محتويات
الإيمان
يُعرّف الإيمان لغةً بالتصديق، أما شرعاً: فهو القول باللسان، والاعتقاد بالقلب، والعمل بما لا يناقض ذلك،[١] ويمكن القول أن أصل الإيمان محله القلب، والإيمان بالقلب شرطٌ لصحة الإيمان، ولا يصح الإيمان بغيره، كما دل على ذلك قول الله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)،[٢] وقوله عز وجل: (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ)،[٣] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخُل الإيمانُ قلبه)،[٤] ويعتقد البعض أنّ إيمان القلب ينحصر في المعرفة والعلم والتصديق فقط، ولكن في الحقيقة ينبغي تحقيق الانقياد، والإخلاص، والاستسلام، وسائر أعمال القلب.[٥]
وقد بيّن أهل العلم أنّ الإيمان أصله في القلب، وصحته تستوجب أمرين؛ وهما قول القلب؛ كالتوحيد، والتصديق، والمعرفة، والعلم، وعمل القلب؛ كالتوكل والانقياد، والاستسلام، والخضوع، ولا يصح الإيمان بمجرد التصديق والمعرفة، والدليل على ذلك أنّ إبليس عرف وصدّق أنّ الله -تعالى- هو خالقه، واعترف بذلك حيث قال: (خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ)،[٦] ولكنه لم يحقق الخضوع، حيث رفض أمر الله -تعالى- له بالسجود لآدم عليه السلام، فلم تنفعه معرفته ولا تصديقه.[٥]
تقوية الإيمان في القلوب
إنّ الشهوات، والشبهات، والفتن، والضلالات تؤثر على إيمان العبد وتُضعفه، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ الإيمان ليَخْلَقُ في جوف أحدكُم كما يخلقُ الثّوبُ، فاسألُوا الله تعالى أن يُجدّد الإيمان في قُلوبكم)،[٧] وهناك العديد من الوسائل التي تقوي الإيمان في القلوب، كطلب العلم، وتلاوة القرآن وتدبره،[٨] ومنها ما يأتي.
طلب العلم
إنّ طلب العلم من أهم الوسائل التي تقوّي الإيمان في القلوب، فقد قرن الله -تعالى- بين العلم والإيمان في القرآن الكريم، حيث قال: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)،[٩] وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)،[١٠] وفي الآية الكريمة بيانٌ لفضل العلم وارتباطه بالإيمان، حيث إنّ الله -تعالى- رفع مكانة أهل العلم ودرجاتهم، كما أنّ العلم الراسخ يقود إلى المعرفة الصّحيحة، واستكشاف دلائل الإيمان الكونية، ممّا يؤدي إلى الإيمان الجازم بأنّ للكون إلهاً واحداً مسيطراً، مدبراً، متصرفاً.[١١][١٢]
ومن الجدير بالذكر أنّ العلم والإيمان سببٌ لنيل العزّة في الدنيا والشرف في الآخرة، فقد أكرم الله -تعالى- آدم -عليه السلام- بأن علمه الأسماء كلها، وميّزه بذلك عن الملائكة عليهم السلام، وكان علم يوسف -عليه السلام- بتفسير الرؤى سبب لعزته وعظمته وتمكينه في الأرض، وكان علم الخضر سببٌ لاتباع نبي الله موسى -عليه السلام- له وطلب التعلم منه، كما في قول الله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).[١٢]
الدعاء
ينبغي للمسلم أن يستعين بالدعاء لتقوية إيمانه، فعلى الرغم من قوة إيمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أنّه كان يُكثر من الدعاء بالثبات وزيادة الإيمان، مصداقاً لما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه كان يُكثر من هذا الدعاء قائلاً: (يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، ولما سُئل -عليه الصلاة والسلام- عن سبب الإكثار من هذا الدعاء، قال: (إنَّ قلب الآدميِّ بين إصبعينِ من أصابِعِ الله عزَّ وجلَّ، فإذا شاء أزاغه، وإذا شاء أقامه)،[١٣] وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله -تعالى- الهداية، وإيماناً لا يرتد، حيث إن الإيمان الذي لا يرتد لا تضعفه الشهوات ولا الشبهات، وكان يدعوا الله الزيادة في العلم؛ لأنّ زيادته تؤدي إلى قوة الإيمان غالباً.[١٤]
قراءة القرآن الكريم
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم ليكون معجزةً خالدةً، وخاتم الكتب السّماوية، حيث تحدى به العرب أهل البلاغة والفصاحة، مصداقاً لقوله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)،[١٥] وتجدر الإشارة إلى أنّ للقرآن الكريم أثرٌ عظيمٌ على قلوب سامعيه، فقد اخترق قلوب كبراء قريش وسادتها على الرغم من قسوتها وضلالها، وخير شاهد على ذلك القصة المشهورة عن عتبة بن ربيعة الذي تم اختياره من قبل قريش لمحاورة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاجتمع به رسول الله، وبعد أن فرغ من كلامه قرأ عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- آيات من سورة فصّلت.[١٦]
ثمّ عاد عتبة إلى أصحابه، فلما رأوه قالوا: (نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به)، وبعد أن جلس في مجلسهم قالوا: (وما وراءك يا أبا الوليد؟)، قال: ورائي أني قد سمعت كلاماً ما سمعت مثله أبداً، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة، بل حتى إن أثر القرآن الكريم بلغ مردة الجن الذين كانوا يسترقون السمع، فقالوا: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)،[١٧][١٦] وللقرآن الكريم أثر كبير في زيادة الإيمان في القلوب، فتلاوته وتدبر آياته غذاء الروح، وشفاء النفوس.[٨]
الصحبة الصالحة
حثّ الإسلام على اختيار الصّحبة الصّالحة، والبعد عن أصدقاء السوء الذين يجاهرون بالمعاصي، ويزهدون بالطاعات، فمن صفات الصديق الصالح الوفاء، والأمانة، والبذل، والإخاء، والتذكير بالخير والإعانة عليه، وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمّته أثر الصّحبة الصّالحة وصحبة السوء على المسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (مثلُ الجلِيس الصَّالح والجلِيس السَّوء، كمثل صاحِب المِسكِ وكِيرِ الحَدَّادِ، لا يعْدمُكَ من صاحب المسك إمَّا تشترِيهِ، أو تجِد رِيحهُ، وكيرُ الحدَّاد يحرِق بدنك، أو ثوبك، أو تجِد منه رِيحاً خَبِيثَةً).[١٨][١٩]
المراجع
- ↑ “تعريف و معنى الإيمان في قاموس المعجم الوسيط”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 14.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 22.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب وأبي برزة الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 7984، صحيح.
- ^ أ ب ” الإيمان عند أهل السنة والجماعة”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 12.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1590، صحيح.
- ^ أ ب ” وسائل تقوية الإيمان”، www.nabulsi.com، 2002-07-05، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2109. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 56.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 11.
- ↑ سورة الكهف، آية: 66.
- ^ أ ب “اقتران العلم والإيمان في القرآن حِكَمٌ وأسرار”، www.ar.islamway.net، 9-10-2013، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 24604، صحيح لغيره.
- ↑ “أدعية لتقوية الإيمان ، وتجنب الوسوسة “، www.islamqa.info، 06-12-2014، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 88.
- ^ أ ب الشيخ إبراهيم المشهداني (31-3-2015)، “أثر القرآن على النفوس”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الجن، آية: 1-2.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2101، صحيح.
- ↑ د. بدر عبد الحميد هميسه، “أهمية الصحبة الصالحة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-2-2019. بتصرّف.