نشر الخير
الأصل في المسلم أن يبادر إلى فعل الخير ويسعى إليه، فالمسلم بطبعه الإسلاميّ السّمح يحبّ أن يعمّ الخير جميع النّاس، ولا يصل إلى هذا إلّا من فهم ما دعا وأرشد إليه الإسلام من محبّتهم، ومحبّة نشر الخير، فقد جاء الدين الإسلاميّ بالمحبّة، والرّحمة، والهداية لجميع الخلق؛ بَرِّهم وفاجرهم، تقيّهم وشقيّهم، حتّى إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حزن لمّا رأى جنازة يهوديّ؛ لاعتقاده أنّه لم يستطع هدايته، فقد أحبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الخير له؛ بأن يكون من أهل الإسلام، فكيف يمكن للمسلم أن يقدّم الخير للنّاس وينشره، وما هي الوسائل التي تُعينه على ذلك؟
كيفيّة نشر الخير
توجد العديد من الوسائل التي تساعد على نشر الخير، جاءت بها آيات القرآن الكريم، أو السنّة النبويّة الشريفة، ومن تلك الوسائل والأساليب ما يأتي:[١]
- أن يدعو الداعية للنّاس؛ بأن يهديَهم الله، ويشرح صدورههم لقبول الحقّ، والحصول على الأجر والمثوبة، والبُعد عن الضّلال والفجور؛ حتى يفتح الله عليهم بما شاء من الخير، وقد ورد ذِكر هذا الأسلوب لنشر الخير في كتاب الله عزّ وجلّ، فهو أسلوب قرآني في أصله، قال الله تعالى على لسان نبيّه شعيب عليه السلام: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)،[٢] وهو كذلك من الأساليبِ النبويّةِ التي كان المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- يتَّبعها بدعوةِ قومه، فقد رُوِي من حديثِ ابنِ مسعود قائلاً: (كأني أَنظُرُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَحكِي نبياً مِن الأنبياءِ، ضرَبَه قومُه فأَدَمَوْه، وهو يَمْسَحُ الدمَ عن وجهِه ويقولُ: اللهمَّ اغفِرْ لقومي؛ فإنهم لا يعلمون).[٣]
- دعوتهم إلى الخير بالكلمة الهادفة الرقيقة، والأسلوب الحسن الشيّق؛ بحيث يقبلون منه الخير، ويأخذونه برحابة صدر، وتتنوّع وسائل الدعوة إلى الخير حسب طبيعة الداعي، ومكانه الذي يدعو منه إلى الخير، كأن يكون محاضراً فينشر الخير في محاضرة عامّة، أو يكون مدرّساً؛ لجماعة من النّاس فيدعوهم من خلال درسه، أو يكون خطيباً؛ فيدعوهم من منبره، أو يُقدّمها على شكل نصيحة فرديّة.
- تقديم الشكر لمن يساهم في دعم الدعوة إلى الخير، والثناء عليه.
- المساهمة في الإعلان عن المجالات التي يتمّ فيها نشر الخير، مثل: المؤتمرات، والمحاضرت، والتوعية بكيفيّة الاستفادة من هذه المجالات والتأثّر بها، ويمكن الإعلان عن العديد من مجالات الخير، منها: الإعلان عن كتاب دينيّ ما، أو الإعلان عن بناء مسجد.
- الإهداء، فهو من الوسائل العمليّة لنشر الخير وقبول المواعظ، وهو طريق مُختصَر للقلوب؛ حيث يصل الداعي إلى قلب المدعوّ بسهولة، يُمكّنه من التأثير عليه، وتهيئته للاستجابة له برحابة صدر، وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: (تهادَوْا تحابُّوا).[٤]
- تشجيع كافة أعمال البرّ والخير، ولا سيّما في مجال الدّعوة، ونشر العلم، وتقديم الخدمات.
- اقتراح مشاريع خيريّة ودعويّة في المجالس العامّة والخاصّة، ومن المشاريع الدعويّة: تفطير الصائمين، وكفالة الأيتام، والوقف الخيريّ.
فضل نشر الخير
لنشر الخير بين النّاس الكثير من الفضائل التي تنعكس على الفرد والمجتمع، ومن أبرز تلك الفضائل وأهمّها ما يأتي:[٥][٦]
- نشر الخير له فضل عظيم في الإسلام، وقد حثّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليه، فعلى كلّ مسلم أن يسعى إلى نشر الخير بقدر استطاعته، ويكون ذلك بطريقتين؛ الأولى: توجيه الناس وإرشادهم إلى جانب معيّن من أمور الخير، والثانية: تحذيرهم من سلوك جوانب الشرّ، وإبعادهم عنها، ونصحهم بتركها، ومنعهم من الدخول فيها، فمن أهمّ أساسات ودعائم نشر الخير؛ أمر النّاس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.
- وقد قال -تعالى- في كتابه العزيز: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٧] وفي تفسيرِ هذهِ الآية يقول العلّامة السعديّ: (يَمدح الله تعالى هذه الأمَّة، ويُخبر أنَّها خير الأمَم التي أخرجها اللهُ للنَّاس؛ وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المُستلزم للقيام بكلِّ ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكر المتضمِّن دعوة الخَلق إلى الله، وجهادهم على ذلك، وبَذْل المستطاع في ردِّهم عن ضلالهم وغيِّهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خيرَ أمَّة أُخرِجَت للنّاسِ).
- نشر الخير بين النّاس سِمة حميدة؛ لا تتيسّر إلّا لمن صفَت سريرته، وعلَت هِمّته، وعظُمت عزيمته، وفيها توطيد للعلاقات بين النّاس، وبها تعلو راية الإسلام وتزهو وتزدهر، وتبيّن الدور العظيم والنهج القويم الذي تدعو له الشريعة الإسلاميّة؛ عن طريق جلب النفع للنّاس جميعاً، وهي كذلك تُبرِز أثر التزام المسلمين بدينهم بدرء المفاسد.
- لنشر الخير بين النّاس الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى، والمنزلة الرفيعة، والمقام الكريم بين النّاس، وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتبة ناشر الخير والدّاعي له في العديد من الأحاديث النبويّة الصحيحة، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ).[٨]
- نشر الخير بين النّاس يوصل إلى حبّ الله -سبحانه وتعالى- ويُبعد عن عقوبته؛ فالداعي أقرب النّاس من الله منزلةً، حيث يدعوهم بالعلم والفهم، وينجّيهم من الشرّ، ويحثّهم على الخير.
المراجع
- ↑ خالد بن عبد الرحمن الدرويش، “كيف تصبح دليل خير”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 89.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3477.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في بلوغ المرام، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 277، إسناده حسن.
- ↑ حسين أحمد عبد القادر (29-11-2015)، “فضل الدلالة على الخير في الاسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2017. بتصرّف.
- ↑ السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة: 143. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 110.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2685، صحيح.