فَضْل الله على العباد
أنعم الله -تعالى- وتفضّل على عباده بالكثير من النّعم والأفضال؛ فمنها ما هو متعلّق بالدّين ومنها ما هو متعلّق بالدّنيا، وقال العلماء إنّ أعظم نِعَم الله -عزّ وجلّ- على الإنسان هي نعمة الهداية إلى الإسلام، وهو دين الله الذي اختاره وارتضاه للخَلْق في رسالة الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومن نِعَم الله -تعالى- أيضاً إرسال الرّسل للنّاس ليبشّروهم ويحذّروهم، وأنزل عليهم الكتب السّماويّة لتكون لهم ذكرى، وأرشدهم إلى الصّراط المستقيم والطّريق القويم، وأعلمهم بطريق الجنّة ليسلكوه وبطريق النّار ليجتنبوه.[١]
ومن إحسان الله -تعالى- على النّاس أن جعل الظّفر بالحسنات يسيراً، فمن همّ بالحسنة فلم يعملها كتبها الله حسنةً كاملةً، ومن همّ بالحسنة وعملها كتبها الله عشر حسنات مع مضاعفتها، وأمّا من همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنةً كاملةً، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، والله -تعالى- أيضاً يُمهل الإنسان ولا يعجل في عقابه؛ ليعطيه فرصة للتّوبة.[٢][١]
ومن نِعَم الله -تعالى- الدنيويّة تيسيير الطّعام والشّراب والمأكل والملبس، ومنها أيضاً خَلْق الإنسان في أحسن تقويم، وبسط الأرض بما يناسب عيش الإنسان، وتسخير جميع المخلوقات لخدمة العباد، ونعمة الجسد والسمع والبصر وباقي الحواسّ، ونعمة الزّواج والأولاد، ومنها أيضاً نعمة العلم بعد الجهل، فأوّل ما يُخلق الإنسان لا يكون عالماً بشيء ثمّ يُعلّمه الله -تعالى- ويهديه إلى ما ينفعه من العلوم بما خلق له من الحواسّ، قال الله عزّ وجلّ: (وَاللَّهُ أَخرَجَكُم مِن بُطونِ أُمَّهاتِكُم لا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ)،[٣] وجميع النِّعم تسلتزم من الإنسان شكر الله -تعالى- والاعتراف بفضله.[٤]
كيفية شكر الله
إنّ حال المسّلم إما أن يكون شاكراً لنِعَم الله تعالى، وإمّا صابراً على ابتلائه، ولذلك فإنّ شكر الله -تعالى- له أهميّة كبيرة في حياة المسّلم، وخاصّة عندما يعلم الإنسان أنّ الله -تعالى- وعده بالمزيد من النّعم إن أقبل عليه بالشّكر؛ ورد في القرآن الكريم: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)،[٥] والشّكر هو مقابلة الإحسان والفَضْل من الغير بالثّناء والحمد، والشّكر في الشّرع هو الاعتراف بفضل الله -تعالى- ونِعَمه على الإنسان، ويكون ذلك باللسان مع توظيف النّعم بما يرضي الله تعالى، وللشّكر ثلاثة أركان يقوم عليها، وهي:[٦]
- شهادة القلب على نِعَم الله -عزّ وجلّ- وفضله على الإنسان، والتذلّل له بالخضوع والمحبّة.
- ذكر اللسان لنِعَم الله -تعالى- وشكره عليها لفظاً، والثّناء عليه والتبرّء من حول الإنسان وقوّته فيما عنده من نِعم.
- تسخير نِعَم الله -تعالى- على الإنسان بما يرضي الله تعالى، والبُعد عمّا يغضبه.
وإن أراد المسّلم شُكْر الله -عزّ وجلّ- فلا بدّ له من الاعتراف بفضله؛ بأن يعلم ويُوقن أنّ كلّ ما يحصل له من خير أو يتجاوزه من سوء نعمة من الله -تعالى- فيكون ذلك يقيناً متمكّناً في قلبه، ثمّ يجب على المسّلم ذكر الله -تعالى- وشكره باللسان؛ فيثني عليه دائماً ويحمده كثير الحمد على ما أجزل له من النّعم والعطايا، ويحرص ألّا ينسب النّجاح والتفوّق والعلم والإنجاز لنفسه؛ لأنّ ذلك جحوداً لفضل الله ونعمه، وإنّما ينسبها لله -عزّ وجلّ- ليكون من الشّاكرين، كما يجدر بالمسّلم ليتمّ شكره على أكمل وجه أن يستخدم النّعم بما يرضي الله؛ فلا يجوز للإنسان أن يستخدم جسده وحواسّه للقيام بالفواحش والمنّكرات والمعاصي والآثام، بل يتحرّى القيام بأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه، ومن صور شكر الله -عزّ وجلّ- شكر النّاس على إحسانهم وتقديمهم المعروف والبرّ، قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن لا يَشْكُرُ الناسَ، لا يَشْكُرُ اللهَ).[٧][٦]
حُكْم شكر الله
أمر الله -عزّ وجلّ- عباده بحمده وشكره، حيث قال في القرآن الكريم: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)،[٨] فالآية تدلّ على وجوب شُكر الله تعالى، وقد قال بعض العلماء: إنّ التلفّظ بالشّكر واجب مرّة في العمر كالنّطق بالشهادتين، وما زاده المسّلم الشّكر مستحبّ يُثاب عليه، ويجوز للمسّلم شكر الله -تعالى- خوفاً من زوال نعمه، أو رغبةً في الزيادة؛ لأنّ الرجاء بالله والخوف منه مطلوب شرعاً وقد حثّت عليه الكثير من آيات القرآن الكريم، وذلك لا يتنافى ولا يتعارض مع الإخلاص لله -عزّ وجلّ- بالشّكر والعبادة، ومع ذلك فلا ينبغي أن يكون ذلك هو الدّافع الوحيد للشّكر؛ فلا بدّ للمسّلم من استشعار حقّ الله -تعالى- عليه.[٩]
فَضْل شكر الله
ورد في القرآن الكريم وفي السّنة النبويّة الشّريفة ما يدلّ على الفضائل العظيمة لشكر الله تعالى، وبيان بعضها فيما يأتي:[١٠]
- يعدّ شُكْر الله -تعالى- من صفات الرّسل والأنبياء عليهم السّلام، حيث ورد في القرآن الكريم: (ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا).[١١]
- شُكْر الله -تعالى- يقي الإنسان من العذاب، حيث قال الله تعالى: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا).[١٢]
- وعد الله -تعالى- الشّاكرين بالأجر الجزيل والثّواب العظيم؛ قال الله تعالى: (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).[١٣]
- ارتبط رضى الله -تعالى- بشكره وحمده والثّناء عليه؛ حيث ورد في صحيح مسلم أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنّ اللهَ ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها).[١٤]
المراجع
- ^ أ ب “أعظم نعم الله تعالى على عباده الإيمان به”، www.islamqa.info، 2011-3-21، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-6. بتصرّف.
- ↑ الرهواني محمد (2016-4-18)، “فضل الله وعدله في الجزاء (خطبة)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-6. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 78.
- ↑ يحيى بن موسى الزهراني، “وقفات مع نعم الله تعالى”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-6. بتصرّف.
- ↑ سورة ابراهيم، آية: 7.
- ^ أ ب خالد بن سعود البليهد، “شكرُ الله تعالى”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-6. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 9077، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 152.
- ↑ “حكم شكر النعم ومن يشكر خوفاً من زوالها”، fatwa.islamweb.net، 2016-1-31، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-6. بتصرّف.
- ↑ الشيخ أحمد أبو عيد (2016-8-1)، “فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-6. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 3.
- ↑ سورة النساء، آية: 147.
- ↑ سورة أل عمران، آية: 145.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2734، صحيح.