شعر الغزل العذري في العصر الأموي

صورة مقال شعر الغزل العذري في العصر الأموي

نشأة الغزل العذري

لم يتفق الأدباء والباحثون على الوقت الذي نشأ فيه الغزل العذري؛ فقال بعضهم إنّ الغزل العذري قد نشأ في العصر الأموي وتبلور فيه تبلورًا واسعًا، وقال آخرون بل إنّه نتاج القصيدة الجاهلية القديمة، ومعنى الغزل العذري أن يكتفي الشاعر بمحبوبة واحدة يأتي على الغزل فيها بقصائده ويتشبب بها ويعيش معها بين أقلامه.[١]

خصائص الغزل العذري

إنّ للغزل العذري مجموعة من الخصائص التي امتاز فيها عن غيره، ولعل من أبرزها ما يأتي:[٢]

  • الاكتفاء بمحبوبة واحدة

من أكثر ما يميز الغزل العذري وشاعره أنّه يكتفي بامرأة واحدة يتشبب بها ويتغزل بها طوال أيام حياته.

  • وحدة الموضوع

أي إنّ القصيدة بأكملها يتحدث الشاعر فيها عن الغزل ووصف المحبوبة، يحكمها تناسق الألفاظ والمعاني وتناغم التعبير.

  • بساطة المعاني

إذ يبتعد الشاعر عن المتقعر من اللفظ والصعب من الكلام، فإنّ ما شغله من العشق والهيام أعظم من انتقاء اللفظة الغريبة الصعبة الموعرة.

  • الحزن

إذ إنّ الشاعر يبدأ بوصف الألم الذي يعتصر قلبه في البعد عن تلك المحبوبة، والحزن الذي يلتمسه في ظواهر الطبيعة كافة إثر ما يعانيه من الوجد والغرام.

نماذج من الغزل العذري

برزت مجموعة من القصائد في الغزل العذري من أهمها ما يأتي:

ويقول فيها:[٣]

أَمِن مَنزِلٍ قَفرٍ تَعَفَّت رُسومَهُ

شَمالٌ تُغاديهِ وَنَكباءُ حَرجَفُ

فَأَصبَحَ قَفراً بَعدَما كانَ آهِلاً

وَجُملُ المُنى تَشتو بِهِ وَتُصَيِّفُ

ظَلَلتُ وَمُستَنٌّ مِنَ الدَمعِ هامِلٌ

مِنَ العَينِ لَمّا عُجتُ بِالدارِ يَنزِفُ

أَمُنصِفَتي جُملٌ فَتَعدِلَ بَينَنا

إِذا حَكَمَت وَالحاكِمُ العَدلُ يُنصِفُ

تَعَلَّقتُها وَالجِسمُ مِنّي مُصَحَّحٌ

فَما زالَ يَنمي حُبُّ جُملٍ وَأَضعُفُ

إِلى اليَوم حَتّى سَلَّ جِسمي وَشَفَّني

وَأَنكَرتُ مِن نَفسي الَّذي كُنتُ أَعرِفُ

قَناةٌ مِنَ المُرّانِ ما فَوقَ حَقوِها

وَما تَحتَهُ مِنها نَقاً يَتَقَصَّفُ

لَها مُقلَتا ريمٍ وَجيدُ جِدايَةٍ

وَكَشحٌ كَطَيِّ السابِرِيَّةِ أَهيَفُ

وَلَستُ بِناسٍ أَهلَها حينَ أَقبَلوا

وَجالوا عَلَينا بِالسُيوفِ وَطَوَّفوا

وَقالوا جَميلٌ باتَ في الحَيِّ عِندَها

وَقَد جَرَّدوا أَسيافَهُم ثُمَّ وَقَّفوا

وَفي البَيتِ لَيثُ الغابِ لَولا مَخافَةٌ

عَلى نَفسِ جَملٍ وَالإِلَه لَأُرعِفوا

هَمَمتُ وَقَد كادَت مِراراً تَطَلَّعَت

إِلى حَربِهِم نَفسي وَفي الكَفِّ مُرهَفُ

وَما سَرَّني غَيرُ الَّذي كانَ مِنهُمُ

وَمِنّي وَقَد جاؤوا إِلَيَّ وَأَوجَفوا

فَكَم مُرتَجٍ أَمراً أُتيحَ لَهُ الرَدى

وَمِن خائِفٍ لَم يَنتَقِصهُ التَخَوُّفُ

أَإِن هَتَفَت وَرقاءُ ظِلتَ سَفاهَةً

تبكي عَلى جُملٍ لِوَرقاءَ تَهتِفُ

فَلَو كانَ لي بِالصَرمِ يا صاحِ طاقَةٌ

صَرَمتُ وَلَكِنّي عَنِ الصَرمِ أَضعفُ

لَها في سَوادِ القَلبِ بِالحُبِّ مَنعَةٌ

هِيَ المَوتُ أَو كادَت عَلى المَوتِ تُشرِفُ

وَما ذَكَرَتكِ النَفسُ يا بثنَ مَرَّةً

مِنَ الدَهرِ إِلّا كادَتِ النَفسُ تُتلَفُ

وَإِلا اِعتَرَتني زَفرَةٌ وَاِستِكانَةٌ

وَجادَ لَها سَجلٌ مِنَ الدَمعِ يَذرِفُ

وَما اِستَطرَفَت نَفسي حَديثاً لِخلَّةٍ

أُسِرّ بِهِ إِلّا حَديثُكِ أَطرَفُ

وَبَينَ الصَفا وَالمَروَتَينِ ذَكَرتُكُم

بِمُختَلِفٍ وَالناسُ ساعٍ وَموجِفُ

وَعِندَ طَوافي قَد ذَكَرتُكِ مَرَّةً

هِيَ المَوتُ بَل كادَت عَلى المَوتِ تَضعفُ.

يقول فيها:[٤]

أَرى أَهلَ لَيلى أَورَثوني صَبابَةً

وَمالي سِوى لَيلى الغَداةَ طَبيبُ

إِذا ما رَأَوني أَظهَروا لي مَوَدَّةً

وَمِثلُ سُيوفِ الهِندِ حينَ أَغيبُ

فَإِن يَمنَعوا عَينَيَّ مِنها فَمَن لَهُم

بِقَلبٍ لَهُ بَينَ الضُلوعِ وَجيبُ

إِن كانَ يا لَيلى اِشتِياقي إِلَيكُمُ

ضَلالاً وَفي بُرئي لِأَهلِكِ حوبُ

فَما تُبتُ مِن ذَنبٍ إِذا تُبتُ مِنكُمُ

وَما الناسُ إِلّا مُخطِئٌ وَمُصيبُ

بِنَفسي وَأَهلي مَن إِذا عَرَضوا لَهُ

بِبَعضِ الأَذى لَم يَدرِ كَيفَ يُجيبُ

وَلَم يَعتَذِر عُذرَ البَريءِ وَلَم يَزَل

بِهِ سَكنَةٌ حَتّى يُقالَ مُريبُ

فَلا النَفسُ يُسليها البُعادُ فَتَنثَني

وَلا هِيَ عَمّا لا تَنالُ تَطيبُ

وَكَم زَفرَةٍ لي لَو عَلى البَحرِ أَشرَقَت

لَأَنشَفَهُ حَرٌّ لَها وَلَهيبُ

وَلَو أَنَّ ما بي بِالحَصى فُلِقَ الحَصى

وَبِالريحِ لَم يُسمَع لَهُنَّ هُبوبُ

وَأَلقى مِنَ الحُبِّ المُبَرِّحِ لَوعَةً

لَها بَينَ جِلدي وَالعِظامِ دَبيبُ.

  • قصيدة بانت لبينى:

قال الشاعر:[٥]

بانَت لُبَينى فَهاجَ القَلبُ مَن بانا

وَكانَ ما وَعَدَت مَطلاً وَليّانا

وَأَخلَفَتكَ مُنىً قَد كُنتَ تَأمُلُها

فَأَصبَحَ القَلبُ بَعدَ البَينِ حَيرانا

اللَهُ يَدري وَما يَدري بِهِ أَحَدٌ

ماذا أَجَمجَمُ مِن ذِكراكِ أَحيانا

يا أَكمَلَ الناسِ مِن قَرنٍ إِلى قَدَمٍ

وَأَحسَنَ الناسِ ذا ثَوبٍ وَعُريانا

نِعمَ الضَجيعُ بُعَيدَ النومُ تَجلُبُهُ

إِلَيكَ مُمتَلِئًا نَوماً وَيَقظانا.

المراجع

  1. كريم الربيعي، الغزل العذري حتى نهاية العصر الأموي، صفحة 11. بتصرّف.
  2. سارة عبابسة، بيئات الغزل في العصر الأموي، صفحة 66 – 67. بتصرّف.
  3. “أمن منزل قفر”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2022.
  4. “أرى أهل ليلى”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2022.
  5. “بانت لبينى”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 3/2/2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى