المدينة المنورة
تقع المدينة المنورة في شبه الجزيرة العربية، وبالتحديد في إقليم الحجاز الذي يحجز سهل تهامة عن مرتفعات نجد، وتبعد 160 كم عن البحر الأحمر شرقاً، و335 كم عن مكة المكرمة شمالاً، وقد وصفها البعض بمدينة القوافل؛ بسبب موقعها الجغرافي المميز، حيث تُشكّل حلقة الوصل بين الشام واليمن، وبين البحر الأحمر وبادية نجد، وتحيط بها الجبال من كل جانب إلا من الجهة الجنوبية الشرقية، وقد كان يُطلق على المدينة المنورة قديماً اسم يثرب، واختلف الإخباريّون العرب في أصل التسمية، كما اختلفوا في عدد أسمائها، فقال بعضهم أنها مشتقة من التثريب؛ وهو الفساد، وقال آخرون أنها سميت بيثرب نسبة لزعيم العماليق، وقال السمهودي أن لها 94 اسماً، بينما قال ابن زبالة أن لها 11 اسماً، وذهب آخرون إلى أن لها 29 اسماً، ومنها المحببة، والعذراء، ودار الأبرار، والمسكينة، والناجية.[١]
ومن الجدير بالذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تسميتها بيثرب، وأطلق عليها اسم طيبة أو طابة، واتخذها عاصمة للدولة الإسلامية، حيث أقام فيها مسجده، وأرسل منها بعوث الدعوة الإسلامية إلى كافة أنحاء الجزيرة العربية، وتوحدت تحت رايتها الجزيرة العربية لأول مرة في التاريخ، وخضعت لها الشام، ومصر، وفارس، والعراق.[١]
فضل زيارة المدينة المنورة
شرّف الله تعالى المدينة المنورة، فجعلها خير بقاع الأرض بعد مكة المكرمة، لا سيما أنها كانت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي طالما نزل عليه الوحي فيها، ومُلتقى الأنصار والمهاجرين رضي الله عنهم، وقد أطلق عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- اسم طيبة، مصداقاً لما روته فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال عن المدينة: (هذه طَيْبةُ، هذه طَيْبةُ، هذه طَيْبةُ)،[٢] وقد وردت الكثير من النصوص التي تدل على عظم مكانة المدينة المنورة وفضلها، ويمكن بيان بعضها فيما ياتي:[٣]
- جعلها الله تعالى حرماً آمناً: فقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن المدينة المنورة حرم، ولا يجوز حمل السلاح للقتال أو سفك الدماء فيها، مصداقاً لما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكةَ فجعلها حرَمًا، وإني حرمتُ المدينةَ حرامًا ما بين مأزمَيها، أن لا يهراقَ فيها دمٌ، ولا يحمل فيها سلاحٌ لقتالٍ، ولا يخبطُ فيها شجرةٌ إلا لعلَفٍ)،[٤] ومن الجدير بالذكر أن حرم المدينة المنورة يشمل ما بين الحرّتين شرقاً وغرباً، وما بين عير إلى ثور يمناً وشاماً، مصداقاً لما رواه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (المدينةُ حرامٌ، ما بينَ عَيرٍ إلى ثَورٍ).[٥]
- حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصبر على شدتها ولأوائها: فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يصبرُ على لأوائها وشدَّتِها أحدٌ، إلا كنتُ له شهيدًا أو شفيعًا يومَ القيامةِ)،[٦] وقال عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناسِ زمانٌ يدعو الرجلُ ابنَ عمِّه وقريبَه: هلمّ إلى الرخاءِ، هلم إلى الرخاءِ، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون)،[٧] وبيّن الإمام النووي -رحمه الله- أن الإقامة في المدينة خير من غيرها؛ لأنها حرم النبي عليه الصلاة والسلام، ومنزل البركات، ومهبط الوحي، ولو يعلم الذين أرادوا الخروج منها ما في الإقامة بها من الفوائد الأخروية، لاستحقروا ما يجدونه من الفوائد العاجلة بسبب الإقامة بغيرها.
- تسمية النبي -عليه الصلاة والسلام- للمدينة بطيبة: فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن المدينة المنورة: (هذه طابَةُ)،[٨] وقد بين ابن حجر -رحمه الله- أن الطاب والطيب أسماء مشتقة من الشيء الطيب، وأن السبب في تسمية المدينة بها يرجع إلى طيب سكانها، أو طهارة تربتها، أو طيب العيش فيها، وأكد بعض أهل العلم أن سبب التسمية يرجع إلى طيب هوائها وترابها، وأن من عاش بها يعلم أن لترابها وجدرانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها، وقد شهد بعض الأشخاص الذين سكنوا المدينة المنورة لأعوام طويلة أنهم لم يجدوا فيها ما يوجد في غيرها من المدن من الروائح الكريهة، ولم يعانوا من الصخب والضجيج الذي يكثر في المدن المُكتظّة بالسكان، كما أن جبال المدينة وأرضها تُبدي للناظرين جمالاً وبهاءً لا يُرى في غيرها.
- دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- للمدينة بالبركة: فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (اللهمَّ بارِكْ لنا في مدينتِنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في صاعِنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في مُدِّنا، اللهمَّ بارِكْ لنا في مدينتِنا، اللهمَّ اجعل مع البركةِ بركتَين)،[٤] وقد شهد كثير من الأشخاص الذين انتقلوا من مدن أخرى للعيش في المدينة على بركة الحياة فيها، وأكّدوا أنهم ينفقون فيها نصف ما كانوا يُنفقونه في غيرها من المدن.
فضل زيارة المسجد النبوي وآدابه
أجمع العلماء على استحباب زيارة المسجد النبوي في أي وقت، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحَرامِ، ومسجدِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومسجدِ الأقصى)،[٩] وقد وردت العديد من النصوص التي دلت على فضل زيارة المسجد النبوي، ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ، إلا المسجدَ الحرامَ)،[١٠] وثمة الكثير من الآداب التي ينبغي التأدب بها عند زيارة المسجد النبوي، ومنها الدخول بالقدم اليمنى عند الوصول إليه، وقول دعاء دخول المسجد وهو: (بِسمِ اللَّهِ والسَّلامُ علَى رسولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغفِر لي ذُنوبي وافتَح لي أبوابَ رحمتِكَ)،[١١] ثم صلاة ركعتين تحية المسجد، ويُستحب أن تؤدّى في الروضة الشريفة، ثم زيارة قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، والسلام علي الرسول بقول: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من أحد يُسَلّم عليّ إلا ردّ اللهُ عليَّ روحِي حتى أردّ عليهِ السلامَ).[١٢][١٣]
المراجع
- ^ أ ب مصطفي الخطيب (2017/06/18)، “تاريخ المدينة المنورة”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن فاطمة بنت قيس، الصفحة أو الرقم: 2942، صحيح.
- ↑ د. أمين بن عبد الله الشقاوي (30/8/2014)، “فضائل المدينة وحُرمَتها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1374، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 6683، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1377، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1381، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي حميد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1872، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1189، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1190، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 632، صحيح.
- ↑ رواه النووي، في المجموع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 8/272، إسناده صحيح.
- ↑ (20-10-2011)، “زيارة المسجد النبوي .. فضائل وآداب”، www.articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-1-2019. بتصرّف.