العدّة
العدّة هي المدّة المحددة شرعاً لتربّص المرأة بعد فرقةٍ من نكاحٍ أو وفاةٍ، وقد شرع الله -تعالى- العدة لحِكمٍ عديدةٍ، ولتحقيق مصالح كثيرةٍ، منها: التأكّد من خلوّ رحم المرأة من الأحمال؛ حتى لا تختلط الأنساب، ومنها منح فرصة للزوج حتى يراجع زوجته، إن ندم على طلاقها، كما هو الحال في الطلاق الرجعي، ومنها أيضاً تعظيم شأن الزواج في الإسلام، فإنّه لا ينعقد إلّا بشروطٍ محددةٍ، ولا ينفك إلّا بتريثٍ وتمهّلٍ، كما أنّ في العدّة مراعاةً لحقّ الزوج بإظهار تأثر المرأة لفقده، والوفاء له بعدم الانتقال إلى غيره، إلّا بعد مدةٍ من الزمن، ومن تلك الحِكم أيضاً مراعاة حقّ الحمل في حال كانت المرأة حاملاً، والعدّة واجبةٌ في حقّ كلّ امرأةٍ توفّى عنها زوجها، فتستوي في ذلك المرأة المدخول بها وغير المدخول بها، كما تجب على المدخول بها إن فارقها زوجها بطلاقٍ أو فسخٍ أو خلعٍ، وقد ورد في القرآن الكريم عددٌ من الآيات الدالة على مشروعية العدّة، من ذلك قول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).[١][٢]
تقضي الزوجة عدتها في المكان المشروع لها وفق نوع عدّتها، فالمعتدّة عن وفاة زوجها، يلزمها أن تقضي مدّة عدتها في بيت الزوجية؛ أيّ منزلها الذي كانت به حال حياة زوجها، فإذا انتقلت منه لخوفٍ أو قهرٍ أو نحو ذلك، فلها أن تقضيها في أيّ مكانٍ تأمن فيه على نفسها، وتبقى في ذلك المكان حتى تنتهي عدتها بمرور الزمن، أمّا المعتدّة عن طلاقٍ رجعيٍ، فيلزمها أن تقضي فترة عدّتها في بيت زوجها، ولها النفقة والسكنى طيلة فترة العدّة، ولا يجوز إخراجها من منزل زوجها إلّا إن جاءت بفاحشةٍ مبينةٍ؛ كأن تؤذي أهل البيت، أو تسيء إليهم، بقولٍ أو فعلٍ، وفيما يتعلق بالمكان الذي تعتدّ به المرأة المطلقة طلاقاً بائناً، أو المختلعة، أو المفسوخة، فإنّها تعتد في بيت أهلها، ولها النفقة إن كانت حاملاً، وإن لم تكن حاملاً، فلا نفقةً لها ولا سكنى، ويبدأ وقت العدّة في الزواج الصحيح من وقت وفاة الزوج أو الطلاق أو الفسخ منه، وإن كان الزواج فاسداً بدأت العدة من حين التفريق بين الزوجين، أمّا إن كان الوطء بشبهةٍ؛ كمن تزوج أخته في الرضاع، فإنّ العدة تبدأ من آخر الوطآت بينهما.[٣]
عدّة الحامل
جاء في القرآن الكريم النصّ على عدة الحامل، ومقدارها من الزمن، فهي تنقضي بوضعها لحملها، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)،[٤] وقد نصّ القرآن الكريم أيضاً على عدّة المتوفي عنها زوجها؛ وهي أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ كما جاء في سورة البقرة حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)،[٥] ومع وجود الآيتين اختلف العلماء في عدّة المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملاً، هل تعتدّ إلى أن تضع حملها كما في الآية الأولى، أم تعتدّ أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ كما جاء في الآية الثانية حول عدة المتوفي عنها زوجها، ولم يختلفرالعلماء في عدّة المطلقة الحامل، بل اتفقوا على أنّ عدتها تنتهي بوضع حملها.[٦]
ذهب جمهور العلماء إلى أنّ عدّة الحامل المتوفي عنها زوجها تنتهي بوضعها لحملها، واستدلوا لذلك بما روته سبيعة الأسلمية رضي الله عنها، حين توفي عنها زوجها وهي حامل، ثم ولدت بعد وفاته بليالٍ، ولمّا أنهت نفاسها أخذت تتجمل للخطاب، فجاءها رجلٌ ينهاها عن ذلك، ويخبرها أنّها لا زالت في فترة العدّة، وعليها أن تعتدّ أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، كما هي عدّة المتوفي عنها زوجها، فقالت سبيعة: (فلما قال لي ذلك، جمعتُ عليَّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسألتُه عن ذلك؟ فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزوُّجِ إن بدا لي)،[٧] وعن ابن عباس أن بلغه أنّ علياً -رضي الله عنه- قال أنّ عدّة الحامل المتوفي عنها زوجها تكون بأبعد الأجلين، فلو وضعت المرأة حملها قبل انقضاء الأربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، وجب عليها أن تصبر في عدّتها إلى حين انتهاءها، إلّا أنّ ابن مسعود -رضي الله عنه- ذكر نزول آية عدّة الحامل، بعد آية عدّة المتوفي عنها زوجها، ممّا يدل على وجوب اعتبار وضع الحمل في جميع الحالات.[٦]
أحكام المعتدة
يتعلق بالمعتدّة عددٌ من الأحكام، وفيما يأتي بيانها:[٣]
- عدم جواز خطبتها، فلا يجوز لأحدٍ أن يصرّح بخطبتها في فترة العدّة، ويجوز التعريض به في حال كون الطلاق بائناً بينونةً كبرى، أو كانت العدّة عن وفاة الزوج.
- تحريم الزواج بها، فلا يجوز لأحدٍ غيرالزوج أن يعقد على المعتدة حتى تنتهي عدتها.
- عدم جواز الخروج من بيتها، إلّا لعذرٍ شرعيٍ مهما كان سبب عدّتها.
- وجوب النفقة والسكن على الزوج للمعتدة عن طلاقٍ رجعيٍ، وللمطلقة عن طلاقٍ بائنٍ إذا كانت حاملاً، أمّا إن كانت معتدةً عن وفاة زوجها فلا نفقة لها؛ لانتهاء الزوجية، ويجب عليها أن تعتدّ في بيت الزوجية.
- وجوب الإحداد عليها طيلة فترة العدّة، إذا كانت معتدّةً عن وفاة زوجها؛ وذلك بترك الزينة والتطيب، وكلّ ما من شأنه أن يدفع إلى خطبتها.
- ثبوت الإرث إذا مات أحد الزوجين أثناء فترة العدّة في الطلاق الرجعي، أمّا إن كان بائناً أو ثلاثاً، فلا يصحّ التوارث بينهما إن مات أحدهما في فترة العدة.
- يثبت نسب المولود أثناء فترة العدّة للزوج.
- لحوق الطلاق بالعدّة.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 228.
- ↑ “العدة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-3. بتصرّف.
- ^ أ ب “مكان العدة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-3. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 4.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 234.
- ^ أ ب “ما هي عدة الحامل”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية، الصفحة أو الرقم: 1484، صحيح.