العقد الشرعي
يطلق العقد في اللغة على الجمع الذي يكون بين أطراف شيءٍ ما، والعمل على تقويتها، فيُقال مثلاً عقد الشخص طرفي الحلّ؛ أي أنّه وصل طرفي الحبل بعقدةٍ محكمةٍ، كما يطلق العقد على الضمان والعهد، فيُقال: عاقدت الشخص على أمرٍ ما، إذا عاهدته عليه، كما يطلق العقد أيضاً على الوجوب، فيُقال: عقد البيع؛ أي أنّه أوجبه وألزمه، وتجدر الإشارة إلى أنّ علماء اللغة اتفقوا على أنّ إطلاق العقد على المعنى الحسّي يعدّ إطلاقاً حقيقياً، بينما اختلفوا في إطلاق العقد على الأمور المعنوية، فقال البعض بأنّه إطلاقٌ حقيقي، وقال آخرون بأنّه إطلاقٌ مجازي، أمّا العقد في الصطلاح الشرعي فقد عرّفه أبو بكر الجصاص بأنّه ما يعقده العاقد على نفسه أو على غيره ويلزمه به، ومن ذلك عقد البيع، وعقد النكاح، ومختلف عقود المعاوضات، فسميّت بالعقود لأنّ طرفي العقد فيها ألزم نفسه بالوفاء بالعقد، ومن ذلك إطلاق العقد على اليمين بالمستقبل؛ حيث إنّه سُمي عقداً لأنّ الحالف ألزم نفسه بالوفاء بيمينه سواءً بالفعل أو بالترك، وكذلك فيطلق على العهد والأمانة عقود لأنّ القائم بها ألزم نفسه الوفاء بها وأدائها، وكذلك فيطلق العقد على كلّ أمر ألزم الشخص نفسه بالوفاء والقيام به، كالنذور وغيرها ممّا تلزم على الشخص في المستقبل.[١]
أركان العقد الشرعي
يقوم العقد في الشريعة الإسلامية على مجموعةٍ من الأركان التي لا يقوم إلّا بها، وفيما يأتي بيانها بشكلٍ مفصّلٍ:[٢]
- الركن الأول: الركن الأول من أراكن العقد يتمثّل بالإيجاب والقبول، ويقصد بهما الصيغة الورادة من المتعاقدين، والتي تدلّ على توجّه الإرادة بإنشاء العقد والالتزام به، وتكون الإرادة إمّا بالكلام أو بالكتابة الواضحة أو الإشارة المفهومة التي لا إشكال فيها أو بالفعل كالذي يكون بالتعاطي أو بالمبدلة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الصيغة تبيّن التراضي بين كلا الطرفين على إنشاء العقد وإبرامه، وقد حصل اختلافٌ بين الحنفية والجمهور في تحديد المقصود بالإيجاب والقبول على الوجه المحدّد، فذهب الحنفية إلى القول بأنّ الإيجاب هو الذي يصدر أولاً من أحد المتعاقدين، بينما القبول فهو الذي يصدر ثانياً من المتعاقدين، أمّا الجمهور فقالوا بأنّ الإيجاب هو الذي يصدر على الشخص الذي يكون التمليك من حقه وإن صدر متأخّراً، والقبول هو الذي يصدر ممّن سينتقل الملك له وإن صدر أولاً، ويشترط في الإيجاب والقبول مجموعة شروطٍ، وهي: وضوح دلالتهما، وموافقة القبول للإيجاب، واتصال القبول بالإيجاب أيضاً، كما أنّ الإيجاب والقبول يبطل بمجموعةٍ من الأمور، وهي: رجوع الموجب عن إيجابه قبل صدور القبول في المجلس عند الجمهور من العلماء، بينما ذهب المالكية إلى القول بمنع الرجوع عن الإيجاب إن كان في عقود التبرعات وعقود المعاوضات وكانت صادرةً في صيغة الماضي، وكذلك يبطل الإيجاب إن رفضه الطرف المقابل، وبانتهاء مجلس العقد بالعرف دون التصريح بالقبول، وبخروج الموجب عن أهليته بالموت أو بالجنون قبل صدور القبول، وبهلاك محل العقد قبل القبول، أو تحوله لشيءٍ آخرٍ.
- الركن الثاني: يتمثّل الركن الثاني من أركان العقد بالعاقدان، والعاقد هو من يباشر العقد، ويصدر العقد عنه، سواءً بالإيجاب أو بالقبول، وتجدر الإشارة إلى أنّ العاقد يختلف بناءً على أهليّة الشخص وولايته، فبعض الناس لا توجد أي قيمة لعبارتهم، ممّا يعني عدم ترتّب أي أثرٍ أو عقدٍ على كلامه، وقد تؤخذ عبارات بعض الناس في بعض العقود دون بعضها الآخر، وقد تكون العبارات معتبرةً في جميع العقود بالنسبة لبعض الأشخاص، ويشترط في العاقد أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً للعقد، مع تعدّد طرفي العقد؛ أي وجود إرادتين في العقد.
- الركن الثالث: وتمثّل بمحلّ العقد، أو ما يسمّى بالمعقود عليه، ويعرّف محل العقد بأنّه ما يقع عليه التعاقد، ويظهر فيه آثار العقد وأحكامه، وتجدر الإشارة إلى أنّه يختلف باختلاف العقد، فقد يكون عيناً ماليةً كبيع السيارة مثلاً، وقد يكون منفعةً كتأجير البيت للسكن، وقد يكون عملاً كالتعاقد مع طبيب مثلاً، ويشترط في محل العقد مجموعة شروطٍ، وهي: أن يكون قابلاً لحكم العقد شرعاً، أي أن يكون مالاً مملوكاً متقوماً، دون ورود نهي من الشرع عنه، ويشترط في المعقود عليه أو محل العقد أن يكون معلوماً لدى طرفي العقد، مع القدرة على تسليمه.
أنواع العقد الشرعي
تختلف أنواع العقود بالأساس الذي تقوم عليه، وبالهدف المرجوّ منها، والخصائص التي تميّز كلّ عقدٍ عن غيره، والأحكام المترتبة عليه، وفيما يأتي بيان بعض أنواع العقود بشكلٍ مفصلٍ:[٣]
- أنواع العقود بالنسبة لوجود التسمية أو عدمها، وهي:
- عقودٌ مسمّاةٌ: وهي العقود المعروفة في الشريعة الإسلامية باسمٍ معينٍ، يدلّ على خصائصها وأحكامها وآثارها، ومثالها: عقد الزواج، والهبة والبيع وغيرها.
- عقودٌ غير مسمّاةٍ: وهي العقود الغير محددّة باسمٍ ما، ومثالها العقود التي تكون في الفنادق، فهي في الحقيقة تتكون من عقدين؛ عقد إجارة عينٍ، وعقد إجارة عملٍ.
- أنواع العقود بالنسبة إلى تبادل الحقوق، وهي:
- عقود المعاوضات: وهي القائمة على أساس تبادل الحقوق والالتزامات وإنشاؤها بين الطرفين، مثل: البيع والإجارة.
- عقود التبرعات: وهي القائمة على أساس العطاء والمنح والتبرع الذي يصدر من أحد المتعاقدين، مثل: الهبة والإعارة.
- العقود التي تكون عقود تبرعات في البداية، وفي النهاية تكون عقود معاوضات، مثل الهبة والقرض بشرط العوض، وهو ما يطلق عليه هبة الثواب.
المراجع
- ↑ “حقيقة العقد في الفقه الإسلامي والقانون”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2018. بتصرّف.
- ↑ “أركان العقد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2018. بتصرّف.
- ↑ “في العقد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2018. بتصرّف.