محتويات
فضل الصحابة
حفِلت السيرة النبويّة بمواقف ومناقب أولئك الرّجال الذين أكرمهم الله تعالى بشرف صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ بعثته عليه السلام، حيث قدّموا تضحياتٍ كبيرة، وبطولاتٍ عظيمةً في ميادين الدّعوة والجهاد، فكانوا أهل وفاء لرسالة الإسلام، وقد سجّل المؤرخون سيرتهم ومناقبهم في كثير من مصنّفاتهم، ويعدّ الخلفاء الراشدون أحد أهمّ أعلام الأمة الكبار، حيث كان لهم أثرٌ واضح في كثير من مجالات الحياة الإسلاميّة، فضلاً عن كونهم من العشرة المبشرين بالجنة، ثم إنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- شهد لهم بالفضل في مواقف كثيرة، وأوصى بحسن الامتثال لهم بعد وفاته؛ فكان كلّ منهم خير خلفٍ لسلفه -رضي الله عنهم-، فمن هم الخلفاء الراشدون؟
معنى الخلفاء الراشدين ومرتبة فضلهم
- معنى الخَلِيفَةُ: في اللغة هو السُّلْطَانُ الأَعْظَم، وهو لقب نودي به حُكام المسلمين في العصور الماضية، وعُرفوا به، و(الرّاشِدُ): هو المستقيم على طريق الحقّ والصواب، استقامة مقرونة بشدّة فيه، و(الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ) هم الذين حكموا المسلمين وبلادهم، وآل إليهم أمر الحلّ والعقد بَعْدَ وَفَاةِ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ -رَضِيَ الله عَنْهُمْ-.[١]
- مرتبة الخلفاء الراشدين بالفضل: اتّفق أهل السُّنة والجماعة على فضل ومكانة الخلفاء الراشدين الأربعة، وأنّهم أفضل الرجال المهاجرين، بل هم أفضلُ رجال الأُمَّة بعد رسولها -عليه السلام-؛ فهم وزراء النبي الكريم، اختارهم أزواجاً لبناته الطاهرات، وقد ثبَتَ لكلِّ واحدٍ منهم فضائل ومزايا اختُصَّ بها دون غيره، ومذْهَب أهْل السُّنة والجماعة في المفاضَلة بين الصحابة الأبرار -مع الإقرار لهم جميعاً بالفضل وشرف الصحبة- أنَّ أفضل الصحابة هو أبو بكر الصديق، ثمّ عمر بن الخطاب، ثمّ عثمان بن عفان، ثمّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.[٢]
التعريف بالخلفاء الراشدين
جاءت الأحاديث النبويّة تحثُّ على الاقتداء بسيرة الخلفاء الراشدين الصالحة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ بعدي ، عضُّوا عليها بالنَّواجذِ)،[٣] والوقوف في رحاب سيرتهم الزّكية يطول، وقد صنّفت في مناقبهم ومواقفهم مصنّفات كثيرة، وهذه وقفات عاجلة مع مختصر سيرهم:
أبو بكر الصديق
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- هو عبد الله بن عثمان (أبو قحافة) بن كعب التيميّ، ينتمي إلى قريش، وهو سيد من ساداتها، وُلد قبل الهجرة بإحدى وخمسين سنة، يُكنّى بأبي بكر، وهو أول من آمن برسالة الإسلام، وأول الخلفاء الراشدين، يُعرفُ بالصّّديق؛ فقد صدّق النبي -عليه السلام- بخبر الإسراء، بل كان يصدّقه بكلّ ما يأتيه من وحي السماء، وكان معروفاً بوفرة المال وغنى المعيشة، حرّم الخمر على نفسه قبل الإسلام، وفي عصر النبوة كان صاحب مناقب كثيرة، فقد شهد مع رسول الله المشاهد، واحتمل في سبيل الدعوة الشدائد، وأنفق من أمواله في خدمة الإسلام والمسلمين، وأكرمه الله تعالى برفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- في رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة، وعندما اشتدّ المرض برسول الله عهد لأبي بكر الصلاة بالناس، وقد بويع بالخلافة يوم أنْ توفيَ رسول الله الكريم، وكان ذلك في السنة الحادية عشرة من الهجرة، ومن أهمّ ما قام به إبان خلافته محاربة المرتدين، الذين امتنعوا عن أداء الزكاة، وإقامة دعائم الإسلام في الجزيرة العربية، وبدأتْ في عهده الفتوحات الإسلاميّة في بلاد الشام والعراق، وبعد سنتين وثلاثة أشهر ونصف حان موعد ملاقاته لربّه -جلّ وعلا-، وقد بلغ العمر حينها ثلاثاً وستين سنة.[٤]
عمر بن الخطاب
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدويّ من بطون قريش، بل من أبطال قريش وأشرافهم، وكنيته أبو حفص، ولقبه الفاروق، وأمّه مخزوميّة وهي أخت أبو جهل، وعمر -رضي الله عنه- ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لُقّب بأمير المؤمنين، كان إسلامه قبل الهجرة بخمس سنوات، وشهد المشاهد والغزوات مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وقد شهد النبي -عليه الصلاة والسلام- له؛ فقال: (إنَّ اللهَ جعَل الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلبِه)،[٥] وقد بايعه المسلمون بالخلافة يوم أنْ توفيَ أبو بكر الصديق وبعهد منه، بعد أنْ استشار في أمر خلافته الناس، وقد تولّى عمر في خلافة أبي بكر مهمة القضاء، فلم يقف بين يديه أحد، لأنّ الإيمان وأخوة الإسلام كانت مانعة من التّخاصم، وفي خلافته أمر بقطع العطاء عن المؤلّفة قلوبهم، لظهور الإسلام وقوة شوكته، فقام بإخضاع أراضي البلاد المفتوحة لأحكام الخراج، وأعادها إلى أصحابها الأُوَل، ومن أعماله أنّه أرّخ لتاريخ المسلمين بمناسبة الهجرة النبوية، وأول من وضع الدواوين في الإسلام، وقد اتّخذ داراً للدقيق، وجعل فيها ما يحتاجه الناس من الدقيق، والتمر، والسويق، والزبيب، وخصّصه لإعانة المنقطع، وجعل له عيوناً يستطلع بها أحوال الجيش وأخبار عماله في سائر الأمصار، وفي عهده استكمل الفتوحات بالشام والعراق، وفتح الله على يد المسلمين في خلافته القدس، والمدائن، وقبرص، ومصر، وخراسان، وسجستان، وغيرها، واجتمع في زمانه اثنا عشر منبراً يذكر من عليها الله تعالى، كما أنشأ طرُقاً بين مكة المكرمة والمدينة المنورة تسهيلاً على الناس، واستطاع إجلاء اليهود من خيبر إلى بلاد الشام، والنصارى من نجران إلى الكوفة، وفي الخامس والعشرين من ذي الحجة اغتاله غلام المغيرة بن شعبة الفارسي أبو لؤلؤة فيروز في صلاة الفجر، فمات بعدها بليالٍ من جراحه وكان عمره حينها ثلاثاً وستين عاماً، ودفن في الروضة الشريفة إلى جانب أبي بكر، وبوفاته تكون خلافته امتدّتْ عشر سنين وستة أشهر.[٤]
عثمان بن عفان
عثمان بن عفان هو ابن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف من بني أمية من قريش، وكنيته أبو عبد الله وأبو عمرو، كان معروفاً بغناه ووفرة المال بين يديه، وكان شريفاً في الجاهلية، ولد بمكة المكرمة، وأسلم -رضي الله عنه- بعد البعثة بزمن يسير، وهو من كبار الصحابة الذين كانوا سبباً في عزة الإسلام، ومن أعظم أعماله زمن النبوة تكفّله بتجهيز جيش العسرة، استعداداً لغزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة، وكان قد تولّى أمر الخلافة بعد حادثة اغتيال عمر بن الخطاب؛ فهو بذلك ثالث الخلفاء الراشدين، حيث دعا عمر بن الخطاب بعد أنْ طُعِن ستة من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، -رضي الله عنهم- ليختاروا خليفة للمسلمين من بينهم، فجعلهم أهلاً للشورى، واستقرّ الأمر في نهاية المطاف على عثمان -رضي الله عنه-، واستمرّت الفتوحات في عهده، حيث فتح المسلمون: أرمينيّة، وأذربيجان، وإفريقية وغيرها، وإليه يرجع فضل نسخ القرآن الكريم في مصحف واحد بمعرفة زيد بن ثابت وآخرين من الصحابة من حفظة القرآن الكريم، ثمّ أمر بإحراق ما سواه، وممّا يذكر أنّه اتّهم بتولية أصحابه وأقربائه على الأمصار، ومن ذلك عزله لعمرو بن العاص عن إمارة مصر، وتولية أخيه بالرّضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح مكانه، فعظُم على أهل مصر عزل ابن العاص، وحصلتْ بعد ذلك فتنةٌ أدّتْ إلى محاصرة عثمان في داره، فطالبوه بالتّخلي عن الخلافة؛ فلما رفض دخلوا عليه داره، وقتلوه فيها ونهبوها، كما أغاروا على بيت مال المسلمين ونهبوه، وقد شكّلت حادثة مقتل عثمان انعطافاً في مسيرة التاريخ الإسلاميّ، حيث بدأت الفتن والثورات بالظهور، حيث قُتل بعد حصار دام شهرين، وكان عمره يومها اثنين وثمانين عاماً.[٤]
علي بن أبي طالب
علي -رضي الله عنه- هو ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف من بني هاشم، ويُكنّى بأبي الحسن أمّه فاطمة هاشميّة قرشيّة، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وأول من أسلم من الصبيان، ابن عم رسول الله -عليه السلام-، وصهره بزواجه من فاطمة بنت رسول الله، من الخطباء المشهورين بفصاحتهم، ومن أهل العلم بالقضاء والفتيا، تشرّف بحمل لواء الجهاد في كثير من المشاهد، ولم يتخلّف عن رسول الله في غزوة إلا يوم تبوك؛ فقد استخلفه -عليه السلام- على عياله في المدينة، عُدّ عليّ من أهل الرّواية عن رسول الله -عليه السلام-، وقد اعترف عمر بن الخطاب بحكمته وحنكته، إذ كان يرجع إليه في حلّ المعضلات، كما كان الصحابة الكرام إذا صحّ عندهم الأمر عن عليٍّ لم يعدلوا به إلى أحد غيره، فعدّ من أهل المشورة الستة بعد طعن عمر بن الخطاب، وقد بايعه المسلمون بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وبعد بيعته طالبه كبار الصحابة بالقصاص من قتلة عثمان، فتريّث عليٌ ليتّقي الفتنة، فحدث إثر ذلك مقاتلة بين المسلمين في وقعة الجمل وبعدها وقعة صفين، وبعد أحداث مليئة بالفتن والاضطراب اختار عليٌ الإقامة بالكوفة، وجعل منها داراً للخلافة، وظلّ فيها إلى أنْ قُتل على يد عبد الرحمن بن ملجم الخارجيّ في السابع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة، وكان عمره يومها ثلاثاً وستين سنة.[٤]
المراجع
- ↑ “تعريف و معنى الخلفاء الراشدون”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الله القصير (13-1-2016)، “تفاوت الصحابة في الفضل ومراتبهم فيه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البزار، في جامع بيان العلم، عن البزار، الصفحة أو الرقم: 2/924، إسناده صحيح.
- ^ أ ب ت ث مركز الفتوى (2-12-2003)، “نبذة مختصرة عن الخلفاء الراشدين الأربعة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6889 ، أخرجه في صحيحه.