الشهوة والهوى
تهدف أحكام وتشريعات الإسلام إلى تنظيم حياة الأفراد والمجتمعات بما يوافق طبيعة الإنسان، وينسجم مع جِبلّته التي فطره الله تعالى عليها، ومن هذه التشريعات تشريع الزواج وتنظيم مسائله وأحكامه، حيث إنّ من أهمّ مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النسل والعِرض، والإسلام دين الطهر والعفاف يهدف من الزّواج إلى صيانة المجتمع من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والفاحشة، ويدعو إلى قطع الطرّيق أمام نزوات النفس الأمارة بالسوء، ويضع كثيراً من الضوابط التي تنظّم علاقة الرّجل بالمرأة؛ درءاً للمفاسد ومنعاً للإنفلات، وقرّر عقوبات بحقّ الذين يوقعون أنفسهم في الفاحشة، ورغم كلّ ذلك تزلّ أقدام بعض العصاة في مستنقع الزنا الآسن، وربمّا رجع بعضهم عن غيّه، وربما استمرأ آخرون الباطل؛ فهل شرع الإسلام عقوبة للزاني، وما طبيعتها، وأنواعها؟
موجبات عقوبة الزنا وشروطها
إنّ الشروط التي حدّتتها الشريعة لإقامة الحدّ على الزاني والزانية، تؤكد على أنّ إيقاع العقوبات في الإسلام ليس هدفاً بحدّ ذاته، تتمثّل هذه الشروط في الآتي[١]
- اتّفق الفقهاء على شرط إِدخال الحشفة أَوْ قدرِهَا في فرْج المرأة، وإلا فلا يعدّ وطئاً، ولا يشترط انتشار ذكر الرّجل أو الإنزال لإقامة الحدّ.
- اتَّفق الفقَهاء على أَنْ يَكُونَ من قام بفعل الزّنا مكلّفاً بالغاً عاقلاً؛ فلا حدّ على المجنون وَالصبِي إِذا زنيا، للحديث: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقِظَ، وعن المبتلَى حتَّى يبرأَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يكبُرَ)،[٢] أمّا إنْ كان الواطيء أهلاً لوجوب الحدّ أقيم عليه حتى لو كان محلّ الزنا مجنونة أو قاصرة.
- اتَّفق الْفقهاءُ على شرط عِلمَ الزاني والزانية بتحرِيمِ الزنا، فإن زنيا أحدهما أو كلاهما من غير علمٍ بتحريم الزنا لَم يَجِب عليه الحدّ للشبهة، لأنّ الحكم في الشرعيات لاَ يثبت إلّا بعد علم المكلّف بها، غير أنّ بعض أهل العلم فصّلوا في المسألة وقالوا: لاَ يصحّ أنْ يقبل زعم الْجهل بِالتحرِيمِ إِلاَّ فيمن بدا عليه علامة تثبت زعمه؛ كأَن يكون قد سكن جبلاً وحده، أو عاش بين قومٍ جهّالٍ مثله لاَ يعلمون بحرمته، أو يعتقدون إباحته، أمّا من نشأ في دار الإسلام وعاش بين المسلمين، فإنّه إِذا زنى يقام عليه الحدّ وَلاَ يقبل عذره بالجهل، وَلاَ يَسقط الْحدُ إذا جهل نوع العقوبة؛ فالعبرة بعلمه بالتحريم لا بنوع العقوبة المترتبة على فعله.
- اتّفق الفقهاء على شرط انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ في الفعل، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ادرءوا الحدودَ بالشُّبهاتِ)،[٣] ورغم عدم قبول بعض العلماء العمل بهذا الحديث إلا أنّ الأمة تلقّته بالقبول، واتّفقت على العمل به؛ لما يسنده من وجوه أخرى من النصوص الشرعية؛ فقد قَال النبي -عليه الصلاة والسلام- لماعز عندما جاء يطلب إقامة الحدّ عليه بالزنا: (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ)،[٤] ويرى أهل العلم أنّ قول ذلك من النبي -عليه السلام- ليس إلا إذا قال نعم تُرِكَ، ولمْ يُقَم عليه الحدّ، علماً أَنّ الاستفسارات التي مقصودها درء الحد ومنع إقامته كانت بعد الثبوت والإقرار الصريح، وهذا مقطوع به شرعاً عند العلماء، وإنما حصل تفاوت في الأحكام أحياناً بين الفقهاء بسبب بعض الشبهات من ناحية صلاحيّها لدرء الحدّ أم لا.
- اتفق الفقهاء على شرط الرضا بالفعل للمرأة، واختلفوا في إكراه الرجل، ولذا فلاَ حدّ على المرأة المكرهة على الزّنا باتّفاق، كما جاء في الحديث: (استُكرِهتِ امرأةٌ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فدرأَ عنها الحدَّ، وأقامَهُ على الذي أصابَها)،[٥] ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تجاوَز عنْ أُمَّتي الخطأَ، والنِّسيانَ، وما استُكرِهوا عليه)،[٦] أمّا إكراه الرجل على الزنا، فَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ والمالكية فِي المعتمد عندهم والشافعية فِي أظهر ما روي عنهم أنّه لا حدّ على الرجل المكره على الزنا، واستندوا بعموم الحديث السابق، والحنابلة والمالكية في المشهور عندهم ذهبوا إلى وجوب الحدّ على الرجل المكره على الزنا، غير أنّ أبا حنيفة فرّق في ذلك بَيْنَ إكراه السلطان وإكراه غيره.
عقوبة الزاني
تختلف عقوبة الزاني باختلاف طبيعة حال الفاعل؛ ذكراً كان أو أنثى؛ فإذا كان متزوّجاً اختلف حكم الشرع فيه عن غير المتزوج، وبيان ذلك:[١][٧]
- عقوبة الزاني المحصن: اتفق الفقهاء بالإجماع على أنّ حدّ الزاني المتزوج والزانية المتزوجة أن يُرجما حتى الموت، وقد صحّ أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- رجم قولاً وفعلاً، وَقَدْ أنزله الله تعالى فِي كتابه، غير أنّ آية الرّجم منسوخة رسماً لا حكماً، لِمَا صحّ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قوله: (إنَّ اللهَ قد بعث محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحقِّ، وأنزل عليه الكتابَ، فكان مما أُنزل عليه آيةُ الرَّجمِ، قرأناها ووعيناها وعقَلناها، فرجم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورجمْنا بعده، فأخشى، إن طال بالناس زمانٌ، أن يقول قائلٌ: ما نجد الرجمَ في كتابِ اللهِ، فيضِلوا بتركِ فريضةٍ أنزلها اللهُ، وإنَّ الرجمَ في كتابِ اللهِ حقٌّ على من زنى إذا أحصن، من الرجالِ والنساءِ، إذا قامتِ البيِّنةُ، أو كان الحبَلُ أو الاعترافُ)،[٨] ويرجم الزاني المحصن حتى الموت ولو كان شريفاً أو ذا مكانةٍ في قومه باتفاق.[٩]
- عقوبة زنا غير المتزوج: اتفق الفقهاء على أنّ حدّ الزاني غير المتزوج والزانية غير المتزوجة مئة جلدةٍ للحرّ، وعند الجُمْهُورُ باستثناء الحنفية يُغرّب البِكر الحرّ الذكر عاماً.
المراجع
- ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1404-1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 22-32، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 4398، صحيح.
- ↑ رواه الزرقاني، في مختصر المقاصد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 42، صحيح موقوفا، وحسن لغيره مرفوعا.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6824 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن وائل بن حجر الحضرمي، الصفحة أو الرقم: 2/333، حسن.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7219 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ “عقوبة الزنا”، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1691 ، صحيح.
- ↑ عبد الله بن مبارك آل سيف (21-1-2015)، “حد الزنا”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2018. بتصرّف.