اسئلة دينية

جديد كيف تعلم أن الله غفر لك

التّوبة

من علامات المؤمن التقيّ السّعي لغفران ذنبه الذي يرتكبه في حقّ الله تعالى؛ فهو ينظر إلى ذنبه مهما صغُر وكأنّما هو جبل يوشك أن يقع عليه، وقد وضّح النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام ذلك، وإن ارتكب المؤمن التقيّ معصيةًَ فإنّه يذكر الله تعالى، فيستغفر لذنبه؛ لعلمه بضعف حاله، وقلّة حيلته، وافتقاره إلى رحمة ربّه سُبحانه وتعالى، قال جلّ وعلا في ذكر المُتَّقين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).[١]

ولا يخلو أحدٌ من النّاس مهما كان إيمانه من المعاصي والذّنوب، فكلّ بني آدم خطّاؤون ولم يعصم الله أحداً من خلقه إلّا أنبياءه وملائكته، ولهذا على الإنسان أن يُدرِك ابتداءً أنّه غير معصوم من الذّنوب والمعاصي، وأنّ عليه أن يرفق بنفسه ولا يُحاسِبها حِساباً عسيراً، بل يتّبع المنهج الرّبانيّ حيث التّوبة النّصوح التي تُمحى بها الذّنوب والخطايا.

معنى الاستغفار

  • الاستغفار لُغةً: الاستغفار لُغةً: مصدر غَفَرَ، وتأتي بمعني التّغطية والسَّتْر، غَفَرَ الله عزَّ وجلَّ الذّنوب: إذا سَتَرها.[٢]
  • الاستغفار اصطلاحاً: للاستغفار العديد من التّعريفات التي يُعرَّف بها اصطلاحاً، وقد نصَّ عليها العلماء في عدّة مواضع، ومن تعريفات الاستغفار: هو طلب العبد المغفرة من الله تعالى بعد رؤية قُبح المعصية، والإعراض عنها،[٣] ويمكن تعريف الاستغفار أيضاً بأنّه: طلب العفو من الله تعالى عمَّا اقترف العبدُ من ذنوبٍ وآثام.[٤]

ثمرات الاستغفار وفضائله

جاء بيان ثمرات الاستغفار ونتائجه في العديد من المواضع في كتاب الله سبحانه وتعالى، وأحاديث نبيّه المصطفى عليه الصّلاة والسّلام؛ وممّا جاء فيها قول الله تعالى في سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،[٥] وكان من تلك الثّمرات والفضائل التي أشارت إليها النّصوص الصّحيحة ما يأتي:

  • الاستغفار سببٌ لجلب الرّزق وتنميته وتكثيره: حيث يُعدّ الاستغفار من أهمّ الأسباب التي تجلب الرّزق، وتُنمّيه، وتبارك فيه، ومن أوجُه تكثير الرّزق نزول الغيث بعد القُنوط منه، وما له من آثار في نموّ الزَّرع وزيادة المحاصيل، والاستغفار كذلك سببٌ لتحصيل الرّزق المتمثّل بتحقُّق البركة في الأموال والأولاد، قال الشعبيّ: (خرج عمر يستسقي، فلم يزِد على الاستغفار حتّى رجع، فأُمْطِروا، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السّماء التي يُستنزَلُ بها المطر).[٦]
  • الاستغفار تكفيرٌ للذّنوب وإزالة الآثام والسيّئات:[٦] فإن المسلم إذا عصى الله أو أذنَبَ ذنباً ثمّ استغفر الله، فإنّ الله وعده بأن يمحو تلك المعاصي والذّنوب عنه حتّى تعود صفحته بيضاء خاليةً من الذّنوب والآثام، ومن ذلك قول الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).[٧]
  • محبّة الله لمَن يستغفره: أوجب الله سُبحانه وتعالى محبّته لمن يستغفره؛ فهو يفرح بتوبة عباده ورجوعهم إليه، ويرضى عنهم ويُباهي بهم الملائكة على قربهم منه.[٨]
  • استجلاب الخير والبركة: فالمداومة على الاستغفار تجلب الخير والبركة للعبد، ودليل ذلك دعوة نوح عليه السّلام لقومه وتوجيهه لهم بالاستغفار؛ ليُزاد رزقُهم وينمو، ويظهر ذلك في قول الله تعالى على لسانه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).[٩]
  • الاستغفار طريقٌ للنّجاة من عذاب الله واستحقاق عذاب القبر: فقد قال الله تعالى لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[١٠]
  • الاستغفار سببٌ في تفرِيج الكروب والبُعد عن الهموم: فقد رُوِي عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن لزِم الاستغفارَ جعل اللهُ لهُ من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرَجاً، ورزَقه من حيثُ لا يحتسبُ).[١١]
  • في الاستغفار اقتداءٌ بالأنبياء والرُّسل عليهم السّلام: فقد لجأ الأنبياء والرُّسل جميعاً إلى استغفار الله والتوجُّه إليه في أوقات الشِّدّة وفي أوقات الرخاء، فقد طلب آدم عليه السّلام وزوجته حوّاء المغفرة من الله تعالى بعد أن خالفا أوامره، فأكلا من الشّجرة التي نهاهما عن الاقتراب منها، ويظهر ذلك في قول الله سبحانه تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)،[١٢] واستغفر موسى عليه السّلام ربّه بعد أن وكز رجلاً فقتله دون قصد، فقال الله تعالى على لسان موسى عليه السّلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).[١٣]

علامات مغفرة الذّنوب

لا يُمكن لأيّ شخص أن يطَّلِع على حقيقة مغفرة الله لذنوبه، فهي من الأمور الغيبيّة التي لا يعلمها أحدٌ إلّا الله، ولكن توجد بعض العلامات والدّلائل التي تُظهر قَبول التّوبة، ومغفرة الله ذنوبَ العبد، وما اقترف من آثامٍ ومعاصٍ بحقّ الله سبحانه وتعالى، وتظهر تلك العلامات على العبد إذا استغفر الله وتاب إليه توبةً صادقةً خالصةً لوجه الله، ومن تلك العلامات ما يأتي:[١٤]

  • أن يجد المُستغفِر حُرقةً وألماً على ما ارتكب من الذّنوب، والآثام، والمعاصي.
  • أن ينظر المُستغفِر إلى نفسه بعد التّوبة بعين التّقصير على ما ارتكب من ذنوبٍ بحقّ نفسه، وبحقّ خالقه.
  • أن يكون المُستغفِر شديد البُعد عن كلّ ما يؤدّي به إلى الوقوع في الذّنب الذي تاب منه، فيبتعد عن كلّ ما يمكن أن يُعيده إلى ارتكاب الذّنب مرّةً أخرى.
  • أن يُقبِل العبد على الله في أبواب الطّاعات والقُرُبات والنّوافل جميعها، ويسعى جاهداً لترك المُحرَّمات كلّها، ويبتعدَ عن رفقاء السّوء الذين يُعينونه على ارتكاب المعاصي.
  • أن ينظر إلى توفيق الله له بالتّوبة على أنّها نعمة أنعم الله بها عليه، ويسعى للمحافظة عليها والتمسُّك بها، وشُكر الله على ما أنعم به من نعمة الهِداية.

شروط صحّة الاستغفار

ينبغي على من أراد أن يتوب من الذّنوب والآثام، ويكون استغفاره صحيحاً مَقبولاً عند الله أن يُنفِّذ بعض الأمور التي لا بُدّ من توفُّرها لتصِحّ التّوبة، وتدلِّل على صدقها، ومن شروط التّوبة:[١٥]

  • ندم العبد على ما اقترف من الذّنوب، والخطايا، والآثام.
  • العزم على ألّا يعود إلى الذّنب الذي تاب منه مطلقاً.
  • الإقلاع عن المعصية.
تصدُق هذه الشروط الثّلاثة في الأعمال التي يكون ذنبُها مُتعلّقاً بحقوق الله عزّ وجلّ، أمّا إن كان الحقّ لآدميٍّ فيُشترط مع تلك الشروط الثلاثة السّابقة أن يرُدّ التّائب الحقّ لصاحبه؛ فالتّوبة مع بقاء الحقّ بذمّته أو تحت يده مثل عدمها.

وقال بعض العلماء: إنّ للتّوبة من الذّنوب إن كان الذّنب بين العبد وخالقه خمسة شروط لا ثلاثة، وهي:[١٦]

  • أن يُخلِص العبد التّوبة لله عزَّ وجلّ.
  • أن يُقلع عن المعاصي التي استغفر منها فوراً.
  • أن يندم على ما فعل من ذنوب وآثام.
  • أن يعزم على ألّا يعود إلى المَعصية أبداً.
  • أن تكون التّوبة في وقتها، فلا تُقبَل التّوبة بعد طلوع الشّمس من مغرِبها، ولا تُقبَل توبة من تاب هرباً من الحساب والعقاب، كما حصل مع فرعون.

فإذا فُقد أحد هذه الشّروط لم تُقبَل توبة العبد، وإن تعلّق الذّنب بحقّ إنسان فيُشترَط مع ما ذكر سابقاً أن يَبرأ التّائب من الحقوق التي عليه للنّاس باستحلالِهم منها، أو ردّ حقوقهم إليهم. وتتضمّن التّوبة النَّصوح ثلاثة أمور، هي: التّوبة من الذّنوب والمعاصي جميعها، والعزم على التّوبة وعدم الوقوع في المعاصي مُطلقاً، وإخلاص التّوبة لله جلّ وعلا،[١٦] فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[١٧]

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية: 135.
  2. ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة: 25، جزء: 5. بتصرّف.
  3. الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة: 18.
  4. محمد رواس قلعجي، حامد قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عَمَّان: دار النفائس، صفحة: 275. بتصرّف.
  5. سورة نوح، آية: 10-12.
  6. ^ أ ب محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تفسير القرطبي، بيروت: دار الفكر، صفحة: 277، جزء: 11. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 110.
  8. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، صفحة: 5، جزء: 4. بتصرّف.
  9. سورة نوح، آية: 10-12.
  10. سورة الأنفال، آية: 33.
  11. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عبد الله بن عباس، الصّفحة أو الرقم: 210/11، صحيح.
  12. سورة الأعراف، آية: 23.
  13. سورة القصص، آية: 16.
  14. “من علامات قبول التوبة حسن الحال بعدها”، إسلام ويب – مركز الفتوى، 18/6/2001، اطّلع عليه بتاريخ 17/12/2016. بتصرّف.
  15. أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان، الأسئلة والأجوبة الفقهية، صفحة: 87، جزء 6. بتصرّف.
  16. ^ أ ب محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: بيت الأفكار الدولية، صفحة: 537، جزء: 5. بتصرّف.
  17. سورة التحريم، آية: 8.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى