محتويات
علامات نبوة محمد عليه السلام
ما وقع قبل البعثة
وقعت عدّة أمورٍ للنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته تدُلّ على صِدقِ نبوّته؛ كتبشير الأنبياء به في كُتِبِهِم، وأخبار الكهنة والجان عنه، وتسليم الحجر عليه وهو في مكة، وحادثة شق الصدر التي وقعت معه وهو في البادية عند بني سعد.[١]
تبشير الكتب السماوية بنبوة محمد
أخبر الله -تعالى- في القُرآن الكريم عمّا ورد في الكُتب السماويّة السابقة من التبشير بنبوّة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كقول الله -تعالى-: (وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)،[٢] وقوله -تعالى-: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ)،[٣] وكُل ذلك لإثبات الحُجّة على الناس، وطمأنةً وتثبيتاً لمن وجد في قلبه حرج.[٤]
تبشير التَّوْرَاة بِمُحَمد
بشّرت التوراة بنبوّة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فقد جاء في الفصل الثالث والثلاثين من السِّفر الخامس تجلّي النور وإشراقه في مكة؛ إشارةً إلى النبوّة والقُرآن، ففي التوراة: “يَا الله الَّذِي تجلى نوره من طور سينا وأشرق نوره من جبل سيعير ولوح بِهِ من جبل فاران وأتى ربوة الْقُدس بشريعة نور من يَمِينه”، ولم يختلف أحدٌ من العلماء أن جبال فاران هي جبال مكّة المكرمة،[٥] وكان اليهود يستفتحون العرب به قبل مبعثه، لقوله -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ)،[٢] فلما بُعث كفرت به اليهود؛ لأنه من العرب، وأنكروا ما جاء به من الحق.[٦]
تبشير الْإِنْجِيل بِنبوة مُحَمد
بشّر الإنجيل بنبوّة مُحمد -عليه الصلاة والسلام-، فجاء فيه أن الله -تعالى- سيبعث للنّاس روح الحق الذي يأتي بعد المسيح، ولا نبيّ بعده إلا مُحمد -عليه الصلاة والسلام-، ففي الإنجيل: “لَكِن إِذا جَاءَ روح الْحق ذَاك فَهُوَ يرشدكم إِلَى جَمِيع الْحق لِأَنَّهُ لَيْسَ ينْطق من عِنْده بل يتَكَلَّم بِمَا يسمع وَيُخْبِركُمْ بِكُل مَا يَأْتِي”[٧] وقد بشّر بنبوّته المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام-، وأخبر النصارى به وسمّاهُ لهم، لقوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)،[٨] فلذلك كانوا ينتظرون بعثته،[٩] ولما بدأ الوحي بِالنُزول على النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذته زوجتُهُ خديجة -رضي الله عنها- إلى ابن عمها ورقة بن نوفل؛ لِعلمه بِالكُتب السابقة، وأخبره النبيّ بما رأى، فقال له إن هذا الناموس الذي نزّله الله على موسى، وكذلك إخبارُ هِرقل لِمن أَسَرهم من العرب أنه سيخرُج منهم نبيّ، وإخبار النجاشيّ عنه وإيمانه به؛ لأنه النبي الذي بشّر به عيسى -عليه السلام-، بالإضافة إلى إخبار رُهبان النصارى لسلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- باتّباع النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي سيخرُج من العرب بدين إبراهيم، وذكروا له بَعض صفاته.[١٠]
شهادة الله له
أخبر الله -تعالى- أن أعظم الأدلّة على صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادته -سبحانه- بصدقه، فقال الله -سبحانه-: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ).[١١][١٢]
اشتهار صدق محمد وأمانته
عُرف النبي -عليه الصلاة والسلام- مُنذُ صِغره بالصفات الفاضلة؛ كالصدق والأمانة، وكان يُلقّب قبل بعثته بالصادق الأمين، ولما أوحى الله -تعالى- إليه بإنذار عشيرته ودعوتهم للإسلام؛ نادى عليهم وأراد اختبارهم، فقال لهم: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا)،[١٣] بل بلغ من شدّة صدقه شهادة المُشركين له بذلك، فلما سأل هِرقل أبا سُفيان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هل يكذب؟ فأجابه لا، وشهِد له بالصدق، وجاء عن أُميّة بن خلف وزوجته قولهما: “فوالله ما يكذب محمدٌ إذا حدّث”.[١٤]
تأييد محمد عليه الصلاة والسلام بالمعجزات
أيّد الله -تعالى- نبيّه بِالمُعجزات؛ لتكون دليلاً على صدق نبوّته، ومن أعظم مُعجزاته القُرآن الكريم، ومن معجزاته أيضاً: تكثير الماء، ونبع الماء بين أصابعه، وحنين الجذع إليه، وانشقاق القمر، وغير ذلك، ومنها ما وقعت بعد وفاته؛ كفتح فارس والحيرة، وكثرة المال، وإخباره لابنته فاطمة بأنها أوّل أهله موتاً ولحاقاً به بعده، وإخباره لزوجته زينب بنت جحش أنها أول زوجاته موتاً بعده، وغير ذلك،[١٥] ومن مُعجزاته أيضاً الإسراء والمعراج، وإخباره بظهور الإسلام، وحُصول مُلكٍ عظيمٍ له؛ فسيطر المُسلمون على أكثر من نصف الأرض، ومزّقوا مُلك فارس وهزموهم، وإخباره بانتشار الزنا، والخمر، وأكل الحرام،[١٦][١٦] ومما يؤكد مُعجزة القُرآن إتيان النبي -عليه الصلاة والسلام- به مع أنّه كان أُمّيّاً،[١٧] فقد نشأ بين قومٍ أُمّيّين، وكذلك إعلامه بالقصص السابقة والأُمم الماضيّة.[١٨] وذكر الإمام النوويّ أن للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما يزيد عن الألف ومئتين مُعجزة، وأمّا مُعجزة القُرآن فقد تحدّى بها العرب خاصّة، وكان ذلك على ثلاث مراحل، وهي:[١٩]
- المرحلة الأولى: الإتيان بمثله بدون تحديد وقتٍ لهذا التحدي، لقوله -تعالى-: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)،[٢٠] فعجزوا عن ذلك.
- المرحلة الثانيّة: الإتيان بعشر سورٍ مثله، لقوله -تعالى-: (أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَياتٍ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّـهِ إِن كُنتُم صادِقينَ* فَإِلَّم يَستَجيبوا لَكُم فَاعلَموا أَنَّما أُنزِلَ بِعِلمِ اللَّـهِ وَأَن لا إِلـهَ إِلّا هُوَ فَهَل أَنتُم مُسلِمونَ)،[٢١] فعجزوا عن ذلك أيضاً.
- المرحلة الثالثة: الإتيان بسورةٍ مثله، لقوله -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)،[٢٢] فعجزوا عن ذلك أيضاً.
نبوة محمد عليه السلام
أرسل الله -تعالى- مُحمّداً نبيّاً، وأيّده بالكثير من الأدلة والمُعجزات التي تُثبت صدقه وصدق رِسالته، ومنها ما كانت في نفسه، أو فيما أخبر به، أو في أسماء الله -تعالى- وصِفاته،[٢٣] ومن أهمّ الأدلة لإثبات النبوّة؛ إثباتُ الدين، لأن إثبات الدين يعني إثبات النبوّة، ولذلك حاول المُشركون اتّهام النبي -عليه الصلاة والسلام- بالسحر والشعر والجُنون، فقال الله -تعالى- عنهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا* وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)،[٢٤][٢٥] وهذه الدلائل منها ما كان قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما كان بعدها. كما تبين سابقا.
المراجع
- ↑ محمد السُّلَميُّ، عبد الرحمن قصَّاص، سعد الموسى، وغيرهم (2010)، صَحِيحُ الأثَر وجَمَيلُ العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم) (الطبعة الأولى)، جدة: مكتبة روائع المملكة، صفحة 35. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 89.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 157.
- ↑ محمد الشوكاني (1984)، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 34. بتصرّف.
- ↑ محمد الشوكاني (1984)، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي (2004)، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 393، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد الشوكاني (1984)، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 32-33. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية: 6.
- ↑ حمود الرحيلي (2004)، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 395، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي (2004)، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 395-398، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 19.
- ↑ حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي (2004)، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 391، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4770، صحيح.
- ↑ حمود الرحيلي (2004)، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 398-401، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد السُّلَميُّ، عبد الرحمن قصَّاص، سعد الموسى، وغيرهم (2010)، صَحِيحُ الأثَر وجَمَيلُ العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم) (الطبعة الأولى)، جدة: مكتبة روائع المملكة، صفحة 35-37. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الرحيم بن صمايل السلمي، دراسة موضوعية للحائية ولمعة الاعتقاد والواسطية، صفحة 5، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، القاهرة -مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 240، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ نور الدين محمد عتر الحلبي (1993)، علوم القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، دمشق: مطبعة الصباح، صفحة 240. بتصرّف.
- ↑ حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي (2004)، منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 404-406، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الطور، آية: 34.
- ↑ سورة هود، آية: 13-14.
- ↑ سورة يونس، آية: 38.
- ↑ خالد بن عبد الله بن محمد المصلح، شرح لمعة الاعتقاد، صفحة 4، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 4-5.
- ↑ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، شرح العقيدة الطحاوية، صفحة 1565. بتصرّف.