محتويات
مظاهر العبثية في أدب ألبير كامو
يعدّ الفيلسوف الوجودي ألبير كامو، من أهم فلاسفة القرن العشرين، وقد تأثر بفلسفة نيتشه، وشوبنهاور، والفلاسفة الوجوديين الألمان، وبحسب وجهة نظر كامو، فإن العالم الخارجي ليس سوى حالة من حالات الذات، وتعد قضية الانتحار القضية المركزية في معظم كتب كامو.[١]
والإنسان في نظر ألبير كامو مجرد كائن يعيش في عبثية دائمة، ويواجه مواقف عبثية بشكل مستمر، وتتميز كتابات كامو بالنزعة الفردية واللاعقلانية، إلى حدٍّ وصفه المفكرون الآخرون بأنه متطرّف، ومن أهم مظاهر العبثية في أدب كامو ما يأتي:[١]
الموت
ظهر الموت بشكل كبير في أدب كامو، وشكّل قضية محورية، ومركز اهتمامه؛ بخاصة موت الإنسان بالإعدام، وبهذا فإن فلسفة الأخلاق عند كامو، مرتبطة بعقوبة الإعدام، التي تقضي بإنهاء حياة المجرم، وبحسب وجهة نظره، فإنه يرى أن عقوبة الإعدام غير ضرورية، بل إن أضرارها أكثر من منافعها، ويسهب في نقاشه حولها، فيقول: “إن الإعدام لا يضمن عدم تكرار الجريمة”.[٢]
كما أن كامو لا يرى أن المجتمع ملتزم بالعبرة، التي يظهر إيمانه المطلق بها، وبهذا يشكك كامو بكل الأسس الأخلاقية، التي يدّعي المجتمع الغربي الحداثي إيمانه المطلق بها،[٢] ولا يعد كامو أن من حق أي شخص إنهاء حياة شخص آخر، حتى وإنْ كان مجرمًا، لكن من حق الفرد إنهاء حياته بنفسه إن أراد؛ لذلك قدم الانتحار في كتاباته باعتبارها نتيجة للعبث، والتخبط، والتيه، الذي يعانيه الفرد.[١]
وترتبط رؤية كامو للموت بفهمه لعبثية الوجود، ولا مبالاة الفرد تجاهه، إلى حد وصل به للاعتقاد الجازم بأن الموت لا يؤثر في وجود المرء، فالوجود عبث لا قيمة له، فلا مانع من تجربة الموت، لكن إن أرادت السلطة معاقبة المجرم فلا يجوز استخدام عقوبة الإعدام، لأنه سيتم توظيفها كعقوبةً على جرائم غير محدودة.[٢]
وبحسب وصف كامو، فإن السلطة ستقوم بإعدامات لا نهائية إلى حد سيصنع منها آلة للإعدام، كما ناقش كامو فكرة الموت في روايته الموت السعيد، والتي تعد من أبرز رواياته.[٢]
التمرد
تظهر مقولة “التمرد” في كتب كامو، فكتابه الإنسان المتمرد، الذي ألّفه في عام 1950م، يتضح من خلاله، ما يقصده بالتمرد، من خلال قوله: “إنه العصيان الذي يقوم على أساس مواجهة الأوضاع الميؤوس منها بالعنف”، بالرغم من أن المصطلح يعني بالفرنسية إعادة الأوضاع إلى غير ما كانت عليه، ويُراد به في اللغة العربية بحسب ما ورد في لسان العرب لابن منظور، الخروج عن المألوف، والتطاول على ما هو قائم.[٢]
ويقول كامو في كتابه الإنسان المتمرد: “إنه لا سبيل إلى خلاص الفرد إلا بالتمرد، فما قيمة الإنسان إنْ ظل يتلقى الأوامر طيلة حياته دون أن يقول لا؟ فقول لا أمر ضروري، وهو إشارة إلى رفض استمرارية الأوضاع غير المقبولة”، فالتمرد يعني الثورة بالنسبة لكامو،[٣] وقد ظهرت نزعة التمرد في فلسفة كامو في العديد من كتبه، أهمها رواية الغريب.[٢]
الصراع مع القدر
يظهر الصراع مع القدر في فلسفة كامو بصفتها مقدمة لفكرة الانتحار، وبحسب وجهة نظر كامو، فالإنسان لا يوجد إلا وهو يتخبط في عبث؛ لذلك فإنه سيظل يصارع القدر حول بقائه، وقد ظهر تأثر كامو بحالات الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في روايته الفلسفية الغثيان.[٤]
فالشخصية الرئيسة في هذه الرواية، شخصية تائهة جدًا، ويمكن اعتبار فلسفة كامو في مجملها فسلفة صراع حقيقي مع القدر، الذي لا يعتقد كامو أن المرء يلتزم به؛ لأنه يقول: “إن الآخرين يحكمون على الحياة، بأنها تستحق العيش، وهذا الأمر مُسلم به في الأديان”، وقد ظهرت نزعة الصراع مع القدر في روايته أسطورة سيزيف.[٤]
اللامبالاة
تظهر اللامبالاة في أدب ألبير كامو نتيجةً لفلسفة العبث؛ لأن مصطلح العبث (بالإنجليزية: Absurd)، يعني الأمر المُحال، وفلسفيًا يُقصد به كل ما يتعارض مع قوانين العقل والمنطق، وهذا جوهر الفلسفة العبثية، التي تعد الوجود أمرًا عبثيًا لا طائل منه.[٢]
ومن المستحيل تحقيق التوافق والترابط بين أفكار الفرد، ومجرد محاولة التوفيق بينها تعدّ شكلًا من أشكال العبث؛ لذلك يدعو كامو الفرد بعدم الاكتراث لأحوال الدنيا، واللامبالاة قيمة نهائية تترتب على فقدان الأمل من الخلاص من العبث، وقد ظهرت نزعة اللامبالاة في رواية الغريب.[٢]
فقدان الأمل في الخلاص
عرف الفيلسوف جميل صليبا العبث بأنه ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة، وقيل كما ليس فيه غرض صحيح لفاعله، والعبث في الفلسفة فعلٌ لا يترتب عليه أي فائدة، أو أنه الفعل الذي لا يعتقد القائم به أنه سيترتب عليه فائدة.[٢]
وبهذا يبين كامو أن الإنسان لا فائدة من كل ما قام، وأنه لن يتخلص من ثقل وجوده مهما قام أو سيقوم به من أفعال، وهذا انتحارٌ فلسفي؛ لذلك يتحتم على المرء ألا يبالي تجاه ما يحدث في الواقع، وتظهر هذه النزعة بشكل واضح في رواية الغريب.[٢]
روايات لخصت أفكار ألبير كامو العبثية
تجلت النزعة العبثية في روايات ألبير كامو المختلفة، وأهمها ما يأتي:
الغريب
تعد رواية الغريب من أهم الروايات الفلسفية في القرن العشرين، وصدرت بترجمة عربية نقع في أقل من 150 صفحة، وتمثل شكل من اللاجدوى في الحياة، وهذا الأمر يتضح من خلال شخصية البطل ميرسو.[٥]
وتعد النزعة الانفصالية تمهيدًا للعبث، فالبطل منفصل تمامًا عن المحيط الذي يعيش فيه، مما جعله شخصًا تائهًا، يعيش على هامش المجتمع وقيمه، ويشعر بلامبالاة كبيرة تجاه كل ما يمليه عليه المجتمع من قيم، وتشكل الرواية نقدًا لقيمة الحرية التي نادى بها سارتر عميد الفلاسفة الوجوديين.[٥]
أسطورة سيزيف
تعد أسطورة سيزيف من أهم النماذج الأدبية، التي يوضح من خلالها كامو فلسفته العبثية، وتقع في 160 صفحة،[٦] وهي في الأصل أسطورة يونانية، تروي قصة سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة بحمل الصخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، وأن يستمر في إعادة رفعها حتى وإن سقطت منه.[٧]
وكل هذا يرجع إلى نقده اللاذع للآلهة، وسخريته منها، واستمراريته في حمل الصخرة، جعلت من الوجود عبثًا لا فرار منه، ولكن في هذه الرواية يدعو كامو الإنسان إلى عدم الانصياع للعبث، وألا يتمنى الموت، بل عليه أن يظل متمسكًا بالحياة رغم العبثية.[٧]
الطاعون
تعد رواية الطاعون من أضخم الأعمال الأدبية والفلسفية، التي ألفها ألبير كامو، ترجمها إلى العربية الدكتورة كوثر عبد السلام، وتقع في 392 صفحة، وامتازت ببساطة أسلوبها، ووضوح أفكارها، وسميت بالطاعون رمزيةً لمعاصرة الاستعمار النازي لفرنسا، والطاعون هو الشقاء والعبث، والحال المتردي، والأوضاع السيئة، التي تجعل من الإنسان تائهًا في عبثية وجوده.[٨]
الموت السعيد
هي رواية فلسفية تقع في حدود 160 صفحة، ترجمتها الأستاذة عايدة إدريس، وصدرت عن دار الآداب، وتقسم الرواية إلى قسمين: القسم الأول الموت الطبيعي، أما القسم الثاني فهو الموت الواعي.[٩]
وفي هذه الرواية يحث كامو على الأمور التي تجعل من الإنسان سعيدًا، والفهم المجتمعي لقيم الحياة السعيدة والقويمة، تظهر النزعة العبثية بشكل، واضح في رواية الموت السعيد، وبالرغم من صغر حجمها، إلا أنها ناقشت قضايا فلسفية، وإشكالات عميقة جدًا أهمها إشكالية السعادة، مثل مشكلة فلسفية.[٩]
تناقضات الفلسفة العبثية في أدب ألبير كامو
ظهر تناقض في موقف كامو من قضية فلسفية، وهي الانتحار، ففي بعض كتبه نجده يعد الانتحار أمرًا طبيعيًا، لكن في كتب أخرى مثل أسطورة سيزيف، فإنه يلتزم بالموقف الصلب، ويدعو سيزيف إلى عدم الانصياع إلى نداء الموت، بل أن يتحمل أعباء الوجود، وثقل العبثية.[٧]
وهنا قال النقاد إن ما يرمز له بالانتحار لا يقصد به الانتحار من خلال موت الجسد، بل الانتحار الفلسفي، وهي قضية فلسفية شغلت الفلاسفة، على مدار قرون يقصد بها الانصياع التام، والإذعان لما يملى على المرء من مبادئ وفلسفة عقلية.[١]
أبرز الآراء النقدية حول عبثية ألبير كامو
وجه العديد من النقاد انتقادات حول فلسفة كامو العبثية، ومن أهم آرائهم ما يأتي:
- وجه المختصون في فلسفة الأخلاق، نقدًا إلى فلسفة العبثية عند كامو؛ لأنها شكل من أشكال التجاوز لقيم الحداثة والتنوير، بخاصة عندما يدعو إلى التمرد.[٢]
- وجه المختصون في تاريخ الفلسفة نقدًا كبيرًا إلى فلسفته؛ لاعتبارها تعبيرًا عن أحداث القرن العشرين من حروب، بخاصة الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية.[٢]
- تعد فلسفة كامو شكلًا من أشكال التهديد للوجود الإنساني، بحسب وجهة نظر نقاد العصر الحديث.[٢]ّّّ
- لا يمكن الفصل بين فلسفة القيم، والأخلاق وموقف كامو من الإعدام، الذي يعد نقلة نوعية بحسب آراء المختصين في حقوق الإنسان،[٢] وتعد انتصارًا لقيم الإنسانية، وبالرغم من الجدالات التي أثارتها فلسفة كامو، إلا أنه واحد من أهم فلاسفة القرن العشرين، ومن الحاصلين على جائزة نوبل في الأدب الفلسفي.[١]
ختامًا، الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو يعدّ من أعمدة الفلسفة العبثية في أوروبّا في القرن العشرين، وظهرت فلسفة العبث في معظم أعماله الأدبية، أهمّها رواية الغريب التي رغم صغرها، فإنها من أهم أعمال كامو، ومن أهم مظاهر العبثية في أدب كامو: التمرد، والانتحار الوجودي، واللامبالاة.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج مجموعة أكاديميين، الموسوعة الفلسفية، صفحة 386. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص برابح عمر وصايم عبد الحكيم، ألبير كامي من التمرد إلى العبث، صفحة 306-312. بتصرّف.
- ↑ العربي ميلود ، الذات والغيرية في فلسفة بول ريكور، صفحة 49. بتصرّف.
- ^ أ ب موسوعة ستانفورد، ألبير كامو، صفحة 9-10. بتصرّف.
- ^ أ ب فيروز نجار ومريم شيخي، العبث واللامعقول فس رواية الغريب لألبير كاو، صفحة 37-38. بتصرّف.
- ↑ ألبير كامو ، أسطورة سيزيف، صفحة 1-10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت فيروز نجار ومريم شيخي، العبث واللامعقول في رواية الغريب لألبير كامو، صفحة 32-33. بتصرّف.
- ↑ فيروز نجار ومريم شيخي، العبث واللامعقول فيرواية الغريب لألبيركامو، صفحة 18. بتصرّف.
- ^ أ ب ألبير كامو، الموت السعيد، صفحة 1-10. بتصرّف.