احكام الشريعة الاسلامية

جديد ما كفارة الحلف بالطلاق

الطّلاق

شرع الله تبارك وتعالى الطّلاق، ولكنّه جعله من أبغض الحلال إليه تبارك وتعالى، فأحياناً قد تصل الحياة في البيت بين الزّوجين إلى طريق مسدود لا مجال فيه لاستمرار الزّواج بما يُرضي الله، بل ربما يكون في استمراره مَفسدةٌ عظيمةٌ على الزّوجين وعلى الأولاد وعلى البيت كلّه، ولمثل هذه الحالة شرع الله الطّلاق إنهاءً لرابطة الزوجيّة التي تكون مَفاسد استمرارها أعظم وأرجح فتكون، المصلحة أرجح في فضّ الزّواج وإنهائه.

ولعلّ بعض الرّجال استهان بالحلف بالطّلاق؛ ولذك جاءت هذه المَسألة لمُناقشة حكم الحلف بالطّلاق، صيانةً للبيت المسلم وحمايةً له، وصيانةً للأسرة المُسلمة، ولبيان ما يترتّب على الحلف بالطّلاق من أحكام.

صيغ الحلف بالطّلاق

وَرَد الحلف بالطّلاق بصيغتين:

  • صيغة التّعليق اللفظيّ: ومثال هذه الصّيغة أن يقول رجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، والهدف من هذا القول أن يُرغم نفسه ويَحمِلَها على فعل شيء ما أو ترك فعل ما، أو يقصد أن يُرغم زوجته على ترك تصرُّف ما، ولا يُقصَد حقيقةً إيقاع الطّلاق، كأن يقول لزوجته: إن دخلتِ دار فلان فأنت طالق، فهو في هذا اليمين لا يريد إيقاع الطّلاق، ولا يقصد طلاق زوجته، بل يتوجّه هدفه وقصده لحمل زوجته على ترك دخول دار إنسان ما، رجلاً كان أو امرأة.
الطّلاق في هذه الصّيغة يأتي في صورة التّعليق من حيث اللّفظ؛ لظهور أداة الشّرط، ولم يرد بتعليق الطّلاق حصول فعل الشّرط، وإنّما كان هدفه ومقصده حمل نفسه أو زوجته أو غيرهما على فعل أمرٍ ما أو تركه.[١]
  • الطّلاق المُعلّق بقصد إيقاع الطّلاق: وهذا الطّلاق لا يُقصد به حمل أحدٍ على فعل أمرٍ ما أو تركه، بل يُقصد به إيقاع الطّلاق فعلاً عند حصول فعل الشّرط، ويُطلَق على هذا الطّلاق اسم طلاق الصّفة، ومثاله أن يقول رجل لزوجته: إن جاء فلان من السّفر فأنت طالق، وفي هذا المثال وما يُشبهه من مسائل إن حضر الشّخص المذكور أو المقصود من السّفر، أي حصل الأمر الذي عَلق الطّلاق على حصوله فيقع الطّلاق، وتُعتبر زوجته طالقاً، وتنطبق عليها أحكام الطّلاق، والعدّة، والرّجعة وغيرها.[٢]

حكم الحلف بالطّلاق وكفّارته

اختلف العلماء في حكم حلف المُسلم بالطّلاق، من حيث وقوع الطّلاق وعدمه على النّحو الآتي:

  • ذهب الفريق الأول من العلماء وهم جمهور العلماء من الحنفية،[٣] والمالكية،[٤] والشافعية،[٥] والحنابلة[٦] إلى أنّ الطّلاق المُعلَّق يقع متى وُجِد الأمر الذي عُلِّق عليه الطّلاق، سواء أكان فعلاً لأحد الزّوجين، أو غيرهما، أو أمراً سماويّاً، أو كان الطّلاق قسماً وحلفاناً؛ للحثّ على فعل أمر، أو تركه، أو تأكيداً لخبر ما، أو كان شرطيّاً يُقصد به ترتيب الجزاء إذا حصل فعل الشّرط.
يقول الإمام السرخسيّ: (اليمين إنّما يُعرف بالجزاء حتّى لو قال: إن دخلت الدّار فأنت طالق، كان يميناً بالطّلاق، ولو قال: فعبدي حرّ كان يميناً بالعتق. والشّرط واحد وهو دخول الدّار، ثم اختلفت اليمين باختلاف الجزاء. وأصل آخر أنّ الشّرط يُعتبر وجوده بعد اليمين، وأمّا ما سبق اليمين لا يكون شرطاً؛ لأنّه يُقصد باليمين منع نفسه عن إيجاد الشّرط، وإنما يُمكنه أن يمنع نفسه عن شيء في المُستقبل لا فيما مضى، فعرفنا أنّ الماضي لم يكن مقصوداً له، واليمين يتقيّد بمقصود الحالف).[٧]
  • ذهب الظاهريّة[٨] والإماميّة إلى القول بأن يمين الطّلاق أو الحلف بالطّلاق أو الطّلاق المُعلّق لا يقع أصلاً حتّى لو حدث الأمر الذي عَلِق الطلّاق على حدوثه.
يقول ابن حزم: (واليمين بالطّلاق لا يُلزم – سواء بَرّ أو حَنَث -، ولا يقع به طلاق، ولا طلاق إلّا كما أمر الله عزّ وجل، ولا يمين إلّا كما أمر الله عزّ وجلّ على لسان رسوله – عليه الصّلاة والسّلام -).[٩]
  • وأما ابن تيمية[١٠] وابن القيّم[١١] فقد ذهبا إلى التّفصيل على النّحو الآتي: إن كان التّعليق للطّلاق قسمياً يُقصد به الحثّ على فعل أمر ما، أو تركه، أو تأكيد الخبر، فإنّ الطّلاق في هذه الحالة لا يقع، ويُجزيء في مثل هذه الحالة عند ابن تيمية أن يدفع الحالف كفّارة يمين إن حنث في يمينه، وذهب ابن القيم أنّه لا كفّارة على الحالف في مثل هذه الحالة، وأمّا إن كان التّعليق شرطيّاً، فقد ذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنّ الطّلاق يقع إذا حصل الشّرط الذي عَلِق الطّلاق عليه.
يقول ابن تيمية في معرض كلامه عن الحلف بالطّلاق وكفّارته: (هذه الأيمان إن كانت من أيمان المسلمين ففيها كفّارة وإن لم تكن من أيمان المسلمين لم يلزم بها شيء، فأمّا إثبات يمين يلزم الحالف بها ما التزمه ولا تُجزِئه فيها كفّارة، فهذا ليس في دين المُسلمين؛ بل هو مُخالف للكتاب والسُنّة).[١٢]

الأدلة

  • أدلة الفريق الأول: استدلّ الفريق الأول، وهم جمهور علماء المذاهب الأربعة، لقولهم بما يأتي:
    • الآيات الدالّة على مشروعيّة الطّلاق، وأنّ الله تبارك وتعالى قد فوّض أمر الطّلاق إلى الرّجل، كقوله تعالى : (الطّلاق مرّتان).[١٣]
    • واستدلّوا من السُنّة بقوله – عليه الصّلاة والسّلام -: (المُسلمون عند شروطهم )[١٤] وما رُوِي في الأثر أنّ رجلاً طلّق امرأته البتّة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء.
  • استدلّ أصحاب القول الثّاني بأنّ تعليق الطّلاق يمين، واليمين بغير الله تعالى لا يجوز، واستندوا لما ذهبوا إليه بما رُوِي عن رسول الله – عليه الصّلاة والسّلام – أنّه قال: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله).[١٥]
واستدلّوا أيضاً بأنّه لا طلاق إلّا كما أمر الله عزّ وجلّ، ولا يمين كذلك إلّا كما أمر الله عزّ وجلّ، واليمين بالطّلاق ليس ممّا سمّاه الله عزّ وجلّ يميناً، وهو تعدٍّ وتجاوزٌ لما شرع الله، والله تعالى يقول: (ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه).[١٦] وقالوا بأنّه لم يأتِ قرآنٌ ولا سنّةٌ بوقوع الطّلاق المُعلّق.
  • استدلّ الفريق الثّالث ابن تيمية وابن القيم القائلين بالتّفصيل بما يأتي:
    • قال ابن تيمية وابن القيم إنّ الطّلاق المُعلّق بصيغة القسم أو الحلف إن كان المقصود منه الحثّ على فعل أو تركه أو تأكيد الخبر فهو بمعنى اليمين، ولذلك فقد اعتبراه داخلاً في أحكام اليمين، لما ورد في قوله تعالى: ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)[١٧]، وقوله تعالى: (ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم)،[١٨] وفي حال اعتبارها يميناً فيها تجاوُز شرعيّ فهي لغوٌ لا يترتّب عليه حكماً.
    • استدلّوا كذلك بما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه-: ( الطّلاق عن وطر، والعتق ما ابتُغِي به وجه الله)؛[١٩] أي إنّ الطّلاق كي يقع طلاقاً لا بدّ من توجُّه إرادة المُطلَق لإيقاع الطّلاق.
    • إنّ أم المؤمنين السّيدة عائشة وأم المؤمنين حفصة وأم المؤمنين أم سلمة ومعهم ابن عباس -رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً – قالوا: (أفتوا ليلى بنت العجماء بأن تُكفّر عن يمينها حينما أقسمت بالعتق، والطّلاق أولى بالتّكفير من العتق).[٢٠]

المراجع

  1. محمود السرطاوي (2010م)، شرح قانون الأحوال الشخصية (الطبعة الثانية)، الأردن : عمان: دار الفكر، صفحة 270 وما بعدها .
  2. وهبه الزحيلي (1996 م)، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 444، جزء 7.
  3. محمد البابرتي، العناية شرح الهداية، ..: دار الفكر، صفحة 34، جزء 4.
  4. ابن جزي، القوانين الفقهية، صفحة 153.
  5. يحيى النووي (2013)، منهاج الطالبين (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفيحاء، صفحة 482.
  6. المرداوي (2003)، تصحيح الفروع (الطبعة الأولى)، ..: مؤسسة الرسالة، صفحة 445، جزء 8.
  7. السرخسي (1993م-1414هـ)، المبسوط، بيروت: المعرفة، صفحة 100، جزء 6.
  8. ابن حزم الظاهري، المحلى بالآثار، بيروت: دار الفكر، صفحة 476، جزء 9.
  9. ابن حزم، المحلى، بيروت: الفكر، صفحة 476، جزء 9.
  10. ابن تيمية (1987)، الفتاوى الكبرى، ..: دار الكتب العلمية، صفحة 243، جزء 3.
  11. ابن قيم الجوزية (1991)، أعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت: دار الكتب اعلمية، صفحة 75، جزء 4.
  12. ابن تيمية (1987م-1408 هـ)، الفتاوى الكبرى ، ..: الكتب العلمية، صفحة 236، جزء 3.
  13. سورة البقرة، آية: 229.
  14. رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 406/7، رقم الحديث 14434.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 15806.
  16. سورة الطلاق، آية: 1.
  17. سورة التحريم، آية: 2.
  18. سورة المائدة، آية: 89.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم: 7/45.
  20. وهبة الزحيلي (1996)، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 450-451، جزء 7.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى