محتويات
الكفّارة واليمين
شرّعت الكفارة في الإسلام؛ لعلاج بعض المشاكل التي تطرأ على المسلم، كما أنّها نوع من العقوبات الرادعة التي شرعها الله -تعالى- لتكفير ذنب المخطئ، ومن بين الكفارات العديدة التي شُرعت في الإسلام كفارة اليمين، حيث يتوجّب على مَن أقسم بالله أن يفعل شيئاً، أو يترك فعل شيء، ثمّ لم يلتزم بيمينه ذلك كفارة قدرتها الشريعة الإسلامية؛ وذلك عقوبة له على إخلاله في يمينه، مع أنّ الكفّارات في الأيمان لا تكون لازمةً في جميع أنواع اليمين؛ فمثلاً اليمين الغموس لا تلزمها الكفّارة مطلقاً، وكذلك يمين اللغو، وقد تكلّم الفقهاء في معنى وأحكام كفارة اليمين، ومتى تجب، ومتى لا تجب في العديد من كتب الفقه القديمة، كما أفرد بعض أهل العلم والمتخصصين في الفقه الإسلامي كتباً خاصّة تحدثّوا فيها عن الأيمان، وأحكامها، والكفّارات فيها، وفي هذه المقالة سيتم بيان الكفّارة المترتبة على اليمين، وحكمها، وكيفيتها، وشروط وجوبها، ومقدارها.
معنى كفّارة اليمين
الكفّارة واليمين لفظان كغيرهما من الألفاظ في اللغة العربية؛ لهما معنيان في اللغة، وفي الاصطلاح، وفيما يأتي بيان كلا المعنيين:
- الكفّارة في اللغة:هي اسم، ويُراد به: الستر، والتغطية، فيُقال: كفرت الشيء؛ أي: سترته.[١]
- الكفّارة في الاصطلاح: ما أوجب الشرع فعله على المكلّف بسب حنثٍ في يمين، أو ظهار، أو قتل، أو غيره من الأسباب التي تُوجب الكفّارة.[٢]
- اليمين في اللغة: اسم، وتجمع على أَيْمُنٌ، وأَيْمَانٌ، وأَيامِنُ، وهي تدلّ على عدّة معانٍ؛ فاليمين ضدّ اليسار؛ أي: الجهة والجارحة، واليمين: القسم، واليمين: البركة، يُقال: يمين الله؛ أي: أقسم بالله، وهوعندنا باليمين؛ أي: بالمنزلة الحسنة.[٣]
- اليمين في الاصطلاح: توكيد الحالف للحكم بذكر معظم على وجه الخصوص.[٤]
حكم كفّارة اليمين
الأصل في كفّارة اليمين أنّها واجبة في حقّ من حنث في يمينه، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ)،[٥] أمّا من السّنة النبويّة فقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (يا عبدَ الرحمنِ بنَ سمرةَ، لا تسألِ الإمارةَ، فإنك إن أُوتِيتَها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإن أُوتِيتَها من غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإذا حلفتَ على يمينٍ، فرأيتَ غيرَها خيراً منها، فكفِّرْ عن يمينِكَ وأْتِ الذي هوَ خيرٌ)،[٦] أمّا من الإجماع فقد أجمع العلماء على أنّ مَن حلف باسمٍ من أسماء االله تعالى، ثمّ حنث في يمينه تجب عليه الكفّارة، وتسقط الكفّارة عن المرء إذا عجز عن أدائها، ودليل ذلك ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (قالَ: لمَّا نزلت هذِهِ الآيةُ : وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، قالَ: دخلَ قلوبَهُم منها شيءٌ لم يدخل قلوبَهُم من شيءٍ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمنا، قالَ: فألقى اللَّهُ الإيمانَ في قلوبِهِم، فأنزلَ اللَّهُ تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، قالَ: قَد فعلتُ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، قالَ: قد فَعلتُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا، قالَ: قد فَعلتُ).[٧]
شروط وجوب كفّارة اليمين
يشترط لوجوب كفارة اليمين عدد من الأمور، وفيما يأتي بيانها:[٨]
- أن تكون اليمين منعقدة، وصادرة من شخص مكلّف شرعاً، وتكون اليمين على أمرٍ ممكن في المستقبل، ومثال ذلك: كأن يحلف الشخص بألّا يدخل دار فلان.
- أن يحلف الشخص وهو مختار، فإن حلف الشخص وهو مكره على الحلف لم تنعقد يمينه.
- أن يكون الشخص قاصداً لليمين الصادرة عنه، فاليمين لا تنعقد بلا قصد.
- الحنث في اليمين، وذلك بأن يقوم الشخص بفعل ما حلف على تركه، أو أن يقوم بترك ما حلف على فعله، مختاراً لفعله، وذاكراً له.
كيفية كفّارة اليمين
بيّن القرآن الكريم كيفيّة كفارة اليمين، فجاء في قول الله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[٩] فالآية الكريمة ذكرت أنّ كفارة اليمين هي التخيير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أمّا إذا عجز المرء عن الإتيان بواحدة منها فإنّه يصوم ثلاثة أيام، وللفقهاء في كيفيّة إخراج الكفارة تفصيلات عدة؛ فعند فقهاء الحنفيّة يُشترط في إطعام المساكين أن يعطي الحانث في يمينه كلّ مسكين من العشرة نصف صاع من التمر، أو القمح، أو الشعير، أو قيمة ذلك، وألّا يعطي الكفارة كلّها لمسكينٍ واحدٍ في يومٍ واحدٍ، دفعةً واحدةً أو متفرقةً في نفس اليوم، وأن يغذي كلّ مسكين من العشرة ويعشيه، وألّا يكن من ضمن العشرة طفل فطيم، وألّا يكون فيهم واحد شبعان قبل الأكل، وأن يوجد الغداء والعشاء في يومٍ واحدٍ، أمّا بالنسبة للكسوة عندهم فيشترط فيها: أن يكون الثوب ممّا يصلح للأوساط، وأن يكون قوياً يُنتفع فيه فوق الثلاث شهور، وأن يستر جميع البدن أو أكثره، ويجب عندهم على الحانث أن ينوي إخراج كفارة اليمين قبل إخراجه لها، أمّا بالنسبة لتحرير الرقبة عندهم فيشترط فيها أن تكون رقبة كاملة الرّق، وأن تكون في ملكه، ولا يُشترط الإيمان، أمّا الصيام فيُشترط فيه التتابع، وأن يكون بعد العجز عن وقت الأداء.[١٠]
أمّا فقهاء المالكية فاشترطوا في الإطعام أن يملك المسكين مُداً من الأصناف التي تُخرج في زكاة الفطر، ويُندب أن يُشبعهم مرتين غداء وعشاء، أو غداءين، أو عشاءين، ويشترط في المسكين أن يكون مسلماً حرّاً، وعدم لزوم نفقته على المُخرِج، وألّا تكون ملفّقة من نوعين؛ كأن يُخرج بعضها كسوة، وبعضها إطعام، أمّا بالنسبة للكسوة فاشترطوا أن تكون في حقّ الرجل ساترة لجميع بدنه، أو إزار يشتمل به في الصلاة، أمّا المرأة فيكون قميص ساتر وخمار، أمّا بالنسبة لتحرير الرقبة؛ فيُشترط فيها أن تكون رقبة مؤمنة خالية من العيوب، أمّا الصيام فلا يُشترط فيه التتابع.[١٠]
أمّا فقهاء الشافعية فاشترطوا أن يعطي كلّ مسكين من العشرة مُدّاً من الطعام، وأن يكون الطعام من قوت غالب أهل بلد الشخص الحالف، وأن يعطي كلّ مسكين مُدّاً كاملاً، أمّا بالنسبة للكسوة فاشترطوا فيها أن تكون ممّا يُسمى كسوة، ويُعتاد لبسه، أمّا تحرير الرقبة فيُشترط أن تكون رقبة مؤمنة، سليمة من العيب، أمّا الصيام فينوي فيه الكفّارة، ولا يُشترط فيه التتابع على الأظهر عندهم، أمّا فقهاء الحنابلة فاشترطوا في الإطعام أن يكون المساكين مسلمين أحراراً، وألّا يكون في المساكين من تلزمه نفقته، أمّا بالنسبة للكسوة فيُشترط فيها أن تستر العورة المشترط سترها في الصلاة، مع جواز التلفيق في الكفّارة؛ كالإطعام مع الكسوة، أمّا بالنسبة لعتق الرقبة فيُشترط فيها أن تكون رقبة مؤمنة، خالية من العيوب، أمّا الصيام فيُشترط فيه التتابع.[١٠]
المراجع
- ↑ “تعريف ومعنى كفارة”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2018. بتصرّف.
- ↑ حسن الشاذلي، الجنايات في الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، السعودية: دار الكتاب الجامعي، صفحة 440. بتصرّف.
- ↑ “تعريف ومعنى يمين”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2018. بتصرّف.
- ↑ ابن النجار (1999)، منتهى الإرادات (الطبعة الأولى)، سوريا: مؤسسة الرسالة، صفحة 209، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 225.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 6622، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 126، صحيح.
- ↑ “شروط وجوب كفارة اليمين”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 89.
- ^ أ ب ت عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 75-79، جزء 2. بتصرّف.