احكام الشريعة الاسلامية

جديد ما حكم من يصلي رياء

العبادة

رَبط الله سُبحانه وتعالى بين أداء الأعمال والعبادات والنّيّة القلبيّة عند أدائها، وقد بيّن النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك بقوله: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)؛[١] فجميع الأعمال والأقوال والأفعال الصادرة عن الإنسان ويُقصد منها العبادة لا تصحّ إلاّ بوجودِ النية.

الصلاة

الصّلاةُ هِي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين، وليؤدّيها المُسلم يجب أن تكون نيّتة خالصةً لله سبحانه وتعالى، بعيداً عن الرياء والسمعة، أو ما يُعرف بالشّرك الخفي، وقد حذّر النّبي صلى الله عليه وسلم من الشرك الخفي فقال: (يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ والذي نفسي بيدِه، لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ وكثيرهُ؟ قل: اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفِرُك لما لا أَعلمُ)[٢]

تعريف الرياء لغة واصطلاحاً

  • يُعرّف الرياء في اللغة بأنّه: التظاهر بخِلاف ما في الباطن.[٣]
  • الرياء في الاصطِلاح عرّفه العز بن عبد السلام بأنّه: إظهارالإنسانِ لعملِ العبادة وذلك لينالَ عرضاً دنيوياً؛ إمّا جلبُ نفع دنيوي أو تَعظيم أو إجلال من الناس،[٤] وعرّفه القُرطبي بأنّه طلب الإنسان لما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلبُ الإنسان للمَنزلة في قلوب الناس[٥]

تعريف الصلاة وحكمها

تُعرّف الصلاة في اللغة بأنّها الدعاء؛ حيث قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)[٦]أي؛ ادعُ لهم، أمّا تعريفُ الصلاة في الاصطلاح فهي أقوالٌ وأفعال مخصوصة، يؤدّيها المُسلم المكلّف البالغ العاقل تعبّداً لله سبحانه وتعالى، مفتتحة بالتكبير، ومُختتمة بالتسليم،[٧] أمّا حكمها في الشرع فهي واجبة؛ والدليل على ذلك من القرآن الكريم: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[٨] وأمّا من السنة النبوية فالدليل على ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: (.. فأعلِمْهم: أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ افترضَ عليْهم خمسَ صلواتٍ، في كلِّ يومٍ وليلةٍ )[٩].[١٠]

حكم من يصلي رياءً

عندما تؤدّى الصلاة ويدخُل الرّياء في أدائها لا تخلو من حالتين:[١١]

  • الحالة الأولى: أن يُنشئ المرء الصلاة ويؤدّيها كلها رياءً؛ فهذه الصلاة تكون باطلة، ويأثم صاحبها في تأديتها لأنها لم تؤدّ لله سبحانه وتعالى.
  • الحالة الثانية: أن يُنشئ المرء الصلاة ويؤديها بقصد شرعي؛ بقصد العبادة، ولكن يدخله الرياء أثناء تأديته لها، فهذا لا يخلوا أمره من حالتين؛ إما أن يجاهد نفسه ويدفع هذا الرياء عن نفسه، وهذا صلاته صحيحة لأنّه عمل على مجاهدة نفسه في دفعه، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[١٢] وإمّا أن يَسترسل الرياء، ويستمر معه أثناء صلاته، فهذا صلاته باطلة؛ وذلك لأنّ الصلاة عبادة متصلة لا تَقبل التجزئة، فإذا بطل أوّلها بطل آخرها.

أسباب الرياء

إنّ أسباب الرياء عند الإنسان تعود إلى ثلاثة أمور رئيسيّة:[١٣]

  • النشأة في بيت يهتم بالرياء والسمعة، مما يؤدي إلى ترسيخ آفة الرياء في نَفسِ الإنسان.
  • الصحبة والرّفقة السيئة، التي همّها السمعة والرياء، والتي تَدفع الشخص إلى تقليدها، وخصوصاً إذا كان الشخص ضَعيف الشخصية.
  • الجهل بالله سُبحانه وتعالى، أو نقصان المَعرفة به سبحانه، ممّا يَدفع الشخص إلى الظنّ بأنّ الخير والنفع بيد الناس ممّا يَدفعه إلى كسب مَرضاتهم، ومحبّتهم.
  • الرغبة في الوصول إلى الصّدارة والمنصب.
  • الطمع فيما عند الناس، والحرص على الدُّنيا وما فيها.

علاج الرياء

لعلِاج الرّياء والوصول إلى الإخلاص لله سُبحانه وتعالى طرقٌ عديدة منها:[١٤]

  • مَعرفة أنواع الرياء وأقسامه ودوافعه، ممّا يؤدّي إلى الحذر منها وتجنّبها.
  • مَعرفة عظمة الله سُبحانه وتعالى؛ وذلك عن طَريق مَعرفة أسمائه وصِفاته مَعرفةً مبنيّةً على فَهم القرآن الكريم والسنة النبوية، ووفق مذهب أهل السنّة والجماعة.
  • معرفة ما أعَدّه الله سبحانه تعالى يوم القيامة من نعيمٍ وعذاب، وما تَسبقها من أهوال.
  • الخوف من خطر الرياء، والعمل لأجل الدنيا.
  • معرفة ما يَفرّ منه الشيطان، والإكثار من الأعمال التي ينفر منها، مثل: الأذان، وقراءة القرآن، وسجود التلاوة، وغيرها من الأذكار المَشروعة.
  • الإكثار من أعمال الخير والعبادات، التي تكون بين العبدِ وربّه سبحانه.

خطر الرياء وآثاره

للرّياء آثارٌ خَطيرة تعود على الفرد والمجتمع منها:[١٥]

  • يُعتبر أشدّ خطراً على المسلمين من المسيح الدجال.
  • يعتبر أشدّ فتكًا من فتك الذئب في الغنم.
  • يعدّ خطر الرياء على الأعمال الصالحة خطراً عظيماً؛ وذلك لأنه يُذهب بركة هذه الأعمال، ويُبطلها والعياذ بالله، قال الله سبحانه وتعالى: (كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).[١٦]
  • يُسبّب عذاب الآخرة؛ فأوّل من تسعّر بهم النار يوم القيامة: قارئ القرآن الذي قرأ القرآن ليُقال عنه قارئ، والمُجاهد الذي قاتل ليُقال عنه شُجاع، والمُتصدّق بماله ليُقال عنه كريم، فَهولاء لم تكن أعمالهم خالصةً لله سُبحانه وتعالى.
  • يُورّثُ لصاحبه الذلّ والصّغار والهوان والفضيحة.
  • يُسبّب حرمان صاحبه من ثواب الآخرة.
  • يُسبّب الرياء هزيمة الأمّة.
  • يزيد الضلال؛ فقد قال الله سُبحانه وتعالى عن المنافقين: (يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[١٧]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  2. رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 551، صحيح.
  3. “تعريف ومعنى رياء”، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2017. بتصرّف.
  4. العز بن عبد السلام (1991)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، مصر: الكليات الأزهرية، صفحة 147، جزء 1. بتصرّف.
  5. الإمام القرطبي (1964)، تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، م: دار الكتب المصرية، صفحة 212، جزء 20. بتصرّف.
  6. سورة التوبة، آية: 103.
  7. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 51، جزء 27. بتصرّف.
  8. سورة البينة، آية: 5.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2521، صحيح.
  10. د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، منزلة الصلاة في الإسلام، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 9. بتصرّف.
  11. “حكم صلاة المرائي”، المسلم، 4-4-1431، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2017. بتصرّف.
  12. سورة العنكبوت، آية: 69.
  13. زاهر الشهري، الشرك الخفي، السعودية: دار القاسم، صفحة 30-32. بتصرّف.
  14. د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإخلاص وظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة في ضوء الكتاب والسُّنَّة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 27-35. بتصرّف.
  15. د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإخلاص وظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة في ضوء الكتاب والسُّنَّة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 19-21. بتصرّف.
  16. سورة البقرة، آية: 264.
  17. سورة البقرة، آية: 9-10.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى