الأسرة في الإسلام

جديد كيف نظم الإسلام العلاقة بين الآباء والأبناء

كيف نظم الإسلام العلاقة بين الآباء والأبناء

كيف نظم الإسلام علاقة الآباء بالأبناء

نظَّم الإسلامُ العلاقةَ بين الآباء والأبناء، ابتداءً من اختيار الوالدين لبعضهم حتّى يكوّنوا أسرةً قادرةً على تنشةِ أبنائها تنشئةً سليمة، فقد أمر اللهُ -سبحانه وتعالى- الزَّوجَ المسلمَ باختيارِ زوجة صالحة تقية تحَفظُ نفسَها وزوْجها وبيتَها وأبناءَها، وكذلك الزَّوجة عليها اختيارُ زوجٍ يحفظها، ويكون عوناً لها على طاعةِ الله وتربيةِ أبنائهما التربيةَ السليمة، كما وقد ضَمِنتْ الشريعةُ الإسلاميَّةُ الحقوقَ الأساسيَّةَ للأبناءِ ومِن هذه الحقوق حقُّ النسب، فحقُّ الابن على والديه أن يُنسب لهما، والطريقُ الأساسيُّ لإثبات النَّسَبِ هو الزّواجُ الصّحيح فمجرد زواج الأبِ من الأم كفيلٌ بإثباتِ نسب الولد لأبيه دون حاجةٍ إلى اللُّجوء إلى طُرُق إثباتِ النَّسَبِ الطِّبِّيَّة وغيرها.[١][٢]

وقد أوْجَبَ الإسلامُ على الآباء تربيةَ أبنائهم منذ صغرهم على ما أمر الله -عز وجل- به من حقوقٍ وواجبات وأخلاق، وتنشئتهم على محبةِ الله -سبحانه وتعالى- وطاعتِه، والبعد عمّا يُغضبُه، لينشأَ المسلم على خشية الله -سبحانه وتعالى- وعلى الحرص على سعادتِه في الدُّنيا والآخرة، وواجبُ الآباءِ تجاهَ الأبناء رعايتهم الرِّعاية والعناية الشاملة فهم أمانة عند الآباء عليهم تأديتها على أفضل وجه، فالأبناء الصالحين بذورُ آبائهم الصالحين، فبذلك يكون ضمان أن يكون المجتمع صالحاً.[٣]

وكما أكَّد الإسلامُ على أهمية تربيةِ الأبناء، أكَّد أيضاً على أن تكونَ التربية بالعطف والحنان، فعلاقة الآباء بالأبناء علاقة ودٍّ ورحمةٍ وحُب وتآلف، فالآباء يصنعون بيئةَ المودةِ والسَّكينة للأبناء، وقد امتلأت سيرة الرّسول -صلى الله عليه وسلم- بنماذج عطفه ولطفه في التّربية، فورد أن رجُلاً رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقبِّل حفيده الحسن فتعجَّب الرَّجل وأخبرَ النبيَّ أنَّ عندَه عشرة أولادٍ لم يُقبِّل أحداً منهم أبداً فنظرَ إليه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ثم قَالَ:(مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ)[٤] فكان -عليه الصّلاةُ والسَّلام- شديدَ الرَّحمة والعطف على الأبناء، ويحثُّ على ذلك، ومن حقوق الأبناء التي نظمها الإسلام أيضًا حق الميراث للأبناء من آبائهم، فقد ورد في القرآن الكريم هذا الحق، وحدّده الله -عز وجل- في سورة النساء، فقد ذكر الله-عز وجل- نصيب الأبناء في كل الحالات من الميراث، فقال تعالى:(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا).[٥][٦]

رغم المشقة التي تُصاحب تربية الأبناء وطول وقتها إذ تبدأ الأمُّ رعايتها لابنها من اللَّحظة التي يأمر الله-عز وجل- بخلقه في رحمها، فيتغذى من غذائها، وعطفُها عليه يكون قبل خروجه للحياة، ومن ثم حين يُولد تستمر هذه الرعاية الحثيثة به، والأب الذي يُضحي بوقته وماله وأولوياته من أجل رعاية أبنائه وتوفير أفضل سُبل الراحة لهم، رغم هذه المتاعب العظيمة المصتحبة للتربية إلا أن تربية الأبناء الصالحين من أعظم استثمارات الآباء، فحين يصل الأبناء إلى مرحلة النضج والاعتماد على النَّفس يظهر وفاء الأبناء لوالديهم برَدّ بعض هذا العطف والحنان والرِّعاية التي قُدمت لهم في حالة ضعفهم وحاجتهم لآبائهم، وعلى الرَّغم من صعوبةِ الوفاء للوالديْن إلا أنّه من الواجب السَّعي والمحاولة لرَدّ الجميل، فقد أوْصى الله -عز وجل- بذلك في القرآن الكريم فقال تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)[٧][٨] ولا بدَّ من أن يكونَ الآباءُ والأبناءُ مدركين عالمينَ بحقوق بعضهم والواجبات التي عليْهم تأديتها وإلا فلن يُعطي الآباء للأبناء حقوقهم، ولن يردَّ الأبناءُ هذه الحقوق على والديهم.[٨]

كيف نظم الإسلام علاقة الأبناء بالآباء

أوصى الله -عز وجل- ببرِّ الآباء وطاعتِهم واحترامهم، والاهتمامِ بهم وتلبيةِ احتياجاتهم، وأكَّد الشرعُ على أن الأهميّة العظمى لهذه الرّعاية عند وصول الوالدين لسنِّ الكِبَر، فبهذه الحالة تلزمُ رعايتهم وصحبتهم، فمِنَ الإحسان والمروءة وحسن خلق وسلامة الفطرة، رعاية الوالدين في حالة عجزهم وضعفهم، فكيف إن كان هذا أمر من عند الله -عز وجل- وحق يجب تأديته للوالدين.[٩]

وتأديةُ حقوق الوالدين واجبة على كل مسلم ومسلمة ابتغاءً لرضا الله -عز وجل- ورحمته، وتكون تأدية حقوقهم، بطاعة الوالدين، حتى وإن كانا على غير دين الإسلام، إلا في حالة واحدة وهذه الحالة تكون فقط إن أمروا ابنهم بمعصية أو بما يخالف الشرع، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الوصايا متعلقة ببر الوالدين، فقال تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا)[١٠] فهذه الآية تدلُّ على التّحذير والتّنبيه على عدم التأفف من الوالدين وأوامرهما، خاصّةً عند الكِبَر تحديداً وعدم نهرهما ورفع الصوت فوق صوتهما، وعدم التثاقل من تقديم الخدمة لهما والعناية بهما، وأن يكون التّعامل معهما مبنيّ على الرحمة والعطف والتودُّد لهما، والتذلُّل عندهما وتلبية جميع رغباتهما، وأوصى الله-عز وجل- بالدّعاء لهما بالرَّحمة. [١١]

وممَّا يُعين على برِّ الوالدين أن الآباء قدوة لأبنائهم فعندما يكونوا بارِّين بوالديهم، يتعلمون البر والاحسان بالقوْل والعمل، ومن حق الأبناء أن يكون آباؤهم قدوةً صالحةً حسنة لهم، فالآباء هم القدوة بالصِّدق والإحسان والعطاء والرعاية، وبذلك نحافظ على المجتمع المسلم البار بوالديه، وعلى الآباء مراعاة تعليم أبنائهم تعاليم الإسلام وأحكامه، فيتعلم الأبناء من آبائهم الصلاة والصِّيام والقيام، وأركان الإسلام والإيمان، والأحكام التي أمر بها الله -عز وجل- ،فقال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[١٢] ويقتدي بذلك بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إذ أوْصى الآباءَ بمتابعة الأبناء بالصَّلاة، فالأمر بها يكون بعمر السَّبع سنوات، والضَّرب عليها بعمر العشر سنوات، وأمر أيضًا بالتفريق بين البنات والبنين بأماكن النَّوْم.[١٣]

ورد في السنة النبوية أحاديث تدل على مسؤولية الآباء تجاه الأبناء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قال : كفَى بالمرءِ إثمًا أن يُضيعَ من يقوتُ)[١٤] وأيضًا قوله -صلى الله عليه وسلم- :(إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استَرعاهُ، حفِظَ أم ضيَّعَ، حتَّى يسألَ الرَّجلَ عن أهلِ بيتِهِ)[١٥][١٦]

أهمية الأسرة في الإسلام

ذكر اللهُ -عزَّ وجل- في القرآن الكريم، أهمية الأسرة في المجتمعِ الإسلاميِّ فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[١٧] وحث على الاهتمام بالأسرة بشكل كبير، وفي جميع الأديان التي أنزلها، فالأسرة هي أمرٌ مُجمعٌ عليه بين البشر، والمجتمع يعتمد بشكل أساسي على صلاح الأسرة لضمان صلاحه، إذ يتكوّن المجتمع من مجموعة من الأسر، والأسرة تتكون من الأفراد، وكل فرد في هذا المجتمع عليه أن يكون صالحاً، ولا يتحقّقُ ذلك إلا إذا نشأ هذا الفرد في أسرةٍ صالحة، وهذا لضمان صلاح المجتمع الإسلامي فالأسرة المسلمة تُبنى على مبادئ وقيم وأخلاق الشريعة الإسلامية، وتتخللها المودة والرحمة، وهذا يُعين على التّربية السليمة والصحيحة، فالمجتمع يتكوّن من الأسرة والله -سبحانه وتعالى- أنزل الأحكام والأخلاق التي على الأسرة الالتزام بها والعمل بها؛ كي يخرج جيلٌ سليمٌ وصاحب فكر وخُلُقٍ كريم، فأساس التربية الأسرة، فإن فشل هذا الأساس فهذا الفشل سيؤدي إلى انهيار المجتمع وتراجعه لذلك على الآباءُ العنايةَ بالأسرةِ أشدّ عناية فهي أمانة في أعناقهم وسيحاسبون عليها يوم القيامة.[١٨][١٩][٢٠][٢١]

علاقة الآباء بالأبناء

خَلَق اللهُ -عز وجل- النّاسَ ليتكاثروا ويحقِّقوا الغاية التي خُلقوا من أجلها وهي عمارة الأرض والقيام بالاستخلاف الذي استخلفه الله لهم على هذه الأرض، وشَرَع سبحانه وتعالى الزواج وجعل الإنجاب ثمرةً من ثمراتِه التي بها يتحققُ الحفاظُ على البشرية، وجعل الله -عز وجل- للأبناء حقوقاً على الآباء تضْمنُ الحفاظَ عليهم روحيّاً وجسديّاً وعقليّاً ونفسيّاً، ولا شكّ من وجود واجبات على الأبناءِ تأديتَها والقيام بها بأكملِ وجه، فالمسلمُ في المجتمع الإسلامي لَهُ من الحقوق بالتوازن مع ما عليه من الواجبات. وللأسرةِ في المجتمعِ المسلمِ مكانتُها وأهميتُها؛ فهي المَحضن للأبناءِ وهي أساس التّربية والأخلاق والقِيَم، ومنها يعرِفُ الأبناءُ ما لهم من حقوقٍ وما عليْهم من واجبات، ودوْر الأم أساسيٌّ في التربية، فهي مصدرُ الحبِّ والحنانِ والعطفِ والرَّاحة، أما الأب فهو القدوةُ والمَثَلُ الأعلى للأبناء، والمُعين والمرشد لهم.[٢٢][٢٣]

المراجع

  1. محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي ، صفحة 10. بتصرّف.
  2. نبيل السمالوطي ، بناء المجتمع الاسلامي، صفحة 91. بتصرّف.
  3. محمد الشنقيطي، دروس الشيخ محمد الشنقيطي، صفحة 10. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5997، صحيح.
  5. سورة النساء، آية: 7.
  6. محمود شوق، الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية، صفحة 293. بتصرّف.
  7. سورة الإسراء، آية: 23.
  8. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 622. بتصرّف.
  9. عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 1203. بتصرّف.
  10. سورة الاسراء، آية: 23-24.
  11. محمود شوق، الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية، صفحة 291. بتصرّف.
  12. سورة النساء، آية: 11.
  13. عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 11. بتصرّف.
  14. رواه النووي، في تحقيق رياض الصالحين، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 153، صحيح.
  15. رواه الالبني، في غاية المرام، عن انس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 271 ، صحيح.
  16. د. محمد لطفي الصباغ (13-12-2001)، “الاباء والابناء في الاسلام”، www.islamweb.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-9-2020. بتصرّف.
  17. سورة الروم، آية: 21.
  18. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم، صفحة 164. بتصرّف.
  19. محمد المنجد، دروس الشيخ محمد صالح المنجد، صفحة 1. بتصرّف.
  20. مجموعة من المؤلفين، الفقه المنهجي على مذهب الامام الشافعي، صفحة 21. بتصرّف.
  21. عمر سليمان الاشقر (1994)، نحو ثقافة إسلامية أصيلة، الاردن: النفائس، صفحة 215. بتصرّف.
  22. الاسرة حقوق الاولاد، صفحة 21. بتصرّف.
  23. محمود شوق (2001)، الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية، صفحة 292. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى