السيرة النبوية

جديد كيف كان النبي يأكل ويشرب

طريقة النبي في الأكل والشرب

هدي النبي في الأكل

ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يأكل مما تيسّر له من الطعام والشراب، ولا يرفض ما قُدّم له، ولا يطلب ما لا يجده، وقد روت عنه السيّدة عائشة -رضي الله عنها- أنّه كان يحبّ الحلوى والعسل، فقالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ الحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ)،[١] وكان -عليه الصلاة والسلام- يأكل اللّحم مطبوخاً ومشويّاً، وقد روى أبو هريرة عنه فقال: (أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة)،[٢] كما كان رسول الله يحبّ الثريد؛ وهو الخبز المقطّع المنقوع في مرق اللّحم، وربما يكون اللحم معه، وأكل -عليه الصلاة والسلام- الدّباء؛ وهو اليقطين أو القرع، وقد يجمع رسول الله بين نوعين من الطعام، فقد شوهد وهو يأكل الرُّطب مع ثمر القثاء، ولم يرد عنه أنّه عاب طعاماً قط، فإن أراده أكله، وإن لم يُردْه تركه، فقد روى ابن عباس عن خالد بن الوليد أنّه دخل على خالته ميمونة، فوجد عندها ضبّاً كانت أختها قد أهدتها إياه، فقدّمته للنبي ليأكل منه، فقالت إحدى النساء: أخبروا رسول الله أنّه ضبّ، فلما علم ذلك امتنع عنه، فسأله خالد إن كان أكله حراماً؟ فأجابه بالنفي، وإنّما لم يكن الضّباب في بلده، لذلك تعافُهُ نفسه، فأكل خالد منه ورسول الله ينظر إليه.[٣]

وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصبر على الجوع حتّى يظهر أثر ذلك على صوته، وقد يصل به الأمر لِأَن يربط حجراً على بطنه ليُسكِت جوعه، وأحياناً يمرّ شهرٌ وأكثر دون أن يوقَد في بيته نار الطعام، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- وقالت: (إنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ، وما أُوقِدَتْ في أبْيَاتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَارٌ، فَقُلتُ يا خَالَةُ: ما كانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الأسْوَدَانِ: التَّمْرُ والمَاءُ، إلَّا أنَّه قدْ كانَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأنْصَارِ، كَانَتْ لهمْ مَنَائِحُ، وكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن ألْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا)،[٤] وكان النبيّ يأمر نفسه وأصحابه بالتقليل والاعتدال في الطعام، حتى يكون ثلث البطن للطعام، وثلثه للشراب، وثلثه للهواء.[٥]

وكان -عليه الصلاة والسلام- يستخدم في أكله أصبعه الوسطى والإبهام والسّبّابة، فقد جاء عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّمَ كانَ يأْكلُ بثلاثِ أصابعَ، ولاَ يمسحُ يدَهُ حتَّى يلعقَها)،[٦][٧] وكان يتجنّب الأكل والشرب عندما يكون متّكئاً على جنبه الأيمن أو الأيسر، لِما في ذلك من التكبّر، ولا يأكل مما أُهديَ له حتى يأكل منها أصحابها، وذلك لِما حصل معه في الشاة المسمومة التي أُهديت له يوم خيبر، ومات بعض أصحابه منها،[٨] وكان النبيّ يكره أن يأكل الطعام الساخن، ويتركه حتى يذهب بخاره.[٩]

ويبدأ النبيّ طعامه بقول: “بسم الله”، ويأمر من معه بالتّسمية، ويقول لهم: (إذا أكَلَ أحدُكُم فليذكُرِ اسمَ اللَّهِ تعالى، فإن نسِيَ أن يذكرَ اسمَ اللَّهِ تعالى في أوَّلِهِ فليقُلْ: بسمِ اللَّهِ أوَّلَهُ وآخرَهُ)،[١٠] ثمّ إذا فرغ من طعامه قال: (الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مبارَكًا، غيرَ مَكْفيٍّ، ولا مودَّعٍ، ولا مُستغنًى عنهُ ربَّنا)،[١١] وإن أحبّ أكلاً مَدَحه، كما مدح الخل فقال: (نِعْمَ الأُدُمُ الخَلُّ)،[١٢] ويُكرم ضيفه بتقديم الطعام له، ويعرض عليه ذلك مراراً وتكراراً، وإن كان النبيّ ضيفاً عند قومٍ وقدّموا له الطعام، فلا يخرج من عندهم قبل أن يدعو لهم، فيقول: (اللهمَّ بارِكْ لهم فيما رزقتَهم، واغفِرْ لهم وارحمْهُمْ)،[١٣] ولا يأكل باليد اليسرى، وينهى عن ذلك، وحين شكى إليه بعضهم أنّهم لا يشبعون، أمرهم بالاجتماع على الطعام، وذِكر الله على طعامهم، وكان -صلّى الله عليه وسلّم- يسأل عمّا يقدّم له من الطعام، ولا يأكل إلا ما هو نافع له.[١٤]

هدي النبي في الشرب

أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالشرب قاعداً، فقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا فَالأكْلُ، فَقالَ: ذَاكَ أَشَرُّ، أَوْ أَخْبَثُ)،[١٥][١٦] وروى أنس -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثًا)،[١٧] بمعنى أنّه يشرب على ثلاث دفعات، وفي كل دفعةٍ كان يُبعِد فمه عن الإناء ويتنفّس خارجه ثم يُكمل،[١٨] كما كان ينهى عن التنفّس داخل الإناء، ويشرب باليمين، وقلّما يشرب واقفاً، لكن ورد عنه ذلك أحياناً، فقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: (سَقَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مِن زَمْزَمَ، فَشَرِبَ وَهو قَائِمٌ)،[١٩] وإن اجتمع القوم على شراب؛ فإنّ الساقي هو آخر من يشرب، ويبدأ بالتقديم باعتبار جهة اليمين، لا باعتبار السّن أو غيره، وكان -عليه الصلاة والسلام- يحبّ شرب اللبن، ويخصّص له شكراً يختلف عن غيره، فيقول: (من أطعمهُ اللهُ الطعامَ فليقلْ اللهم باركْ لنا فيهِ وأطعمنا خيرا منهُ، ومن سقاهُ الله لبنا فليقل اللهم باركْ لنا فيه وزدنَا منهُ)،[٢٠] وكان الحبيب المصطفى يحبّ الماء البارد العذب، ويطلبه ليشرب منه.[٢١]

الهدي النبوي

كانت حياة النبيّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وهدْيه خير ما يُقتدى به للأمّة، فأخلاقه وصفاته كلّها حسنة، وعبادته أكمل عبادة، وأساليب دعوته ومعاملته لغيره قريبةٌ ومحبّبةٌ للنفوس، ويكفي أن الله -عز وجل- شهد له بذلك في القرآن الكريم، فقال -سبحانه-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[٢٢] وقد أحبّه المسلمون أكثر من آبائهم وأبنائهم وأنفسهم، ووجدوا في حياته وهديه منهاج حياةٍ كاملة.[٢٣]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1474، صحيح.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 194، صحيح.
  3. مجموعة من المؤلفين، فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم، صفحة 73-74، جزء 15. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2567، صحيح.
  5. مجموعة من المؤلفين، فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم ، صفحة 75. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن كعب بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3848، صحيح .
  7. تقي الدين المقريزي (1999)، إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع (الطبعة الأولى)، بيروت : دار الكتب العلمية، صفحة 332، جزء 7. بتصرّف.
  8. جلال الدين السيوطي، الشمائل الشريفة دار طائر العلم، صفحة 240. بتصرّف.
  9. عبد الله اللحجي (2005)، كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (الطبعة الثالثة)، جدة: دار المنهاج، صفحة 92، جزء 2. بتصرّف.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3767، صحيح.
  11. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2672، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2052، صحيح.
  13. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن بسر، الصفحة أو الرقم: 3729، صحيح .
  14. محمد المنجد (31-12-1999)، “هديه صلى الله عليه وسلم في الطّعام والحمية”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2020. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2024، صحيح.
  16. محمد العثيمين (1426)، شرح رياض الصالحين، الرياض: دار الوطن، صفحة 248، جزء 4. بتصرّف.
  17. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5329، أخرجه في صحيحه .
  18. حمزة قاسم (1990)، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، دمشق: مكتبة دار البيان، صفحة 193، جزء 5. بتصرّف.
  19. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2027، صحيح .
  20. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3455، حسن.
  21. إسلام ويب (13-4-2008)، “هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أكله وشربه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-10-2020. بتصرّف.
  22. سورة القلم، آية: 4.
  23. عبد الملك القاسم، يوم في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، الرياض: دار القاسم، صفحة 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى