النوافل

ما فضل صلاة الوتر

الصلاة

الصلاة هي صلة العبد بالله سبحانه وتعالى، وهي العَهد والميثاقُ الغليظ الذي يُميّز المُسلم ويدفعه روحانيّاً، ويُقوّي إيمانه عبر التواصل المستمر في اليوم نهاراً وليلاً، فيَقف المُسلم بين يدي سبحانه وتعالى تائباً محبّاً مُطيعاً يرجو رحمته ونعمته، ويرجو رضوان الله وعفوه وجنّته.

تعريف الصلاة لغةً

الصلاة لغةً تأتي بمعنى الدعاء، والتي هي من الكَلام المشهور عند العرب، ودليل ذلك قوله سبحانه: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ)، أي ادعوا لهم خيراً، أمّا الصلاة شرعاً فهي أقوالٌ وأفعالٌ يؤدّيها المسلم تَقرّباً لله عزَّ وجلَّ بنيةٍ مخصوصةٍ وهي العبادة ، والطاعة لله عزَّ وجلَّ، تُبدأ بالتكبير، وتنتهي بالتسليم.[١]

تعريف الوتر

الوتر لغةً: تأتي الوتر بمعنى الفرد، ومنه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله وتر يحب الوتر)، وتُطلق العرب على الواحِد وِتر ووَتر بالفتح والكسر، وأُخذت صلاة الوتر من هذا القول بأنها مفردة.[٢]

الوتر شرعاً: هي صلاة مُحدّدةٌ، تُصلَّى في أوقاتٍ مخصوصةٍ يختتم فيها الليل، سواءً كانت في أوّل الليل، أم في وسطه، أم آخره، وعدد ركعاتها تكون فرديةً، لهذا أطلق عليها اسم وتر.[٣]

فضل صلاة الوتر

ورد في فضل صلاة الوتر عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الله أمَدَّكُمْ بِصَلاَةٍ هِيَ خَيرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، قُلْنَا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: الوِتْرُ مَا بَيْنَ صَلاَةِ العِشَاءِ إِلى طُلُوعِ الفَجْرِ).[٤]

في الحَديث دَلالةٌ على فضل صلاة الوتر، وبيان من النبي – صلى الله عليه وسلم – أنّ قيمة صلاة الوتر أفضل وأثمن من أموال العرب أجمع، والتي دلَّ عليها الرسول – صلى الله عليه وسلم – بحمر النعم، فهي أفضل وأشرف الأموال وأغلى الأثمان عند العرب، وهذا تمثيلٌ من النبيّ -صلى الله عليه وسلم – لأصحابهِ، ليُقرب لهم الصورة، ويُبيّن لهم أهميّة هذه الصلاة، وأنّها تضاهي أموال الدنيا، فهي بالآخرة عند الله عز وجل من أفضل، وأطيب، وأحسن العبادات بل وينال بها المؤمن الدرجة الأعلى عند الله عز وجل.[٥]

أوصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الوتر ووصيته بصلاة الوتر دلالة على فضل هذه الصلاة وعظمتها وأهميتها في الإسلام؛ فقد ورد عن أبي هريرة: (أوصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثلاثٍ : صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعتي الضُّحى، وأن أوتِرَ قبلَ أن أنامَ )[٦]

حكم صلاة الوتر

اختلف الفقهاءُ في حكم صلاة الوتر على أقوال:

القول الأول

ذهب أبو حنيفة وبعض الحنابلة إلى أنّ حُكم صلاة الوتر واجبٌ، ذلك لأنّ الواجب عند الحنفيّة أدنى درجةً من الفرض، ويَرون أنّ من ترك الواجب لا يوجب الله عليه العُقوبة في الآخرة ، كما هو الحال لمن ترك الفَرض القطعي، وعقاب من تَرك واجباً عندهم الحرمان من شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم -.[٧] ودليلهم: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلَّم : (إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْر).[٨]

القول الثاني

ذهب الشافعية والمالكية إلى أنّ الوتر سنةٌ مؤكدةٌ، ليس بواجبٍ أو فرضٍ، واستدلّوا على ذلك بحديث عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ )[٩]. في هذا الحديث بياتٌ على أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قام بصلاة الوتر، وحافَظ عليها.

استدلّ أصحاب هذا القول بعدم وجوب الوتر، بما رواه طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ).[١٠]

وقت صلاة الوتر

يبدأ وقت صلاة الوتر بعد صلاة العشاء، وينتهي بطلوع الفجر؛ فصلاة الوتر وقتها بعد صلاة العشاء حتى وإن جَمع المُصلّي المغرب مع العشاء جمع تقديم في وقت صلاة المغرب، وهذا ما اتّفق العلماء عليه.[١١]

عدد ركعات صلاة الوتر

الشافعية والحنابلة

ذهب الشافعية والحنابلة أن أقل صلاة الوتر ركعة واحدة، وأقل الكمال عند الشافعية والحنابلة ثلاث ركعات، ويصحُّ أن يوتر المسلم بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ، وأكثر الوتر عندهم إحدى عشرة ركعة، وللشافعية قولٌ آخرٌ أن أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة، واستدلُّوا على ذلك بحديث: ابْنَ عُمَرَ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ). فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: (أَنْ تُسَلِّمَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ).[١٢]وحديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ)، فأخبرت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يُصلّي ركعتين ثم يصلي ثمانية، ثم يوتر؛ فكان المعنى من ثم يوتر يَحتمل ثلاث ركعات، ركعتين من الثمانية، وتأتي ركعة بعدها، فيكون مجموع ما صلّى إحدى عشرة ركعة.[١٣]

الحنفية

ذهب الحنفيّة إلى أنّ عدد ركعات الوتر ثلاث ركعاتٍ، تُصلّى بتسليمةٍ واحدةٍ كالمغرب، واستدلُّوا على قولهم هذا بالحديث الذي رواه ابن مسعود وعائشة -رضي الله عنهما- أنهما قالا: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاث ركعات)[١٤].

المالكية

ذهب المالكية إلى أنّ الوتر تُصلّى ركعة واحدة، لها شفع وأقل الشفع ركعتان،[١٥]واستدلُّوا على قولهم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ)[١٦]

القراءة في صلاة الوتر

اتَّفقَ الفقهاءُ على أنَّ ما يُقرأ في كُلِّ ركعةٍ مِنْ ركعاتِ الوتر هي الفاتحة وسورةٌ أُخرى مِنْ القُرآن، إلا أنَّهُم اختلفوا فيما يُقرأ مع الفاتِحة على النَّحوِ الآتي:

  • الحنفيّة يقولون بعدمِ التَّحديدِ بشيءٍ مِنَ القُرآنِ في صلاةِ الوترِ.[١٧]
  • يرى الحنابلة أنَّهُ مِن الندب القراءة بعدَ سورةِ الفاتحة بالسُّور الثَّلاث الآتية: في الرَّكعةِ الأولى يقرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)،[١٨] وفي الرَّكعة الثَّانية يقرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)[١٩]

وفي الثَّلاثة يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[٢٠] هذا ما ذَهَبَ إليهِ الحَنابِلة.

  • ذهبَ المالِكيَّة والشَّافعية إلى أنه يقرأَ المُصلِّي مع السور الثَّلاث، وزيادة على الإخلاص المعوذتين، ويرى بعض العلماء أن الصَّحيحُ مِنْ هذهِ الأقوالِ الثَّلاثة أنَّها تُسنُّ القراءة بما ذكر جميعاً؛ فزيادة المُعوذتين على سورة الإخلاص في صلاة الوتر الحديث الوارد فيها ضعيف ولا يُحتجُّ به.[٢١]

المراجع

  1. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري ( 1424 هـ – 2003 م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 160، جزء 1.
  2. عياض بن موسى البستي ، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (الطبعة الأولى)، تونس : المكتبة العتيقة، صفحة 278، جزء 2. بتصرّف.
  3. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام (2003 م)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مطبعة الأسدي، صفحة 427، جزء 2.
  4. رواه العيني، في عمدة القاري، عن خارجة بن حذافة العدوي، الصفحة أو الرقم: 7/17، إسناده صحيح.
  5. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) ( 1423 هـ – 2003 م)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكّة المكرّمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 404، جزء 2.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1981 ، صحيح.
  7. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (1424 هـ – 2003 م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 405، جزء 1.
  8. رواه صهيب عبد الجبار، في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، عن أبو بصرة الغفاري، الصفحة أو الرقم: 27 / 88.
  9. رواه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، في مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن علي رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم: 2 / 394.
  10. رواه محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري، في صحيح البخاري، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم: 1 / 18.
  11. أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) (1424هـ – 2003م )، توضيح الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامسة)، مكة المكرمة: مكتبة الأسدي، صفحة 405، جزء 2.
  12. رواه مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ابن عمر، الصفحة أو الرقم: 1 / 519.
  13. أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ( 1414 هـ، 1994 م)، شرح معاني الآثار (الطبعة الأولى )، المدينة المنورة: عالم الكتب، صفحة 280، جزء 1.
  14. رواه العيني، في نُخب الأفكار، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5 / 108، طريقه صحيح.
  15. القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي (1999م)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 288، جزء 1.
  16. رواه مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ابن عمر، الصفحة أو الرقم: 1 / 519.
  17. أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى ( 1420 هـ – 2000 م)، البناية شرح الهداية (الطبعة الأولى)، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 78، جزء 1.
  18. سورة الأعلى ، آية: 1.
  19. سورة الكافرون ، آية: 1.
  20. سورة الإخلاص، آية: 1.
  21. عبد الله بن محمد الطيار، عبدالله بن محمد المطلق، محمد بن ابراهيم الموسى (1433 هـ – 2012 م)، الفقه المُيسر (الطبعة الثانية)، الرياض _ المملكة العربية السعودية: دار الوطن للنشر، صفحة 357، جزء 1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى