صفات نهر الكوثر

'); }

صفات نهر الكوثر

روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن الكوثر فقال: (سَأَلْتُهَا عن قَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ} قالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، شَاطِئَاهُ عليه دُرٌّ مُجَوَّفٌ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ)،[١] وقد ذكرت السنة النبوية بعضاً من صفات الكوثر، ومنها:[٢][٣]

  • نهرٌ في الجنة، جانباه من اللؤلؤ المُجوّف، وتُرابه من المسك، وحجارته من اللؤلؤ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أُعطِيتُ الكَوْثرَ، فإذا هو نَهَرٌ يَجري كذا على وَجهِ الأرضِ، حافَتاهُ قِبابُ اللُّؤلُؤِ، ليس مَشْقوقاً، فضَرَبتُ بِيَدي إلى تُرْبَتِه، فإذا مِسْكةٌ ذَفِرةٌ، وإذا حَصاهُ اللُّؤلُؤُ).[٤]
  • ماء الكوثر أشد بياضاً من اللبن، وطعم الماء أحلى من العسل، ورِيحه أطيب من المسك، إذ قال النبي -عليه الصلاة والسلام- حين سُئل عنه: (أشدُّ بياضاً منَ اللَّبنِ وأحلَى منَ العسَلِ).[٥]
  • لا يظمأ من يشرب منه مرةً واحدةً أبداً، ولا يسودّ وجهه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَن شَرِبَ مِنْها فلا يَظْمَأُ أبَداً).[٦]
  • له قناتان تصبّان في الحوض الذي يكون في أرض المحشر، قال عليه الصلاة والسلام: (يَغُتُّ فيه مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ).[٧]
  • يجري من غير شقوقٍ بقدرة الله سبحانه، قال رسول الله: (ليس مَشْقوقاً).[٤]

'); }

مكان نهر الكوثر

يوجد نهر الكوثر في وسط الجنة، والدليل على ذلك قول عائشة -رضي الله عنها- لأبي عبيدة حين سألها عن الكوثر فأجابت أنّه في بُطنان الجنة؛ أي في وسطها، وورد عن ابن مسعود في تفسيره لكلمة جنات عدن أي بُطنان الجنة، روى البوصيري في ذلك: (ما بُطْنانُ الجنةِ؟ قالتْ: وسَطُها)،[٨][٩] ويُعتبر الكوثر من الخصائص والفضائل التي اختصّ الله بها نبيّه مُحمد في الآخرة، وهو جُزء من الخير الكثير الذي امتنّ الله به عليه، ويشرب منه كُل من اقتدى بالنبي واتّبع سنته.[٣]

تعريف الكوثر

تعريف الكوثر لغةً

تدور معاني الكوثر في اللغة حول الكثرة والتكثير، فيُقال: كثُرَ يَكثرُ كُثراً وكَثرة، فهو كَثر وكثير وكُثار، ويُقال: كَثَر من يَكثُر كثراً فهو كاثر، وكَثَرَ الشيء: أي جعله كثيراً، فُيُطلق على العدد الكثير، والخير الكثير، ومنه الرجل الذي يُنفق كثيراً، ويطلق على النهر الذي أكرم به الله تعالى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.[١٠]

تعريف الكوثر في الاصطلاح الشرعيّ

اختلف العلماء في تعريف الكوثر في الاصطلاح الشرعيّ وذهبوا في ذلك إلى قولين:[٢][١١]

  • القول الأول: الكوثر نهرٌ من أنهار الجنة أعطاه الله للنبيّ محمدٍ، وقد استدلّ أصحاب هذا القول في سبب نزول سورة الكوثر حين جاء النبيّ إلى الصحابة مُبتسماً، فسألوه عن سبب ضحكه، فقال: (أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ*فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ*إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3]، ثُمَّ قالَ: أتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ).[١٢]
  • القول الثاني: الكوثر حوضٌ كبيرٌ يأتيه الماء من نهر الكوثر ولذلك سُمّي بحوض الكوثر، ويُوضع الحوض في أرض المحشر يوم القيامة لأُمّة النبيّ محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

آراء وأقوال العلماء في الكوثر

اختلف العلماء في بيانهم لمعنى الكوثر الوارد في قول الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)؛[١٣] فذهب ابن عباس إلى أنّه الخير الذي أعطاه الله للنبي مُحمد عليه الصلاة والسلام، وأنّ نهر الكوثر جُزءٌ من هذا الخير، وذلك من خلال تفسيره العام للآية، في حين ذهب الواحديّ إلى أنّه النهر نفسه، بينما ذهب عطاء إلى أنّه حوض النبيّ يوم القيامة الواقع في أرض المحشر، وذلك من باب تغليب التسمية؛ لأنّ ماء الحوض يكون من نهر الكوثر، وذكر السيوطيّ أنّ الكوثر يدلّ على خيري الدنيا والآخرة الذي يكون للنبيّ محمدٍ؛ كرامةً وتشريفاً له، في حين يرى ابن حجر أنّه نهرٌ في الجنة سُمّي بذلك؛ لكثرة مائه وآنيته، وكثره خيره، مُستدّلاً بالمعنى اللغويّ وهو الكثرة، وقال النيسابوريّ: سُمي بذلك لأنّه أكثر أنهار الجنة ماءً وخيراً، ومنه تتفجّر كُلّ أنهار الجنة.[١٤]

أنهار الجنة

ذكر الله -سبحانه وتعالى- أنّ من النعيم الذي أعدّه الله للمؤمنين في الجنة أنّ لهم فيها جناتٌ تجري من تحتها الأنهار، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)،[١٥] ومن الصفات الواردة لتلك الأنهار:[١٦][١٧]

  • تجري بصورةٍ دائمةٍ ولا تتوقف، وتجري تحت قصور المؤمنين وبساتينهم، قال تعالى: (تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ).[١٨]
  • تجري من غير شقوق، ويكون بعضها من أجناس لا عادة لها بالجريان في الدنيا؛ كأنهار الخمر واللبن، وتكون من أفضل الأشربة والقوت والغذاء والمنفعة، قال تعالى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ).[١٩]
  • تنحدر من أعلى منزلةٍ في الجنة إلى أدنى درجةٍ فيها، لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: (فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأَعْلَى الجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، ومِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ).[٢٠]

الجنة وصفتها

كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُشوّق الصحابة للجنة ويَحثّهم للتسابق إليها بوصف الجنة ونعيمها، ومن ذلك الوصف والنعيم:[٢١]

  • مبنيةٌ من اللّبِن، واحدةٌ من فضةٍ، وأخرى من ذهبٍ، وبينهما المسك، وحجارتها من اللؤلؤ والياقوت، ونعيمها أبديٌ خالد لا يزول، وعُمر أهلها في سنّ الشباب، لا يكبرون ولا يهرمون، لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الجنةُ بناؤها لَبِنَةٌ من فضةٍ، ولَبِنَةٌ من ذهبٍ، ومِلاطُها المسكُ الأذفرُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وتربتُها الزَّعفرانُ، من يدخلُها ينعَمْ لا يبْأَسُ، ويخلدْ لا يموتُ، لا تَبلى ثيابُهم، ولا يَفنى شبابُهم).[٢٢]
  • أعدّ الله فيها ما لا يخطر على بال بشرٍ، ولا تصل إليه الأفكار والعقول، قال تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ).[٢٣]

وقد وُصفت بعض جوانب الجنة بنوعٍ من التفصيل، ومن تلك الأوصاف:[٢٤]

  • أعد الله لأهلها خياماً من اللؤلؤ المُجوّف، يصل طولها إلى ستين ميلاً، لا يرى بعضهم بعضاً، بالإضافة إلى المساكن والقصور، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ لِلْمُؤْمِنِ في الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِن لُؤْلُؤَةٍ واحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُها سِتُّونَ مِيلاً، لِلْمُؤْمِنِ فيها أهْلُونَ، يَطُوفُ عليهمِ المُؤْمِنُ فلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً).[٢٥]
  • غرفها تجري من تحتها الأنهار، يُرى ظاهرها من باطنها، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا).[٢٦]
  • فُرشها من النمارق والبُسط والإستبرق، لقوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ)،[٢٧] وأمّا سُررهم فهي مرفوعةٌ ومُتقابلة مع بعضها، لقوله تعالى: (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ)،[٢٨] وأمّا آوانيهم فمن الذهب والفضة، لقوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ)،[٢٩] وأمّا لباسهم فثيابٌ من السُندس والإستبرق والحرير، وحُليّهم أساور من الذهب واللؤلؤ، لقوله تعالى: (يُحَلَّونَ فيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلبَسونَ ثِيابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ)،[٣٠] علماً أنّ أول من يُكسى من الخلق يوم القيامة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-، ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (وإنَّ أوَّلَ الخَلَائِقِ يُكْسَى يَومَ القِيَامَةِ إبْرَاهِيمُ)،[٣١] وطعامهم غير منقطعٍ، لهم من كُلّ ما يتمنون ويشتهون، ومن طعامهم الفاكهة ولحم الطير، والذي يخرج من أجسامهم كرائحة المسك، لقوله تعالى: (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ*وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ)،[٣٢] وأمّا أشجارها وثمارها فلهم فيها من كُل الثمرات؛ كالنخل والرمان والأعناب، ويقدّر حجم بعض أشجارها بأكثر من مسيرة مئة عام في ظلّها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنَّ في الجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها).[٣٣]
  • نساء أهل الجنّة من الحور العين التي لو اطّلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض، وملأته ريحاً، وشبههما الله بالياقوت والمرجان واللؤلؤ، قال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ*كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)،[٣٤] وأمّا عُطور الجنة فمن المسك وعود الطيب، وكلامهم ذكر الله؛ كالتسبيح والتحميد، وتحيتهم في الجنة السلام، ولا يُسمع فيها الكلام الفاحش وما لا فائدة منه.

درجات الجنة

تختلف درجات في الجنة بحسب أعمال العبد وإيمانه، وبعضها فوق بعض، قال تعالى: (وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولـئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ العُلى)،[٣٥] فهناك درجاتٌ عُليا ودرجاتٌ أسفل منها، وتختلف في العلو والصفة بحسب أعمال أهلها؛ فأصحاب الدرجات العالية لهم جناتٌ زيادةً على غيرهم من أهل الجنة، مثل أهل التقوى، قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)،[٣٦] وأما أدنى مرتبةٍ في الجنة فهي لرجلٍ يخرج من النار ويُعطيه الله عشر أضعاف ما يملك ملك من مُلوك الدنيا، روى الإمام مسلم عن المغيرة بن شُعبة -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قالَ: هو رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ ما أُدْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فيُقالُ له: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فيَقولُ: أيْ رَبِّ، كيفَ وقدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنازِلَهُمْ، وأَخَذُوا أخَذاتِهِمْ، فيُقالُ له: أتَرْضَى أنْ يَكونَ لكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِن مُلُوكِ الدُّنْيا؟ فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: لكَ ذلكَ، ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ، فقالَ في الخامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: هذا لكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ، ولَكَ ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، ولَذَّتْ عَيْنُكَ، فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ)،[٣٧] وأمّا أعلى منازل الجنة فلا يعلم ما فيها إلّا الله؛ زيادةً في إكرامهم، قال تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[٣٨] وقد ذكر النبي أصنافاً يدخلون الدرجات العالية، ومنهم: الشُهداء، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أفضلُ الشهداءِ الذين يُقاتِلونَ في الصفِّ الأولِ فلا يلْفتونَ وجوهَهم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلَبَّطونَ في الغَرفِ العُلى من الجنةِ، يضحكُ إليهم ربُّك)،[٣٩] والساعي على الأرملة والمسكين، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ)،[٤٠] وكافل اليتيم، قال عليه السلام: (كافِلُ اليَتِيمِ له، أوْ لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ وأَشارَ مالِكٌ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى)،[٤١] ويرفع الله درجة بعض الآباء ببركة دُعاء أبنائهم لهم، قال رسول الله: (إنَّ الرجُلَ لَتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنةِ فيقولُ: أنَّى لِي هذا؟ فيُقالُ: بِاستغفارِ ولَدِكَ لَكَ)،[٤٢] ومنزلة الوسيلة التي تعدّ أعلى منزلة في الجنة فهي للنبي مُحمد عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ).[٤٣][٢١]

صفات أهل الجنة في الحياة الدنيا

حثّ الله -تعالى- عباده المؤمنين بالمُسارعة والتسابق إلى الجنة، وقد ذكر الله صفات وأوصاف لأهل الجنة، منها:[٤٤][٤٥]

  • تحقيق التقوى بفعل ما أمر به الله، والابتعاد عمّا نهى عنه؛ طاعةً له واتّباعاً لأوامره، لقوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).[٤٦]
  • الإنفاق بكلّ وجوه الخير في جميع الأحوال، سواءاً في الفقر أو الغِنى، كأداء الزكاة والصدقة، لقوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).[٤٧]
  • كظم الغيظ، والعفو عن الناس، حيث يحبس المؤمنون غضبهم، ولا يحقدون على غيرهم، ويعفون عمّن ظلمهم، قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).[٤٧]
  • التوبة والاستغفار وذكر الله بعد الذنوب، صغيرها وكبيرها، وعدم الإصرار عليها، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا).[٤٨]
  • الإيمان بالله وبكُل ما يجب الإيمان به؛ كالملائكة والرُسل والكُتب واليوم الآخر والقدر خيره وشره، بالإضافة إلى ما يتعلق الإيمان من انقيادٍ واستسلامٍ، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ).[٤٩]
  • الخشوع في الصلاة، بحضور القلب وسكون الجوارح فيها، مع المُحافظة عليها وأدائها بِكلّ شروطها وأركانها، قال الله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).[٥٠]
  • الإعراض عن كُل ما لا فائدة منه من قولٍ أو فعلٍ، قال الله عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ).[٥١]
  • أداء الزكاة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ).[٥٢]
  • عدم الوقوع في المحرّمات، وصيانة الفروج عنها، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).[٥٣]
  • رعاية وأداء العهود والأمانات، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).[٥٤]
  • الصدق، لقوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).[٥٥]

ومن صفات أهل الجنة الواردة في السنة النبوية:

  • إقامة أركان الإسلام الخمس، رُوي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنّه قال: (كنتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ، فأصبَحتُ يوماً قريباً منهُ ونحنُ نَسيرُ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ أخبرني بعمَلٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ويباعِدُني من النَّارِ، قالَ: لقد سألتَني عَن عظيمٍ، وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسَّرَهُ اللَّهُ علَيهِ، تعبدُ اللَّهَ ولا تشرِكْ بِهِ شيئاً، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُّ البيتَ).[٥٦]
  • إسباغ الوضوء وترديد الشهادتين، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ).[٥٧]
  • بناء المساجد لوجه الله تعالى، ودليل ذلك ما رواه عثمان بن عفان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (مَن بَنَى مَسْجِداً لِلَّهِ تَعَالَى بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ).[٥٨]
  • المُحافظة على الصلاة، وكثرة السجود لوجه الله، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً).[٥٩]
  • أداء السنن الرواتب التي تكون قبل أو بعد الصلاة المفروضة، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَومٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً، غيرَ فَرِيضَةٍ، إلَّا بَنَى اللَّهُ له بَيْتاً في الجَنَّةِ، أَوْ إلَّا بُنِيَ له بَيْتٌ في الجَنَّةِ).[٦٠]
  • الولاية بالعدل بين الناس، والرحمة بالعباد، والعفّة والزهد في الحياة الدنيا، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ).[٦١]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 4965، صحيح.
  2. ^ أ ب “حوض الكوثر ونهر الكوثر”، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب “صاحب الكوثر صلى الله عليه وسلم”، www.islamweb.net، 25/02/2003، اطّلع عليه بتاريخ 7-10-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 12542، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2300، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 6579، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 2301، صحيح.
  8. رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن مسروق بن الأجدع، الصفحة أو الرقم: 8/232، رواته ثقات.
  9. نايف بن أحمد الحمد، “اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-10-2019. بتصرّف.
  10. “تعريف و معنى الكوثر في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2019. بتصرّف.
  11. عبد الله بن حمود الفريح (30/7/2018)، “حديث: أتدرون ما الكوثر؟”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 400، صحيح.
  13. سورة الكوثر، آية: 1.
  14. “المطلب الثاني: تعريف الكوثر اصطلاحاً”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019. بتصرّف.
  15. سورة البقرة، آية: 25.
  16. ابن القيم الجوزية، حادي الأرواح إلى بلاد الأرواح، القاهرة: مطبعة المدني، صفحة 178. بتصرّف.
  17. محمد السفاريني (2009)، البحور الزاخرة في أحوال الآخرة (الطبعة الأولى)، السعودية: دار العاصمة، صفحة 1103-1106. بتصرّف.
  18. سورة الأعراف، آية: 43.
  19. سورة محمد ، آية: 15.
  20. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7423، صحيح.
  21. ^ أ ب عمر سليمان الأشقر (1991)، اليوم الآخر. الجنة والنار (الطبعة الرابعة)، عمان: النفائس، صفحة 147-163. بتصرّف.
  22. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3116، صحيح.
  23. سورة السجدة، آية: 17.
  24. محمد بن إبراهيم التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: اهداءات المجتمع، صفحة 127-150. بتصرّف.
  25. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 2838، صحيح.
  26. سورة العنكبوت، آية: 58.
  27. سورة الرحمن، آية: 54.
  28. سورة الغاشية، آية: 13.
  29. سورة الزخرف، آية: 71.
  30. سورة الكهف، آية: 31.
  31. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6526، صحيح.
  32. سورة الواقعة، آية: 20-21.
  33. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3251، صحيح.
  34. سورة الواقعة، آية: 22-23.
  35. سورة طه، آية: 75.
  36. سورة الرحمن، آية: 46.
  37. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 189، صحيح.
  38. سورة السجدة، آية: 17.
  39. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن نعيم بن همار الغطفاني، الصفحة أو الرقم: 1107، صحيح.
  40. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5353، صحيح.
  41. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2983، صحيح.
  42. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1617، صحيح.
  43. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 384، صحيح.
  44. “أوصاف أهل الجنة جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه”، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2019. بتصرّف.
  45. عائشة عامر شوكت (21/5/2014)، “أهل الجنة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-10-2019. بتصرّف.
  46. سورة الذاريات، آية: 15.
  47. ^ أ ب سورة آل عمران، آية: 134.
  48. سورة آل عمران، آية: 135/136.
  49. سورة المؤمنون، آية: 1.
  50. سورة المؤمنون، آية: 2.
  51. سورة المؤمنون، آية: 3.
  52. سورة المؤمنون، آية: 4.
  53. سورة المؤمنون، آية: 5-6.
  54. سورة المؤمنون، آية: 8.
  55. سورة المائدة، آية: 119.
  56. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2616، صحيح.
  57. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 234، صحيح.
  58. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 533، صحيح.
  59. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 488، صحيح.
  60. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 728، صحيح.
  61. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عياض بن حمار، الصفحة أو الرقم: 2865، صحيح.
Exit mobile version