محتويات
كيف تكون إنسان متفائل
جلس بحضرة الاسطوانة الموسيقية يتكئ على مسند متكدّس بالأمنيات تسافر مع كل موعد نوم لتأتيه في الأحلام مراراً وتكراراً، يمرّ طيف الذكريات يؤنس قلبه، ترتسم أسارير السعادة على وجهه بخطوطٍ عريضة، أمامه باقة ورد مكلّلة بنسائم العطر الندية تحمل في شذاها أملاً وبريقاً بغد أبيض، منسوب من الحب يعلن بوحه، يلهج بكلمات الأغنية كصوفي في ليله ثمل سعادة، يثق بأن طريقه تفترشها الورود بشكل عشوائي كعشوائية “بيكاسو” المثيرة، ومُضاءة بالمصابيح الحمراء التي تمنع كل عجز وكسل، وتُنذر بقاموس الحب الذي يدق من عيون الفرح المُتقدة بالتفاؤل والرضا، والسعادة، ولحظة الحياة المرجوة.
ينقل بصره للسماء، يُعجبه اللون الأزرق الذي ترتديه، وتتدثر به، يرى الشمس كحسناء في سن العشرين تختلب القلوب، تأسر عين الناظر، والعصافير تشدو على أغصانها تنسج لحناً عذباً ليوم جديد، يؤمن أن اتساع السماء دلالة كافية على اتساع الحياة، الأمل، التفاؤل، يفتح النافذة المعبثة بالنشاط، والحياة، والإشراق، ويتنفس كل الهواء السعيد به، بحلمه، بايجابيته، ويحمد الله على فيض نعمه، واتقان صنعه بجمال الطبيعة وشلالات الماء المُتدفقة التي تتوازى مع تدفق الأمل في الوريد من جديد.
إن إحسان الظن بالحياة أدب، وذوق يخص الإنسان المتفائل، ويعلن عقد الاتفاق بينهما على أن يسيرا معاً، ليُقَطّعا كل أجزاء التشاؤم، ويلقيانها في قاع المحيط إرباً إرباً، ولما كان المسلم متفائلاً بربه ساق الله إليه كل أسباب الرضا، والقناعة، والفرح، وزوّده بالتفكير في ملكوته أكثر؛ ليزداد التفاؤل أكثر، ويسكن اليقين، والاطمئنان قلب المسلم.
الإسلام والتفاؤل
الإنسان المؤمن يحب الخير، ويتشوق له، ويجعل قلبه متعلقاً بالرجاء بالله، والأمل فيه، ويُسكن قلبه الرضا، والطمأنينة بحسن الظن بخالقه.
لم يترك الإسلام باباً إلّا وتحدث عنه، فها هو رسول يوصينا ” تَفاءَلُوا بِالخيْرِ تَجدُوه”، وذكر الله، والقرب منه طاعة تمنح المسلم سكينة، وانشراحاً، وتُسكن قلبه الرضا، وباب الدعاء الذي شرّعه الله مفتوحاً طيلة الليل، والنهار لطلب الحاجة، وإجابة الأمنيات، وتحقق الأحلام يعطي المسلم تفاؤلاً، ويملأ قلبه اليقين بأن الأمر كله لله، بيده مفاتيح الأرض يقلبها كيف يشاء. لذا كان واجباً على المسلم الحق أن يُحسن علاقته مع الله، ويُكثر من النوافل، والطاعات، ويُلبي نداء الله، وفرضه لتُلبَّى حاجته مهما عسرت الدنيا أمامه؛ لأن الله أمره كن فيكون، يغير من حال إلى حال، ويُقدّر الخير فقط، ولو علمت قلوب العباد برحمة الله، وكيف أنه يُرتِّب لعباده سبل السعادة، والنجاة، والفلاح لذاب القلب حباً له، وشوقاً لرؤيته.
درته، إنّ كل ما يحدث لنا خير لا نعلم حقيقته إلا بعد أن ندركه وتتضح ماهيته، فلعل كل تأخير خير وفير.
أذكار الصباح والمساء عامل مهم لانشراح النفس، وسكينتها، وزيادة أملها، وتوكلها على الله؛ فالطاقة الايجابية تأتي من ذكر الله أكثر من أي شيء آخر، وتدفع المسلم للسعي جاهداً في العمل، والنشاط، واليقين بنتائج مرضية تزيده سروراً، وتغمر قلبه رضا، والمسلم يُصبح ويُمسي في نعمة وعافية وستر ويرجو في ذكره أن يمن الله عليه بالدوام والإتمام.
الإيجابية والتفاؤل
هنالك علاقة مترتبة على بعضها البعض بين التفاؤل، والإيجاب؛ إذ إنّ الشخص الإيجابي يُقر بالمشكلة، ويجد حلاً لها في ذات الوقت، يصنع البدائل، ويعرض المقترحات ويتغلب عليها، وعالم الأرقام يُشير إلى عدة أمور يجب المواصلة عليها وصولا إلى حياة رحبة بالتفاؤل:
- حافظ على علاقتك مع ربك واحتكم لأمره، وأكثر من ذكره، وطاعته ستوهب حياة ملآى بالخير، والرضا.
- كن إيجابياً في عقلك الباطن، ردد عبارات الفرح، والأمل، والإيجابية لمدة لا تقل عن أسبوع؛ لترى بعدها عالم مُيسر يخضع لإرادتك، وأمنياتك.
- مارس هواية القراءة وتصفح الكتب، وعرض سيرة الناجحين، واقتفاء أثرهم لتُمدَّ بعزيمة، واصرار على مواصلة المشوار.
- ضع جدولاً ليومك يُركز على نشاطاتٍ تربوية، وفكرية لينمو عقلك ويتزن، وتتتسع مدارك الحياة لديك، وتقضي على كل أنواع الملل، والتشاؤم.
- تجنب الأفكار السلبية التي تنخر بالعقل وَهناً، واستبدالها بمقولة : “أنا أستطيع، أنا أقدر”.
- ممارسة التمارين المُحفزة على تنمية المهارات وتطويرها، وبث روح التفاؤل، وصناعة الحياة المشرقة.
إن برمجة العقل على أن تكون إنساناً متفائلاً رحباًيجعل حياتك مطمئنة هانئة حيوية، بخلاف المعتقدات المشؤومة التي تُسقط الجزع فيك، وتصنع الخطأ، كذلك التفكير بايجابيات الحياة، كسلامة البدن والجوارح، وتوفر مستلزماتها عامل مهم لسلامتها، وطول نجاحها، وتيسير صعابها.
الفرق بين المتفائل والمتشائم
- المتفائل يثق بربه ويحُسن التوكل عليه مع ضرورة السعي، والمتشائم يتواكل، ويتكئ على غيره في أمنياته.
- العاقل الفطِن يرى الحياة بألوان الربيع المُبهجة بيد أن المتشائم ينظر من نظارة سوداء لا بياض فيها.
- المتفائل يُوجد ألف سبب لإسعاد نفسه، وطمأنة سريرته، وبلسمة حياته، والمتشائم يصنع ألف عثرة في طريقه بكثرة تردد، وخوفه.
- المتفائل روحه وقّادة نشطة يرى الخير، ويعمل جيدا للحصول عليه، المتشائم كسول لا يرى فصول الحياة بربيعها.
- المتفائل يحب النهار، والعمل، ووهج الشمس المُنذر بالأمل، المتشائم يحب الليل وظلمته، ويتجول أركان ملاءته، وهي تغطي أكناف السماء.
- المتفائل أقل عرضة بالأمراض، وأكثر حظاً بالسعادة، المتشائم أكثر عرضة بالأمراض المزمنة مثل السكري، والضغط، والقلب، وأقل نصيباً من السرور؛ لأنه يكتئب سريعاً، ويرى لون الحياة باهتاً.
قد تنخر في الإنسان التساؤلات، وحيرة الاجابات، وارهاق التفكير إلى الحد الذي يجعله يُلصق البنطال بالمكواة، ثم تقرع أنفه رائحة الحريق، وإلى الحد الذي يجعله يركب السيارة مرتين، وينسى أن يُعطي السائق حقه، ثم إلى أن يترك ظله في الشارع، وتسقط منه حاجياته، ثم يعود للبيت، ويحتسي فنجان قهوته، ويمارس طقس التفاؤل، والحياة، وينسى ما حصل، ذلك هو قلب التفاؤل، وعفويته، وجمال ملمسه في الحياة اليومية، وتغيرات حالها.
آثار التفاؤل
التفاؤل مداه طويل، ونتيجته واضحة مشرقة، وآثاره كثيرة منها:
- قوة الصلة بالله عز وجل، فالدعاء، واستجابته يصنعان في قلب المؤمن سعادة، وراحة بال.
- يجعلك شخصاً منتجاً فاعلاً في المجتمع تملك فكرك، ورأيك، وتقدمه لينتفع غيرك.
- تصبح قوياً معتزاً بذاتك واثقاً من نفسك.
- يمنحك السعادة الدائمة بدوام التفاؤل، وتكون بسَّاماً بشوشاً معلناً الفرح.
- يزيد من نجاحاتك، ونشاطاتك، ويُنبئك بالأفضل دوماً.
- يجعلك مطمئن النفس مرتاح البال متوكل على رب الأسباب.
- يرفع من معنوياتك، ويُوهن الهزيمة، ويُوقعها أرضاً.
- يجعلك نشيطا ًذو عافية، وسلامة.
- يبعث فيك حب المغامرة، والنجاح.
“أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ” هذه الآية لهي خير وفير، يقين قائم تطمئن المسلم بالتفاؤل بربه، وحسن الظن به.
تصبغ السماء وجنتينا بالتفاؤل، نقرأ على صدر الغيم رسالة الشكر بأنا من نُعبئ الهواء فراشاً يكتسي ألوانه منا، حين يعود الصباح يملأ مساماته بأفراح الحياة، يتربع الربيع في صدورنا، يتضاعف الأمل فينا، يُشرق الضوء من قلوبنا، ويبزغ اليقين من عيوننا، كل ذلك يختمر لأجل مستقبل يكسو جماله بنا، نخلع صوت التشاؤم كي يستديم السمر، كل الحياة نقاء حين التفاؤل تحت رعشة القم، وصايا الحكماء تخبرنا بأن نثق في أحلامنا لتزهر ربيعاً واقعاً، فكل ما هو عالقٌ في رحم الغيب خيرٌ لنا.