سأروي لكم قصة قوم عاد وسيدنا هود بالإستناد إلى الآيات القرآنية، وسوف تستشعرون معاني هذه الآيات حين أسردها وأوضح معانيها لكم. سأبدأ بذكر الآيات التي تحدثت عن قوم عاد، وهي في ثلاث مواضع رئيسية: سورة الأعراف في الآيات (59-72)، وسورة الشعراء في الآيات (116-136)، وسورة هود في الآيات (46-60).
أين وكيف عاش قوم عاد
سكن قوم عاد الأحقاف، قال تعالى: “وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)”، سورة الأحقاف، الآية 21، والأحقاف جمع حقف وهي ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولا يبلغ أن يكون جبلا، هكذا فسرها الماوردي في كتابه تفسير النكت والعيون. ويجمع معظم المفسرين على أن موقع الأحقاف بين اليمن وعُمان، أي في الجزء الجنوبي من الربع الخالي، وقد استطاع العلماء حديثا بعد الإستعانة بموقع جوجل إيرث أن يحددوا موقع الأحقاف في الجزيرة العربية، وهي تمتد من صنعاء في اليمن حيث تبلغ أقصى ارتفاع لها حتى الإمارات عند واحة ليوا، حيث يقل ارتفاعها تدريجيا من ألف ومئة متر فوق سطح البحر إلى مئة متر فقط عند واحة ليوا. وقد بنى قوم عاد في هذه الأحقاف مدينة (إرم)، قال الله تعالى: ” ألم ترَ كيف فعلَ ربُّكَ بعاد ( 6 ) إِرَمَ ذاتِ العِماد ( 7 ) التي لم يُخلَق مِثلُها في البلاد ( 8 )”، سورة الفجر، الآيات (6-8)، وقد اختلف علماء التفسير؛ هل إرم هو اسم المدينة فقط أم أن إرم معناه المدينة التي بنيت من الصخور وتكثر فيها الأعمدة، واتجه أكثر المفسرون للتفسير الثاني، أي أن إرم هي المدينة الصخرية ذات الأعمدة، ويتفق ذلك مع الآيات الكريمة: “أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)”، سورة الشعراء، الآيات (128-129)، أي تبنون في كل مكان مرتفع بناء، والبناء كان في الزمن القديم من الصخور. وقد وصف الله مدينة إرم بأنه لم يوجِد مدينة أخرى مثلها وأنها ذات أعمدة، وأنها كانت ذات مزراع كجنان وجدت على الأرض، وعيون ماء لتزدهر هذه الأراضي، وحيوانات من مختلف الأنواع (غنم وماعز وحمير وبقر وإبل وبقر) وقد رزقهم الله بالأولاد، فتكاثروا وأصبحوا ذوي عدد مما أمدهم بالقوة العددية، ورزقهم بقوة جسدية وعقلية شديدة، قال تعالى: “وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً” سورة الأعراف، الآية (69) أي فضلهم الله وزادهم على باقي الخلق بالقوة الجسدية والعقلية وقد ظهر ذلك من بناء مدينتهم التي تم اكتشافها حديثا.
من هم قوم عاد ومن هو هود
تقول الآيات أن قوم عاد هم القوم الذين بعث إليهم الله نبيه هود عليه السلام (وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، كما ذكر في صحيح ابن حبان)، وهود هو أحد أفراد قوم، وهم في الترتيب القرآني قوم أتوا بعد قوم نوح كما تقول الآيات الكريمة في سورة الأعراف وسورة الشعراء وسورة هود، وقد ذكر ذلك صراحة في الآية الكريمة: ” أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)” سورة الأعراف، فهم قوم استخلفهم الله في الأرض بعد قوم نوح ليعبدوه ويصلحوا الأرض.
قصة عاد وهود
دعا هود عليه السلام قومه إلى طريق الله عز وجل؛ إلى الإيمان بالله وعبادته، فقد كانوا يعبدون الأصنام ويتذللون لها، وقد قيل أنهم أولى الأقوام التي عادت لعبادة الأصنام بعد الطوفان الذي أصاب قوم نوح. وبالرغم من تكذيب قوم عاد لنبي الله هود، استمر في دعوته لهم بالترغيب والترهيب، فكان ردهم رفض وعظه وإرشاده، وأنهم لن يتركوا آلهتهم وأصنامهم، واتهموه بالسفاهة والكذب وأنه لم يأتِ لهم بدليل على على دعوته ونبوته وأن ما يفعلوه هو كفر وأن الله واحد ليس له شريك في الخلق ولا في الكون، وقالوا أنه قد أوذي من قبل آلهتهم لأنه يدعو لعبادة غيرها، وطلبوا منه أن يأتي بدليل صدقه على ما يقول (تم ذكر ذلك في المواضع الآتية: سورة الشعراء الآية (136)، سورة الأعراف، الآيات (66، 70)، سورة هود الآيات (53-54)). أتت جميع ردود قوم عاد بالرفض الباتّ والقاطع لعبادة الله عز وجل وتكذيب هود عليه السلام، وطغوا في الأرض وبطشوا وتجبروا وكفروا بآيات الله كلها وجحدوا وأنكروا رزقه وتباهوا بقوتهم وببنيانهم، فكانت الصفات التي لأجلها أهلك الله قوم عاد (الكبر والعند والتكبر والتجبر والبطش وإنكار ونسيان نعم الله والتمسك بالعادات والتقاليد المخالفة لشرع الله -أي عبادة الأصنام- دون تفكير) قال الله تعالى: “فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوة أولم يروا أن اللهَ الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة وكانوا بآياتنا يجحدون”، سورة فصلت، الآية (15)، وقد ركزت معظم الآيات على الخطيئة الكبرى لقوم عاد، ألا وهي الكبر والتكبر والاستكبار (خطيئة إبليس التي خرج بسببها من الجنة).
وبعد محاولات كثيرة لهود عليه السلام، ودعوة مستمرة دامت لسنوات، وبعد اشتداد طغيان قومه، قال لهم هود عليه السلام أن الله قد أوقع بهم غضبه لجدالهم عن آلهة قد نحتوها بأيديهم وهم من لقبها بالألقاب، وحذرهم بأن عقاب الله قادم لا محالة وأنه سيتنظر ذلك اليوم الذي سيحل فيهم العقاب الإلهي ليعرفوا مدى صدق كلامه ودعوته، وتبرأ من شرك قومه، ودعا ربه أن ينصره بدعوته على هذا الشرك (ذكر ذلك في الآية 71 من سورة الأعراف، والآيات 54-55 من سورة هود، والآية 39 من سورة المؤمنون.
قصة هلاك قوم عاد
استجاب الله عز وجل لدعاء نبيه هود، وأوحى له أن سينزل العقاب بهم وسيجعلهم كزبد البحر متناثرين لا وجود حقيقي لهم (ذكر ذلك في سورة المؤمنون في الآيتين (40-41)) وتوعدهم بعذاب شديد في الدنيا وفي الآخرة ليذيقهم الخزي بعد التجبر والكبر، فأمسك الله عنهم المطر وجعل أرضهم في قحط وجفاف، فجلسوا يطلبون من آلهتهم المطر، فأرسل الله لهم عذابه الشديد، فاعتقدوا في البداية أن السحاب والريح القادمين إلى مملتكهم هي استجابة أصنامهم لدعائهم، لكنها كانت المفاجأة؛ عذاب الله قد سقط فوق رؤوسهم، عذاب الله الذي طلبوه من هود عليه السلام واستعجلوه به ليكون دليلا على صدق قوله ودعوته. جاءتهم الريح القوية الشديدة العاصفة والباردة التي لا تحمل أي خير في ثناياها (وقد استخدم الله في القرآن كلمة الريح للدمار والرياح للخير) لتستمر طوال سبع ليال وثمانية أيام على التوالي (أيام الحسوم لأنها حسمت أمر قوم بكاملهم وجعلتهم غثاء)، فدمرت الريح كل شيء في المدينة وجعلته رميما، ولم يبق إلا بيوتهم ومساكنهم ذات الأعمدة لتكون شاهدة على وجودهم بعد موتهم. كانت الريح ترفع أفراد القوم العمالقة الأشداء في السماء ثم ترميهم على الأرض كأصول النخل (فقط الساق دون الأوراق أو فروع، كناية عن قطع رؤوسهم) الخاوية والمنقعرة (أي ساق النخيل التي تم نزعها من الأرض فتترك في الساق حفرة لها قعر، كناية عن قطع رؤوسهم وإخراج أحشائهم)، ثم تقع على الأرض جوفاء بالية، فحسرتهم فلم تبق منهم أحدا. وكم هو وصف دقيق لهذا العذاب الشديد، تخيلوا معي؛ ريح قوية وشديدة ترفع أجسادا بشرية عملاقة وقوية في السماء، تتباعد أيديهم وأرجلهم عن بعضها لطيرانهم في الهواء وفي محاولة بائسة منهم للنجاة مما هم فيه، فترفعهم، ثم ترطمهم بالأرض مراراً، وتدخل من أفواههم إلى أجوافهم فتنزع أحشاءهم وأعضاء بقوتها وبردها لمدة سبع ليال وثمانية أيام، حتى أصبحوا جثثا محطمة وخاوية وفارغة؛ بغير أدمغة ولا أمعاء ولا دماء ولا رؤوس ولا أيدٍ لكثرة ارتطامهم بالأرض وقوة الريح وبرودتها. (تم ذكر آيات هلاك قوم عاد في المواضع الآتية: سورة الحاقة (6-8)، وسورة الذاريات (41-42)، وسورة القمر (19-21)، وسورة فصلت (16)، وسورة الأعراف (72)، وسورة هود (58)، وسورة الأحقاف (24-25)).
وقد نجى الله هوداً عليه السلام ومن آمن به وبالله من القوم برحمته وقوته من العذاب الشديد الذي لا يقدر عليه أحد مهما بلغت قوته وشدته وجبروته، فجبروت الله أقوى، فهو الجبار القهار (وقد تم ذكر ذلك في سورة الأعراف (72) وسورة هود (58).