محتويات
الاستغفار
يسعى المؤمن دائماً لأن تكون نفسه سالمةً من المَعاصي والذُّنوب، وتلك غايةٌ ساميةٌ بلا شك، لأجل ذلك يجب على المسلم أن يسعى إلى أن يُدرك ما يتقاذفه من أهواء وشهوات ومعاصي فيستغفر الله في كلِّ وقتٍ وحين، وليس بين المُسلمين من ليس بحاجةٍ إلى الاستغفار مهما بلغ من الإيمان والتّقوى؛ حيث إنّ كلّ إنسانٍ مُعرّضٌ لارتكاب الذنوب والآثام، حتى إنّ سيّدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – كان يستغفر الله في كل يوم عدّة مرات حيث روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (واللَّهِ إنِّي لَأستَغفرُ اللَّهَ وأتوبُ إليهِ في اليومِ أَكْثرَ مِن سَبعينَ مرَّةً)،[١] فإن أذنب العبد ووقع بالمعاصي واقترف الخطايا فإنّ سبيله الوحيد ليُزيل تلك الذنوب أن يلجأ للاستغفار بعد أن يُعيد الحقوقَ لأصحابها إن كان فيما اقترف حقوقاً للعباد، ويُمكن للعبد أن يتوصّل لمعرفة إن كان الله قد غفر له ما اقترف من ذنوب بعدة طرق.
معنى الاستغفار
الاستغفار لغةً
الاستغفار لُغة: مصدر غَفَرَ، وتأتي بمعني التّغطية والسَّتْر، غَفَرَ الله عزَّ وجلَّ الذّنوب: إذا سَتَرها.[٢]
الاستغفار اصطلاحاً
للاستغفار عدَّةُ تعريفات اصطلاحية نصَّ عليها العلماء منها أنَّ الاستغفار هو: طلب العبد المغفرة من الله تعالى بعد رؤية قبح المعصية، والإعراض عنها،[٣] ومن تَعريفاته أيضاً أنَّه: طلب العفو من الله تعالى عمَّا اقترف العبدُ من ذنوبٍ وآثام.[٤]
ثمرات الاستغفار وفضائله
أشارت النّصوص القرآنية والأحاديث النبوية إلى العديد من فضائل الاستغفار وثمراته ونتائجه؛ فقد قال تعالى في سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)،[٥] ومن تلك الثمرات والفضائل حسبما أشارت إليه النصوص الصحيحة الصريحة:
- الاستغفار سببٌ لاستجلاب الرزق: فإنّ الاستغفار من أهم أسباب استجلاب الغيث بعد القنوط من نزوله، وهو سببٌ للرزق المتمثل بالأموال والأولاد والمطر الذي ينتج عنه كثرة الزرع وخصوبة الأرض، قال الشعبي: (خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأُمْطِروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يُستنزَلُ بها المطر).[٦]
- الاستغفار سببٌ لتكفير الذّنوب وإزالة الآثام والسيّئات،[٦] فإن المسلم إذا أذنب ذنباً ثمّ استغفر الله فقد وعده الله بمحو ذنبه حتى تُصبح صفحته بيضاء بلا ذنوب، ومن ذلك قول الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا).[٧]
- أوجب الله سبحانه وتعالى محبّته للمُستغفرين، كما أنّه يُعلن فرحته بتوبتهم ورجوعهم إليه وأنه راضٍ عنهم ويباهي بهم ملائكته.[٨]
- استجلاب الخير والبركة بفضل مداومة الاستغفار، ودليل هذا دعاء نوح -عليه السّلام- لقومه بأن يَستغفروا ليُزاد لهم في الرّزق والخير، وذلك في قول الله تعالى على لسانه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).[٩]
- الاستغفار سببٌ من أسباب النّجاة من عذاب الله واستحقاق عذاب القبر، فقد قال الله تعالى لنبيّه محمد – صلى الله عليه وسلم – مُبشراً المستغفرين من أمته: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[١٠]
- الاستغفار سببٌ في تفرِيج الكروب وإزالة الهموم، فقد رُوِي عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجاً، ومن كلّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب).[١١]
- في الاستغفار اقتداءٌ بالأنبياء والرُّسل عليهم السّلام؛ إذ إنَّهم كانوا يستغفرون الله كثيراً، في أوقات الشّدة، وحتى في أوقات الرخاء، فقد طلب آدم – عليه السّلام – وزوجته حوّاء المغفرة من الله تعالى بعد مُخالفة أمره بأكلهم من الشّجرة التي نهاهم عن الاقتراب منها، وذلك في قول الله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)،[١٢] وكذلك استغفار نبي الله موسى عليه السّلام بعد ندمه على وكز الرّجل ممّا أودى بحياته، فقال الله تعالى على لسان موسى عليه السّلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)،[١٣]
كيف أعرف أنّ الله غفر لي
لا يُمكن لأيّ إنسان أن يطَّلِع على ما إذا كان الله سبحانه وتعالى قد غفر لعبدٍ على ذنبٍ أذنبه، أو إن كان لم يغفر لعبدٍ استغفره على ما فعل من ذنوب وسيئات؛ لأنّ ذلك من الغيبيات التي لا يطّلع عليها أحد أبداً، لكن هنالك دلائل وعلامات تُظهر قَبول التوبة ومغفرة الله للذنوب والآثام، فتظهر تلك الدلائل والعلامات على العبد في حاله ومآله، ومن تلك العلامات:[١٤]
- أن يجد العبدُ المستغفر حُرقةً في قلبه على ما اقترف من ذنوب وآثام ومعاصي.
- أن ينظر العبد المُستغفر لنفسه بعين التقصير على ما بدر منه بحقّ الله جلَّ وعلا.
- أن يكون العبد المُستغفر أشدّ بُعداً عن الذنب الذي كان يرتكبه وعن أسبابه، فلا يقترب بأيّ سببٍ من أيّ بابٍ يفتح عليه الولوج إلى نفس المعصية.
- أن يميل العبد المُستغفر إلى الإقبال على ربّه بأبواب الطاعات والنوافل، وترك المحرمات، والابتعاد عن أصحاب السوء الذين يُعينونه على المعاصي.
- أن ينظر إلى توفيق الله له بالتوبة على أنّها نعمة عظيمة من أعظم النعم عليه، ويُحافظ عليها بما أوتي.
شروط صحة الاستغفار
من أراد التوبة من الذنوب والآثام وأراد أن يقع استغفاره صحيحاً مَقبولاً عند الله لا بُدّ لذلك من شروط يجب توفرها في التوبة ومنها:[١٥]
- الندم على ما فعل من ذنوب.
- العزم على أن لا يعود إلى المَعصية.
- الإقلاع عن المعصية فوراً.
- إن كان الحقّ لآدمي فيشترط ردّ الحق لصاحبه؛ إذ إنّ توبته مع بقاء الحق بذمته أو تحت يده كعدمها، وقيل إنّ للتوبة من الذنوب إن كان الذنب بين العبد وخالقه خمس شروط لا ثلاثة، وهي:[١٦]
- أن تكون التوبة خالصةً لله عزَّ وجل.
- أن تكون التوبة في وقتها، فلا تُقبل التوبة لمن تاب بعد طلوع الشمس من مغربها، أو لمَن تاب هروباً من الحساب والعقاب كما حصل مع فرعون.
- أن يُقلع عن المعاصي والذّنوب التي استغفر منها فلا يعود لها.
- أن يندم على ما فعل من معاصٍ وآثام.
- أن يعزم ألا يعود إلى المَعصية أبداً.
إن فُقد أحد هذه الشروط لم تصح توبته، وإن كان الذنب يتعلّق به حق آدمي فتزيد شروط التوبة بالإضافة للشروط السابقة شرطاً سادساً هو أن يَبرأ من حقّ صاحبها باستحلاله أو ردّ حقه إليه، والتوبة النصوح تتضمّن ثلاثة أمور، هي: التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وإجماع العزم على التوبة، وإخلاص التوبة لله جلّ وعلا.[١٦] قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[١٧]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6307.
- ↑ ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 25، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 18.
- ↑ محمد رواس قلعجي، حامد قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عَمَّان: دار النفائس، صفحة 275. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ^ أ ب محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تفسير القرطبي، بيروت: دار الفكر، صفحة 277، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 110.
- ↑ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، صفحة 5، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 33.
- ↑ رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: جزء 2، صفحة 1254، حديث رقم: 3819.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 23.
- ↑ سورة القصص، آية: 16.
- ↑ “من علامات قبول التوبة حسن الحال بعدها”، إسلام ويب – مركز الفتوى، 18/6/2001، اطّلع عليه بتاريخ 17/12/2016. بتصرّف.
- ↑ أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان، الأسئلة والأجوبة الفقهية، صفحة 87، جزء 6. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: بيت الأفكار الدولية، صفحة 537، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ سورة التحريم، آية: 8.