حكم الصلاة بعد الوتر
إذا أراد المسلم أن يُصلّي النّفل بعد صلاة الوتر؛ جاز له ذلك ما شاء، إلا أنه لا يُعيد الوتر، والأَوْلى أن تكون صلاة الوتر هي آخر ما تُصلّى في اللّيل، لكن من غلب عليه ظنّه أنّه سيستيقظ ليلاً للقيام أو للتهجّد، كان تأخير صلاة الوتر له مستحبّاً، ومن خشيَ عدم استيقاظه صلّى صلاة الوتر قبل أن ينام،[١] وجواز الصلاة بعد الوتر هو مذهب أكثر العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وهو المشهور عند الشافعيّة، وقال به الأزواعيّ، والنخعيّ، وعلقمة، وهو ما رُوي عن أبي بكر الصّديق، وسعد، وعمّار، وابن عباس، وعائشة -رضوان الله عليهم أجمعين-،[٢] ومن الأدلة الواردة في ذلك ما يأتي:[٣]
- قالت السيّدة عائشة -رضي الله عنها- إنّ النبيّ: (كان يُصلِّي ثمانَ ركعاتٍ ثمَّ يوتِرُ، ثمَّ يُصلِّي ركعتَيْنِ وهو جالسٌ، ثمَّ يقومُ فيقرَأُ ثمَّ يركَعُ، ويُصلِّي ركعتَيْنِ بينَ النِّداءِ والإقامةِ مِن صلاةِ الصُّبحِ).[٤]
- قالت أمّ سلمة -رضي الله عنها- إن النبيّ: (كانَ يصلِّي بعدَ الوِترِ رَكعتينِ خفيفتينِ، وَهوَ جالِسٌ).[٥]
- قال أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يوتِرُ بتسعٍ حتَّى إذا بدَّن وكثُرَ لحمُه أوترَ بسبعٍ وصلَّى ركعتينِ وهو جالسٌ فقرأ ب {إِذَا زُلْزِلَتِ} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}).[٦]
تعريف بصلاة الوتر
يُنطق لفظ الوتر بفتح الواو وكسرها، ويُراد به العدد الفرديّ؛ كالواحد، والثلاثة، وغيره، فقد جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (إنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ)،[٧][٨] والوتر اصطلاحاً: هي الصّلاة التي تُؤدّى من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وجاءت تسميتُها من أدائها؛ لأنّها تُصلّى وتراً، أي ركعاتٍ تحمل العدد الفرديّ؛ فإمّا واحداً، أو ثلاثاً، أو أكثر،[٩] وحكم صلاة الوِتر سُنةٌ مؤكّدةٌ؛ فقد حضّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عليها، وحثّ على أدائها، وزاد في ترغيبه فيها، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (أوتِروا يا أَهْلَ القُرآنِ، أوتِروا فإنَّ اللَّهَ وترٌ يحبُّ الوترَ)،[١٠] أمّا وقتها فهو ما بين صلاتَي العشاء والفجر، وهذا متّفقٌ عليه بين العلماء؛ لِما ورد عنه -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قام بأدائها في هذه الأوقات، وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ تعالى قدْ أمدكمْ بصلاةٍ هي خيرٌ لكمْ من حمرِ النعمِ، الوترُ جعلَها اللهُ لكمْ فيما بين صلاةِ العشاءِ إلى أنْ يطلعَ الفجرُ)،[١١] فإذا طَلَع الفجر لا وتر لمن لم يُوتِر، لِما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى)،[١٢] وهذا يدلّ على انتهاء وقت الوتر بطلوع الفجر.[١٣]
الذكر والدعاء بعد الوتر
إنّ ممّا يُستحبّ أن يُقال بعد صلاة الوتر: “سُبحان الملك القدوس” ثلاثاً، مع المدّ بالصّوت في الثالثة، لما رواه أبيّ بن كعب -رضي الله عنه- فقال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا سلَّمَ في الوترِ قالَ سبحانَ الملِكِ القدُّوسِ)،[١٤] وما رواه عبد الرحمن بن أبزى -رضي الله عنه- قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ يوترُ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وإذا سلَّمَ قالَ: سُبحانَ الملِكِ القدُّوسِ ثلاثَ مرَّاتٍ يمدُّ صوتَهُ في الثَّالثةِ ثمَّ يرفعُ)،[١٥][١٦] أمّا فيما يختصّ بدعائه -صلّى الله عليه وسلّم- بعد صلاة الوتر فقد رَوى عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ يقولُ في وترِهِ: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ برضاكَ من سخطِكَ، وأعوذُ بمعافاتِكَ من عقوبتِكَ، وأعوذُ بِكَ منْكَ لا أحصي ثناءً عليْكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِكَ).[١٧][١٨]
المراجع
- ↑ “هل تجوز صلاة التهجد بعد صلاة الوتر؟”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 9/10/2020. بتصرّف.
- ↑ كمال ابن السيد سالم (2003م)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكتبة التوفيقية، صفحة 386، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي (1408هـ)، مختصر قيام الليل وقيام رمضان وصلاة الوتر (الطبعة الأولى)، باكستلن: حديث أكادمي، صفحة 311. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حِبّان، في صحيح ابن حِبّان، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2634، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أمّ سلمة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 989، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في أصل صفة الصلاة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2/544، حسن.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 453، حسن.
- ↑ كمال ابن السيد سالم (2003م)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكتبة التوفيقية، صفحة 381، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عَبد الله الطيّار، عبد الله المطلق، محمَّد الموسَى (1433هـ)، الفقه الميَسَّر (الطبعة الثانية)، الرياض: دار مدار الوَطن، صفحة 350، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عاصم بن ضمرة، الصفحة أو الرقم: 2/310، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن خارجة بن حذافة العدوي، الصفحة أو الرقم: 1751، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 749، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1424هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنّة، الرياض: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 64، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن أبيّ بن كعب، الصفحة أو الرقم: 1430، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالرحمن بن أبزى، الصفحة أو الرقم: 1752، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 302، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 3566، صحيح.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1019، جزء 2. بتصرّف.