعبة، إلّا أنّ الرسول أصرَّ على أنّه لم يَطف بالبيت، مؤكِّداً على ضرورة إحسان الظنّ، وبعد أن عاد عثمان -رضي الله عنه-، أخبره القوم أنّه قد بلغ مُرادَه، وطاف حول البيت، ظانّين أنّه فعل ذلك دون أن يطوفوا معه، فأخبرهم عثمان -رضي الله عنه- مُعاتباً أنّه لا يطوف أبداً قبل أن يطوف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فأجابه المسلمون مُؤكِّدين حُسن ظنّ الرسول فيه.[١٠]

وقد سُمِّيت بيعة الرضوان بهذا الاسم؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- ذكرها في مُحكَم كتابه الكريم، وأثنى بالرضا على من بايع رسولَه الكريم، قال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)،[١١] وقِيل إنّها سُمِّيت ب(بيعة الشجرة)؛ لأنّها وقعت تحت الشجرة عند الحديبية.[١٢]

ويُشار إلى أنّه كان للمُبايِعين فضل عظيم؛ فقد مدحهم الله في كتابه، حيث قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)؛ [١٣] وفي هذه الآية تشريفٌ لمَن بايع رسولَ الله -عليه الصلاة والسلام-، فقد قال ابن القيِّم فيها إنّه لمّا كان المسلمون يبايعون رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأيديهم، ويضع يده على أيديهم، كان وسيطاً بين الله وبينهم؛ فإنّ مبايعتهم كانت لله -تعالى-، وإنّه -سبحانه- فوق السموات على عرشه، وفوق الخلائق كلّهم، كانت يده فوق أيديهم، كما أنّ الله شرّفهم بهذه البيعة، فقد رضي عنهم؛ إذ قال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ)[١١] وهذا فضل عظيم من الله،[١٤] وقد أثنى عليهم الرسول-صلّى الله عليه وسلّم-؛ فوصفهم بأنّهم خير أهل الأرض، أخرج البخاري أن جابر بن عبد الله قال: (قالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ: أنتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ وكُنَّا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ، ولو كُنْتُ أُبْصِرُ اليومَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ).[١٥][١٤]

للمزيد من التفاصيل عن بيعة الرضوان الاطّلاع على مقالة: ((ما هي بيعة الرضوان)).

أحداث صُلح الحديبية

بنود وشروط صلح الحديبية

كان التفاوض بين النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ورسول قريش سهيل بن عمرو؛ لعَقد هذا الصلح بعدما أرسلت قريش رُسُلها لصَدّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم -عن دخول البيت،[١٦] وكانت بنود الصلح بين الرسول-عليه السلام-، وقريش على النحو الآتي:[١٧]

  • أن يعود عليه -الصلاة والسلام- ولا يدخل مكّة المُكرَّمة هذا العام، وإن أراد دخلَها العام المقبل.
  • أن تُعقَد هُدنة بين فريقَي المسلمين، وقريش مدّة عشر سنوات لوَضع الحرب.
  • أنّ من أراد أن يؤمن فله ذلك، ومن أراد أن ينضمّ إلى قريش فله ذلك، ويصبح ذلك الفرد أو القبيلة جزءاً من الفريق، وأيّ اعتداءٍ يتعرّض له يُعتبَر اعتداءً على الفريق كلّه.
  • أنّ من ذهب إلى محمد -صلّى الله عليه وسلّم- من فريق قريش من غير إذن قائده فارّاً منهم فإنّه يُعاد إليهم، ومن ذهب إلى قريش من غير إذن محمد -صلّى الله عليه وسلّم- فارّاً منه، فإنّه لا يعود إليه.

كتابة الصُّلح

استدعى -عليه الصلاة والسلام- عليّاً بن أبي طالب؛ ليكتبَ، فقال: ((اكتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ)، فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لا نعرِفُ الرَّحمنَ الرَّحيمَ، اكتُبْ باسمِك اللَّهمَّ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعليٍّ: (اكتُبْ هذا ما صالَح عليه محمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لو نعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ لاتَّبَعْناك ولم نُكذِّبْك اكتُبْ بنَسَبِك مِن أبيك، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعليٍّ: (اكتُبْ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ) فكتَب: مَن أتى منكم ردَدْناه عليكم ومَن أتى منَّا ترَكْناه عليكم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ نُعطيهم هذا؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن أتاهم منَّا فأبعَده اللهُ، ومَن أتانا منهم فردَدْناه جعَل اللهُ له فرَجًا ومخرَجًا)).[١٧][١٨]

وأثناء كتابة الصُّلح جاء أبو جندل بن سهيل فارّاً من مكّة؛ من ظلم قريش وبطشها بالمسلمين، فقال سهيل لرسول الله -عليه الصلاة والسلام أنّ هذا أوّل من سينقض العهد بينهم وبينه، فلا بُدّ من إعادته وإلّا فإنّ الصُّلح لن يكتمل، فأخبرَه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّ هذا ليس من ضمن الاتِّفاق؛ فالكتاب لم ينتهِ بعد، إلّا أنّه رفض، وأصرَّ على عودته إلى قريش، فوافق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأمر أبا جندل أن يرجع، وأوصاه بالصبر هو وجميع المؤمنين الذين في مكّة المُكرَّمة، وأن يخبرهم بأمر الصُّلح؛ ليفرحوا، ويطمئنّوا على دينهم، وأنّ عليهم الأمن، والأمان، وذهب عمر -رضي الله عنه- خلفه يُصبِّره، ويَشدُّ على قلبه بأنّه من أهل الحقّ.[١٧]

وعندما انتهت كتابة الصُّلح، ذهب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى رسول الله مذكّراً إيّاه بأنّه هو الرسول، وأنّهم المسلمون وهم أصحاب الحقّ، وأنّ المشركين أهل الباطل، فأجابه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالقبول، إلّا أنّ عمر -رضي الله عنه- لم يكن مُؤيّداً لهذا الصلح؛ فقال -عليه السلام-: (إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَسْتُ أعْصِيهِ)،[١٩] فذكر عمر أنهم أتوا لأداء مناسك العمرة؛ فأجابه الرسول -عليه الصلاة والسلام – بأنّهم سيطوفون في العام المقبل، فذهب إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكرَّرَ عليه الكلام، فأجابه بما أجابه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقال: (أيُّها الرَّجُلُ إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وهو نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إنَّه علَى الحَقِّ)[٦]

سبب تسمية الصُّلح بالفتح المبين

ظهر الهمّ والحزن على وجوه الكثير من الصحابة، وظنّوا أنّهم الطرف الخاسر فيما حصل، وتجلّت حكمة رسول الله وعلمه ببواطن الأمور، وما ستؤول إليه في المستقبل من الفتح ودخول أفواجٍ كبيرةٍ من قريشٍ في الإسلام، وأمر رسول الله أصحابه بالتحلّل من الإحرام، فلم يبادروا إلى فعل ما أمرهم به، حتّى أعاد ذلك عليهم ثلاث مرّاتٍ، فلم يبادروا حتّى رأوا رسول الله قد حلق وذبح هديه، وأنزل الله تعالى على رسوله سورة الفتح أثناء عودته إلى المدينة المنوّرة والمسلمون في همٍّ وحزن، فانقلب حزنهم إلى سعادةٍ، وأدركوا أنّ الخير كلّه في التسليم لأمر الله وأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وفرّج الله عنهم في هذه السورة كلّ همٍّ بما احتوت من البشارة لهم بالفتح والنصر والرضا عنهم، حتّى قال رسول الله: (لقد أنزلت علي الليلة سورة، لهي أحب إلي ممّا طلعت عليه الشمس، ثمّ قرأ: إنّا فتحنا لك فتحا مبينًا).[٢٠][٢١]

نتائج الصُّلح

أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه أن ينحروا، ويحلقوا رؤوسهم، إلّا أنّهم ظلّوا واجمين صامتين، فذهب إلى أم سلمة حائراً لا يدري ماذا يصنع مع القوم، فأشارت عليه أن يبدأ هو بالنحر، وأن يحلق شعره، ففعل ما أشارت به عليه، فقام القوم يُنفِّذون ما أمرهم به، وعندما عادوا إلى المدينة، جاءت نسوة مهاجرات بدينهنّ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فلم يرددهنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ تلبيةً لأمر الله -سبحانه وتعالى-، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ ).[٢٢][١] وقد تخلّت قريش بعد مدّة عن شروطها القاسية، وذلَّت بعد عزّتها،[٢٣] ومن أهمّ النتائج التي تحقّقت إثر هذا الصُّلح:[٢٤]

  • توقيع قريش على المعاهدة، والإقرار بوجود الدولة الإسلاميّة، وقد تأثّرت بذلك القبائل المُؤيّدة لقريش.
  • كَسر شوكة المشركين، والمنافقين، وكِبرهم.
  • إدراك المشركين، ومعرفتهم بعِزّة الإسلام.
  • انتشار الدعوة وتوسُّعها، ممّا أدّى إلى دخول الكثير في الإسلام.
  • انشغال المسلمون باليهود بعدما أَمنوا جانب قريش، الأمر الذي أدّى إلى حدوث غزوة خيبر بعد الصُّلح.
  • إدراك حلفاء قريش لما أراده المسلمون أثناء المفاوضات؛ بأنّهم أرادوا الاعتمار لا الاعتداء.
  • تمهيد هذا الصلح للدعوة خارج الجزيرة العربية؛ حيث جهّز -عليه الصلاة والسلام- لغزوة مؤتة.
  • استغلال الرسول فترة الصلح؛ وذلك بإرسال الرسائل إلى ملوك الفرس، والروم، والقِبط؛ لدعوتهم إلى الإسلام .
  • الفَتح المُبين؛ فَتح مكّة المُكرَّمة، وهو يُعَدّ أهمّ نتائج الصُّلح.

عمرة القضاء

كانت عمرة القضاء في العام السابع من الهجرة بناءً على الاتِّفاق الذي تمّ بين الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وقريش في صُلح الحديبية، وكان الرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد أخذ معه ألفَين من الصحابة، وحملوا معهم سلاحاً يُقدَّر بعدّة حَرب، على الرغم من أنّهم كانوا سيدخلون مكّة بسلاح المسافر فقط؛ احتياطاً من غَدر قريش، فلمّا رأت قريش هذه العدّة، والقوّة الإسلامية، وكانوا في فترة انهزام وضعف، فزعوا، وأرسلوا وفداً إلى الرسول -عليه السلام- برئاسة مِكرز بن حفص، فلقيهم -عليه السلام- في بطن يأجج بمر الظهران، فقالوا له: “يا محمد؛ والله ما عرفناك صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر.. تدخل بالسلاح الحرم على قومك، وقد شرطتَ ألاَّ تدخل إلاَّ على العهد، وأنه لن يدخل الحرم غير السيوف في أغمادها؟”، فأجابه رسول الله مُؤكِّداً على ما اتّفقوا عليه: “لا ندخلها إلا كذلك”.[٢٥]

وعلى الرغم من أنّ رسول الله كان قد تأذّى من قريش أشدّ الأذيّة، وكان باستطاعته أن يستغلّ ضعفهم، وينتقم لما فعلوه به وبالمسلمين والدعوة، إلّا أنّه ظلّ عند عهده؛ فالإسلام يوصي بحفظ العهود، فوضعوا السلاح خارج مكّة، وبقي معه مئتا فارس؛ لحمايته، ودخلوا البيت لأداء مناسك العمرة بسلاح المسافر فقط، وكان العهد أن تكون مكّة المُكرَّمة خالية من قوم قريش، وظلّوا فيها مدّة ثلاثة أيام كاملة، وأدّوا مناسك العمرة، وكان المشركون على رؤوس الجبال يشاهدونهم، وعندما فرغوا من أداء مناسك العمرة امتلأت قلوبهم فرحاً، وراحةً برؤية الكعبة المُشرَّفة، والطواف بها.[٢٥]


الهامش

* خلأت أو ألحت: أي جلست في موضعها ورفضت الحِراك.[٢٦][٢٧]

*الأحابيش: الأحابيش: تحالف ضمّ بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة، وسمّوا الأحابيش لأنهم تحالفوا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة.[٢٨]

المراجع

  1. ^ أ ب محمد البوطي، فقه السيرة النبوية، بيروت: دار الفكر المعاصر، صفحة 339-345. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.
  3. “حديث صلح الحديبية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
  4. د. هند شريفي (26-10-2013)، “أحداث صلح الحديبية وموقف قريش من المسلمين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 308-312. بتصرّف.
  6. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.
  7. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، الصفحة أو الرقم: 4872، اخرجه في صحيحه.
  8. عبد الحكيم الفيتوري (2005)، صلح الحديبية وابعاده السياسية المعاصرة (الطبعة الثالثة)، السعودية: دار المدني، صفحة 9. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون، تهذيب سيرة ابن هشام، صفحة 225-226. بتصرّف.
  10. محمد بن عبد الوهاب، مختصر سيرة الرسول، صفحة 179. بتصرّف.
  11. ^ أ ب سورة الفتح، آية: 18.
  12. راغب السرجاني، “بيعة الرضوان والدروس المستفادة منها”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 27/12/2019. بتصرّف.
  13. سورة الفتح، آية: 10.
  14. ^ أ ب علي الصلابي (2009)، السيرة النبوية، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 294-297، جزء الثاني. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 4154، صحيح.
  16. عبد الحكيم الفيتوري، صلح الحديبية وابعاده السياسية المعاصرة (الطبعة الثالثة)، السعودية: دار المدني ، صفحة 8-11. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم (الطبعة الاولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 312-314. بتصرّف.
  18. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4870، أخرجه في صحيحه.
  19. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 4177، صحيح.
  21. هند شريفي (9-11-2013)، “شروط صلح الحديبية وموقف الصحابة منه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-6-2020. بتصرّف.
  22. سورة الممتحنة، آية: 10.
  23. علي الصلابي (2009)، السيرة النبوية، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 313-315، جزء الثاني. بتصرّف.
  24. علي الصلابي (2009)، فقه السيرة النبوية، دار ابن كثير: دمشق، صفحة 308-313، جزء الثاني. بتصرّف.
  25. ^ أ ب راغب السرجاني (5/3/2014)، “ما هي عمرة القضاء؟ومتى كانت؟”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 27/12/2019. بتصرّف.
  26. “تعريف و معنى خلأت في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-1-2020. بتصرّف.
  27. “تعريف و معنى ألحت في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-1-2020. بتصرّف.
  28. “الأحابيش”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2020. بتصرّف.
Exit mobile version