محتويات
'); }
طريق الجنّة
إنّ الحديث عن الجنّة حديثٌ تشتاق له نفوس المؤمنين، وتتطلّع إليه قلوب الموحّدين، ولقد كان من نهج الأنبياء -عليهم السلام- ترغيبَ أقوامهم بالأعمال والأقوال التي تؤهّلهم لنيل مرضاة الله تعالى ودخول الجنّة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يبشّرُ أتباعه بنعيمها، ويشوّقهم بوصفِ ملذّاتها وخيراتها، ولأجل ذلك كان يوصيهم بحُسنِ الاتباع، قال -عليه الصلاة والسلام-: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى).[١]
وفي استقراء النّصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنّة النبوية نجدُ أنّ أسباب تحصيل رضوان الله التي بسببها يُدخِل الله تعالى عباده الجنة كثيرةٌ جداً، ونستعرض في هذا الموضوع أهمّ موجبات دخول الجنّة.
'); }
الأسباب العملية التي تقود صاحبها لدخول الجنّة
وتنقسم إلى قسمين: الأعمال التّعبدية، مثل: الصلاة، والصيام، والزّكاة، والحجّ، والعمرة، وأعمال المعاملات الأخرى التي ورد في فضلها نصوص شرعية تحثّ عليها، وتؤكد فضلها، مثل: برّ الوالدين، وصلة الرّحم، وإماطة الأذى، وأمانة البيع وغيرها.[٢]
الأعمال التّعبّدية
- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن حافَظَ علَى الصَّلَواتِ الخَمسِ رُكوعِهِنَّ وسجودهِنَّ ومواقيتهِنَّ وعلِم أنَّهنَّ حقٌّ مِن عندِ اللَّهِ دخلَ الجنَّةَ أو قالَ: وجبَتْ لهُ الجنَّةُ أو قالَ: حُرِّمَ علَى النَّارِ).[٣]
- الصيام: ويقصد به صيام شهر رمضان وغيره ممّا وردت بفضله أحاديث نبوية، بالإضافة إلى صيام التّطوع،[٤] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ باعدَ اللَّهُ بذلِكَ اليومِ النَّارَ من وجْهِهِ سبعينَ خريفًا).[٥]
- أداء فريضة الحج وأداء مناسك العمرة: لهما أجرٌ عظيم وفضل كبير،[٦] وورد بشأنها أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنةُ والعمرةُ إلى العمرةِ تكفيرٌ لما بينَهُما).[٧]
أعمال المعاملات
- برّ الوالدين من أهمّ الأعمال التي يحرص عليها كلّ مشتاق لدخول الجنّة، ولقد ربط الله سبحانه في عدد من الآيات الكريمة بين توحيده بالعبادة وبرّ الوالدين تأكيداً على أهميته، وترغيباً لعباده بالحرص عليه،[٨] فقال سبحانه: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).[٩] والأم أولى بحسن الصحبة من الأب لما تحمّلته من الآم الحمل والولادة والرضاعة وغيرها، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: (قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ! من أحقُّ بحسنِ الصُّحبةِ؟ قال” أمُّكَ. ثم أمُّك. ثم أمُّك. ثم أبوك. ثم أدناك أدنَاك).[١٠]
- إماطة الأذى من طريق النّاس، يقول عليه الصلاة والسلام: (لقد رأيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ، في شَجرةٍ قطعَها من ظَهْرِ الطَّريقِ، كانت تؤذي النَّاسَ).[١١] وهذا المعنى يشمل كثيراً من السلوكيات الحميدة مثل: إزالة القاذورات والمحافظة على نظافة الطريق، وتسهيل العقبات وما يُعيق سيرهم في الطرقات.[١٢]
- الأمانة في البيع والتّجارة والصدق في المعاملات المالية بين النّاس، حيث إنّ هذه الصفات الحميدة تجلبُ رضى الله سبحانه وتعالى، لأنّ التاجر الصادق استشعر أهمية طيبِ المكسب، لذا فهو يستحقّ دخول الجنّة عند لقاء الله تعالى، بل وفي أعلى درجاتها،[١٣] يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهداءِ).[١٤]
- قضاء حاجات النّاس ومساعدة المحتاج منهم، وتؤكد السنّة النبوية على هذا المعنى الجليل، وتحثّ المسلمين على المبادرة في خدمة الخلق وإعانة المحتاج منهم أملاً بالفوز بالجنّة والنجاة من النار؛[١٥] فيقول عليه الصلاة والسلام: (… من كان في حاجةِ أخيه، كان اللهُ في حاجتِه. ومن فرَّج عن مسلمٍ كُرْبةً، فرَّج اللهُ عنه بها كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ. ومن ستر مسلمًا، ستره اللهُ يومَ القيامةِ).[١٦]
- التّرفع عن المجادلة وكظم الغيظ، والترفّع عن خصومة السفهاء من الأعمال التي تقود صاحبها إلى الجنّة،[١٧] قال صلى الله عليه وسلم: (مَن كَظَمَ غيظًا وهو قادرٌ على أن يَنْفِذَه دعاه اللهُ عزَّ وجلَّ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرُه اللهُ مِن الحُورِ ما شاءَ).[١٨]
ولا شكّ أنّ هذه الأعمال غيضٌ من فيضِ أعمال أخرى كثيرة تأخذ بيدِ أصحابها إلى حيث رضوان الله تعالى ودخول الجنة، مع التّأكيد على أنّ اجتناب المسلم للمحرّمات والمعاصي التي نهى عنها الإسلام، وكذلك التوبة العاجلة الصادقة من كبائر الذنوب، كلّ ذلك سبب عظيم من أسباب استحقاق رحمة الله بدخول الجنّة.[١٩]
الأسباب القولية التي تقودُ صاحبها لدخول الجنّة
- الإكثار من قول “لا إله إلا الله” والحرص على ترديدها آناء الليل والنّهار بقلبٍ مخلص، عسى أنْ تكون شهادة التّوحيد آخر ما يقوله العبد في دنياه؛ فيفوز بدخول الجنّة،[٢٠] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كان آخرُ كلامِه لا إلهَ إلَّا اللهُ دخَل الجنَّةَ).[٢١]
- الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة، وألفاظها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه الأذكار هي الباقيات الصالحات التي توصل المسلم الذاكر إلى الجنة،[٢٢] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟ قُلْتُ: غِرَاسًا لِي. قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ)[٢٣]
- الدّعاء والطلب من الله تعالى بدخول الجنّة، بل إنّ المسلم يُحسن الظنّ بالله تعالى فيدعو ربّه دخول الجنّة بلا حساب، ويدعوه بالنّجاة من النار لتكون الجنّة أوّل دخوله؛ فلا يخرج منها أبداً، وهذا المعنى مستنبطٌ من تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[٢٤][٢٥] وقد سأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلاً: (كيفَ تدعُو في الصلاةِ؟ قالَ: أتشهّدُ وأقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ، وأعوذُ بِكَ مِنَ النَّار، أمَّا إنِّي لا أحسنُ دندَنَتِكَ ولا دندَنَةَ معاذِ. فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: حولَها نُدَنْدِنُ).[٢٦]
- المحافظة على قراءة القرآن الكريم، وقد ورد في الأحاديث النبوية ما يؤكد أنّ مداومة قراءة القران الكريم مع تدبّر آياته ترفع درجات المسلم في الجنّة؛ فكلّما زاد العبدُ بالترتيل والتلاوة والتّدبّر زاد ثوابه وارتفعت درجته عند لقاء الله تعالى،[٢٧] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها).[٢٨]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7280 ، حكم الحديث صحيح.
- ↑ عبد الكريم زيدان (1421هـ)، أصول الدعوة (الطبعة التاسعة)، بيروت: دار الرسالة، صفحة 41.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن حنظلة بن حذيم الحنفي، الصفحة أو الرقم: 1/191، خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد ورواته رواة الصحيح.
- ↑ علي القاري (1422هـ)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 1409، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح سنن ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1404، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
- ↑ أحمد العسقلاني (1379هـ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار المعرفة، صفحة 598، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حزم، في المحلى، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7/68، خلاصة حكم المحدث: احتج به، وقال في المقدمة: (لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند).
- ↑ د/ خالد سعد النجار، “بر الوالدين”، WWW.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-10-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 23.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2548، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1914، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
- ↑ عبد الرحيم العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، مصر: الطبعة المصرية القديمة، صفحة 304، جزء 2.
- ↑ صالح الأطرم (21-7-2014)، “فضل الصدق في التجارة”، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3-11-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1209، خلاصة حكم المحدث: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
- ↑ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، محمود العيني، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 288، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2580، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
- ↑ فيصل النجدي (2002م)، تطريز رياض الصالحين (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة للنشر، صفحة 411. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في سنن أبي داود، عن معاذ بن أنس الجهني، الصفحة أو الرقم: 4777، خلاصة حكم المحدث : حسن.
- ↑ محمد التويرجي (1430 هـ)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: بيت الأفكار الدولية، صفحة 542، جزء 4.
- ↑ محمد الشوكاني (1413هـ)، نيل الأوطار (الطبعة الأولى)، مصر: دار الحديث، صفحة 26، جزء الرابع. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2/369، خلاصة حكم المحدث: ثابت صحيح من طرق كثيرة.
- ↑ عبدالمجيد الدهيشي (29-6-2013)، “فضل الذكر”، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 7-11-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن ماجه، في حاشية السندي على سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3807، حكم الحديث صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 201.
- ↑ محمد الأندلسي (1993)، البحر المحيط (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 113-114، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه محيي الدين أبو زكريا النووي، في خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 1/443، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
- ↑ عبد الرحمن السيوطي (1424هـ)، قوت المغتذي على جامع الترمذي، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، صفحة 732، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1464 ، خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح.