سبب تأليف كتاب الخصائص لابن جني
يتضح من قراءة مقدمة كتاب “الخصائص” الغرض الذي دفع ابن جني وحفزه إلى كتابة هذا النوع البديع من الكتب، ولعلنا نبين ذلك في عدّة نقاط وهي على النحو الآتي:
- كتبه بطلب من أحد أصدقائه الذين يتعلمون منه وينهلون من علمه، وقد بين ذلك فقال: “ثم إن بعض من يعتادني ويُلم لقراءة هذا العلم بي، ممن آنس بصحبته لي، وأرتضي حالي أخذه عني، سأل فأطال المسألة، وأكثر الحفاوة والملاينة، أن أمضي الرأي في إنشاء هذا الكتاب، وأوليه طرفًا من العناية والانصباب، فجمعت بين ما أعتقد”.[١]
- أراد أن ينشأ كتاباً في العربيّة يستوعب أصول النحو والكلام، على طريقة ابن السراج والأخفش، فقد بين أن الكتب التي عملوا عليها لم تحتوي جميع المُارد من أصول النحو والكلام.[١]
- لم يتعرض أحد من الكوفيين والبصريين لكتابة كتاب في أصول النحو على غرار كتب أصول الفقه، فكان ذلك دافعاً يدفعه لكتابة هذا النوع من الكتب، حيث قال: “وذلك أنا لم نر أحدًا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو، على مذهب أصول الكلام والفقه”.[٢]
مقدمة عن الكتاب
يُعتب كتاب الخصائص لابن جني من ألمع الكتب وأكثرها إحاطة وتفرداً في جانب الإلمام بقواعد اللّغة العربية وقوانينها وأسرارها، كما ويتناول الكثير من الوقائع المختلفة مما جعله كتاباً واسع الأفق في جانب القضايا التي تتعلق باللّغة العربية، وقد حظي الكتاب بالاهتمام الكبير منذ نشأته إلى يومنا هذا فقد عني الباحثون بدراسته وشرحه والبحث في أجزائه والإفادة من قوانينه ومعالمه.[٣]
عظم ابن جني الكتاب قبل أن يعظمه غيره ووصفه بأنه أشرف ما صنف، فتجده يقول: “هذا مع إعظامي له، وإعصامي بالأسباب المناطة به، واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب، وأنبهه في طريق القياس والنظر، وأعوده عليه بالحيطة والصون، وآخذه له من حصة التوقير والأون، وأجمعه للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة، من خصائص الحكمة، ونيطت به من علائق الإتقان والصنعة”.[٣]
نبذة عن مادة الكتاب
بدأ ابن جني كتابه بعد المقدمة بالحديث عن الكلام والقول وأصله، ثم عرض إلى تعريف اللغة واشتقاقها، ثم جال في مسألة نشأة اللّغة وأطال النفس في ذلك وذكر فيه أقوال العلماء وأدلتها ورجح فيه قوله، وتحدث في باب المهمل والمستعمل، وتعرض للحديث عن باب العلل وتعارضها، واستحسن الحديث في قضية الاطّراد والشذوذ.[٣]
بالإضافة إلى قضية السماع والقياس والإجماع، وأصل لكل منها وفرع عنها فروعاً، ثم تحدث عن مسألة تعارض السماع والقياس وعن مرجحات كل منهما، وتطرق أيضاً لموضوع كثرة اللهجات وتنوعها وأيّ اللهجات التي يحتج بها، هذه المواضيع وغيرها نبه عليها ابن جني في كتابه وأودع فيها جوهر علمه وفرائد صنعته العربية.[٣]