حكم و مواعظ دينية

كيف تجد حلاوة الإيمان

كيفية الوصول إلى حلاوة الإيمان

محبّة الله ورسوله

حال تفوّق حبّ الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- على كل ما غيرهما، ويشمل ذلك النفس والولد والوالدين يصل المؤمن إلى حلاوة الإيمان، وتتحقّق محبّة الله -تعالى- بالالتزام بكلّ ما أمر به، واجتناب كل ما نهى عنه، ومنها أن يحبّ العبد كل ما يحبّه الله -تعالى- ويبغض ما يبغضه، وفي لفظ الحديث الشريف -المذكور سابقاً عن حلاوة الإيمان- دلالة على إضافة المحبّة لله -تعالى-، سواء كان مُحبّاً أم محبوباً، كما قال القرطبي -رحمه الله-، ومن ذلك قوله -تعالى-: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)،[١] والمقصود من التثنية في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: “مما سواهما” هو جمع المحبتين؛ أي محبّة الله -تعالى- ومحبّة رسوله -عليه السلام-، حيث لو كانت إحداهما دون الأخرى، لم تنفع صاحبها.[٢]

كما وتتحقق محبّة العبد لله -تعالى- عن طريق قراءة أسمائه وصفاته ومدارستها، والتفكّر في نعمه وفضله على عباده ورحمته بهم، وقراءة كلامه وتدبّره، والقيام بالنوافل التي أمر بها، والإكثار من ذكره في السر والعلن، وقيام الليل، ومحبّة ما يحبّه والابتعاد عمّا لا يحبه، أما محبّة رسوله -عليه السلام- فتكون بقراءة سيرته، ومعرفة صفاته وأخلاقه، والاقتداء به، والعمل بما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وحب من يحبّهم الله -تعالى- ورسوله -عليه السلام- من عباد الله الصالحين، حبّاً بعيداً عن كل مصلحة، والتعرّف على مظاهر الجحود لتجنّبها والابتعاد عنها، والابتعاد عن غير المؤمنين والبراء منهم،[٣] والإيمان بأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- رسول من عند الله -تعالى- للناس جميعاً، وتمنّي لقائه والاجتماع به -صلّى الله عليه وسلّم-، والعمل بسنّته ونشرها بين الناس والدفاع عنها ونصرتها، ومحبّة الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- والدفاع عنهم.[٤]

المحبة في الله

أكّد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في الكثير من الأحاديث الشريفة على أن الأخوّة لا تعتبر أخوّة في الله -تعالى-، ولا تكون متماسكة إلّا حين تكون من أجل الله -تعالى- وللحصول على مرضاته، ومن هذه الأحاديث ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ)،[٥]والأخوة في الله ينبغي أن يلازمها التقوى والإيمان، حتى تكون من أجل الله -تعالى- ومن أجل مرضاته، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[٦] وقال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)،[٧] فالنفس حين تمتلئ بالتقوى والإيمان وتلتقي مع من يماثلها، فهي تأنس وتطمئن، وتشعر بالألفة والمحبّة، بخلاف ما إذا قابلت ما يملؤها بالخبث والفساد؛ فتتنافر معها لاختلاف أصلهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (النَّاسُ مَعادِنُ كَمَعادِنِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فَقُهُوا، والأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ).[٨][٩]

وتعتبر المحبّة في الله -تعالى- من ثمرات حبّ الله، قال الإمام مالك: إنّ الحب في الله -تعالى- من واجبات الإسلام، وهو ما نهج عليه أولياء الله الصالحين،[١٠] وتحتاج الأخوّة في الله لما يشدّ من أزرها ويزيد من قوتها وعمقها، وهناك العديد من الوسائل التي لو تتقوى بها، وفيما يأتي بيان لهذه الوسائل بشكل مفصّل:[١١]

  • الإعلام بالمحبّة؛ فمن أحبّ أخاه فليخبره بذلك، قال -عليه السلام-: (إذا أحبَّ الرجلُ أخاه فلْيخبره أنه يحبُّه).[١٢]
  • طلب الدعاء من الأخ حين مفارقته والابتعاد عنه؛ ففي الحديث أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استأذن الرسول -عليه السلام- في العمرة، فأذن له وقال: (أي أُخيَّ أشركْنا في دعائِك ولا تنسَنا).[١٣]
  • طلاقة الوجه عند اللقاء، لما ورد عن أبي ذر الغفاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، قال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ).[١٤]
  • المبادرة إلى المصافحة عند اللقاء، قال -عليه السلام-: (ما مِنْ مسلمَينِ يلتقيانِ فيتصافحانِ، إلا غُفرَ لهما، قبلَ أنْ يتفرقا).[١٥]
  • الإكثار من زيارة الإخوان في الله، وتفقّدهم بين كل فترة وأخرى، قال -عليه السلام-: (مَن عادَ مريضًا ، أو زارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ ناداهُ مُنادٍ : أن طِبتَ وطابَ مَمشاكَ وتبوَّأتَ مِنَ الجنَّةِ منزلًا).[١٦]
  • إدخال السرور على قلب الأخ بتهنئته في المناسبات التي تحصل عنده، وتقديم الهدايا له، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تهادَوْا تحابُّوا).[١٧]
  • القيام بحقوق الأخوّة جميعها، قال -عليه السلام-: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ).[١٨]

كراهية الجحود بالله

يكره الله -تعالى- الجحود به، ويكره أهله، ويكره أن يكون الإنسان جاحداً فأسلم ثم عاود جحوده، وبناءً عليه فإنه يكره أيضاً من كان مسلماً في أصله جحد به، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (وأن تُوقدَ نارٌ عظيمةٌ فيقع فيها أحبُّ إليه من أن يشركَ باللهِ شيئًا)،[١٩] بمعنى أن الإنسان لو خٌيّر بين أن توقد نار ويلقى فيها، وبين أن يجحد بالله، لاختار أن يلقى في النار؛ لأنّ العبد يستشعر حلاوة الإيمان في قلبه، ومن ذاق حلاوة الإيمان لن يدخل النار يوم القيامة.[٢٠]

والعبد المسلم يكون ثابتاً على دينه ولا يغيّره، ورد عن سفيان -رضي الله عنه- أنّه قال للرسول-عليه السلام-: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ)،[٢١] والاستقامة كما قال النووي في شرح الحديث: هي الثبات على التوحيد، والالتزام بطاعة الله -تعالى-، وقال فيها السندي: هي اتّباع الحق، وتحقيق العدل، والسير على الطريق المستقيم من خلال القيام بما أمر الله -تعالى- به، واجتناب ما نهى عنه، وذلك أمر صعب لا يسهل إلّا على من أيّده الله -تعالى- وأعانه، وأنار له قلبه، وقد جاءت الآيات القرآنيّة تبيّن أن من ارتدّ عن دينه فلن يضر الله شيئاً، قال -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ)،[٢٢][٢٣] ويحافظ العبد على إيمانه وثباته من خلال عدّة عوامل، وفيما يأتي بيانها:[٢٤]

  • استشعار عظمة الله -تعالى-، وأنه خالق كل شيء، والمدبّر لما في الكون، من أكبر شيء فيه إلى أصغر شيء فيه؛ فلا يحصل شيء إلّا بعلمه وإرادته؛ فالمتحرّك يتحرك بإذنه، والساكن يسكن بإذنه، والمريض يمرض بإذنه، والصحيح يصحّ بإذنه، وأنّه -سبحانه وتعالى- يعلم السر والجهر، والباطن والظاهر، وأنه رب كل شيء، يقول للشيء كن فيكون، فإذا علم العبد ذلك واستشعره ثبت على دينه.
  • ذكر الله -تعالى- في السر والعلن، في القلب واللسان والعمل، قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ).[٢٥]
  • دعاء الله -تعالى- ورجاؤه بالثبات على الدين، وهو ما كان يدعوه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قوله: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ).[٢٦]
  • الالتزام بالفرائض، وعدم التهاون بها؛ كالصلاة المفروضة، والصيام الواجب، وغيرها، والإكثار من النوافل بحسب الاستطاعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).[٢٧]
  • قراءة القرآن وتدبّره وفهمه؛ فهو الكتاب الذي أنزله الله -تعالى- على رسوله الكريم؛ ليكون لأمّته نوراً ومنهاجاً وهداية.
  • تنظيم اليوم والليلة بما يحقق القيام بواجبات العبد تجاه ربه وتجاه الآخرين؛ فيعينه ذلك على أن يكون ثابتاً في كل أمور حياته.
  • الابتعاد عن المعاصي، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، حيث أنّ المعصية التي يرتكبها العبد تؤثّر في قلبه، قال النبيّ -عليه السلام-: (تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ).[٢٨]
  • التفكّر في الكون وما خلقه الله -تعالى- فيه؛ كتفكّر الإنسان بنفسه؛ فعندما يتأمّل الإنسان ما خلقه الله -تعالى- فيه وما أنعم عليه، يكون ذلك دافعاً له إلى التمسّك بدينه وتعظيمه.
  • مصاحبة الصالحين؛ فالإنسان يتأثّر ويؤثّر بمن حوله، وعندما يصاحب الصالح فذلك يساعده على فعل المأمورات وترك المحظورات؛ مما يعينه ذلك في الثبات على دينه.
  • قراءة سيرة المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- وغيره من العظماء، لتكون سيرته القدوة التي يقتدي بها، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[٢٩]فتجعله ثابتاً قوياً راسخاً أمام ما يتعرض له من الفتن.

درجات الإيمان

الإيمان هو قول القلب واللسان، وفعل الجوارح، والإيمان هو أن يؤمن المسلم بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، وللإيمان ثلاث مراتب؛ بيانها فيما يأتي:

  • أوّلها طعم الإيمان، وقد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقال: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا).[٣٠]
  • ثانيها حلاوة الإيمان، وقد بيّنها النبيّ -عليه السلام- حين قال: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).[٣١]
  • ثالثها حقيقة الإيمان؛ ويصل إليها المؤمن الحقّ، الذي وصل مرتبة اليقين بالدين، وقام بجميع حقوق الدين، من دعوة وجهاد وإنفاق فيي سبيل الله -تعالى- وغيرها، وهي المرتبة المذكورة في العديد من الآيات الكريمة، ومنها قوله -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ)،[٣٢] ولا يصل المسلم هذه المرتبة إلا حين يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.[٣٣]

الأوصاف المُحقِّقة لحلاوة الإيمان

للإيمان صفات من تمسّك بها والتزمها؛ فقد ذاق حلاوة الإيمان ووجد طعمه، وهي الصفات الواردة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الذي قال فيه: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ)،[٣١] وتعدّ هذه الصفات من أعلى صفات كمال الإيمان؛ فالإيمان للقلوب بمثابة الغذاء للجسد، يتذوّق المسلم طعمه، ويمدّه بالقوّة والغذاء اللازم له، وكما أنّ الجسد حين يصيبه المرض لا يشعر بطعم مأكله ومشربه؛ فكذلك القلب إن أصابته أمراض الشهوة والضلال فلا يجد للإيمان طعماً، وتراه يميل لما تهواه نفسه؛ فيوقعها في المعاصي مما يؤدي إلى هلاكها، قال رسول الله: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ)؛[٣٤] فإنّ المؤمن الذي يجد حلاوة الإيمان في قلبه؛ يمتنع عن اتّباع شهواته؛ فلا يقع في المعاصي ولا ينوي عليها.[٣٥]

المراجع

  1. سورة المائدة ، آية: 54.
  2. محمد الأمين الهرري (2009)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى )، المملكة العربية السعودية : دار المنهاج، دار طوق النجاة ، صفحة 361-362، جزء 2. بتصرّف.
  3. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 349، جزء 5. بتصرّف.
  4. علي الراجحي ، “حلاوة الإيمان “، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-7-2020. بتصرّف.
  5. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 6041، صحيح .
  6. سورة الحجرات ، آية: 10.
  7. سورة الزخرف ، آية: 67.
  8. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2638، صحيح .
  9. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 28. بتصرّف.
  10. شمس الدين الكرماني (1937)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى )، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 101، جزء 1. بتصرّف.
  11. عبد الله علوان ، حين يجد المؤمن حلاوة الإيمان ، القاهرة : دار السلام ، صفحة 17-18. بتصرّف.
  12. رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم: 5124، صحيح .
  13. رواه الترمذي ، في سنن الترمذي ، عن عمر بن الخطاب ، الصفحة أو الرقم: 3562، حسن صحيح.
  14. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي ذر الغفاري ، الصفحة أو الرقم: 2626، صحيح .
  15. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن البراء بن عازب ، الصفحة أو الرقم: 8090، صحيح .
  16. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2008، حسن.
  17. رواه ابن حجر العسقلاني ، في التلخيص الحبير، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1047، إسناده حسن.
  18. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2699، صحيح .
  19. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 5002، صحيح .
  20. أحمد حطيبة ، شرح الترغيب والترهيب للمنذرى، صفحة 3، جزء 41. بتصرّف.
  21. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي ، الصفحة أو الرقم: 38، صحيح .
  22. سورة آل عمران، آية: 144.
  23. فالح الصغير (1427)، حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وقفات وتأملات ، دمشق: دار ابن الأثير ، صفحة 75-76. بتصرّف.
  24. فالح الصغير (1427)، حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وقفات وتأملات ، دمشق : دار ابن الأثير ، صفحة 79-82. بتصرّف.
  25. سورة البقرة ، آية: 152.
  26. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن شهر بن حوشب ، الصفحة أو الرقم: 3522، صحيح .
  27. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح .
  28. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان ، الصفحة أو الرقم: 144، صحيح .
  29. سورة الأحزاب، آية: 21.
  30. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن العباس بن عبد المطلب ، الصفحة أو الرقم: 34، صحيح .
  31. ^ أ ب رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح .
  32. سورة الأنفال ، آية: 2-4.
  33. محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة )، المملكة العربية السعودية : دار أصداء المجتمع ، صفحة 38-39. بتصرّف.
  34. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 57، صحيح .
  35. عبد الرحمن بن الحسن (1996)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى )، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 50-51، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

كيفية الوصول إلى حلاوة الإيمان

محبّة الله ورسوله

حال تفوّق حبّ الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- على كل ما غيرهما، ويشمل ذلك النفس والولد والوالدين يصل المؤمن إلى حلاوة الإيمان، وتتحقّق محبّة الله -تعالى- بالالتزام بكلّ ما أمر به، واجتناب كل ما نهى عنه، ومنها أن يحبّ العبد كل ما يحبّه الله -تعالى- ويبغض ما يبغضه، وفي لفظ الحديث الشريف -المذكور سابقاً عن حلاوة الإيمان- دلالة على إضافة المحبّة لله -تعالى-، سواء كان مُحبّاً أم محبوباً، كما قال القرطبي -رحمه الله-، ومن ذلك قوله -تعالى-: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)،[١] والمقصود من التثنية في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: “مما سواهما” هو جمع المحبتين؛ أي محبّة الله -تعالى- ومحبّة رسوله -عليه السلام-، حيث لو كانت إحداهما دون الأخرى، لم تنفع صاحبها.[٢]

كما وتتحقق محبّة العبد لله -تعالى- عن طريق قراءة أسمائه وصفاته ومدارستها، والتفكّر في نعمه وفضله على عباده ورحمته بهم، وقراءة كلامه وتدبّره، والقيام بالنوافل التي أمر بها، والإكثار من ذكره في السر والعلن، وقيام الليل، ومحبّة ما يحبّه والابتعاد عمّا لا يحبه، أما محبّة رسوله -عليه السلام- فتكون بقراءة سيرته، ومعرفة صفاته وأخلاقه، والاقتداء به، والعمل بما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وحب من يحبّهم الله -تعالى- ورسوله -عليه السلام- من عباد الله الصالحين، حبّاً بعيداً عن كل مصلحة، والتعرّف على مظاهر الجحود لتجنّبها والابتعاد عنها، والابتعاد عن غير المؤمنين والبراء منهم،[٣] والإيمان بأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- رسول من عند الله -تعالى- للناس جميعاً، وتمنّي لقائه والاجتماع به -صلّى الله عليه وسلّم-، والعمل بسنّته ونشرها بين الناس والدفاع عنها ونصرتها، ومحبّة الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- والدفاع عنهم.[٤]

المحبة في الله

أكّد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في الكثير من الأحاديث الشريفة على أن الأخوّة لا تعتبر أخوّة في الله -تعالى-، ولا تكون متماسكة إلّا حين تكون من أجل الله -تعالى- وللحصول على مرضاته، ومن هذه الأحاديث ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ)،[٥]والأخوة في الله ينبغي أن يلازمها التقوى والإيمان، حتى تكون من أجل الله -تعالى- ومن أجل مرضاته، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[٦] وقال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)،[٧] فالنفس حين تمتلئ بالتقوى والإيمان وتلتقي مع من يماثلها، فهي تأنس وتطمئن، وتشعر بالألفة والمحبّة، بخلاف ما إذا قابلت ما يملؤها بالخبث والفساد؛ فتتنافر معها لاختلاف أصلهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (النَّاسُ مَعادِنُ كَمَعادِنِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فَقُهُوا، والأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ).[٨][٩]

وتعتبر المحبّة في الله -تعالى- من ثمرات حبّ الله، قال الإمام مالك: إنّ الحب في الله -تعالى- من واجبات الإسلام، وهو ما نهج عليه أولياء الله الصالحين،[١٠] وتحتاج الأخوّة في الله لما يشدّ من أزرها ويزيد من قوتها وعمقها، وهناك العديد من الوسائل التي لو تتقوى بها، وفيما يأتي بيان لهذه الوسائل بشكل مفصّل:[١١]

  • الإعلام بالمحبّة؛ فمن أحبّ أخاه فليخبره بذلك، قال -عليه السلام-: (إذا أحبَّ الرجلُ أخاه فلْيخبره أنه يحبُّه).[١٢]
  • طلب الدعاء من الأخ حين مفارقته والابتعاد عنه؛ ففي الحديث أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استأذن الرسول -عليه السلام- في العمرة، فأذن له وقال: (أي أُخيَّ أشركْنا في دعائِك ولا تنسَنا).[١٣]
  • طلاقة الوجه عند اللقاء، لما ورد عن أبي ذر الغفاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، قال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ).[١٤]
  • المبادرة إلى المصافحة عند اللقاء، قال -عليه السلام-: (ما مِنْ مسلمَينِ يلتقيانِ فيتصافحانِ، إلا غُفرَ لهما، قبلَ أنْ يتفرقا).[١٥]
  • الإكثار من زيارة الإخوان في الله، وتفقّدهم بين كل فترة وأخرى، قال -عليه السلام-: (مَن عادَ مريضًا ، أو زارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ ناداهُ مُنادٍ : أن طِبتَ وطابَ مَمشاكَ وتبوَّأتَ مِنَ الجنَّةِ منزلًا).[١٦]
  • إدخال السرور على قلب الأخ بتهنئته في المناسبات التي تحصل عنده، وتقديم الهدايا له، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تهادَوْا تحابُّوا).[١٧]
  • القيام بحقوق الأخوّة جميعها، قال -عليه السلام-: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ).[١٨]

كراهية الجحود بالله

يكره الله -تعالى- الجحود به، ويكره أهله، ويكره أن يكون الإنسان جاحداً فأسلم ثم عاود جحوده، وبناءً عليه فإنه يكره أيضاً من كان مسلماً في أصله جحد به، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (وأن تُوقدَ نارٌ عظيمةٌ فيقع فيها أحبُّ إليه من أن يشركَ باللهِ شيئًا)،[١٩] بمعنى أن الإنسان لو خٌيّر بين أن توقد نار ويلقى فيها، وبين أن يجحد بالله، لاختار أن يلقى في النار؛ لأنّ العبد يستشعر حلاوة الإيمان في قلبه، ومن ذاق حلاوة الإيمان لن يدخل النار يوم القيامة.[٢٠]

والعبد المسلم يكون ثابتاً على دينه ولا يغيّره، ورد عن سفيان -رضي الله عنه- أنّه قال للرسول-عليه السلام-: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ)،[٢١] والاستقامة كما قال النووي في شرح الحديث: هي الثبات على التوحيد، والالتزام بطاعة الله -تعالى-، وقال فيها السندي: هي اتّباع الحق، وتحقيق العدل، والسير على الطريق المستقيم من خلال القيام بما أمر الله -تعالى- به، واجتناب ما نهى عنه، وذلك أمر صعب لا يسهل إلّا على من أيّده الله -تعالى- وأعانه، وأنار له قلبه، وقد جاءت الآيات القرآنيّة تبيّن أن من ارتدّ عن دينه فلن يضر الله شيئاً، قال -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ)،[٢٢][٢٣] ويحافظ العبد على إيمانه وثباته من خلال عدّة عوامل، وفيما يأتي بيانها:[٢٤]

  • استشعار عظمة الله -تعالى-، وأنه خالق كل شيء، والمدبّر لما في الكون، من أكبر شيء فيه إلى أصغر شيء فيه؛ فلا يحصل شيء إلّا بعلمه وإرادته؛ فالمتحرّك يتحرك بإذنه، والساكن يسكن بإذنه، والمريض يمرض بإذنه، والصحيح يصحّ بإذنه، وأنّه -سبحانه وتعالى- يعلم السر والجهر، والباطن والظاهر، وأنه رب كل شيء، يقول للشيء كن فيكون، فإذا علم العبد ذلك واستشعره ثبت على دينه.
  • ذكر الله -تعالى- في السر والعلن، في القلب واللسان والعمل، قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ).[٢٥]
  • دعاء الله -تعالى- ورجاؤه بالثبات على الدين، وهو ما كان يدعوه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قوله: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ).[٢٦]
  • الالتزام بالفرائض، وعدم التهاون بها؛ كالصلاة المفروضة، والصيام الواجب، وغيرها، والإكثار من النوافل بحسب الاستطاعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).[٢٧]
  • قراءة القرآن وتدبّره وفهمه؛ فهو الكتاب الذي أنزله الله -تعالى- على رسوله الكريم؛ ليكون لأمّته نوراً ومنهاجاً وهداية.
  • تنظيم اليوم والليلة بما يحقق القيام بواجبات العبد تجاه ربه وتجاه الآخرين؛ فيعينه ذلك على أن يكون ثابتاً في كل أمور حياته.
  • الابتعاد عن المعاصي، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، حيث أنّ المعصية التي يرتكبها العبد تؤثّر في قلبه، قال النبيّ -عليه السلام-: (تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ).[٢٨]
  • التفكّر في الكون وما خلقه الله -تعالى- فيه؛ كتفكّر الإنسان بنفسه؛ فعندما يتأمّل الإنسان ما خلقه الله -تعالى- فيه وما أنعم عليه، يكون ذلك دافعاً له إلى التمسّك بدينه وتعظيمه.
  • مصاحبة الصالحين؛ فالإنسان يتأثّر ويؤثّر بمن حوله، وعندما يصاحب الصالح فذلك يساعده على فعل المأمورات وترك المحظورات؛ مما يعينه ذلك في الثبات على دينه.
  • قراءة سيرة المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- وغيره من العظماء، لتكون سيرته القدوة التي يقتدي بها، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[٢٩]فتجعله ثابتاً قوياً راسخاً أمام ما يتعرض له من الفتن.

درجات الإيمان

الإيمان هو قول القلب واللسان، وفعل الجوارح، والإيمان هو أن يؤمن المسلم بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، وللإيمان ثلاث مراتب؛ بيانها فيما يأتي:

  • أوّلها طعم الإيمان، وقد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقال: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا).[٣٠]
  • ثانيها حلاوة الإيمان، وقد بيّنها النبيّ -عليه السلام- حين قال: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).[٣١]
  • ثالثها حقيقة الإيمان؛ ويصل إليها المؤمن الحقّ، الذي وصل مرتبة اليقين بالدين، وقام بجميع حقوق الدين، من دعوة وجهاد وإنفاق فيي سبيل الله -تعالى- وغيرها، وهي المرتبة المذكورة في العديد من الآيات الكريمة، ومنها قوله -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ)،[٣٢] ولا يصل المسلم هذه المرتبة إلا حين يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.[٣٣]

الأوصاف المُحقِّقة لحلاوة الإيمان

للإيمان صفات من تمسّك بها والتزمها؛ فقد ذاق حلاوة الإيمان ووجد طعمه، وهي الصفات الواردة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الذي قال فيه: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ)،[٣١] وتعدّ هذه الصفات من أعلى صفات كمال الإيمان؛ فالإيمان للقلوب بمثابة الغذاء للجسد، يتذوّق المسلم طعمه، ويمدّه بالقوّة والغذاء اللازم له، وكما أنّ الجسد حين يصيبه المرض لا يشعر بطعم مأكله ومشربه؛ فكذلك القلب إن أصابته أمراض الشهوة والضلال فلا يجد للإيمان طعماً، وتراه يميل لما تهواه نفسه؛ فيوقعها في المعاصي مما يؤدي إلى هلاكها، قال رسول الله: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ)؛[٣٤] فإنّ المؤمن الذي يجد حلاوة الإيمان في قلبه؛ يمتنع عن اتّباع شهواته؛ فلا يقع في المعاصي ولا ينوي عليها.[٣٥]

المراجع

  1. سورة المائدة ، آية: 54.
  2. محمد الأمين الهرري (2009)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى )، المملكة العربية السعودية : دار المنهاج، دار طوق النجاة ، صفحة 361-362، جزء 2. بتصرّف.
  3. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 349، جزء 5. بتصرّف.
  4. علي الراجحي ، “حلاوة الإيمان “، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-7-2020. بتصرّف.
  5. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 6041، صحيح .
  6. سورة الحجرات ، آية: 10.
  7. سورة الزخرف ، آية: 67.
  8. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2638، صحيح .
  9. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 28. بتصرّف.
  10. شمس الدين الكرماني (1937)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى )، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 101، جزء 1. بتصرّف.
  11. عبد الله علوان ، حين يجد المؤمن حلاوة الإيمان ، القاهرة : دار السلام ، صفحة 17-18. بتصرّف.
  12. رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم: 5124، صحيح .
  13. رواه الترمذي ، في سنن الترمذي ، عن عمر بن الخطاب ، الصفحة أو الرقم: 3562، حسن صحيح.
  14. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي ذر الغفاري ، الصفحة أو الرقم: 2626، صحيح .
  15. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن البراء بن عازب ، الصفحة أو الرقم: 8090، صحيح .
  16. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2008، حسن.
  17. رواه ابن حجر العسقلاني ، في التلخيص الحبير، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1047، إسناده حسن.
  18. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2699، صحيح .
  19. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 5002، صحيح .
  20. أحمد حطيبة ، شرح الترغيب والترهيب للمنذرى، صفحة 3، جزء 41. بتصرّف.
  21. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي ، الصفحة أو الرقم: 38، صحيح .
  22. سورة آل عمران، آية: 144.
  23. فالح الصغير (1427)، حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وقفات وتأملات ، دمشق: دار ابن الأثير ، صفحة 75-76. بتصرّف.
  24. فالح الصغير (1427)، حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وقفات وتأملات ، دمشق : دار ابن الأثير ، صفحة 79-82. بتصرّف.
  25. سورة البقرة ، آية: 152.
  26. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن شهر بن حوشب ، الصفحة أو الرقم: 3522، صحيح .
  27. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح .
  28. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان ، الصفحة أو الرقم: 144، صحيح .
  29. سورة الأحزاب، آية: 21.
  30. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن العباس بن عبد المطلب ، الصفحة أو الرقم: 34، صحيح .
  31. ^ أ ب رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح .
  32. سورة الأنفال ، آية: 2-4.
  33. محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة )، المملكة العربية السعودية : دار أصداء المجتمع ، صفحة 38-39. بتصرّف.
  34. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 57، صحيح .
  35. عبد الرحمن بن الحسن (1996)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى )، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 50-51، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كيفية الوصول إلى حلاوة الإيمان

محبّة الله ورسوله

حال تفوّق حبّ الله -تعالى- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- على كل ما غيرهما، ويشمل ذلك النفس والولد والوالدين يصل المؤمن إلى حلاوة الإيمان، وتتحقّق محبّة الله -تعالى- بالالتزام بكلّ ما أمر به، واجتناب كل ما نهى عنه، ومنها أن يحبّ العبد كل ما يحبّه الله -تعالى- ويبغض ما يبغضه، وفي لفظ الحديث الشريف -المذكور سابقاً عن حلاوة الإيمان- دلالة على إضافة المحبّة لله -تعالى-، سواء كان مُحبّاً أم محبوباً، كما قال القرطبي -رحمه الله-، ومن ذلك قوله -تعالى-: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)،[١] والمقصود من التثنية في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: “مما سواهما” هو جمع المحبتين؛ أي محبّة الله -تعالى- ومحبّة رسوله -عليه السلام-، حيث لو كانت إحداهما دون الأخرى، لم تنفع صاحبها.[٢]

كما وتتحقق محبّة العبد لله -تعالى- عن طريق قراءة أسمائه وصفاته ومدارستها، والتفكّر في نعمه وفضله على عباده ورحمته بهم، وقراءة كلامه وتدبّره، والقيام بالنوافل التي أمر بها، والإكثار من ذكره في السر والعلن، وقيام الليل، ومحبّة ما يحبّه والابتعاد عمّا لا يحبه، أما محبّة رسوله -عليه السلام- فتكون بقراءة سيرته، ومعرفة صفاته وأخلاقه، والاقتداء به، والعمل بما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وحب من يحبّهم الله -تعالى- ورسوله -عليه السلام- من عباد الله الصالحين، حبّاً بعيداً عن كل مصلحة، والتعرّف على مظاهر الجحود لتجنّبها والابتعاد عنها، والابتعاد عن غير المؤمنين والبراء منهم،[٣] والإيمان بأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- رسول من عند الله -تعالى- للناس جميعاً، وتمنّي لقائه والاجتماع به -صلّى الله عليه وسلّم-، والعمل بسنّته ونشرها بين الناس والدفاع عنها ونصرتها، ومحبّة الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- والدفاع عنهم.[٤]

المحبة في الله

أكّد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في الكثير من الأحاديث الشريفة على أن الأخوّة لا تعتبر أخوّة في الله -تعالى-، ولا تكون متماسكة إلّا حين تكون من أجل الله -تعالى- وللحصول على مرضاته، ومن هذه الأحاديث ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ)،[٥]والأخوة في الله ينبغي أن يلازمها التقوى والإيمان، حتى تكون من أجل الله -تعالى- ومن أجل مرضاته، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[٦] وقال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)،[٧] فالنفس حين تمتلئ بالتقوى والإيمان وتلتقي مع من يماثلها، فهي تأنس وتطمئن، وتشعر بالألفة والمحبّة، بخلاف ما إذا قابلت ما يملؤها بالخبث والفساد؛ فتتنافر معها لاختلاف أصلهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (النَّاسُ مَعادِنُ كَمَعادِنِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فَقُهُوا، والأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ).[٨][٩]

وتعتبر المحبّة في الله -تعالى- من ثمرات حبّ الله، قال الإمام مالك: إنّ الحب في الله -تعالى- من واجبات الإسلام، وهو ما نهج عليه أولياء الله الصالحين،[١٠] وتحتاج الأخوّة في الله لما يشدّ من أزرها ويزيد من قوتها وعمقها، وهناك العديد من الوسائل التي لو تتقوى بها، وفيما يأتي بيان لهذه الوسائل بشكل مفصّل:[١١]

  • الإعلام بالمحبّة؛ فمن أحبّ أخاه فليخبره بذلك، قال -عليه السلام-: (إذا أحبَّ الرجلُ أخاه فلْيخبره أنه يحبُّه).[١٢]
  • طلب الدعاء من الأخ حين مفارقته والابتعاد عنه؛ ففي الحديث أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استأذن الرسول -عليه السلام- في العمرة، فأذن له وقال: (أي أُخيَّ أشركْنا في دعائِك ولا تنسَنا).[١٣]
  • طلاقة الوجه عند اللقاء، لما ورد عن أبي ذر الغفاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، قال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ).[١٤]
  • المبادرة إلى المصافحة عند اللقاء، قال -عليه السلام-: (ما مِنْ مسلمَينِ يلتقيانِ فيتصافحانِ، إلا غُفرَ لهما، قبلَ أنْ يتفرقا).[١٥]
  • الإكثار من زيارة الإخوان في الله، وتفقّدهم بين كل فترة وأخرى، قال -عليه السلام-: (مَن عادَ مريضًا ، أو زارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ ناداهُ مُنادٍ : أن طِبتَ وطابَ مَمشاكَ وتبوَّأتَ مِنَ الجنَّةِ منزلًا).[١٦]
  • إدخال السرور على قلب الأخ بتهنئته في المناسبات التي تحصل عنده، وتقديم الهدايا له، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تهادَوْا تحابُّوا).[١٧]
  • القيام بحقوق الأخوّة جميعها، قال -عليه السلام-: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ).[١٨]

كراهية الجحود بالله

يكره الله -تعالى- الجحود به، ويكره أهله، ويكره أن يكون الإنسان جاحداً فأسلم ثم عاود جحوده، وبناءً عليه فإنه يكره أيضاً من كان مسلماً في أصله جحد به، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (وأن تُوقدَ نارٌ عظيمةٌ فيقع فيها أحبُّ إليه من أن يشركَ باللهِ شيئًا)،[١٩] بمعنى أن الإنسان لو خٌيّر بين أن توقد نار ويلقى فيها، وبين أن يجحد بالله، لاختار أن يلقى في النار؛ لأنّ العبد يستشعر حلاوة الإيمان في قلبه، ومن ذاق حلاوة الإيمان لن يدخل النار يوم القيامة.[٢٠]

والعبد المسلم يكون ثابتاً على دينه ولا يغيّره، ورد عن سفيان -رضي الله عنه- أنّه قال للرسول-عليه السلام-: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ)،[٢١] والاستقامة كما قال النووي في شرح الحديث: هي الثبات على التوحيد، والالتزام بطاعة الله -تعالى-، وقال فيها السندي: هي اتّباع الحق، وتحقيق العدل، والسير على الطريق المستقيم من خلال القيام بما أمر الله -تعالى- به، واجتناب ما نهى عنه، وذلك أمر صعب لا يسهل إلّا على من أيّده الله -تعالى- وأعانه، وأنار له قلبه، وقد جاءت الآيات القرآنيّة تبيّن أن من ارتدّ عن دينه فلن يضر الله شيئاً، قال -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ)،[٢٢][٢٣] ويحافظ العبد على إيمانه وثباته من خلال عدّة عوامل، وفيما يأتي بيانها:[٢٤]

  • استشعار عظمة الله -تعالى-، وأنه خالق كل شيء، والمدبّر لما في الكون، من أكبر شيء فيه إلى أصغر شيء فيه؛ فلا يحصل شيء إلّا بعلمه وإرادته؛ فالمتحرّك يتحرك بإذنه، والساكن يسكن بإذنه، والمريض يمرض بإذنه، والصحيح يصحّ بإذنه، وأنّه -سبحانه وتعالى- يعلم السر والجهر، والباطن والظاهر، وأنه رب كل شيء، يقول للشيء كن فيكون، فإذا علم العبد ذلك واستشعره ثبت على دينه.
  • ذكر الله -تعالى- في السر والعلن، في القلب واللسان والعمل، قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ).[٢٥]
  • دعاء الله -تعالى- ورجاؤه بالثبات على الدين، وهو ما كان يدعوه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قوله: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ).[٢٦]
  • الالتزام بالفرائض، وعدم التهاون بها؛ كالصلاة المفروضة، والصيام الواجب، وغيرها، والإكثار من النوافل بحسب الاستطاعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).[٢٧]
  • قراءة القرآن وتدبّره وفهمه؛ فهو الكتاب الذي أنزله الله -تعالى- على رسوله الكريم؛ ليكون لأمّته نوراً ومنهاجاً وهداية.
  • تنظيم اليوم والليلة بما يحقق القيام بواجبات العبد تجاه ربه وتجاه الآخرين؛ فيعينه ذلك على أن يكون ثابتاً في كل أمور حياته.
  • الابتعاد عن المعاصي، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، حيث أنّ المعصية التي يرتكبها العبد تؤثّر في قلبه، قال النبيّ -عليه السلام-: (تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ).[٢٨]
  • التفكّر في الكون وما خلقه الله -تعالى- فيه؛ كتفكّر الإنسان بنفسه؛ فعندما يتأمّل الإنسان ما خلقه الله -تعالى- فيه وما أنعم عليه، يكون ذلك دافعاً له إلى التمسّك بدينه وتعظيمه.
  • مصاحبة الصالحين؛ فالإنسان يتأثّر ويؤثّر بمن حوله، وعندما يصاحب الصالح فذلك يساعده على فعل المأمورات وترك المحظورات؛ مما يعينه ذلك في الثبات على دينه.
  • قراءة سيرة المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- وغيره من العظماء، لتكون سيرته القدوة التي يقتدي بها، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[٢٩]فتجعله ثابتاً قوياً راسخاً أمام ما يتعرض له من الفتن.

درجات الإيمان

الإيمان هو قول القلب واللسان، وفعل الجوارح، والإيمان هو أن يؤمن المسلم بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، وللإيمان ثلاث مراتب؛ بيانها فيما يأتي:

  • أوّلها طعم الإيمان، وقد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقال: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا).[٣٠]
  • ثانيها حلاوة الإيمان، وقد بيّنها النبيّ -عليه السلام- حين قال: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).[٣١]
  • ثالثها حقيقة الإيمان؛ ويصل إليها المؤمن الحقّ، الذي وصل مرتبة اليقين بالدين، وقام بجميع حقوق الدين، من دعوة وجهاد وإنفاق فيي سبيل الله -تعالى- وغيرها، وهي المرتبة المذكورة في العديد من الآيات الكريمة، ومنها قوله -تعالى-: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ)،[٣٢] ولا يصل المسلم هذه المرتبة إلا حين يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.[٣٣]

الأوصاف المُحقِّقة لحلاوة الإيمان

للإيمان صفات من تمسّك بها والتزمها؛ فقد ذاق حلاوة الإيمان ووجد طعمه، وهي الصفات الواردة في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الذي قال فيه: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ)،[٣١] وتعدّ هذه الصفات من أعلى صفات كمال الإيمان؛ فالإيمان للقلوب بمثابة الغذاء للجسد، يتذوّق المسلم طعمه، ويمدّه بالقوّة والغذاء اللازم له، وكما أنّ الجسد حين يصيبه المرض لا يشعر بطعم مأكله ومشربه؛ فكذلك القلب إن أصابته أمراض الشهوة والضلال فلا يجد للإيمان طعماً، وتراه يميل لما تهواه نفسه؛ فيوقعها في المعاصي مما يؤدي إلى هلاكها، قال رسول الله: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ)؛[٣٤] فإنّ المؤمن الذي يجد حلاوة الإيمان في قلبه؛ يمتنع عن اتّباع شهواته؛ فلا يقع في المعاصي ولا ينوي عليها.[٣٥]

المراجع

  1. سورة المائدة ، آية: 54.
  2. محمد الأمين الهرري (2009)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى )، المملكة العربية السعودية : دار المنهاج، دار طوق النجاة ، صفحة 361-362، جزء 2. بتصرّف.
  3. محمد عويضة ، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 349، جزء 5. بتصرّف.
  4. علي الراجحي ، “حلاوة الإيمان “، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-7-2020. بتصرّف.
  5. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 6041، صحيح .
  6. سورة الحجرات ، آية: 10.
  7. سورة الزخرف ، آية: 67.
  8. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2638، صحيح .
  9. عبد الله علوان ، حين يجد المؤمن حلاوة الإيمان ، القاهرة : دار السلام ، صفحة 16-17. بتصرّف.
  10. شمس الدين الكرماني (1937)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى )، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 101، جزء 1. بتصرّف.
  11. عبد الله علوان ، حين يجد المؤمن حلاوة الإيمان ، القاهرة : دار السلام ، صفحة 17-18. بتصرّف.
  12. رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم: 5124، صحيح .
  13. رواه الترمذي ، في سنن الترمذي ، عن عمر بن الخطاب ، الصفحة أو الرقم: 3562، حسن صحيح.
  14. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي ذر الغفاري ، الصفحة أو الرقم: 2626، صحيح .
  15. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن البراء بن عازب ، الصفحة أو الرقم: 8090، صحيح .
  16. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2008، حسن.
  17. رواه ابن حجر العسقلاني ، في التلخيص الحبير، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 1047، إسناده حسن.
  18. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2699، صحيح .
  19. رواه الألباني ، في صحيح النسائي ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 5002، صحيح .
  20. أحمد حطيبة ، شرح الترغيب والترهيب للمنذرى، صفحة 3، جزء 41. بتصرّف.
  21. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي ، الصفحة أو الرقم: 38، صحيح .
  22. سورة آل عمران، آية: 144.
  23. فالح الصغير (1427)، حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وقفات وتأملات ، دمشق: دار ابن الأثير ، صفحة 75-76. بتصرّف.
  24. فالح الصغير (1427)، حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وقفات وتأملات ، دمشق : دار ابن الأثير ، صفحة 79-82. بتصرّف.
  25. سورة البقرة ، آية: 152.
  26. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن شهر بن حوشب ، الصفحة أو الرقم: 3522، صحيح .
  27. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح .
  28. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن حذيفة بن اليمان ، الصفحة أو الرقم: 144، صحيح .
  29. سورة الأحزاب، آية: 21.
  30. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن العباس بن عبد المطلب ، الصفحة أو الرقم: 34، صحيح .
  31. ^ أ ب رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح .
  32. سورة الأنفال ، آية: 2-4.
  33. محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة )، المملكة العربية السعودية : دار أصداء المجتمع ، صفحة 38-39. بتصرّف.
  34. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 57، صحيح .
  35. عبد الرحمن بن الحسن (1996)، فتح الباري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى )، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 50-51، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى