محتويات
كيفيّة رؤية هلال العيد
اتّفقت المذاهب الفقهية الأربعة على اشتراط إخبار شاهدين عدلين برؤية هلال شهر شوال لثبوت انتهاء شهر رمضان وبداية عيد الفطر، واستندوا في ذلك إلى أدلّة عدّة، منها ما رواه عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن بعض أصحاب رسول الله أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (صُومُوا لِرُؤيَتِه وأفْطِرُوا لرؤيَتِه، وانسُكُوا لها، فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلُوا ثلاثينَ، فإن شَهِدَ شاهدانِ، فصُوموا وأفْطِرُوا)،[١] ودلالة قوله -عليه الصلاة والسلام- (فإن شَهِدَ شاهدانِ، فصُوموا وأفْطِرُوا)؛ عدم قبول شهادة الواحد في الحكم على نهاية رمضان وبداية شوال،[٢] وفيما يأتي تفصيل المسألة عند المذاهب الفقهية الأربعة.
رؤية هلال العيد عند الشافعيّة
يُحكَم عند الشافعية برؤية الهلال من قِبل شاهدَين عدلَين على بداية الصيام ونهايته باشتراط العدالة الظاهرة للشاهدين، وأجازوا في قول قبول رؤية الشخص الواحد لهلال شهر رمضان، بينما لا تُقبَل شهادة الشخص الواحد برؤية هلال شهر شوّال؛ استناداً في ذلك إلى ما ورد عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما- من أنّهما قالا إنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يصوم بشهادة الواحد، بينما لم يكن يفطر إلّا بشاهدَين.[٣][٤]
رؤية هلال العيد عند الحنفيّة
تختلف شروط الرؤية عند الحنفية باختلاف أحوال الجو في السماء، وهي كالآتي:[٥]
- حال غيم السماء: يُحكَم بثبوت هلال شهر شوّال بشهادة عدلَين مسلمَين حُرَّين مُكلَّفَين، ليس عليهما حَدّ قَذفٍ، أو شهادة رجلٍ واحدٍ وامرأتَين، خلافاً لثبوت هلال شهر رمضان، حيث يثبت بشهادة مسلمٍ واحدٍ بالغٍ عاقلٍ عَدْلٍ، ذكراً أو أنثى، وتقبل شهادة مَن سبق منه القَذف ثمّ تاب، بَيْد أنّ الشهادة يجب أن تكون عند الحاكم في ليلة الرؤية؛ فقد روى أحد صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (اختلَفَ النَّاسُ في آخرِ يومٍ من رمضانَ، فقدِمَ أعرابيَّانِ، فشَهِدا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ باللَّهِ لأَهَلَّا الهلالَ أمسِ عشيَّةً، فأمرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ النَّاسَ أن يُفطِروا).[٦]
- حال صَحو السماء: لا بُدّ من رؤية جماعةٍ كثيرةٍ في حال الصّحو لثبوت رؤية هلال شهر شوّال، أو شهر رمضان، على اعتبار أنّ الرؤية الفرديّة تُوحي بالخطأ
رؤية هلال العيد عند المالكيّة
فرّق المذهب المالكيّ في رؤية الهلال؛ فالبلد الصغير تثبت الرؤية فيه بعدلَين؛ سواء كانت السماء صافيةً، أو غائمةً، أما إن كان البلد كبيراً، فإنّ الرؤية تثبت بشاهدَين في السماء الغائمة، أمّا إن كانت السماء صافيةً، فالأصل أنها تثبت بعددٍ كبيرٍ، وإن انفردَ شخصان فقط بالرؤية، فإنّه يتمّ قبول شهادتَيهما عند الإمام مالك، وبناءً على ذلك؛ فإنه لا صيام ولا فطر إلا بشهادة رجلَين عدلَين حُرَّين، ولا تثبتُ عندهم الرؤية من النساء، كما لا تُقبَل شهادة عَدْلٍ واحدٍ،[٧][٨] وقد بيّنت الشريعة أنّ إثبات رؤية الهلال مُقتصِرةً على الرؤية والشهادة، وعليه فلا أخذٌ، ولا قبولٌ لرأي أهل العدد والنجوم.[٩]
رؤية هلال العيد عند الحنابلة
تثبت عند الحنابلة رؤية هلال العيد ودخول شهر شوّال برؤية عدلَين؛ استناداً إلى قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فإنْ شَهِدَ شاهِدانِ مُسلِمانِ فصُومُوا و أفْطِرُوا)،[١٠] ومن الجدير بالذكر أنّ الإعلان عن رؤية هلال شهر شوّال يكون ليلة بدء الشهر؛ أي ليلة العيد، إلّا أنّه إذا لم يتمّ الإعلان في ذلك الوقت، وتمّ الإعلان في نهار العيد، فإنّ المسلمين يُفطرون، ويقيمون صلاة العيد في اليوم الذي يليه.[١١][١٢]
حُكم الاستعانة بآلاتٍ لرؤية الهلال
أجاز أهل العلم استخدام آلات الرَّصد، مثل العدسات المكبّرة والمُقرِّبة بهدف تسهيل رؤية الهلال، إلّا أنّهم قالوا بعدم جواز اعتماد علوم الفلك وحساباته لتحديد ثبوت دخول رمضان وخروجه؛ وقد استدلّوا على ذلك بالأدلة الشرعية التي تربط ثبوت هلال شهر رمضان وشهر شوال بالرؤية البصرية، ومن أوضحها دلالة على ذلك ما صحّ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقالَ: (لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، ولَا تُفْطِرُوا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ علَيْكُم فَاقْدُرُوا له)،[١٣] وهذا الموقف الشرعي الصريح لا يعني عدم الاستعانة بعلماء الفلك وحساباتهم في المسائل التي تعينهم على الرؤية، مثل تحديد الأوقات والساعات والأماكن التي يُنصح بها لتحرّي ظهور الهلال، بل إنّه من المستحسن فعلُ ذلك، لما فيه من تسهيل المهمّة، وتمكين عدد أكبر من الشهود على الرؤية.[١٤][١٥]
ثبوت العيد
يتمّ الجزم بثبوت العيد في الحالتَين الآتيتَين:[١٦]
- شهادة عدلَين: فرؤية هلال شهر شوّال، وتحديد نهاية شهر رمضان، وأوّل أيّام العيد تكون من خلال شهادة عَدلَين، وهذا ما اتّفق عليه العلماء، وتجدر الإشارة إلى أنّ رؤية هلال العيد لا بُدّ من الاحتياط فيها؛ وذلك لأنّها خروجٌ من عبادةٍ؛ ألا وهي صيام شهر رمضان المبارك.
- إكمال ثلاثين يوماً من شهر شعبان؛ فقد صحّ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)؛[١٧] وذلك في حال عدم رؤية هلال شهر رمضان، أمّا إن تمّ صيام شهر رمضان المبارك، وتعذّرت رؤية هلال العيد وشهر شوّال، فإنّ على المسلمين إكمال صيام رمضان ثلاثين يوماً، وذلك ما ورد في السنّة فيما أخرجه الإمام مسلم عن محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ قال: (فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ أُغْمِيَ علَيْكُم فاقْدِرُوا له ثَلاثِينَ).[١٨]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 2115، صحيح.
- ↑ “طُرُقُ إثباتِ خُروجِ شَهرِ رَمَضانَ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2020. بتصرّف.
- ↑ البغوي، أبو محمد (1997)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 149-151، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ العمراني (2000)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 482، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن رجل من الصحابة، الصفحة أو الرقم: 2339، صحيح.
- ↑ ميارة (2008)، الدر الثمين والمورد المعين، القاهرة: دار الحديث، صفحة 457. بتصرّف.
- ↑ محمد بن يوسف المواق (1994)، التاج والإكليل لمختصر خليل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 279، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ القاضي عبد الوهاب، المعونة على مذهب عالم المدينة، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، صفحة 456. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن رجال من الصحابة، الصفحة أو الرقم: 3811، صحيح.
- ↑ محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 5، جزء 101. بتصرّف.
- ↑ عبدالله الطيار (2011)، الفِقهُ الميَسَّر (الطبعة الأولى)، الرياض: مَدَارُ الوَطن، صفحة 37، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1906، صحيح.
- ↑ عبدالله الطيار (2011)، الفِقهُ الميَسَّر (الطبعة الأولى)، الرياض: مَدَارُ الوَطن، صفحة 134، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ محمود عبد اللطيف عويضة، الجامع لأحكام الصيام (الطبعة الثانية)، صفحة 40. بتصرّف.
- ↑ عبدالله الطيار (2012)، الفِقهُ الميَسَّر (الطبعة الثانية)، الرياض: مَدَارُ الوَطن، صفحة 35-36. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1909، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1080، صحيح.