محتويات
مراحل الدعوة المكية
مرّت دعوة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الناس في مكّة للإسلام بمراحل عديدةٍ؛ حيث بدأت الدعوة إلى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك سريّةً في أول ثلاثة أعوامٍ، فكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو أهل بيته والمقربين إليه، والموثوقين، والمأمونين من الناس؛ ولأنّ الدعوة كانت سريّةً ومحدودةً، لم يدخل -عليه الصّلاة والسّلام- وأتباعه في صراعٍ مع المشركين في مكّة، ثمّ انتقلت الدعوة إلى مرحلةٍ جديدةٍ بعد نزول قوله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)،[١] فبدأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالجهر بالدعوة، في مكّة، وكان أوّل من خصّهم بالدعوة إلى توحيد الله تعالى؛ المقربون من بني هاشم، وبني عبد المطلب، وبعد نزول قول الله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)،[٢] صدع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالدعوة إلى كافّة المشركين في مكّة، فبدأ الصراع بين الحقّ والباطل من هذه المرحلة، فقد أعلن محمدٌ -صلّى الله عليه وسلّم- صراحةً بأنّ عبادة الأصنام شركٌ وضلال، ودعا المشركين إلى ترك عبادة آلهتهم الباطلة، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عاداتهم القبيحة، والتحلي بمكارم الأخلاق والفضائل، إلّا أنّهم رفضوا دعوته وأعلنوا إصرارهم على الشرك، وحربهم للإسلام وأهله، فقاموا بتعذيب المسلمين، واضطهادهم، والتنكيل بهم، بل وقتلهم في بعض الأحيان، ووصفوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالجنون تارةً، وبالسحر تارةً أخرى، كما قال تعالى: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)،[٣] وقوله تعالى: (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)،[٤] وكان الهدف من كلّ ذلك الصدّ عن سبيل الله وعن توحيده سبحانه وتعالى، على الرغم من أنّ هذه المرحلة لم تشهد أيّ عملٍ قتاليٍّ من قبل المسلمين؛ إذ إنّ هذه المرحلة كانت محصورةً على الدعوة باللسان من غير قتال، واستمرت هذه المرحلة عشر سنواتٍ، وانتهت بالهجرة إلى المدينة المنوّرة.[٥]
عام الحزن
كان العام العاشر للبعثة من أصعب الفترات التي مر بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خلال دعوته في مكّة، ومن الجدير بالذكر أنّ أهل السّير أطلقوا على هذا العام اسم عام الحزن؛ لأنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حزن فيه حزناً شديداً على وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، وعمّه أبو طالب، وفيما يأتي بيان أسباب تسمية عام الحزن بهذا الاسم.[٦]
وفاة أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها
على الرغم من أنّ الفترة التي سبقت عام الحزن كانت من أكثر المراحل صعوبةً خلال دعوة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في مكّة، فقد مرّ خلالها بالحصار والمقاطعة في شِعب أبي طالب، والمحاولات المتكرّرة لصدّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- عن دعوته، إلا أنّ وفاة أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- ترك أثراً كبيراً، وحزناً عميقاً في نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحبّ زوجته خديجة أشدّ الحبّ؛ فقد عاشت معه خمسةً وعشرين عاماً كاملة، وهي أطول فترةٍ قضاتها زوجةٌ من زوجات النبيّ معه، ولطالما كانت محبّةً ووفيّةً له، فقد كانت من أوائل الناس إيماناً بدعوته إلى الله تعالى، وكانت تمثّل له السند العاطفيّ والقلبيّ في كلّ محنةٍ كان يمر بها، كما في حديث عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا ذَكرَ خديجةَ أثنى فأحسَنَ الثَّناءَ، فغِرتُ يومًا فقلتُ: ما أكثرَ ما تذكرُها حمراءَ الشِّدقينِ قد أبدلَكَ اللَّهُ خيرًا منها، قالَ: ما أبدلني اللَّهُ خيرًا مِنها؛ قد آمنَتْ بي إذ كَفرَ بيَ النَّاسُ وصدَّقتني إذ كذَّبني النَّاسُ وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَنِيَ النَّاسُ ورزقنيَ اللَّهُ أولادَها إذ حرمني أولادَ النَّساءِ)،[٧] ولم يكن دور أمّ المؤمنين خديجة يقتصر على كونها الزوجة الحبيبة، والامّ الحنون، وإنّما كانت بمثابة المستشار الأول، والوزير المخلص، بالنسبة للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فقد كانت -رضي الله عنها- صاحبة عقلٍ ورأي، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (حسبُكَ مِن نساءِ العالَمينَ مَريمُ بِنتُ عِمرانَ، وخَديجةُ بِنتُ خوَيْلدٍ، وفاطمةُ بِنتُ محمَّدٍ، وآسيةُ امرأةُ فِرعَونَ)،[٨] ولذلك كانت مصيبة موتها من أكبر المصائب التي ابتلي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.[٩]
وفاة أبي طالب عمّ النبيّ
كان موت عمّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مصيبةً أخرى ابتلي بها خلال فترةٍ قصيرةٍ من المصيبة الأول المتمثّلة في وفاة أمّ الؤمنين خديجة رضي الله عنها، فقد كان أبو طالب رغم شركه سنداً وعوناً للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وكان يدفع عنه اعتداءات كفار قريش، فكان إيذائهم للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- خلال حياة عمّه قليلاً بالمقارنة لما فعلوه بعد وفاته، فبعد وفاة أبي طالب فقد كفار قريش آخر ذرّةٍ من نخوتهم، فقاموا بإيذاء النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أشدّ الإيذاء، ممّا زاده حزناً إلى حزنه، ففي تلك الفترة اعتدى كفار قريش عليه بطريقةٍ لم يكونوا يجرؤون على فعلها في حياة أبي طالب، فقد روي أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دخل إلى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته لتغسل التراب عن رأسه الشريف وهي تبكي، فقال: (أي بنيَّةَ لا تبْكينَ فإنَّ اللَّهَ مانعٌ أباك)، ويقولُ ما بينَ ذلِكَ: (ما نالت منِّي قريشٌ شيئًا أَكرَهُهُ حتَّى ماتَ أبو طالبٍ)،[١٠] بالإضافة إلى أنّ أمر إيذاء النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- انتشر في مكّة فلم يعد حكراً على الملأ من كفار قريش وسادتهم، بل أصبح عوام الناس يحاولون أذيته، بعد وفاة عمّه أبي طالب؛ ولذلك كان موته سبباً في تسمية عام الحزن بهذا الاسم.[١١]
المراجع
- ↑ سورة الشعراء، آية: 214.
- ↑ سورة الحجر، آية: 94.
- ↑ سورة الحجر، آية: 6.
- ↑ سورة ص، آية: 4.
- ↑ “دعوة النبي وتبليغ الرسالة والصراع مع المشركين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-9-2018. بتصرّف.
- ↑ “عام الحزن”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الشوكاني، في در السحابة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 249، إسناده حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3878 ، صحيح.
- ↑ “عام الحزن – وفاة السيدة خديجة”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الذهبي، في تاريخ الإسلام، عن عبد الله بن جعفر، الصفحة أو الرقم: 1/235، غريب مرسل.
- ↑ “عام الحزن.. أشد مراحل الإيذاء “، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-9-2018. بتصرّف.