محتويات
لماذا كان النبي كثير التبسم
هناك العديد من الأسباب التي جعلت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كثير التّبسّم، ومنها ما يأتي:[١]
- التّبسّم وسيلةٌ لِإظهار الترحيب بالناس والأنس بلقائهم، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (ما حَجَبَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُنْذُ أسْلَمْتُ، ولَا رَآنِي إلَّا ضَحِكَ).[٢]
- التّبسّم وسيلةٌ لِإظهار التفاؤل والبشارة بالخير، فعن أم حرام بنت ملحان -رضي الله عنها- قالت: (نَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ، فَقُلتُ: ما أَضْحَكَكَ؟ قالَ: أُنَاسٌ مِن أُمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هذا البَحْرَ الأخْضَرَ كَالْمُلُوكِ علَى الأسِرَّةِ قالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي منهمْ فَدَعَا لَهَا).[٣]
- التّبسّم وسيلةٌ لِبثّ البهجة والسرور على وجوه الناس وقلوبهم، ونيل مودّتهم وحبّهم، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّكَم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالِكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسطُ الوجهِ وحسنُ الخُلُقِ).[٤]
- التّبسّم وسيلةٌ لِتخفيف هموم وأحزان الناس، والترفيه عن نفوسهم وتسليتها، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً).[٥]
- التّبسّم وسيلةٌ لِبثّ الطمأنينة والهدوء في النفوس، وتنقية القلوب من الغلّ والحسد والحقد، ومن كل ما يُعكِّر صفوها.
- التّبسّم أحد أبواب الخير والصدقة، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ لك).[٦]
- التّبسّم إحدى صور مكارم الأخلاق، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ).[٧]
- التّبسّم وسيلةٌ لِلإفصاح عن الغضب، ومن ذلك غضبه -صلّى الله عليه وسلّم- من تخلّف كعب بن مالك -رضي الله عنه- في غزوة تبوك، لِما أخرجه البخاري عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عليه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ).[٨]
- التّبسّم وسيلةٌ لِإظهار الحب والفرح، ومن ذلك حبّه -صلّى الله عليه وسلّم- لِصحابته -رضوان الله عنهم-، وفرحه بهم باتّباعهم منهجه وشريعته، والتزامهم بها عندما كان مريضاً بإقامتهم لِلصلاة، واجتماعهم على إمامة أبي بكر -رضي الله عنه-، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إليهِم وهُمْ في صُفُوفِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ).[٩][١٠]
المواقف التي تبسّم فيها النبي
التّبسّم من الحاجات الفطريّة التي خُلِق وجُبِل عليها الإنسان عند سماعه للأمور السّارّة والمُبهِجة، لِذا فهو أمرٌ لا يَفتقده أحدٌ حتى وإن كان قدوةً للناس وأسوة لهم؛ كالأنبياء والرسل،[١١] وهناك العديد من المواقف التي تبسّم فيها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومنها ما يأتي:[١٢]
- أصاب زيد بن الأرقم -رضي الله عنه- الهمّ والحزن، وبينما كان يسير مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في سفرٍ طأطأ رأسه حزناً، فجاءه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وفرك أذنه وضحك في وجهه تخفيفاً عنه، قال زيد -رضي الله عنه-: (إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فعَرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي).[١٣]
- جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يُخبره بأنّه رأى في منامه كأنّ رأسه قد قُطِعَت، فضحك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال: (إذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بأَحَدِكُمْ في مَنَامِهِ، فلا يُحَدِّثْ به النَّاسَ).[١٤]
- جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تُخبره بأنّها تزوّجت عبد الرحمن بن الزبير بعدما تطلّقَت من رفاعة، فتبسّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال: (أتُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إلى رِفَاعَةَ؟ لَا، حتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ).[١٥]
- جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يُخبره بهلاكه لِأنّه جامع زوجته وهو صائم، فسأله رسول الله عن استطاعته ومقدرته على عتق رقبة، فإن لم يستطع فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيُطعم ستين مسكيناً، إلّا أنّ الرجل أجاب رسول الله بعدم مقدرته واستطاعته بالقيام بأيّ شيء من ذلك، فجاء النبيّ بتمرٍ وأعطاه للرجل حتى يتصدّق به، فما كان من الرجل إلّا أن أخبر رسول الله بأنّه فقيرٌ، ولا يوجد في المدينة من هو أفقر من أهل بيته، فضحك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال: (أطْعِمْهُ أهْلَكَ).[١٦]
- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُسابق زوجته عائشة -رضي الله عنها-، فسابقها في المرة الأولى وسبقته، وبعد مدّةٍ طلب أن يُسابقها مرة أخرى، فتسابقا، وسبقها رسول الله، فضحك -صلى الله عليه وسلم- وقال لها: (هذه بتلكِ السَّبقةِ)،[١٧] أي أنّه سبقها -صلى الله عليه وسلم- كما سبَقَتْه في المرّة الأولى.
- كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يمشي مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يرتدي ثوباً نجرانياً، وإذا بأعرابيّ يشدّ ويجذب رسول الله بقوّةٍ من ردائه، ويطلب منه المال، فقال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ).[١٨][١]
- جاء صهيب -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يأكل التمر والخبز، فطلب منه النبيّ أن يقترب لِيأكل، وبينما كان صهيب يأكل قال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تأكُلُ تمرًا وبِكَ رمَدٌ؟ قالَ، فقُلتُ: إنِّي أمضُغُ من ناحيةٍ أُخرى، فتبسَّمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ)،[١٩][١][١٢] والمقصود بالرمد؛ المرض الذي يصيب العين، وكأن مضغ التمر لا يناسب من به رَمَد؛ لأنه يحتاج لمشقّة المضغ، لِذا قال صهيب للنبي إنه يأكل على الناحية الأخرى من العين، فضحك الرسول.[٢٠]
- خطب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في يوم جمعة، وكان الناس يُعانون من شحّ الأمطار الذي أدّى إلى جفاف الأوراق، وهلاك البهائم، فطلبوا منه أن يدعو الله -تعالى- بنزول المطر، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مرّتين: (اللَّهُمَّ اسْقِنَا)،[٢١] فنزل المطر، واستمر إلى الجمعة التالية، فطلبوا منه أن يدعو الله -تعالى- بحبسه عنهم بعد أن قطع السبل بهم، وهدم بيوتهم، فتبسّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا).[٢١][١٢][١]
صفة تبسم النبي وضحكه
التّبسّم هو أول الضحك الذي لا يُرافقه صوت،[٢٢] وقد وُصِف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه كثير التّبسّم والبِشْر،[٢٣] فقد ثبت عن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- أنّه قال: (ما رأيتُ أحدًا أَكثرَ تبسُّمًا من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم)،[٢٤][٢٥] وهذه صفة الأنبياء والرسل، فقد أشار الله -تعالى- إلى ذلك عندما بيّن ما كان من نبيّه سليمان -عليه السلام- لمّا سمع بلاغة وفصاحة النملة في التعبير والنّصح، فقال -تعالى- عن سليمان -عليه السلام-: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ)،[٢٦][٢٧] ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ جلّ ضحك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان تبسّماً، وهناك العديد من الأحاديث الدّالة على ذلك، منها ما جاء عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضَاحِكًا حتَّى أرَى منه لَهَوَاتِهِ، إنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ)،[٢٨] وقد قال عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه-: (ما كانَ ضحِكُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إلَّا تبسُّمًا).[٢٩][٢٥]
ورغم كون ضحك النبيّ لم يكن إلّا تبسّما، إلّا أنّه قد يزيد عليه أحيانا فيضحك حتى تُبان نواجذه أو أنيابه -عليه الصلاة والسلام-، وقد دلّ على ذلك ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ)،[٣٠] وفي رواية مسلم عن أبي هريرة قال: (حتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ)،[٣١] وتجدر الإشارة إلى توضيح أمور: أوّلها أنّه لم يكن ضحك رسول الله حين تُبان نواجذه أو أنيابه ضحكاً يُنافي الوقار، بل كان معتدلاً، مُنخفِض الصوت بلا قهقهة، وثانيها أنّه لم يكن ضحك رسول الله إلّا في أمرٍ يُضحَك منه؛ كأن يكون ممّا يُتعجَّب أو يُستَغرَب منه، أو يَندُر حدوثه ووقوعه، فقد جاء عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان طويلَ الصمتِ، قليلَ الضَّحِكِ).[٣٢][٢٥]
المراجع
- ^ أ ب ت ث سلمان المالكي، “الخلق الذي لا يفارق النبي..!”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3822، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم حرام بنت ملحان، الصفحة أو الرقم: 2799، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 10/474، حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 176، حسن.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 529، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2626، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4418، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4448، صحيح.
- ↑ أحمد زواوي، شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الاسكندرية: دار القمة، صفحة 366، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سلمان العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 12، جزء 200. بتصرّف.
- ^ أ ب ت “ابتسامات في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم -“، www.islamweb.net، 28-3-2007، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم: 3313، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2268، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2639، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1936، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5/327، إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6088، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم: 2793، حسن.
- ↑ “ضحكه صلى الله عليه وسلم”، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-11-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1021، صحيح.
- ↑ محمد المديني (1406ه – 1986م)، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (الطبعة الأولى)، جدّة: دار المدني، صفحة 160، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين (1421ه)، شرح العقيدة الواسطية (الطبعة السادسة)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 26، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 3641، صحيح.
- ^ أ ب ت “ضحك النبي صلى الله عليه وسلم “، ar.islamway.net، 8-5-2019، اطّلع عليه بتاريخ 17-10-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية: 19.
- ↑ أحمد زواوي، شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الاسكندرية: دار القمة، صفحة 349، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4828، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 3642، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6709، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1111، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 4822، حسن.